jo24_banner
jo24_banner

حج سلفي!

ماهر أبو طير
جو 24 : الحج ثلاثة أنواع، مفرد ومتمتع وقارن، وبعض المسلمين اليوم، انتجوا نوعا رابعا جديدا، حج السلفي، ولانقصد السلفية هنا، بل نقصد الاستغراق خلال المناسك بالتقاط الصور عبر الموبايلات تحديدا.
لا يلامُ من يدعو الى منع التصوير في الحرم المكي، ولا في المناسك المقدسة، وقد كان التصوير يتم بشكل قليل سابقا، لكنك ترى بأم عينيك كيف تحول الحرم المكي، الى مدار مضيء من كثرة الفلاشات التي تلمع مع صور السلفي، وغيرها من صور.
افساد روحانية الحج، أمر يتم بوسائل مختلفة، من كثرة الاعداد التي لاتدع لك، فرصة لتدعو او تتحرك على راحتك، والاكتظاظ يؤثر على السكينة، وروحانية الحج.
هذا فوق تحول الحجاج في بعضهم، الى جراد يغزو الاسواق، فتصير رحلة الحج هنا، رحلة تسوق، ويضيع الوقت في ممرات الاسواق، بدلا من استثماره في العبادات، وهي فرصة لاتتكرر لكثيرين.
كنا نرى في الحج، وبعد وصولنا المدينة المنورة، صلى الله على سيدي ساكنها، كيف يهرع الحجاج بالالاف، بعد اول ساعة لشراء الاغطية الصوفية الاسبانية، فترى السيدة قد وضعت فوق رأسها بمهارة تامة، عدة اغطية، ويجر زوجها ما تبقى، باعتبار ان في هذا أجر وثواب؟!.
التكنولوجيا افسدت السكينة في العبادة، والامر ذاته تراه في المسجد، اذ تسمع صوت عشرات الموبايلات اذ تقرع فجأة، وهذه اليسا تصدح، وهناك، هيفا تغني، فأي وقار هذا وأي حياء؟!.
تقلب صفحات التواصل الاجتماعي، فتجد الاف الصور المنثورة للحجاج، تارة عند ختم الجواز، وتارة في الطائرة، ومرات في المدينة، وعند قبر النبي، واحيانا قرب الكعبة، مرات وهو يستغفر، ومرات وهو يدعو.
الحج بات مصوراً، وكأن الرياء هو العنوان، ومسحة التدين التي يراد صبغ الحاج بها، اشهار، في غير محله، ولدى البعض بات الحج مجرد رحلة لتحسين السمعة!.
كنا نرى في مرات اجناس تأتي من ديار بعيدة، يوفرون مالهم طوال ستين عاما، من اجل الحج، واذ يدخلون الحرم المكي، تنهار افئدتهم، من التأثر، وبعضهم لامال معه ليأكل، يمضيها على زمزم والتمر، وما تجود به ايدي المتصدقين.
لكننا العرب اولا، القدوة والانموذج، نفعل العكس، فزيارتنا رحلة، وصورتنا ذكرى، والموقف دعاية وشهرة، والهدية نصر اجتماعي، والصين المستفيد الوحيد من هكذا حجاج.
تفهم ان يلتقط المرء صورة لمرة واحدة، قرب الكعبة، لكنك لاتفهم ان يمضي الحاج وقته وهو يلتقط الصور، وتورم الذات اجتماعيا، مصيبة، فتسأل هل جاء هؤلاء للحج ليستعرضوا تقواهم الالكترونية، ام انهم قدموا لان الحج منة من الله، وفيها فضل عظيم؟!.
غدا عرفة واغلبنا يصوم، ولن يكون غريبا، ان تفيض علينا صور الافطار، وصبيحة العيد تفيض علينا صور الذبائح المقطعة، في مشرق ذبيح، وهكذا تتحول كل عبادة الى صورة للدعاية والتباهي، فلا يكتم المرء منا، شيئا، ويدعه لله فقط، فالمهم ماذا ستقول الخليقة عني، وانا اطوف حول الكعبة؟!.
حج سلفي. يالهذا الزمن الذي تضررت فيه الروحانية، لصالح التكنولوجيا، وتورم كل واحد فينا، حتى بات يظن نفسه نجماً سينمائيا، يتوجب علينا معرفة كل شيء عنه!.
فرق كبير بين الحج لله، والحج لتحسين السمعة في عمر متأخر!

الدستور
تابعو الأردن 24 على google news