jo24_banner
jo24_banner

سيرة القطيع!

حلمي الأسمر
جو 24 : لم يحدث في التاريخ المدون أو غير المدون لسيرة القطيع أنّ تمردًا وقع اثناء توجهه للذبح بهمة وحماس.. وخطى حثيثة ورؤوس محنية، بل على العكس من ذلك، يَجدُ كبشٌ ما وقتا لمغازلة عابورة او ملاطفة نعجة فتية.. ويجد خروفٌ صغير الامرَ مسليا فيتقافز مع اثنين من اقرانه باحتفال ولهو ومتعة مفرطة كأنهم يسيرون الى حفلة، والأنكى من كل ذلك تجد كبشين فارعين عفيين يشتبكان بقرونهم خلافا على نعجة او ضمة عشب، او تنافسا على اظهار مهارتهما في النطح، مع ان الجميع دون استثناء ماضون الى المسلخ، وسيغدون عما قليل كفتة او «سمبوسك» او كبة بطحينة او من دونها، وستزين جماجمهم تلالا من الأرز، او تحشى انوفهم بقرون الفلفل الاخضر في انتظار من يستمتع بغرف أدمغتهم بكفين شرهتين!
سيرة القطيع الأصلي، لا تختلف كثيرا عن سيرة قطعان اخرى تحمل اجهزة الهاتف النقال، وترتدي فساتين باذخة وبذلات متقنة الكوي الى درجة الإبداع، فالجميع بدون استثناء ماضون طوعا او كرها الى المسلخ ذاته، ولا يفكر احد ولو لبرهة بالسكين الملتمعة التي تنتظر بشوق حز رقابهم.. وحتى اذا شذ كبش ما او نعجة عن القطيع، فثمة حراس غلاظ شداد (من قطعان اخرى!) منذورون لاعادة النتوءات والخوارج الى السياق!
وفي موازاة ذلك كله، ثمة «قطعان الكترونية» عملت لمدة مائة عام كاملة على دراسة سيرة قطيع لحس البوظة اياه، ولم تضع دقيقة واحدة طيلة هذه الأعوام، فراكمت علوما واختراعات ذكية مذهلة تديم انشداد القطيع اياه الى مهمته الأساسية في التفكير في كل شيء الا سكين الحز الرهيبة التي تنتظر في المذبح.. انها - أعني القطعان الالكترونية - تقبع هناك في محاريبها المقدسة تصنع اسلحة ومعدات متطورة، وتجترح نظريات وعلوما، وطائرات ومركبات وبشرا آليين، فيما يصر قطيع البوظة على لعقها باستمتاع وشهية منقطعتي النظير، مجتهدا في ان لا تفلت من لسانه النشط حتى ولو نقطة من سيل ذائب على جوانب الفم!
سيرة القطيع!
نقرأها جميعا في المرآة كل صباح، ونشرات الاخبار، وعلى شاشات الاجهزة، وفي سيل السيارات المسرعة، وفي صراع الاكباش شديدة البأس، ونطنطات الخرفان الصغيرة في مشهد مذهل لا يمكن لأحد ان يراه إلا اذا خرج منه!

"الدستور"
تابعو الأردن 24 على google news