2024-04-30 - الثلاثاء
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

هم تجرعوا السم...ونحن من ماتوا!

محمود عطية
جو 24 :

الحديث هنا عن إيران التى إدعى صاحب ثورتها وآيتها العظمى الإمام الخميني منذ زمن بعيد أنه تجرع السم عندما وافق على وقف إطلاق النار بينهم وبين غريمه العراق فى حرب الثماني سنوات الشهيرة , ذلك فى نهاية عقد الثمانينات من القرن المنصرم بالطبع. يومها صدقنا أن العراق قد إنتصر فعليا وعمت الاحتفالات أرجاء البلاد وسادت الأفراح ديار العرب الذين وقف معظمهم مع صدام حسين فى حربه المجيدة تلك وأسموه ونعتوه يومها بحامي البوابة الشرقية الذى أوقف بدوره المد الشيعي بالمنطقة وأفسد على الفرس وأصحاب العمائم فرصتهم وحلمهم فى تصدير الثورة للعالم .

لا تعنيني مآلات الحرب العراقية الايرانية وآثارها أو تداعياتها كثيرا فى هذا المقام, إنما سأنطلق وأقفز الى اليوم الذى تجرع فيه الايرانيون السم حسب إدعائهم لأبدأ حديثي من عنده, لأن فكرة ونواة المشروع الايراني الحقيقي تشكلت وتبلورت يومها وفى لحظتها بالفعل فى تقديري الشخصي, هم تركونا ننتشي بفرحة النصر, بينما هم يغلقون أبوابهم ويجهزون خططهم على جميح المستويات, سواءا السياسية منها أو الإقتصادية , فعملوا وثابروا إبتداءا من حبة القمح وصولا الىالمفاعل النووي! ولا يخفى علي أحد كيف قاوم هذا الكيان جميع العقوبات الدولية ونجح بالصمود أمامها وظل راسخا وقويا؟
فالايرانيون فهموا اللعبة السياسية الدولية مبكرا, وعرفوا أن التحالف مع الغرب نقمة على رؤوس المتحالفين وأن الأجدر هو الوقوف فى وجه الامبريالية ومقاومتها بحكمة , والحكمة بالسياسة تعني الخبث والابتعاد عن المبادئ والقيم فى سبيل تحقيق غايتك وهدفك دائما للأسف! سأذكر لكم ما سمعته من الرئيس اللبناني الأسبق أمين جميل لعله يوضح وجهة نظري بشكل أكبر حين ذكر فى احد اللقاءات التلفزيونية أنه خلال الحرب الأهلية اللبنانية وفى أوج الصراع الدائر بين حزب الكتائب من جانب وقوات منظمة التحرير الفلسطينية بالجانب الآخر, وصلت شحنة أسلحة من اوروبا الشرقية لصالح حزب الكتائب, لكن لسوء حظهم لم يتمكنوا من توفير المال اللزم لاتمام الصفقة حينها, فما كان منهم إلا أنهم أخبروا عدوهم وأطلعوه على الأمر, ما ظنكم يا سادة بما حصل بعدها ؟ تخيلوا أن منظمة التحرير إقتسمت معهم شراء الأسلحة بعد أن وفرت المبلغ اللازم بدورها! هذه القصة تعطيكم تصورا لما يحدث خلف الكواليس وكيف أن الأعداء يتخابرون دائما عندما تلتقى مصالحهم ببساطة.

التمدد وبسط النفوذ والسيطرة هو السمة الاساسية للمشروع الايراني فى منطقتنا, ولا يمكن مواجهته إلا بمشروع مقاوم وذاتي لا يعتمد على الاستقواء بطرف آخر مثل دولة عظمى أو حلف دولي معين, فلا مكان للعاطفة أو الأخلاق فى عالمنا اليوم بكا تأكيد ولن تجد دولة أو نظام يحن عليك ويحميك دون فائدة ترجى له ونفع يعود عليه, وإذا كنت كذلك فأنت مجرد أداة سيتم الاستغناء عنها وإبدالها متى إقتضت المصلحة!

رأينا معظمنا ردود الفعل العالمية على الضربة الايرانية الاخيرة التى وجهت لاسرائيل مؤخرا والتي إعتبرها الكثير منا مجرد تمثيلية وتفاهم ايراني اسرائيلي مسبق يحفظ للايرانيين ماء وجههم خصوصا بعد قصف القنصلية الايرانية فى دمشق ومقتل قائد كبير بفيلق القدس, أعود هنا لاذكركم بحديثي السابق عن صفقة السلاح التي تقاسمها الأعداء سويا من قبل, لتعلموا أن الاحتمالات كلها واردة وان التخابر مستمر, هل يعقل أن فكرت ايران تدمير وإزالة الكيان الصهيوني من الوجود بالفعل كما تروج دائما وهي تعلم جيد أن الترسانة العسكرية الامريكية ستوجه لها باليوم التالي إن هي أقدمت على هذا الامر بحق؟ ومن قبلهم عبد الناصر الذى إستجدى الأمريكان ليمنحوه قروضا لبناء السد العالي, هل صدق بالفعل وأراد إزالة إسرائيل هو الآخر على علمه بأنها بمثابة الإبنة الشرعية للأمريكان؟ هذا لا يعني بالضرورة أنهم أصدقاء وليسوا خصوما حقيقيين, إنما هو تقاطع مصالح أو تباينها لا أكثر ولا أقل, وإذا ما فهمنا الأمور على هذا النحو , لن ترهقنا قنوات الأخبار ومحلليها السياسيين بعدها مطلقا, فنحن نعلم الآن أن الخافي والحاصل هو ما لا نراه أو نسمعه وأن الحديث عن نصرة المظلوم ورفع الظلم هو مجرد شعارات لحشد الأنصار والظهور بصورة بيضاء ناصعة ليس إلا.

عندما أراد جيفارا تحقيق العدالة الإنسانية, حمل بندقيته ومشي بالغابات مع رفاقه يبحث عن الظالمين ليواجههم, لم يكتفي بالشعارات والنظريات أو يخترع مفردات مثل الصبر الاستراتيجي أو الاحتفاظ بحق الرد ونحوه, لم يطلق المسيرات ولم ينتظر معاشرة الحور العين بالجنة, هو آمن بالعدالة لأجلها وذاتها وحسب, بينما نعيش اليوم فى عالم يسحقها ويدمرها كل لحظة وساعة! دمتم

كلمات دلالية :

تابعو الأردن 24 على google news