قرار المحكمة الإدارية العليا بخصوص الحوافز للموظفين
يوما بعد يوم يثبت فرسان العدالة في الاردن أنهم القدوة والأنموذج في النزاهة والموضوعية والشفافية والحياد، وأنهم الركن الأساسي في التحديث والتقدم والإصلاح المنشود، وأنهم صمام الأمان في الدولة والمجتمع؛ لأنهم يزنون العدالة بميزان من ذهب، وظلوا المدافع الأول عن المظلومين، وسنان الرمح في صون وحماية حقوق المواطنين.
تعرض القضاء الأردني على مدى المئوية الأولى لاختبارات عديدة، وتحديات جسيمة، وجميعها أكدت مصداقيته، ونزاهته، وحيادية القائمين عليه وموضوعيتهم. ولا غرابة والحال هذه أن يكون أفضل السبل وأسرعها، وربما آخر الملاذات في معركة مكافحة الفساد أو استعادة ثقة المواطنين بالدولة مؤسساتها. إذ فقدت هذه الثقة نتيجة سياسات وممارسات لا مجال للخوض فيها في هذه العجالة، وإن ما حققه القضاء الأردني عبر مسيرته المئوية من إنجازات جعلت منه تجربة رائدة، ووسمته بسمعة طيبة، وجعلته محل طلب العديد من الدول الشقيقة، فيتم تزويدها بالكوادر المؤهلة والمدربة من قضاة على درجة عالية من الكفاءة والخبرة والهيبة والمكانة ومخافة الله.
لا شك أن السياسة القضائية في الأردن نابعة من حقيقة أن السلطة القضائية هي أحد الأركان الرئيسية في الدولة، وهي سلطة مستقلة لا يجوز تحت أي ظرف كان التدخل فيها، لأن ذلك يمثل مساسا بهيبتها، وتقويضا لاستقلاليتها، وتشكيكا بأحكامها. وقد كانت التوجيهات الملكية، من رأس الدولة ورمز عزتها وحامي قضائها، على الدوام تؤكد الاستقلالية التامة للقضاء بشكل عام، واستقلالية القضاء الإداري بشكل خاص، من أجل تحقيق العدالة بين المتخاصمين، وحماية الموظفين من استبداد السلطة وتجبّرها، فالأمن القضائي جزء أصيل من الأمن الوطني الشامل، الذي لا يتحقق دون استقلال القضاء، وهذا من أهم عوامل توطيد الاستقرار السياسي والاجتماعي، وتحقيق الأمن على مستوى النظام السياسي.
قبل أيام ألغت المحكمة الإدارية العليا قرارا للضمان الاجتماعي يتعلق بالعلاوات والحوافز والمكافات للموظفين والمتقاعدين. إذ لم يكن الضمان يحتسب هذه العلاوات في الراتب التقاعدي، ولم تكن تحسب بمكافأة نهاية الخدمة، وبناء على قرار المحكمة الموقرة يترتب على الضمان الاجتماعي احتساب هذه العلاوات والحوافز وشمولها بالراتب التقاعدي.
إن هذا القرار ينطبق على كافة موظفي الدولة، وحكما سيستفيد منه العاملون في الجامعات، فإنهم يحصلون على حوافز شهرية تسمى عوائد البرامج غير العادية "الموازي"، وتتوافر فيها الشروط العامة للاحتساب المنصوص عليها في منظومة الضمان الاجتماعي من ثبات واستمرارية وشمولية. وربما من المثير للغرابة أنها خاضعة لضريبة الدخل، ولكنها غير خاضعة للراتب التقاعدي، وبهذا فهم شركاء في الغرم وليس في الغنم، وهذا مطلب سبق وطالب فيه العاملون في جامعة اليرموك قبل سنوات، ويمكن في هذا الصدد العودة للرسالة التي وجهت لرئيس الجامعة الدكتور زيدان كفافي حين ذاك، الذي حول الموضوع للدائرة القانونية التي افتت بالإيجاب، وخاطب بعدها الضمان الاجتماعي، ولا أعرف لماذا لم يتم تنفيذ القرار، وخصوصا أن المسالة لا تحتاج إلى تعديل نظام أو إصدار قانون جديد. وكأن تعديل الدستور الأردني أو ميثاق الأمم المتحدة أيسر وأسهل من تعديل نظام رواتب العاملين في جامعة اليرموك، ولنا في علاوة النقل مثال على ذلك، فقد سقطت سهوا ذات مرة عند تعديل النظام، ومضى على الحادثة سبع سنوات تعاقب خلالها على الجامعة أربعة رؤساء، ولم يفلح أي منهم في تحصيل هذا الحق لأعضاء هيئة التدريس في الجامعة حتى اليوم !
وبناء على قرار المحكمة فإن على المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي أن تقوم بدورها القانوني والمتمثل بالسماح لكافة الجامعات الرسمية باتخاذ الإجراءات الكفيلة بإخضاع حوافز الموازي لراتب الضمان الاجتماعي تنفيذا لقرار المحكمة الإدارية العليا دون إبطاء أو مواربة، كما أنه من غير اللائق ومما يجافي الإحساس بالمسؤولية تجاهل أو عدم تنفيذ هذا الحكم القضائي الصادر باسم صاحب الجلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين. وفي حال الامتناع عن ذلك، فإن على المتضررين اللجوء إلى القضاء برفع دعاوى جزائية، وهي الامتناع عن تنفيذ الحكم القضائي وهو ما لا نود الوصول إليه مع مؤسسة أردنية وطنية عريقة هي مؤسسة الضمان الاجتماعي. فحري بالقائمين عليها مراجعة الكتب الصادرة عنهم للجامعات خلال عام ٢٠١٧ التي يطلبون فيها من الجامعات دفع النسبة الخاصة بالموازي لغايات شمولها براتب الضمان الاجتماعي، وكذلك مراجعة النص الجائر الركيك المنعدم الذي أضيف الى التعليمات لديهم لمخالفته دستور الدولة، الذي يستثني الحوافز التي يتقاضاها العاملون في الجامعات من الراتب الخاضع للضمان، في حين تجيز ذات المادة لبقية الموظفين في الدولة احتساب ما يحصلون عليه من حوافز وشمولها بالراتب الخاضع للضمان الاجتماعي. ولا نعلم من كان وراء هذا التعديل الجائر غير الدستوري لتمييزه بين فئة العاملين في الجامعات وغيرهم من أقرانهم في بقية المؤسسات العامة، ولا نعلم كذلك الغاية التي رمى إلى تحقيقها بهذا التمييز الذي يقوض العدالة في دولة العدالة والمؤسسات وسيادة القانون. فهذه جرأة على الحق يجب أن يسأل عنها من كانوا سببا فيها.
ولا يمكن تغافل الحالة التي وصلت إليها الجامعات والعاملون فيها من تردي أوضاعهم المالية، فقد تآكلت رواتبهم بفعل التضخم وغلاء المعيشة وارتفاع الاسعار وعدم حصولهم على علاوات مجزية منذ زمن طويل. وعليه فلابد من استكشاف آليات بديلة وجديدة قابلة للتطبيق لمواجهه التحديات المالية، التي تواجهها الجامعات من أجل الامتثال لهذا القرار القضائي. ونحن على يقين أن إدارات جامعاتنا الرسمية لن تتوانى عن التعاون مع الضمان الاجتماعي في إيجاد حلول مناسبة لسرعة تنفيذ القرار الإداري الحصيف.
وختاما، فإنني من قبل ومن بعد ممن ينادوا باحترام استقلالية القضاء ومكانة القضاة، وبالموازاة، فإنني أطالب باحترام هيبة ومكانة الذين علموهم من معلمين في المدارس، وأساتذة في الجامعات. فالمجتمع الذي لا يحترم القاضي أو معلم المدرسة أو أستاذ الجامعة، ولا يعطي أيا منهم المكانة التي يستحقها لا يمكن أن يتطور أو يستقر أو ينعم بالأمن. وسيكون مصيره الانهيار والخراب والضياع. وللحديث تكملة بحول الله تعالى.
للاطلاع على الرسالة الموجهة لرئيس جامعة اليرموك انقر على الرابط : بني سلامة يخاطب كفافي ازمة نراها ولا نتمناها https://jo24.net/article/347474
** الكاتب استاذ العلوم السياسية في جامعة اليرموك وخبير دولي بدراسات الديمقراطية وحقوق الانسان