المقاومة الشعبية والمقاومة الفردية . . !



المقاومة الشعبية أو حرب العصابات، تلجأ إليها الأمم الضعيفة أو منظمات التحرير الوطنية، ضد عدو محتل أو مستعمر أقوى منها، بغرض طرده واستعادة سيادتها الوطنية وكرامتها. والمقاومة الشعبية هي نشاط عسكري طويل الأمد شرّعته القوانين والأنظمة الدولية، ويجري خفية بين السكان المدنيين. والمقاومة الشعبية هي نقيض للإرهاب الذي ينتهك حقوق الإنسان، ويقوض الأمن والاستقرار في المجتمعات المدنية وتحرّمه الشرائع الدولية.

لقد أثبتت أحداث التاريخ أن الأوطان، التي تُنتهك سيادتها، وتُستباح أراضيها من قبل قوات أجنبية، لا يمكن لها أن تتحرر وتستعيد سيادتها وكرامتها، إلا من خلال مقاومة وطنية جريئة وفعّالة، يمارسها الشعب على أرضه، ضد العدو المحتل أو المستعمر. وهناك الكثير من الأمثلة لعمليات المقاومة الشعبية في العالم التي قاومت المحتلين، واستطاعت بتصميمها وشجاعتها أن تحرر أوطانها، وتحقق استقلالها وسيادتها.

أما بالنسبة لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين، فبعد ما يقارب 30 عاما من عقد اتفاقية أوسلو المشؤومة، بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، والتي وعدت بإقامة دولة فلسطينية خلال بضع سنوات، وما تلاها من مفاوضات سلمية عبثية، فقد وصلت جميعها إلى طريق مسدود، لم يحقق أي مكسب للفلسطينيين. وهكذا لم يعد أمام الفلسطينيين من خيار، سوى اللجوء إلى خيارهم الاستراتيجي الوحيد، وهو الاعتماد على النفس وإشعال فتيل المقاومة الشعبية داخل الأرض المحتلة، كي تأخذ دورها في المقاومة المسلحة ( غير المخترقة ) ضد العدو المحتل.

ومن المُلاحظ أن عمليات المقاومة التي تجري على الأرض الفلسطينية حاليا، والتي يقوم بها شباب صغار السن، لا تمثل المقاومة الشعبية الشاملة، التي يشارك بها أكبر عدد من المقاومين في مختلف المدن والقرى الفلسطينية. صحيح أن هناك مقاومة في قطاع غزة بما يسمى عرين الأسود وكتائب القسّام وسرايا القدس والعديد من الكتائب الأخرى، وفي مدينة جنين ما يسمى بكتائب جنين، وقامت بعمليات مقاومة جريئة ضد العدو لكنها غير كافية. فما يجري على الأرض، يمكن وصفه بِ ( المقاومة الفردية ) حتى وإن جرى بتوجيه من تلك المنظمات.

صحيح أن المقاومة الفردية تزعج العدو وتوقع به بعض الخسائر، ولكنها غير قادرة على تحرير الأرض لأنها فردية العمل. فتحرير الأرض يتطلب استراتيجية شاملة تحدد الخطط والأهداف، وتنفذ عملياتها مهما صغر أو كبر حجمها، بما يتفق والخطة الاستراتيجية الشاملة. إن عمليات المقاومة الفردية التي يضحي خلالها الشباب بأرواحهم - مع التقدير والرحمة لمن استشهد منهم - تشبه لسعات البعوض في جسد فيل ضخم، لكونها تحقق أهدافا محدودة غير مخطط لها.

تلك العمليات الفردية التي ينفذها الشباب صغار السن، بمبادرة منهم أو بتوجيه من منظمات معينة، لا تحقق إلا مكاسب محدودة، في حين يكون رد فعل العدو الإسرائيلي، أكثر ضررا من المكاسب التي تحققت في العمليات الفردية بعدة أضعاف، لاسيما وأن الأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية، تتعاون مع العدو في محاولة إخماد المقاومة، وإلقاء القبض على المقاومين. فتكون النتيجة استشهاد المقاومين ومعهم عددا من المدنيين، وهدم منازل أهاليهم، وتدمير البنية التحتية في المنطقة.

المقاومة الحقيقية التي يجب اتباعها، تتمثل في مقاومة شعبية شاملة ومنظمة، يشارك بها كافة أبناء الشعب الفلسطيني عمليا من الداخل وماديا من الخارج. فيجري تنظيمهم تحت قيادة وطنية سرّية موحدة، بعيدا عن قيادة السلطة الفلسطينية، لتضع الاستراتيجية المطلوبة بهدف تحرير الأرض المحتلة، وليس الجلوس على الكراسي والاستعراض على البساط الأحمر، أو امتلاك الأموال والعقارات في مختلف دول العالم.

وهنا أودّ أن أذكّر بما قاله الثائر الكوبي تشي جيفارا : " إنني أؤمن بأن النضال هو الطريق الوحيد أمام الشعوب الساعية إلى التحرر، ويعتبرني الكثيرون مغامرا. فعلا أنا مغامر لكن من طراز مختلف عن المغامرين، الساعين وراء نزوات فردية عابرة، إذ أنني أضحي بكل شيء من أجل الثورة والنضال ".

كما أذكّر بالوفد الفيتنامي الرباعي، الذي ذهب إلى باريس في أواخر الستينات، للتفاوض مع الأمريكان في إنهاء عمليات المقاومة الناجحة في الحرب الفيتنامية، لكنه رفض ركوب السيارات والفنادق التي أعدتها لهم المخابرات الأمريكية، واستأجروا سيارات على نفقتهم، ثم أقاموا عند طالب فيتنامي في إحدى ضواحي باريس، وحضروا الاجتماعات في الوقت المحدد.

وهنا أرغب أن أتحدث بفكر عسكري، بعيد عن العواطف والمزايدات، التي قد لا تعجب البعض، فأقول لمن يهمهم الأمر من القادة الفلسطينيين : " اتقوا الله بالشباب الفلسطيني الذين يضحون بأرواحهم تحت شعار المقاومة، فنشاهد جنازاتهم محمولة على الأكتاف بين يوم وآخر، بلا نتيجة فعلية تستحق تلك التضحيات.

المطلوب . . هو أن تتوقف عمليات المقاومة الفردية، واستبدالها بمقاومة شعبية فعّالة، تعمل تحت قيادة وطنية موحدة، تضع استراتيجية شاملة لعمليات المقاومة والتحرير، على المديين القريب والبعيد، لتجري جميع العمليات صغيرة وكبيرة على ضوئها، لتصبّ في النهاية في الهدف الاستراتيجي الكبير، وهو تحرير الوطن واستعادة الكرامة.

وبعكس ذلك، سيتواصل تقديم قوافل الشهداء، وتحمّل الخسائر في مختلف المجالات، دون تحقيق أي نتيجة إيجابية تذكر، مع ضياع الهدف الرئيسي للقضية الفلسطينية . . !