عاجل: تقييد الاجازات بدون راتب.. ماذا تريد الحكومات من المغتربين الاردنيين؟



كتب د. محمد أبو غزله * 

كنت قد كتبت في موقع جو24 هذا المنبر الوطني مقالا بعنوان ماذا تريد الحكومة من المغتربين وكانت بتاريخ 30/ 8/ 2020 أي قبل تسلم هذه الحكومة مهامها بشهرين تقريبا، وكان ذلك بسبب التنكيل الذي مورس على المواطنين الأردنيين المغتربين أبان الجائحة، في التضييق عليهم واستنزاف أموالهم لتشغيل فنادق المتنفذين، وغيرها من متطلبات السفر في الوقت التي كانت تستقطب السياح من الدول التي تعاني من الوباء وترتفع فيها حالات الإصابة والوفاة تحت ذريعة السياحة العلاجية وبدون حجر بينما تشترط على الأردنيين الحجر، إلا أن فشل مشروع استقطاب السياح، وسقطت السياحة العلاجية وذهبت الأموال التي صرفت على الاستجمام للأشخاص الذين تم استقدامهم لترويج الأردن.

واليوم تطلع علينا الحكومة الحالية وقبل رحيلها بمخرجات تثقل كاهل الوطن تطل علينا بمخرجات لا تمت إلى ما هدفت إليه الرؤية الاقتصادية2033 في مساري تحديث القطاع الإداري العام والاقتصاد، بل أن هذه المخرجات في هذين المسارين تخالفان التوجهات الملكية في هذه الرؤية، فبعد إطلالة وزير التربية والتعليم المحترم وحديثة السابق والذي اعاده أيضا بالأمس عن دمج وزارتي التربية والتعليم والتعليم العالي والذي لا يمكن تحقيقه، والذي أبدينا وجهة نظرنا في عملية الدمج وضرورة أعادة النظر بها ، لتكون إعادة هيكلية في الوظائف والمسؤوليات وتكامل بالسياسات وليس كما تم طرحة في الاستحداث والدمج والضم والإلغاء، وقد تناول العديد من المختصين هذا الطرح بالدراسة والتحليل وأجمعوا على ضبابية الرؤية بل غيابها عن الهدف الأسمى لعملية الدمج وهو اصلاح وتطوير النظام التعليمي في الأردن بشقيه العام والعالي ، وتعظيم دور مؤسسة التدريب المهني لا إلغائها، وبينت أن هذا المخرج من مخرجات الرؤية الاقتصادية يسير بعكس الرؤية الملكية من التحديث الاقتصادي .

ويطل نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية وزير تحديث القطاع العام للحديث عن مخرج تحديث القطاع العام في مجال نظام إدارة الموارد البشرية، ويتحدث عن الإجازات بدون راتب لموظفي القطاع العام، وعن مبدأ حجز شاغر لمنع هجرة الكفاءات الأردنية إلى الخارج، والذي يسمح للمجازين داخل الأردن بإجازة سنة لتوفيق أوضاعهم، وسنتين للعاملين خارج المملكة، وهذا الطرح يؤكد أن عملية الإجازة بدون راتب لم تعد وهي بحكم الإلغاء، وحتى الإجازة المحددة ستكون مقيدة بصلاحيات الرؤساء المباشرين تحت مسمى المصلحة العام، وهذا يسير أيضا باتجاه معاكس لمخرجات الرؤية الاقتصادية في تسويق والاستفادة من الكفاءات الأردنية الذي يؤكد عليه جلالة الملك عند زيارته للدول المختلفة.

كما أن تبرير وزيرة الشؤون القانونية بأن الإجازة لم تلغى بل سيعاد تنظيميها إلا تخدير للموظفين المغتربين والذي يزيد عددهم عن (300) الف موظف جلهم من قطاعي التعليم والصحة ويسهمون بنسبة عالية تبلغ حوال (11%)من النتاج الإجمالي في رفد الاقتصاد مع إخوانهم المغتربين الأردنيين من غير الموظفين من القطاع العام أي بحوالي(3.5) مليار سنويا حسب إحصائية البنك الدولي الذي نمهد له الطريق لأخذ القروض وتنفيذ إعادة الهيكلة لتنفيذ هذه المشاريع، كما ان هذا التبرير تناسى نسب البطالة التي تحجم جميع الحكومات عن إعلان نسبها الحقيقية والبتي تقدر بحوالي (25 %) إذا لم تكن أكثر، وتصل بين الشباب حسب ما هو معلن لتصل إلى (50%)، نعم لقد جاء تبرير الوزير المحترمة بعد ردود الفعل والسخط على مثل هذه السياسات التدميرية للاقتصاد الأردني الذي بنيت له رؤية شاملة وبتوجيه ملكي، واستخدمت الوزير مصطلح ( إعادة تنظيم) ويندرج تحت مسمى (إعادة تعرفة)، وهو المصطلح الذي تستخدمه الحكومات بدلا من رفع الأسعار الذي يحدث ردة فعل ساخطة شعبية لو استخدم، فكنا نتمنى ان لا تستخدم الوزير هذا النهج الذي اعتدنا عليه من المسؤولين الطارئين والذين يتم انزالهم ببراشوت على الحكومات، وأيضا ليس غريبا على من لم يعمل في القطاع الحكومي كموظف أن يتفنن في طرح الأفكار الهوائية لتطوير العمل العام، فمن يطرح هذه الأفكار ولم يعملوا يوما كموظف بل شغل مباشرة مناصب إدارية عليا أو عمل مع منظمات دولية وتبنته واوصلته ليتبنى تنفيذ أفكارها، والأردن بلد كبير بشعبه وقيادته وصغير بمساحته ولا يخفي على أحد خليفات هؤلاء المخططون والمنتفعون والطارئون الأكاديمية وأجنداتهم الشخصية وخبراتهم الوظيفية، وبالتالي فأنا لا استغرب مثل هذه المخرجات .

وعودة للمبررات المساقة في أن هذا القرار أو التوجه لمنع حجز الشاغر، ومنع هجرة الكفاءات الأردنية إلى الخارج والمحافظة عليها، وبأن نظام الخدمة المدنية الحالي لم يحدد سقفا لها، والتبرير أيضا أن أسباب منحها لم يتم تقيده متناسين أنه تم بالسماح للمرجع المختص الموافقة على ذلك إذا كانت الإجازة داخل المملكة بتمديدها لمدة عام وإذا كانت خارجها بتمديدها لعامين، لكن إلزامهم عند انتهاء المدة بالعودة إلى مراكز عملهم فهذا بحد ذاته يعني إلغاء الاجازة.

ولأن النظام الجديد لم ينشر في تفاصيله، ولكن ما نشر حول دمج وازارتي التربية والتعليم والتعليم العالي، وما صرح به حول الاجازات وتسعيرة الرواتب للوظائف يستدعى الوقوف عنده لعل ذلك يدفع بالمخططين الفضائيين مراجعة خططهم وأفكارهم، خاصة أن النظام الحالي للخدمة المدنية رقم ( 9 ) لسنة 2020 الصادر بمقتضى المادة (120) من الدستور وتعديلاته حتى تاريخ 5/10/2023 وفي الفصل (14) منه قد نظم موضوع تعيين الموظفين بعقود على حساب المشاريع في المادة (60أ) منه بأنه يتم تعيين بدل المعار والمجار وهذا يعني حجز مقعد، وبالتالي فإن مبرر حجز الشاغر غير دقيق لا سيما أن في نفس المادة (د-1) لا تعتبر مدة الإجازة دون راتب وعلاوات خدمة مقبولة للتقاعد أو لاستحقاق الزيادة السنوية أو الترفيع، وحصرت الزيادة والترفيع فقط في حال امضى خدمة فعلية لا تقل مدتها عن عشرة أشهر في السنة التي حصل فيها على الاجازة دون راتب وبالتالي ما الفائدة له بالعودة ، وأيضا ما ورد في المادة (109) على (أ، ب ) و المادة(111أ ) و تعليمات استقطاب واختيار وتعيين الموظفين في الوظائف الحكومية للسنوات (2022-2027) والصادرة بمقتضى المادة (43/ج) من نظام الخدمة المدنية رقم (9) لسنة 2020 وتعديلاتها حتى تاريخ 18/4/2023، وفي المادة (9) (أ، ب) تطلب عند إعداد جدول التشكيلات الوظيفية تزويد ديوان بالشواغر بدل المنفكين عن العمل بسبب الإعارة أو الإجازة بدون راتب وعلاوات لغايات التعيين ، وهذا يؤكد أنه لا يوجد حجز للشاغر وبالتالي فالمبرر غير قائم، وكان من الأجدى أن يتم إعادة النظر في موضوع مدة الاعارة والإبقاء على مدة الاجازة مفتوحة لما سيدر ذلك من دخل على اقتصاد الدولة.

والسؤال الأهم ماذا فعلوا الموظفون أصحاب الكفاءات التي لديكم؟ هل حققوا لنا أي تميز في المؤشرات الدولية في الاقتصاد والتعليم والصحة والتطوير المؤسسي حتى تضعوا لهم نظام يحد من حصولهم على الاجازات بدون راتب وعلاوات، وهل تعتقدون أن الموظفين من أصحاب الكفاءات التي لم تهجر قسرا بقيت في القطاع العام وخاصة التي كانت تعمل في القطاع الصحي المدني والعسكري .فهل فكرت فيهم وكيف يمكن أن تستفيدوا منهم، وذلك بوضع أنظمة لاستقطابهم أو المحافظة عليهم إذا كنتم تعتقدون أنهم من أصحاب الكفاءات وتخافون من هجرتهم ، أم انكم فقط تستهدفون من في الخارج لقطع أرزاقهم والذين اختاروا الغربة رغما عنهم، فأين أنتم ممن تم تهجيرهم واقصاؤهم من الكفاءات للخارج سابقا بسبب سياساتكم؟ وهل فكرتم بإعادة النظر بأبناء البطة البيضاء ممن يعملون في الهيئات المستقلة التي استحدثها لهم ولكم وفكرتم بمساواتهم بمن يعملون في القطاع العام الذي يئن حسب تصريحاتكم من التضخم في الأعداد وفي الوقت نفسه تريدون إعادة من هم في الخارج إليه.

إن وقف أو تنظيم الإجازات بدون راتب للموظفين من القطاع العام حسب توجهاتكم يا سادة هي سياسية تدميرية للاقتصاد الاردني وانتقامية بحقّ الذين يسهمون في تنمية الاقتصاد، وفي تخفيف نسب البطالة والجرائم وفتح الشواغر للشباب؟ هل تعتقدون عند اعادتهم وتركهم للوظائف في الدول التي يعملون فيها أنها ستؤول تلقائيا إلى إخوانهم من أبناء هذا الوطن؟ لتعلموا يا رعاكم الله أن بعد تركهم لوظائفهم في الخارج فإن الوظائف ستذهب لدول أخرى، ولن تعطي للأجيال التي تتخرج الان من الاردن لأنه لا يوجد لها فرص عمل ولا أسواق تستقطعها لأنهم اصبحوا غير منافسين في ظل حاجة الأسواق الخارجية لمهارات لا تعدون الطلبة والموظفين لها إلا إذا كنتم تعتقدون بأن الدول ستقبل منكم اصحاب الكفاءات المتدنية يا عباقرة؟ فما هي المهارات التي ابقيت عليها لدي العاملين في القطاع العام التي يمكن ان تنافس في الخارج في ضوء سياستكم المتلاحقة التي دمرت موظف القطاع العام؟ ام ان قراراتكم هذه لدفع الناس من أصحاب الفرص في الخارج لتقديم استقالاتهم وترك وظائفهم في الأردن أو عودتهم لزيادة نسب البطالة والجرائم وغيرها؟ وخاصة اذا أدركتم أن موظفي القطاع العام الذي يأخذون الإجازات بدون راتب هم من قطاعي التعليم والصحة والذين يشكلون حوالي ٧٥%من موظفي القطاع العام وبالتالي فإن القرار أو التوجه سيضر بهذه الفئات فقط والذي لن يجدوا لهم في الاردن وظائف في ظل ما تم تعيينهم بدلا منهم، وأما ما اعلن عنه في موضوع تحديد الرواتب أعتقد أنه من الأولى أن تعيدوا النظر بسلم رواتب أبناء البطة البيضاء في الهيئات المستقلة، وألا يكون موضوع تحديد تسعير الوظائف هو نسخة لما في الهيئات المستقلة ولوظائف محددة تترك للمرجع المختص تحديدها على معارفة واقاربه وزبائنه ، فإذا سمعتم عن نظام تسعير الوظائف في الدول التي لديها فائض في الأموال والموارد وتعمل على تسعيرة الرواتب فإن هذه الدول زيادة على فائضها المالي لديكم أنظمة تحكم عملها ولا احد يستطيع ان يتجاوزها او يخترقها كما هو معروف لدى غيرها

كُتب على المواطن الأردني العيش في ضنك الحياة لاسيما منذ طفولته وهو في بطن أمه والتي لا يسمع منها إلا لشكوى من ضيق ذات اليد، وعدم الوصول حتى حد الكفاف بسب السياسات الحكومية المتلاحقة وعدم قدرتها على إدارة الشأن العام والتفاعل مع المتغيرات وجل تركيزها على الجباية والتنكيل بالناس، وعليه فالمواطن الأردني الطفل الجنين قد تأثر بالبيئة المحيطة به وشعر وهو في رحم أمه بكل ما يدور حوله من تداعيات الأزمات السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي يختلقها الساسة، والتي أدت لنزوحه الداخلي أو اغترابه وهجرته من الريف أو البادية إلى المدينة أو تهجيره خارج الوطن بدوافع مختلفة منها عن سبل العيش الكريم نتيجة الفقر وقلة الموارد وغياب سياسات التنمية الحقيقية في مجالات الحياة المختلفة

والسؤال الذي ما زال قائما ما ذا تريد الحكومات من الموطن الأردني المغترب؟ الذي أدت سياساتها إلى تهجيره واغترابه، وحرمته من كل حقوقه كمواطن أردني، فلماذا العداء التاريخي للحكومات يا ساسة؟ والسؤال أيضا أيضا ماذا تريد الحكومة من المغتربين ففي الوقت الذي تسخر فيه الحكومة كل السياسات والقرارات الاقتصادية للبقاء في الرابع، وخلقت الأزمات أزمة تلو الأخرى، وأشغلت الشعب في مواضيع عدة ، واصبحنا لا نعيش إلا على القروض ونتغنى بتصنيفات البنك الدولي التي تجر علينا الديون والقروض تلو الأخرى .

وعليه على الحكومة وأجهزتها أن تعود لرشدها، وتعيد التفكر بسياساتها الحالية في مجال إدارة الموارد البشرية، ودمج وزاتي التربية والتعليم والتعليم العالي وغير من المؤسسات، وسياساتها المتعلقة بالمغتربين والتي أصبحت تؤثر في استمرار المغتربين في دول الاغتراب ، وفي استقطاب عمالتها، والتفكير في مصلحة شعبها، وأن تفكر بشكل استراتيجي لتحقيق التنمية المنشودة بسياسات تنمية مستدامة حقيقة ، وتبنى سياسات لإشراك المغتربين واستقطابهم لضمان استمرار التحويلات من خلال التسهيلات والحوافز والامتيازات، والاستفادة من تجارب الدول التي نجحت في دمجهم، وتحملوا مسؤولياتهم تجاه أوطانهم، والتي أسهمت في تقوية وتعزيز علاقة المغتربين بأوطانهم لأن مثل هذه السياسات ستشجعهم على ضخ واستثمار أموالهم في بلدانهم؛ إذ إن التراجع في ذلك يسبب مشاكل اقتصادية واجتماعية أساسية في المجتمع، ولا اعرف كيف لي أن اربط الإشادة اليومية لجلالة الملك بالمواطنين الأردنيين في الداخل والخارج بينما حكومة تعمل على التضيق عليهم بهذه السياسات من قبل جيل من المسؤولين لا يعرفون عن القطاع العام الا رواتب مناصبهم، وأخير فإن المواطن الأردني يا ساسة أكثر الشعوب تعلقًا بوطنه وبأرضه، ومستعد لتحمل مسؤوليته الوطنية بكل ما يملك من النفس ولن يتخلى يوماً عن وطنه على الرغم من هذه السياسات والتي ستكون المسمار الأخير في نعش الاقتصاد الأردني اذا طبقت ، وبالتالي على الحكومة العودة لرشدها ووضع مصلحة الوطن والموظفين كأولوية تسهم في استقطاب المزيد من دعم الأردنيين المغتربين للاقتصاد الوطني.



* خبير تربوي / مدير إدارة التخطيط والبحث التربوي سابقا