واشنطن بوست: كيف تحولت حملة إعلانية لكوكا كولا إلى مصيبة عليها
نشرت صحيفة "واشنطن بوست” تقريراً أعدّه جون هدسون كشف فيه عن محاولات شركة كوكا كولا قمع المقاطعة لمنتجاتها بسبب الحرب في غزة. فيما تحولت المحاولة الفاشلة إلى "حالة دراسية” في فشل مؤسسة تمرير رسائلها للرأي العام.
ففي هذا الصيف، وعندما بدأت مبيعات كوكا كولا بالتراجع في أجزاء من الشرق الأوسط وآسيا، بسبب علاقات الشركة المزعومة مع إسرائيل، بدأت الشركة صاحبة الامتياز بتعبئة وتوزيع كوكا كولا في بنغلاديش حملةً إعلانية عالية الكلفة، وجنّدت فيها نجماً تلفزيونياً معروفاً لعب أدواراً في مسلسلات تلفزيونية وتلفزيون الواقع في جنوب آسيا.
ولعب الممثل شرف أحمد جيبون دور صاحب دكان أكد لزبائنه بأن كوكا كولا ليست منتجاً إسرائيلياً، وأكد على علاقة الشركة مع المجتمعات الإسلامية، وقال لمجموعة من الأولاد: "حتى فلسطين فيها مصنع كوكا”، والذين تخلّوا عن اعتراضاتهم السياسية تجرّعوا قناني من الشراب المحلى بالسكر الكثير. ولكن كانت هناك مشكلة؛ فمصنع كوكا كولا الفلسطيني هو في الحقيقة مصنع تملكه شركة تعبئة إسرائيلية تعمل من داخل مستوطنة في القدس الشرقية، وتعتبر غير شرعية بناءً على القانون الدولي.
وأدّت المزاعم الضالة إلى ردة فعل سلبية مباشرة، بل وغضب من كوكا كولا، والتي سحبت الإعلان من كل شبكات التلفزة وحسابات التواصل الاجتماعي.
وفي أول تعليقات على الجدل، قالت الشركة لصحيفة "واشنطن بوست” إن الحملة الإعلانية كانت خطأ مؤسفاً. وقال سكوت ليث، نائب مدير التخطيط الإستراتيجي العالمي في كوكا كولا: "كماركة عالمية، نعقد شراكات محلية لخدمة المجتمعات المحلية. ونعترف بأن الفيديو الأخير تجاوز الخط، ونعتذر”. و”قد تم حذف الفيديو من كل المنصات”.
وتؤكد هذه الحادثة على محاولة الشركات الأمريكية إبعاد نفسها عن الغضب الواسع من الدعم العسكري الأمريكي والسياسي للهجوم الإسرائيلي ضد غزة.
ومنذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، قتل الجيش الإسرائيلي أكثر من 40,000 فلسطيني، حسب تقديرات وزارة الصحة في غزة، إلى جانب التسبّب بمجاعة وكارثة إنسانية، نظراً للحصار الذي فرضته إسرائيل على غزة.
وعانت الماركات الأمريكية العملاقة، كوكا كولا وماكدونالدز وستارباكس وKFC، من تراجع مبيعاتها في المناطق التي ظهرت فيها حملات مقاطعة مرتبطة بالحرب في غزة. وفي شباط/فبراير، أعلنت ماكدونالدز عن تراجع مبيعاتها بنسبة 4%، بعدما قالت إن مبيعاتها في الشرق الأوسط أسهمت في عدم تحقيق أهداف مواردها في الربعية الرابعة. وفي كانون الثاني/يناير، قالت ستارباكس إن مبيعاتها ربع السنوية جاءت أقل من توقعات وول ستريت بسبب "الرياح المعاكسة”، التي قال الرئيس التنفيذي للشركة، لاكشمان ناراسيمهان، إنها شملت المقاطعة المرتبطة بحرب غزة. وقال عمر البرغوثي، المؤسس المشارك في حملة المقاطعة وسحب الاستثمارات والعقوبات (بي دي أس) إن المقاطعة ضد كوكا كولا جاءت بسبب قرار شركة التعبئة المركزية في إسرائيل العمل من داخل المنطقة الصناعية في مستوطنة عطاروت بالمناطق الفلسطينية المحتلة.
وقال البرغوثي إن محاولة الشركة للترويج لوجود مصنع فلسطيني مزعجة جداً. وأضاف أن الشركة، على ما يبدو "تعتقد أن شعب بنغلاديش، وربما كل المسلمين، ساذجون إلى الحد الذي يجعلهم يصدقون دعايتها الفاشلة، بل وربما البدائية”.
وفي الإعلان، الذي تم تصويره في سوق مزدحمة في بنغلاديش، يتفاخر الممثل، صاحب المتجر، بالجاذبية العالمية التي تتمتع بها شركة كوكا كولا، ويقول إن الشائعات التي تقول إن الصودا تأتي من إسرائيل هي معلومات مضللة. وقال: "اسمعوا يا أولاد، كوكا ليست كلها من "ذلك المكان” وبدون ذكر إسرائيل. وأضاف: "على مدى 138 عاماً مضت، يشرب الناس في 190 دولة الكوكا كولا. يشربونها في تركيا وإسبانيا ودبي. حتى فلسطين لديها مصنع كوكا كولا”، كما يقول.
وأثار الإعلان المضلل ردود فعل سلبية وغاضبة وتداعيات مهنية على الممثل وغيره من الذين شاركوا فيه.
وقالت الكاتبة ومديرة صناعة الفيلم في بنغلاديش سادية إسلام في مقابلة: "لقد زاد وقوداً على المقاطعة، وتلقّى الممثلون الذين شاركوا في الإعلان تهديدات بالموت”.
وأصدر أحد الممثلين، شيمول شارما، اعتذاراً عاماً قال فيه إنه "في المستقبل” لن يقبل إلا مشاريع "تحترم حقوق الإنسان”.
كما أصدر صاحب الدكان في الإعلان، جيبون، بياناً قال فيه إن الإعلانات التجارية "هي جزء” من "عملي المهني” و”لم أدعم إسرائيل بأي حال” و”لن أفعل”.
وقبل بث الإعلان كانت الشركة صاحبة الامتياز في بنغلاديش تعاني من تراجع بنسبة 23% لمبيعاتها، وقامت بوقف الحملة، وأوقفت عرض إعلان آخر تم تصويره من نفس الشركة.
ويقول بول أرغينتي، أستاذ شركات الاتصال بجامعة دارموث إنه فوجئ بالطريقة التي أساءت فيها شركة عالمية مثل كوكا كولا الأمر. وقال: "في مواقف حساسة مثل هذه، يجب أن تكون الحقائق التي تقدمها صحيحة، وأن تكون اتصالاتك دقيقة. ويبدو أنهم اعتقدوا أنهم يستطيعون الإفلات بهذا النوع من الخداع”.
واعترف أرغينتي بالبصمة العالمية للشركة وبنية الشركات المحلية التابعة لها، لكنها ليست مبرأة من إعطاء الخط الأخطر لإعلان يحتوي على حقائق يمكن رفضها بسهولة. وأضاف أرغينتي: "لم تكن شركة كوكا كولا قوية بما يكفي لسحب هذا الإعلان بمجرد رؤيته، وكانت بطيئة للغاية في تقديم اعتذار. هذه خطايا لا ينبغي أن تفوت على شركة مثل كوكا كولا، فهي واحدة من أفضل الشركات في العالم”. ويرى المحللون أن مصيبة الشركة فتحت فرصة أمام المنافسين المحليين في أجزاء من العالم الإسلامي.
وقال بول تودمان، المحلل في شؤون الشرق الأوسط بمركز الدراسات الإستراتيجية والدولية: "يرفض الناس شرب كوكا كولا، وزادت مبيعات ماركات محلية، مثل ماتريكس كولا في الأردن، وكنزة السعودية”. وقال تودمان، الذي زار الشرق الأوسط هذا الصيف: "الناس الذين رأيتهم يشربون كوكا كولا هم السياح فقط”.
ولم تفلت الماركات العالمية، والتي مارست انضباطاً تسويقياً، من المقاطعة، ففي الأردن، قامت المتاجر الكبرى بوضع علامات على المنتجات المحلية للمساعدة في توجيه المقاطعين بعيداً عن العلامات التجارية الأجنبية التي لها علاقات مع إسرائيل. واضطر صاحب امتياز ستاربكس في الشرق الأوسط إلى تسريح 2000 موظف بسبب المقاطعة. وقال تودمان: "لقد رأيت فروع ستاربكس وماكدونالدز فارغة تماماً في المغرب وتونس وعُمان”.
وتتراوح المواقف وراء عمليات المقاطعة من شركة لأخرى، فقد تم استهداف سلسلة مطاعم ماكدونالدز لأن فروعها في إسرائيل دعمت حملة تقديم آلاف الوجبات المجانية للجنود الإسرائيليين.
وتعرضت ستاربكس للهجوم بعدما قامت شركة القهوة العملاقة برفع دعوى ضد اتحاد عمال ستاربكس، وبعد وضع العمال منشور تضامن مع الفلسطينيين في حساب على منصة أكس استخدموا فيه شعار ستاربكس.
وهاجمت المنظمات المؤيدة لإسرائيل، مثل رابطة مكافحة التشهير في أمريكا، بي دي أس، حيث زعمت أنها تهدف إلى محو الدولة اليهودية الوحيدة في العالم كلّه، حسب قول مارينا روزنبرغ، نائبة الرئيس للشؤون الدولية.
إلا أن عمر البرغوثي يرفض هذه الاتهامات، ويقول إن الحملة هي "مسألة مبدئية وإستراتيجية وفعالة”.
وفي النهاية، فأي شركة بعلاقات قوية مع الولايات المتحدة هي عرضة للخطر، وفي ضوء قرار واشنطن تقديم الدعم السياسي لإسرائيل في المحافل الدولية، كما أن غالبية القنابل والذخيرة التي استخدمها الجيش الإسرائيلي في غزة هي أمريكية.
ويعلق تودمان قائلاً: "الكثير من مواطني العالم العربي قد لا تكون لديهم المعلومات المفصلة والدقيقة عن علاقة الشركات مع إسرائيل”، و”بدلاً من ذلك، فالناس يقاطعون الشركات، حسب اعتقادي، لأنها تمثّل الولايات المتحدة، ويعارضون الدعم الأمريكي لإسرائيل”.
(القدس العربي)