البحث العلمي في الاردن : فجوة التميز وأهمية دعم المجلات الوطنية



كتب أ.د. محمد تركي بني سلامة - 

في مقالتي الأخيرة بعنوان "إدارة البحث العلمي في الأردن: بين الفرص الضائعة والحاجة إلى التغيير"، تناولت على عجل بعض التحديات التي تواجه البحث العلمي في الأردن، وأبرزت العقبات التي تمنع هذا المجال من الوصول إلى المستوى المنشود. فعلى الرغم من وجود عدد لا بأس به من المجلات العلمية التي تصدر عن الجامعات الأردنية الرسمية، وعلى الرغم من الدعم المقدم من صندوق البحث العلمي في وزارة التعليم العالي للمجلات الوطنية ، فإن النتائج لم تتبلور بعد إلى المستوى المطلوب على الساحتين الإقليمية والدولية . فلم تظهر معظم المجلات الأردنية كمجلات مصنفة في قواعد البيانات العالمية مثل Scopus و Clarivate وغيرها ، الأمر الذي يعكس وجود فجوة واضحة بين الكم من جهة والجودة في البحث العلمي الأردني من جهة اخرى.

وفي هذا السياق، نجد أن المجال الأكثر تأثراً بشكل سلبي هو مجال البحث في العلوم الإنسانية. فعلى الرغم من وجود أكثر من 25 مجلة علمية تصدرها الجامعات الأردنية الرسمية والخاصة في هذا المجال، إلا أن مجلة "دراسات" الأردنية - حسب ما جاء في مقالنا السابق- هي المجلة الوحيدة المصنفة ضمن Scopus في هذا المجال.

لكن بعد نشر المقال، جاءنا الخبر من أكثر من مصدر حول المجلة الأردنية للغات الحديثة والآداب التي تصدرها جامعة اليرموك، حيث تبين لنا بأن هذه المجلة ليست فقط مصنفة في قاعدة البيانات العالمية Scopus وإنما هي أيضا مصنفة في اعلى فئة وهي Q1. وقد كانت هذه المعلومة مفاجئة بالنسبة لي. فالذي أثار الدهشة عندي أكثر هو أنني أحد أعضاء هيئة التدريس في جامعة اليرموك ولكني لم أكن اعلم قبل اليوم عن هذا الإنجاز الذي لم يُعطَ الاهتمام الإعلامي الذي يستحقه. ففي حين تحرص الجامعة على تسليط الضوء على أخبار أقل أهمية مثل المحاضرات والندوات التي يحضرها اقل من عدد اصابع اليدين ، تم إهمال هذا الإنجاز الذي كان يمكن أن يعزز من سمعة الجامعة والمجلة على المستويين المحلي والدولي. الم يكن من الأهمية بمكان (أنا أسأل) لماذا لا تحظى مثل هذه الإنجازات بالاعتراف والتقدير المناسبين، وأن يتم تكريم الفريق العامل على المجلة بشكل يليق بجهودهم، ما من شأنه أن يدفعهم نحو المزيد من التميز والعطاء، ويساهم في تعزيز مكانة الجامعة الأكاديمية.

إن إدارة الجامعة مدعوة إلى إيلاء المزيد من الاهتمام بمثل هذه النجاحات الحقيقية ،بدلا من التركيز على انشطة عديمة الفائدة والتي تأخذ طابع الاستعراض (show off) في المستقبل، وخاصة فيما يتعلق بتعزيز الروح الإيجابية بين العاملين وتحفيزهم على تحقيق المزيد من الانجاز.

وعلى صعيد آخر لابد من الاعتراف بأن الجامعة قد اتخذت مؤخرا خطوات إيجابية مثل زيادة قيمة المكافآت المالية لحوافز النشر العلمي، إلا أنه ما يزال هناك بعض الجوانب بحاجة إلى تحسين وتطوير. وسأناقش هذه الأمور بمزيد من التفصيل في مقالات قادمة، حيث سأركز على كيفية تحسين التعليمات وضمان تحقيق الأهداف المنشودة.

وأخيرا، أود أن أدعو من هذا المنبر وزارة التعليم العالي إلى تقديم دعم أكبر للمجلات الوطنية المصنفة ضمن قواعد البيانات العالمية مثل Scopus. فلا شك أن هناك تراجع ملحوظ في نسبة النشر في المجلات الوطنية المصنفة إذا لم تجد الدعم المناسب في قادم الأيام. لذلك، أقترح أن تقدم الوزارة حوافز إضافية تشجع الباحثين الأردنيين على النشر في هذه المجلات، وأن تعمل على جذب الباحثين من الخارج للنشر فيها، مما سيساهم في رفع مستوى البحث العلمي وتعزيز مكانة الأردن على الساحة الأكاديمية العالمية.

وفي الختام، أود أن أؤكد على أن البحث العلمي هو الدعامة الأساسية لتقدم الأمم وازدهارها. إن التغلب على العقبات التي تعترض طريق البحث العلمي والعمل الجماعي لتحقيق التميز في مجالات العلم والمعرفة ليس خيارًا بل ضرورة حتمية. فإذا كنا نسعى إلى مستقبل أفضل، ينبغي علينا أن نتعلم من تجارب الدول التي سبقتنا في هذا المجال، حيث يبلغ متوسط الإنفاق العالمي على البحث العلمي 2.7% من الناتج المحلي الإجمالي، بينما يصل في إسرائيل إلى 5.5%. وعلى الرغم من الحصار والعقوبات، تنفق إيران 0.85%، وهو ما يعادل ضعف ما تنفقه الدول العربية مجتمعة، حيث لا يتجاوز الإنفاق على البحث العلمي فيها على 0.41%. علينا أن نقلل من الإنفاق الترفي او على الكماليات، ونزيد من الاستثمار في البحث العلمي لما له من أثر إيجابي يعود بالنفع على الدولة والمجتمع بأسره.