كيف ساهم البودكاست في تغيير حياة النساء؟ تجارب إيجابية من مختلف دول العالم
هل يمكن لبرنامج لا تتجاوز مدته ساعة ونصف الساعة أن يكون سببا في تغيير حياة سيدة؟ أو ربما تغيير حياة أسرة بأكملها؟ بحسب العديد من الأبحاث الحديثة فالإجابة هي نعم، إذ يُنظر الآن إلى برامج "البودكاست" في أنحاء العالم على أنها من محفزات الإبداع والتغيير الإيجابي، خاصة تلك الموجهة إلى المرأة.
وبحسب أبحاث حديثة، فإن هذه البرامج أسهمت في تغيير حياة كثير من النساء في أنحاء العالم إلى الأفضل، خاصة اللائي يمتلكن بالفعل مشاريع شخصية أو عامة، عبر استكشاف موضوعات وقصص مختلفة ودقيقة عن النساء، مثل العنف النفسي من الشريك، وبناء الاتصال بين الرائدات الريفيات، ودعم رائدات الأعمال من الصين إلى الشرق الأوسط، وغير ذلك كثير.
"البودكاست" صار أسلوب حياة!
آية ناصر ربة منزل وأم لـ3 أطفال، تستغل الوقت المخصص لأعمال تنظيف المنزل اليومية في الاستماع إلى مجموعة من برامج البودكاست الموجهة إلى النساء.
وقت ثابت وفائدة ممتدة في تجربة تتحدث عنها إلى "الجزيرة نت" بقولها "كنت في البداية أتابع مقاطع ترفيهية أو ربما مسلسلات فاتتني. لكن قبل مدة وبينما كنت أتجول في قنوات اليوتيوب، وجدت العديد من برامج البودكاست الموجهة إلى المرأة. نفعها يفوق الخيال، أولها كان عن أشكال إفساد الرأسمالية للأسرة، وآخر عن الاستعداد للأمومة، والثالث عن تطوير الذات والتخطيط والذكاء العاطفي وكيفية إدارة المشاعر".
نجح برنامج بودكاست موجه إلى الطبيبات في تأسيس اتحاد للطبيبات في بريطانيا عبر 4 مواسم تضمنت 60 حلقة (شترستوك)
وأضافت "أسئلة كثيرا ما دارت في عقلي، ثم وجدتني أنخرط في متابعة العديد منها، خاصة تلك التي تناقش قضايا دقيقة جدا، مثل معضلة تطوير الذات لدى الأمهات، وحقوق الأطفال والأم، وقد جدت أفكارا وإجابات مقنعة جدا".
كثيرات مثل آية، فبحسب الإحصاءات ينمو سوق البودكاست بسرعة كبيرة، حتى إن من المتوقع أن يتجاوز حجمه 17.5 مليار دولار بحلول عام 2030، مع قرابة 5 ملايين برنامج بودكاست بـ100 لغة حول العالم يستمع إليها نحو 460 مليون مستمع، من بينها 2427 برنامجا عربيا بحسب موقع "البودكاست العربي".
في المملكة المتحدة، نجح برنامج بودكاست موجه إلى الطبيبات، من إنتاج اتحاد للطبيبات في بريطانيا، وعبر 4 مواسم تضمنت إنتاج 60 حلقة مجانية، في إلهام مزيد من الطبيبات لتحسين حياتهن المهنية، ومنحهن الثقة للتقدم في العمل لأدوار قيادية مع الحفاظ على أدوارهن كزوجات وأمهات، وذلك بحسب دراسة أشارت إلى الدور الذي لعبه البودكاست في هذا السياق.
وهي النتيجة ذاتها التي خلصت إليها ورقة بحثية برازيلية أشارت إلى 511 منتجة بث صوتي في البرازيل، استطعن التفاعل مع الأجندة السياسية للبلاد وحقوق الإنسان، كما استطعن رسم خريطة واضحة وفارقة لملامح النساء في البلاد.
مزيد من الدراسات من بلاد مختلفة في العالم تشير إلى الدور القوي للبودكاست من النساء العاملات إلى سيدات الأعمال وحتى الرائدات الريفيات، وهي وجهة نظر يدعمها الدكتور كريم الدمنهوري أستاذ الإعلام الدولي والصحافة بجامعة دنفر الأميركية.
يقول الدكتور الدمنهوري للجزيرة نت "أصبح لبرامج البودكاست دور فعال في تحسين حياة كثيرين، من حيث سهولة الحصول على المعلومة بشكل حواري بسيط وعملي وتسليط الضوء على نماذج ملهمة في الحياة. وهذا ينطبق أيضا على السيدات خاصة مع برامج البودكاست النسائية التي تتناول مواضيع شائكة تخرق الصمت حول بعض القضايا في حياة السيدات. ولكن في الوقت نفسه برامج البودكاست ليست بالقدر نفسه من التوافر في الوطن العربي كأميركا مثلا، ومن ثم فهذه البرامج في المنطقة ما زالت في طورها الأول".
وأضاف "أشهر برامج البودكاست استماعًا بين السيدات في العالم هو (كول هير دادي) الذي تقدمه أليكساندرا كوبر، وأذكره هنا كمثال على نجاح توليفة تناول التابوهات والقضايا الشائكة التي تخص السيدات بشكل فكاهي وعفوي. وهذا القالب تتلخص قوته في تناول المواضيع التي تخص السيدات بصوت السيدات وهو ما يغاير الإعلام التقليدي الذي تعلو فيه أصوات الرجال".
تتعمد الصحافية المصرية نهى لملوم، منتجة بودكاست "أحمر داكن"، تناول مواضيع مسكوت عنها اجتماعيا، وهي أيضا منتجة ومدربة على البودكاست لدى عدد من الجامعات.
تقول لملوم للجزيرة نت "في الأيام الأخيرة أصبح التدوين الصوتي أداة مهمة من أدوات السرد الرقمي لنشر الوعي بين فئات كبيرة من الجيل الحالي، وخاصة بين النساء. إذ يعدّ مصدر إلهام وتحفيز لسهولة الاستماع إليه في أي وقت، فضلا عن تنوع الموضوعات التي يقدمها. فأصبحنا نرى كيف يمكن لحلقة واحدة أن تغيّر فكرًا أو تصحح مفاهيم مغلوطة لدى البعض، بودكاست عن تنمية الذات وريادة الأعمال يسلط الضوء على نماذج نسائية ملهمة في مجالات متعددة بالحياة".
وتضيف "كثيرا ما ترى النساء في ضيوف هذه الحلقات انعكاسا لأنفسهن، خاصة أن البودكاست أتاح الفرصة لشريحة واسعة من أصحاب القصص الملهمة والناجحات للظهور ومشاركة تجاربهن الإنسانية، بعكس وسائل الإعلام التقليدية التي كانت تقتصر إلى حد كبير على عرض حياة المشاهير".
وتشير لملوم إلى أنها أصبحت تسمع عبارات مثل "نستمع إلى أشخاص يشبهوننا يروون تجارب تشبه تلك التي مررنا بها نحن أيضا"، و"هو الأمر الذي يعكس التأثير الكبير الذي خلقه الاستماع للبودكاست، لكونه يعرض قصصًا قريبة من حياتنا"، حسب قولها.
وتضيف "أطلقت خلال جائحة كورونا بودكاست (أحمر داكن)، وهو سلسلة حلقات توثق علاقة النساء بأجسادهن وتسلط الضوء على أهمية نشر الوعي بالصحة النفسية والجسدية التي تحتاجها النساء في مراحل عديدة من حياتهن، حاولت من خلاله كسر الصمت المحيط ببعض المواضيع الاجتماعية، مثل حلقة: عندما زارتنا الدورة الشهرية أول مرة، التي تحدثت فيها عن استقبال أجسادنا لمرحلة البلوغ وكيفية تعامل الأهل معها في المنزل. الحلقة كشفت عن جوانب أخرى من معاناة النساء، وبعض النساء اللاتي استمعن لها أخبرنني أنهن كنّ يستمعن لأصواتهن الداخلية، وأن كل قصة تحتوي على جزء يشبه قصتها".
ثم تتابع "أخبرتني أيضا إحدى صديقاتي أن زوجها استمع معها إلى حلقة اكتئاب ما بعد الولادة، فبدأ يهتم بها أكثر ويبحث عن هذه المرحلة في حياة الأمهات الجدد. كذلك ناقشنا في حلقات أخرى موضوعات مثل وسائل منع الحمل، ولماذا تتحمل النساء وحدهن المسؤولية، خاصة في ظل المخاطر الصحية التي تتعرض لها بعضهن نتيجة استخدام وسائل غير ملائمة، وخصصت أيضا حلقات تشمل رسائل تطلقها النساء للحديث عن مراحل البلوغ والحمل، واضطرابات ما بعد الصدمة، واكتئاب الحمل والولادة، وقصص تحرش آثارها النفسية ما زالت حبيسة بداخلهن".
تقول لملوم إنها في كل مرة تفتتح فيها قصة جديدة تخبرها بطلاتها أنهن شعرن براحة نفسية وتصالحن مع ذواتهن بعد أن أتاح لهن البودكاست الفرصة لتحرير قصصهن المكبوتة.
أما المستمعات، فقد حصلن على جرعة من الحماسة والإلهام، سواء للتعبير عن مشكلاتهن أو لاكتساب خبرات جديدة من خلال التجارب والقصص التي تمت مشاركتها، حسب الصحافية المصرية.
المصدر : الجزيرة