jo24_banner
jo24_banner

ثلج دافئ

ادهم غرايبة
جو 24 : العاصفة "هدى" كانت عاتية حقا. لكنها مرت بسلام و بحد أدنى من الخسائر في دولة كان قدرها أن تولد في النار دون أن تحترق، على حد وصف الزعيم الشهيد وصفي التل، الذي لم يقدر له أن يعيش الى اليوم الذي يرى فيه عواصف من نار تهب طيلة فصول السنة على دول عربية محيطة بنا فيكون قدرنا ان نقبل، برحابة صدر، نتائج تلك العاتيات كنتيجة طبيعية لموقعنا الجغرافي وتكويننا القومي العروبي الجيني برغم سلبيات ذلك.

مرت العاصفة "هدى" بسلام لأن الحكومة قررت، ببساطة، أن تعمل! الجهد الرسمي طيلة أيام العاصفة العاتية يستحق الثناء هذه المره. مؤسسات الدولة إنخرطت في حملة وطنية أروع ما فيها أنها أعادت الدفء للعلاقة مع المواطنيين وأعادت اليهم نظرة الإحترام التي إهتزت في سنوات حقبة رجال "البزنس" الذين أعلنوا العداء للدولة عبر مشاريع الخصخصة التي أفلست الدولة ونكلت بمواطنيها. الجهد التطوعي الشعبي، هو الأخر، إنخرط في حملة الشهامة الوطنية بقدر ما يستطيع، إنما أراد أن يترجم حبه لبلده وتمسكه بدولته بعد أن راعه المشهد من حولنا في سوريا والعراق ومصر.

أثبت إندفاع الأجهزة الرسمية، في طليعتها الجيش والدفاع المدني والأمن العام والبلديات والاشغال العامة والصحة، ان هذه القطاعات هي بؤرة الوطنية الاردنية التي كانت هدفا إستراتيجيا لحملة الخراب الإقتصادي لغايات إضعاف الأردن وتفكيكه والإمعان في إنهاكه لغايات غير بريئة ولا تعني مصلحة شعبة تحديدا.

ثمة عواصف من نار تتشكل من حولنا ليست من مصدر قطبي حتما. إنما تتشكل في طبقات الفساد المالي والسياسي الذي لم يحظَ حتى بمجرد "تكشيرة" من جهات سيادية وأمنية في الوقت الذي تظهر هذه الاجهزة جاهزيتها الدائمة للإعتقال والتضييق على كل وطني شريف. وتتشكل في طبقات دينية طائفية تكفيرية مشبوهة تستفيد من تراكم نتائج نخب الفساد المآساوية التي إستعدت الدور الإجتماعي للحكومات ونظرت للمواطن على أنه زبون تريد أن تكسب منه أكثر ما يمكن. هذه العواصف نستطيع مواجهتها حتما بإعلان واضح وعاجل من المرجعيات السياسية العليا في الاردن يقول فيه كلاما شديد الوضوح بخصوص خطة طوارئ سياسية وادارية ومالية تنهي حالة السقيع في الحياة السياسية الاردنية عبر حكومة وطنية يتاح لها مساحات غير تقليدية للتحرك.

من المؤسف حقا أن الجهات السيادية في الاردن أعفت نفسها من ملاحظات جريئة وغير مسبوقة دفع الحراك الوطني الاردني الذي أطلقته فئات اجتماعية وطنية غير تقليدية، كاللجنة الوطنية العليا للمتقاعدين العسكريين وحركة عمال المياومة وبعض الناشطين اليساريين الوطنيين المستقلين وحراك المعلمين، للتداول ورفع من سقف الخطاب الشعبي وانهمكت تلك الجهات النافذة بتخريب الحراك الوطني عبر عمليات إنزال ودس لفئات سعت للتشويش والتمزيق بدلا من الحوار مع الحراك وتقليب وجهات النظر و التوافق معه على رؤية داخلية. سيما أن هذا الحراك لا غايات شخصية له ولا يقبل بأن يكون قناة عبور لجهات خارجية وتعرف الجهات الأمنية ان جل غاياته إصلاح مسيرة البلد بدون دماء ليكون الأردن نموذجا حقيقيا للربيع العربي فيستفيد النظام و الشعب معا، وهذا ما لم يحدث الى الان للاسف؛ لان النظام -ببساطة- ما زال يستند لرؤية أشخاص وفئات ربما فاسدة لا تعرف حدودا لجشعها ولا تعنيها مصلحة البلد أصلا ويقدم الولاء الأعمى على الكفاءة في إدراة الدولة.

إنحسر الحراك الوطني شكلا بعد أن قدم الإحتفاظ بوطنه على إصلاحها عبر الدم. لانه يدرك أن النموذج السائد حاليا مآساوي ولا يتماشى مع أهدافه النبيلة. النظام بدلا من أن يلتقط اللحظة التاريخية لتجديد نفسة اعتبر ان مآلات الربيع العربي تصب لمصلحته وانه ما من داعي لتقديم مشروع جاد لطالما أن الأنظمة التي خرجت من ابواب الثورات تعود الى الحكم عبر شبابيك الإنتخابات التي تديرها جهات عالمية و يصرف عليها مليارات. مع ان نموذج الربيع الاردني مختلف تماما عما هو عليه في باقي الدول العربية من حيث انه لا يريد اسقاط النظام بل إصلاحه لغايات حساسية وضع الاردن.

إنحسار الحراك الوطني لا يعني أن مطالبه الأساسية -حماية الهوية الوطنية الاردنية والعدالة الاجتماعية المتمثلة بتنمية المحافظات وتمكين القطاع العام ومحاسبة السارقين والشروع بحوار وطني يستهدف دستورا جديدا للبلاد يضمن المشاركة السياسية بشكل جاد- قد الغيت. المطالب ما زالت هي ذاتها و خبو الاصوات امر يبعث على القلق خصوصا ان عقلية الإنتقام بدأت تتفشى وتدفع بكثيرين لقبول خيارات كارثية عبر تنظيمات إجرامية هي لا تمثلهم اصلا لكن ما من خيار سواها تعتاش من وراء إحباط الناس واستبعادهم من المشاركة السياسية والتوغل في الفساد المالي و ابقاء ادارة الدولة بيد ذات الفئات التي تسببت بكل الإنتكاسات التي نشهدها.

في عز العاصفة كانت أجهزة الدولة تعمل بتناسق يستحق التقدير و يبعث على الاعجاب حتى ان الثلوج المتراكمة والبرد الشديد لم يمنعا فرقا أمنية خاصة من مداهمة المجرمين ولم تثنِ الجيش عن التصدي لمحاولة العبث بالامن على الحدود والمستشفيات تعمل بشكل مقبول والجهات المسؤولة عن المياه والكهرباء وصيانة الشوارع تبذل جهدا طيبا في الوقت الذي نشهد فيه منذ سنوات حالة مشبوهة من سوء التنسيق والتشتت وتدني الانتاجية في عز الصيف!

في نهاية المطاف نريد لبلدنا لا أن يبقى فحسب , بل أن يتطور أكثر عبر المصالحة بين مؤسساته الرسمية ومواطنيه وهذا لا يحتاج لأكثر من نوايا طيبة متبوعة بخطوات على الارض تتعلق بحملة استعادة للاموال العامة ومعاقبة كل مستهتر بوظيفته ومراجعة صادقة للوضع المالي العام والتفكير بصيانة سلة العيش للمواطنين وتحسين مستويات الصحة والتعليم والنقل والشروع بحملة تنموية كبرى تستهدف قطاعات حساسة مثل الطاقة والتعدين والمياه, نستطيع عبرها تحرير الاردن من عجزه المالي الدائم والمصطنع اصلا وتشغيل عدد هائل من شبابنا. كي يشرع الاردن، لاحقا، في أخذ مكان مرموق إقليميا ثبت انه يستحقه وأن الدولة الأردنية، بعكس كل الاكاذيب التي احيطت بها، راسخة وقوية ومتماسكة وجذرية.

دعونا، إن كنتم صادقين، نحارب الإرهاب بشكل إستباقي في عمان لا في باريس!
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير