إسرائيل تحاول تهميش دور "نوبل إنرجي"
جو 24 : كتب: وليد خدوري - هناك أزمة كبرى في قطاع الغاز الإسرائيلي، ما سيؤخر تطوير القطاع ويعرقل مشاريع التزويد المحلي والمضي قدماً بمذكرات التفاهم للتصدير للدول المجاورة. فقد حذر المسؤول الحكومي لمكافحة الاحتكارات، ديفيد جيلو، من ان على شركة «نوبل انرجي» الاميركية التخلي عن حقول اكتشفتها في المياه الاسرائيلية الشمالية. والسبب للتحذير الذي صدر في أواخر كانون الأول (ديسمبر) ، هو ان كونسورتيوم «نوبل» والشركات النفطية الاسرائيلية («ديليك» و«افنر أويل» اللتين يملكهما اسحاق تشوفا) اكتشف كل حقول الغاز المتواجدة في المياه الشمالية، اي ان هذه الشركات ستسيطر على سعر الغاز الذي سيغذي محطات الكهرباء، ما يؤدي الى تحكمها بالسعر المحلي للكهرباء. لذا، يقول جيلو، على الشركات المعنية التنازل لشركات دولية أخرى عن بعض الحقول التي تم اكتشافها من اجل كسر هذا الإحتكار.
وتشير لجنة مكافحة الاحتكار الى ان سعر الغاز الذي كانت تشتريه شركة الكهرباء الإسرائيلية من مصر كان نحو 4.75 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية. اما الآن، ومع احتكار نوبل « للامدادات، فان شركة الكهرباء تدفع 5.70 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية.
لافت ان «نوبل» وشركاءها يستكشفون المياه الاسرائيلية منذ العام 2000. ومنحت السلطات الاسرائيلية حق الاستكشاف والتنقيب فقط لشركة «نوبل» وشركائها المحليين. واكتشفت الشركة أكثر من 800 بليون متر مكعبة من الغاز، وهي كمية تفي بالطلب الاسرائيلي الحالي لنحو قرن. وطورت «نوبل» حقل «تامار» فبدأ الانتاج منه للسوق المحلية في ربيع 2013. كما بدأت الشركة تطوير حقل «ليفايثان» الذي تزيد كلفة تطويره في المرحلة الأولى على ستة بلايين دولار. وتوصلت الى توقيع مذكرات تفاهم، بدعم من الولايات المتحدة، مع كل من الأردن ومصر، لتزويدهما بالغاز. لكن لم تتوصل بعد الى توقيع اتفاقات نهائية مع اي من الدولتين.
اقترح جيلو في بادئ الأمر ان تتنازل «نوبل» عن جزء من حصتها في حقل «ليفايثان» العملاق، وعن حقل «كاريش» وهو الحقل الأقرب للمياه اللبنانية، وحقل «حنين» المجاور له. وكما هو متوقع اعترضت الشركة على هذا الاقتراح، ما قد يدفع جيلو، وفق مصادر صحافية اسرائيلية، الى تقديم اقتراح ثانٍ: تنازل «نوبل» عن حقل «تامار» الذي يمد اسرائيل بنصف حاجتها من الغاز، إضافة الى التنازل أيضاً عن حقلي «كاريش» و «حنين» اللذين لم يتم تطويرهما حتى الآن. وعلقت «نوبل» عقودها مع شركة الحفر «اسرايلي شيبيارد»، ما يعني وقف الحفر في حقل «تامار» او تطوير حقل «ليفايثان»، ووقف اي تطوير جديد في المياه الاسرائيلية حتى يصدر قرار نهائي عن السلطات حول قضية الاحتكار.
تجدر الإشارة هنا الى بروز دور الرئيس الأميريكي السابق بيل كلينتون، الذي انتدبته «نوبل» في واشنطن للدفاع عن مصالحها ووجهة نظرها أمام الكونغرس والبيت الابيض (Lobbying). وتشير معلومات بدأت تنشر في وسائل الاعلام، الى ان الرئيس السابق كلينتون حاول ان يتدخل سابقاً لإلغاء لجنة «تسماح» الحكومية التي حاولت إعادة النظر في حصة الحكومة من ريع الغاز. لكن من دون جدوى.
تكمن وجهة النظر الإسرائيلية في ان هذه اللجان الناظمة متواجدة في معظم الدول الغربية. لكن «نوبل» تجيب انه كان على هذه اللجان تبيان وجهات نظرها حول القوانين المرعية قبل توقيع عقود الاكتشاف. ويتضح ان «نوبل» كغيرها من الشركات النفطية كانت رسمت خططها للحصول على أرباح سنوية عالية اي نحو 15 في المئة، لا خفضها الى 5 او 10 كما يحاول بعض الاطراف الاسرائيلية. وتتخوف «أيضاً من توصيات لجان أخرى مستقبلاً، مثل لجنة حماية المستهلك او لجان بيئية تصدر توصيات قد تؤثر على عملياتها وأرباحها.
ما هي تبعات قرار التحذير؟ أولاً، بافتراض ان الحكومة ستجد حلاً يغض النظر عن التحذير، فإن الحصول على حل وسط سيطول بسبب التعقيدات السياسية والقانونية، ما سيعني تعليق العمل لمدة طويلة. وفي كل الأحوال، سيبقى التخوف مهيمناً عند الشركات النفطية الأخرى التي تنوي الاستثمار في غاز اسرائيل. والخوف هو من توصيات هيئات حكومية لتغيير بنود الاتفاقات بعد توقيعها، ناهيك عن مخاوفهم المستمرة من أخطار الأوضاع السياسية في المنطقة. وبالفعل، تفاوضت «نوبل» في السابق مع شركات روسية واسترالية (وودسايد) وايطالية (اديسون) لبيعها جزءاً من حصصها في «ليفايثان». لكن هذه الشركات تخوفت، بخاصة الاسترالية التي كانت مستعدة ان تستثمر نحو بليوني دولار، لكنها انسحبت من المفاوضات خوفاً من دور الهيئات الناظمة. وحاولت «نوبل» ايجاد شريك معها ليساعدها في تمويل عمليات التطوير، نظراً الى مشاكل السيولة المالية التي تعاني منها.
ثانياً، بافتراض ان هناك اصراراً إسرائيلياً على تفكيك حصص «نوبل» في الحقول الغازية التي اكتشفتها، بخاصة الكبرى منها، مثل «تامار» و«ليفايثان»، فهذا يعني تأخر العمل لتطوير الحقلين لسنوات.
ثالثاً: في حال تعليق تطوير الحقلين، هذا سيعني ان اسرائيل ستواجه صعوبة في توفير امدادات غازية كافية للسوق المحلية في الوقت الحاضر، خصوصاً ان الإمدادات الداخلية يؤمنها كلها حقل «تامار». وبالنسبة الى مذكرات التفاهم التي تم التوقيع عليها، هناك امدادات بديلة لمصر، أهمها استيراد الغاز عبر خط انابيب من قبرص او الغاز المسال من الجزائر وروسيا. كما ان الأردن علق توقيع الاتفاق وينظر في امكان الاستيراده بحلول عام 2018 من حقل «غزة مارين» في المياه الفلسطينية مقابل ساحل غزة، في حال تم تطويره، اذ تعطله اسرائيل لحد الآن.
سياسياً، ان تعليق العمل في حقلي «تامار» و «ليفايثان» سيعني توجيه ضربة قاضية لمذكرات التفاهم لتزويد الأردن ومصر بالغاز الاسرائيلي عبر الأنابيب، ما سيقضي على مشروع أميركي لتوثيق العلاقات الاسرائيلية مع الدول العربية المعترفة بإسرائيل من طريق صادرات الغاز. وستكون بالتالي هناك فرصة أوسع كي تستورد الدولتان الغاز من مصادر اخرى.
رابعاً، ان الدول الشرق الأوسطية، التي تأخرت في تطوير مصادرها الغازية، كلبنان مثلاً، ستخسر هذه الفرصة في ولوج الأسواق العربية المتاحة بخاصة مصر لاستيراد الغاز.
* الكاتب العراقي متخصص بشؤون الطاقة
(الحياة)
وتشير لجنة مكافحة الاحتكار الى ان سعر الغاز الذي كانت تشتريه شركة الكهرباء الإسرائيلية من مصر كان نحو 4.75 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية. اما الآن، ومع احتكار نوبل « للامدادات، فان شركة الكهرباء تدفع 5.70 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية.
لافت ان «نوبل» وشركاءها يستكشفون المياه الاسرائيلية منذ العام 2000. ومنحت السلطات الاسرائيلية حق الاستكشاف والتنقيب فقط لشركة «نوبل» وشركائها المحليين. واكتشفت الشركة أكثر من 800 بليون متر مكعبة من الغاز، وهي كمية تفي بالطلب الاسرائيلي الحالي لنحو قرن. وطورت «نوبل» حقل «تامار» فبدأ الانتاج منه للسوق المحلية في ربيع 2013. كما بدأت الشركة تطوير حقل «ليفايثان» الذي تزيد كلفة تطويره في المرحلة الأولى على ستة بلايين دولار. وتوصلت الى توقيع مذكرات تفاهم، بدعم من الولايات المتحدة، مع كل من الأردن ومصر، لتزويدهما بالغاز. لكن لم تتوصل بعد الى توقيع اتفاقات نهائية مع اي من الدولتين.
اقترح جيلو في بادئ الأمر ان تتنازل «نوبل» عن جزء من حصتها في حقل «ليفايثان» العملاق، وعن حقل «كاريش» وهو الحقل الأقرب للمياه اللبنانية، وحقل «حنين» المجاور له. وكما هو متوقع اعترضت الشركة على هذا الاقتراح، ما قد يدفع جيلو، وفق مصادر صحافية اسرائيلية، الى تقديم اقتراح ثانٍ: تنازل «نوبل» عن حقل «تامار» الذي يمد اسرائيل بنصف حاجتها من الغاز، إضافة الى التنازل أيضاً عن حقلي «كاريش» و «حنين» اللذين لم يتم تطويرهما حتى الآن. وعلقت «نوبل» عقودها مع شركة الحفر «اسرايلي شيبيارد»، ما يعني وقف الحفر في حقل «تامار» او تطوير حقل «ليفايثان»، ووقف اي تطوير جديد في المياه الاسرائيلية حتى يصدر قرار نهائي عن السلطات حول قضية الاحتكار.
تجدر الإشارة هنا الى بروز دور الرئيس الأميريكي السابق بيل كلينتون، الذي انتدبته «نوبل» في واشنطن للدفاع عن مصالحها ووجهة نظرها أمام الكونغرس والبيت الابيض (Lobbying). وتشير معلومات بدأت تنشر في وسائل الاعلام، الى ان الرئيس السابق كلينتون حاول ان يتدخل سابقاً لإلغاء لجنة «تسماح» الحكومية التي حاولت إعادة النظر في حصة الحكومة من ريع الغاز. لكن من دون جدوى.
تكمن وجهة النظر الإسرائيلية في ان هذه اللجان الناظمة متواجدة في معظم الدول الغربية. لكن «نوبل» تجيب انه كان على هذه اللجان تبيان وجهات نظرها حول القوانين المرعية قبل توقيع عقود الاكتشاف. ويتضح ان «نوبل» كغيرها من الشركات النفطية كانت رسمت خططها للحصول على أرباح سنوية عالية اي نحو 15 في المئة، لا خفضها الى 5 او 10 كما يحاول بعض الاطراف الاسرائيلية. وتتخوف «أيضاً من توصيات لجان أخرى مستقبلاً، مثل لجنة حماية المستهلك او لجان بيئية تصدر توصيات قد تؤثر على عملياتها وأرباحها.
ما هي تبعات قرار التحذير؟ أولاً، بافتراض ان الحكومة ستجد حلاً يغض النظر عن التحذير، فإن الحصول على حل وسط سيطول بسبب التعقيدات السياسية والقانونية، ما سيعني تعليق العمل لمدة طويلة. وفي كل الأحوال، سيبقى التخوف مهيمناً عند الشركات النفطية الأخرى التي تنوي الاستثمار في غاز اسرائيل. والخوف هو من توصيات هيئات حكومية لتغيير بنود الاتفاقات بعد توقيعها، ناهيك عن مخاوفهم المستمرة من أخطار الأوضاع السياسية في المنطقة. وبالفعل، تفاوضت «نوبل» في السابق مع شركات روسية واسترالية (وودسايد) وايطالية (اديسون) لبيعها جزءاً من حصصها في «ليفايثان». لكن هذه الشركات تخوفت، بخاصة الاسترالية التي كانت مستعدة ان تستثمر نحو بليوني دولار، لكنها انسحبت من المفاوضات خوفاً من دور الهيئات الناظمة. وحاولت «نوبل» ايجاد شريك معها ليساعدها في تمويل عمليات التطوير، نظراً الى مشاكل السيولة المالية التي تعاني منها.
ثانياً، بافتراض ان هناك اصراراً إسرائيلياً على تفكيك حصص «نوبل» في الحقول الغازية التي اكتشفتها، بخاصة الكبرى منها، مثل «تامار» و«ليفايثان»، فهذا يعني تأخر العمل لتطوير الحقلين لسنوات.
ثالثاً: في حال تعليق تطوير الحقلين، هذا سيعني ان اسرائيل ستواجه صعوبة في توفير امدادات غازية كافية للسوق المحلية في الوقت الحاضر، خصوصاً ان الإمدادات الداخلية يؤمنها كلها حقل «تامار». وبالنسبة الى مذكرات التفاهم التي تم التوقيع عليها، هناك امدادات بديلة لمصر، أهمها استيراد الغاز عبر خط انابيب من قبرص او الغاز المسال من الجزائر وروسيا. كما ان الأردن علق توقيع الاتفاق وينظر في امكان الاستيراده بحلول عام 2018 من حقل «غزة مارين» في المياه الفلسطينية مقابل ساحل غزة، في حال تم تطويره، اذ تعطله اسرائيل لحد الآن.
سياسياً، ان تعليق العمل في حقلي «تامار» و «ليفايثان» سيعني توجيه ضربة قاضية لمذكرات التفاهم لتزويد الأردن ومصر بالغاز الاسرائيلي عبر الأنابيب، ما سيقضي على مشروع أميركي لتوثيق العلاقات الاسرائيلية مع الدول العربية المعترفة بإسرائيل من طريق صادرات الغاز. وستكون بالتالي هناك فرصة أوسع كي تستورد الدولتان الغاز من مصادر اخرى.
رابعاً، ان الدول الشرق الأوسطية، التي تأخرت في تطوير مصادرها الغازية، كلبنان مثلاً، ستخسر هذه الفرصة في ولوج الأسواق العربية المتاحة بخاصة مصر لاستيراد الغاز.
* الكاتب العراقي متخصص بشؤون الطاقة
(الحياة)