حسابات الردّ الأردني.. تعويل على حكمة الملك في التصدي لرغبات التحالف
أحمد الحراسيس - حظي الأردن الرسمي منذ اليوم الأول لأسر الطيار البطل، معاذ الكساسبة، باحترام وتقدير الشعب الاردني والعالم أجمع، حيث أثبتت الدولة حرصها على حياة مواطنها الأسير واستعدادها للتنازل في سبيل انقاذ حياته، قبل أن ينال الأسير الشهادة على يد تنظيم داعش الذي قتله بطريقة وحشية.
ذلك القدر من الاحترام تضاعف بعد أن شهد العالم غضبة أردنية -ربما لم يتوقعها البعض- بدأت باعلان القوات المسلحة - الجيش العربي ان "دم الشهيد لن يذهب هدرا"، فكان تنفيذ حكم الاعدام الصادر بحق المجرمين الارهابيين "ساجدة الريشاوي وزياد الكربولي" هو البداية، تبعها ردّ شعبي على محاولات خلق الفتنة في الشارع الأردني تمثّل بمزيد من الاصطفاف خلف القيادة الأردنية والقوات المسلحة..
ولم يتوقف الردّ الأردني عند ذلك الحدّ، بل تخطّاه إلى تنفيذ سلاح الجوّ الملكي غارات مكثفة على أهداف محددة ومنتقاة خاصة بتنظيم داعش، ويبدو أن تلك الغارات كانت بمعزل عن التحالف الدولي لمحاربة التنظيم الإرهابي، فالتحالف لم يشر لتلك الغارات في بياناته الأخيرة. وفي ظلّ كثافة الغارات على مواقع التنظيم، كانت المخاوف من زجّ القوات المسلحة في حرب بريّة قد تُنهك جيشنا الباسل تتصاعد؛ بخاصة في ظل ما أشار إليه منسّق التحالف جون ألن بقوله "إن الوضع في سوريا أصعب منه في العراق، حيث ان التحالف يفتقد شريكا على الأرض في سوريا".
"ألن" كشف أيضا عن اعتزام التحالف التدخل برّا في الحرب ضد داعش، وأشار إلى أن الملك عبدالله الثاني بن الحسين سيكون له أثر كبير في اقرار كيفية المشاركة البرية في الحرب، ولا شكّ أن ذلك -وإن دلّ على أننا صرنا رأس رمح في الحرب- هو اعتراف بحنكة وحكمة القائد الأعلى للقوات المسلحة الأردنية، وهو الحريص كلّ الحرص على جيشنا من التعرض لخطر الإنهاك، وربما يكون قرار الملك منحصرا بين تدريب عناصر من القوات العراقية وإشراف التحالف على عملها، أو استمرار الضربات الجوية على أهداف استراتيجية منتقاة للتنظيم، إضافة إلى ما أشار إليه رئيس الوزراء الأسبق، الجنرال معروف البخيت، من استهداف لرؤوس التنظيم عبر عمليات نوعية كالتي أطاحت بمؤسس التنظيم، أبو مصعب الزرقاوي، عقب تفجيرات عمان 2005.
وبالنظر إلى قول السيناتور الأمريكي، تيم كاين، إن الملك عبدالله كان متأثرا بشكل كبير بمقتل الكساسبة وأن "الولايات المتحدة الأمريكية لا يمكنها أن تلعب دور الشرطي للحفاظ على الأمن في المنطقة.. ويمكن أن تكتفي بتقديم الدعم والإسناد الجوي والتوجيه والتدريب لقوات التحالف"، تزداد مخاوف الأردنيين من النوايا الغربية بتوريط الجيوش العربية في حرب بريّة ستُضعفها وتجعلها في متناول العدوّ الأزلي "اسرائيل"، وهو ما يفرض التفكير بحكمة وعقلانية بعيداً عن أي عواطف قد تجرّنا إلى المجهول.
لا شكّ أن الشارع الأردني عموما يؤمن بوحشية داعش، لكنه حريص على عدم انهاك قواته المسلحة في حرب بريّة غير محسوبة ومدروسة، وبالتأكيد فإن الملك أيضا حريص على جيشنا أكثر ويتمتع بحكمة وحنكة تكفي لقطع الطريق على من يعتقد أن حزن وتأثر القائد الأعلى للقوات المسلحة قد تدفعه للزّج بالجيش في معركة قد يخسر فيها ولو جنديا واحدا..