سوريا والأردن ... من "عروض التعاون" إلــى "الهجـمــات الاســتبـاقـيــة"
عريب الرنتاوي
جو 24 : قلنا بالأمس، أن أطرافاً إقليمية ودولية، سعت وتسعى في توظيف واستثمار “اللحظة الأردنية المشحونة”، وتحدثنا عن عروض وإغراءات لدفع الأردن إلى ما لا يشتهيه، ولا يخدم مصالحه، من خيارات ومواقف، تحت عناوين “الحل الأردني” للازمة السورية أو “الوصاية الانتقالية” على سوريا ... اليوم، سنتطرق للكيفية التي تعاملت بها دمشق مع جريمة إحراق الملازم الطيار معاذ الكساسبة، وثورة الغضب التي اجتاحت الشارع الأردني.
بدأت القصة بالاستنكار والتنديد بالجريمة والمجرمين، وإبداء التعاطف مع الشعب الأردني وأسرة الضحية، ثم انتقلت إلى تقديم عروض التنسيق والتعاون مع عمّان في محاربة الإرهاب، ظنّا من المسؤولين السوريين أن الأردن المكلوم يبحث عن أي وسيلة للانتقام و”تسوية الحساب” مع القتلة والمجرمين.
لكن العرض السوري لم يجد استجابة أردنية، وفي ظني أن ذلك يعود لسببين اثنين: الأول، أن للأردن دائرة من التحالفات الإقليمية والدولية التاريخية، المُؤَسسة لشبكة معقدة من المصالح والحسابات، التي لا يمكن تجاوزها أو القفز من فوق خطوطها ... والثاني، أن الأردن، كما كثير من الدول والأطراف والأفراد، يجد صعوبة فائقة في قبول التعريف السوري لـ “الإرهاب”، فكل من في سوريا والمنطقة والعالم، من خارج دائرة حلفاء النظام، هم إما إرهابيون أو داعمون للإرهاب، وليس في قاموس السياسة السورية معارضة معتدلة أو وطنية، وإلا لما وجدنا لؤي حسين وعبد العزيز الخير ورجاء الناصر في السجون منذ أشهر وبعضهم منذ سنوات.
يبدو أن دمشق، كانت تتطلع لموقف أردني متسق، أو متساوق مع نظرتها هي لهذه الجماعات، تضعها جميعاً في سلة واحدة من دون تمييز بين “داعش” و”نصرة” وكتائب الجيش الحر أو مجموعات مسلحة منشقة أو عشائرية ... وإذا كنّا نتفهم إصرار السوريين على رفض التمييز بين “داعش” والنصرة”، فإن من الصعوبة إقامة تماثل بين جناحي الحركة الجهادية التكفيرية من جهة، وبقية فصائل المعارضة من جهة ثانية، مع أن تكتيكات الحرب والقتال، تسمح أحياناً بإرجاء المعركة مع “النصرة” للتفرغ لمقاتلة “داعش” ... أليس هذا هو التكتيك المعتمد من قبل النظام السوري طوال سنوات الأزمة الأربعة؟ ... الشرح في هذه القضية يطول، بل ويطول جداً، وإذا كان مسموحاً للنظام أن يحيّد هذه الجهة أو يرجئ المعارك مع تلك، لحسابات تكتيكية، فإن من حق غيره أن يفعل ذلك أيضاً.
ردَّ الأردن على العرض السوري، بالتأكيد مجدداً على استمراره في دعم ما أسماه “المعارضة السورية المعتدلة”، وبصرف النظر عن صوابية هذا التكتيك، أو جدواه، ونحن جادلنا منذ أزيد من عامين على فشل خيار الرهان على معارضات معتدلة لأسباب عديدة ليس هنا مجال التوسع في ذكرها، إلا أن ذلك لا يجعل من الأردن دولة حاضنة للإرهاب أو داعمة له، اللهم إلا إذا اخذنا بالتعريف السوري الرسمي للإرهاب، وهو تعريف لا يقبل به أحد على الإطلاق، بمن في ذلك حلفاء النظام، في طهران وموسكو، بدلالة انفتاح هؤلاء على صنوف مختلفة من المعارضات السورية.
على أية حال، لا أحسب أن هذا الأمر وحده، كان السبب الرئيس الكامن وراء الحملة السورية الشرسة على الأردن، والتي انخرط فيها لأول مرة، مسؤولون سوريون رفيعو المستوى، وبلغت حد الإسفاف في صحف بيروت الصديقة للنظام في دمشق... هذه الحملة، تعود في ظني لأسباب تتصل بمعلومات وتقديرات توافرت لدمشق، عن نيّة أطراف عربية فاعلة، خليجية بالأساس، بتصعيد تدخلها في سوريا، وتوسيع نطاق دعمها للمعارضة، من ضمن رؤية تقول: “اليمن مقابل سوريا”، سيما بعد أن نجح الحوثيون في تدمير قلاع نفوذ هذه الدول، وباتوا وحلفاؤهم في المنطقة، قوة ضاربة ومقرره في مساراته ومستقبلاته.
وفي التفاصيل، أن بعض “دول الاعتدال” العربي بدأت تميل للأخذ بنظرية “سوريا أولاً” في الحرب على الإرهاب، مقابل النظرة السائدة “العراق أولاً”، وهي تضع الأزمة في سوريا، كما في اليمن، في سياق صراعها مع محور طهران وحلفائها، وطالما أنها تلقت ضربة قاصمة في اليمن، فلا بد من رد الصاع صاعين في مكان ما، والمكان الوحيد الذي ما زال متاحاً لذلك، هو سوريا على وجه الخصوص.
وفي المعلومات أيضاً، أن فرص إحداث اختراق في مسارات الأزمة السورية لصالح هذه الأطراف كما تراها هي ذاتها، تتعلق حكماً، باستخدام الجبهة الجنوبية مع الأردن،ولقد قرأنا بالأمس مقالات عديدة عن مزايا الأردن والجبهة الأردنية، ومشاريع عن “الحل الأردني للأزمة السورية”... وبرغم أن الأردن، يؤكد صبح مساء على أنه ليس بوارد تغيير مقاربته للحل السياسي للأزمة السورية، وأن كل ما يفعله ميدانياً، لا يتخطى حدود الترتيبات الدفاعية والوقائية على الحدود الشمالية المنفلتة، إلا أن السلطات في دمشق، آثرت على ما يبدو، شن “هجوم استباقي” على الأردن (ومن هم وراء الأردن)، لتحذيره من مغبة الخضوع للضغوط أو الاستجابة لإغراءات هذه الأطراف.
المؤكد أن دمشق تأخذ المعلومات المتسربة عن اتجاهات جديدة في سياسات الرياض وبعض عواصم الخليج على محمل الجد، فهي لم تكتف بشن هجوم إعلامي استباقي وتحذيري على الأردن فحسب، بل وعمدت على تحريك جحافل من قواتها المسلحة، في أوسع هجوم عسكري منسق على الجبهات الجنوبية منذ أكثر من عامين، وبمشاركة معلنة وفاعلة من حزب الله والحرس الثوري الإيراني، أو ما يسمى بـ “محور المقاومة والممانعة”، لقطع الطريق على أية احتمالات من هذا النوع ... وهذا ما يفسر التزامن بين الهجمة الإعلامية السورية الاستباقية على الأردن، والهجوم العسكري الميداني الاستباقي على مثلث درعا – القنيطرة – ريف دمشق الجنوبي.
بدأت القصة بالاستنكار والتنديد بالجريمة والمجرمين، وإبداء التعاطف مع الشعب الأردني وأسرة الضحية، ثم انتقلت إلى تقديم عروض التنسيق والتعاون مع عمّان في محاربة الإرهاب، ظنّا من المسؤولين السوريين أن الأردن المكلوم يبحث عن أي وسيلة للانتقام و”تسوية الحساب” مع القتلة والمجرمين.
لكن العرض السوري لم يجد استجابة أردنية، وفي ظني أن ذلك يعود لسببين اثنين: الأول، أن للأردن دائرة من التحالفات الإقليمية والدولية التاريخية، المُؤَسسة لشبكة معقدة من المصالح والحسابات، التي لا يمكن تجاوزها أو القفز من فوق خطوطها ... والثاني، أن الأردن، كما كثير من الدول والأطراف والأفراد، يجد صعوبة فائقة في قبول التعريف السوري لـ “الإرهاب”، فكل من في سوريا والمنطقة والعالم، من خارج دائرة حلفاء النظام، هم إما إرهابيون أو داعمون للإرهاب، وليس في قاموس السياسة السورية معارضة معتدلة أو وطنية، وإلا لما وجدنا لؤي حسين وعبد العزيز الخير ورجاء الناصر في السجون منذ أشهر وبعضهم منذ سنوات.
يبدو أن دمشق، كانت تتطلع لموقف أردني متسق، أو متساوق مع نظرتها هي لهذه الجماعات، تضعها جميعاً في سلة واحدة من دون تمييز بين “داعش” و”نصرة” وكتائب الجيش الحر أو مجموعات مسلحة منشقة أو عشائرية ... وإذا كنّا نتفهم إصرار السوريين على رفض التمييز بين “داعش” والنصرة”، فإن من الصعوبة إقامة تماثل بين جناحي الحركة الجهادية التكفيرية من جهة، وبقية فصائل المعارضة من جهة ثانية، مع أن تكتيكات الحرب والقتال، تسمح أحياناً بإرجاء المعركة مع “النصرة” للتفرغ لمقاتلة “داعش” ... أليس هذا هو التكتيك المعتمد من قبل النظام السوري طوال سنوات الأزمة الأربعة؟ ... الشرح في هذه القضية يطول، بل ويطول جداً، وإذا كان مسموحاً للنظام أن يحيّد هذه الجهة أو يرجئ المعارك مع تلك، لحسابات تكتيكية، فإن من حق غيره أن يفعل ذلك أيضاً.
ردَّ الأردن على العرض السوري، بالتأكيد مجدداً على استمراره في دعم ما أسماه “المعارضة السورية المعتدلة”، وبصرف النظر عن صوابية هذا التكتيك، أو جدواه، ونحن جادلنا منذ أزيد من عامين على فشل خيار الرهان على معارضات معتدلة لأسباب عديدة ليس هنا مجال التوسع في ذكرها، إلا أن ذلك لا يجعل من الأردن دولة حاضنة للإرهاب أو داعمة له، اللهم إلا إذا اخذنا بالتعريف السوري الرسمي للإرهاب، وهو تعريف لا يقبل به أحد على الإطلاق، بمن في ذلك حلفاء النظام، في طهران وموسكو، بدلالة انفتاح هؤلاء على صنوف مختلفة من المعارضات السورية.
على أية حال، لا أحسب أن هذا الأمر وحده، كان السبب الرئيس الكامن وراء الحملة السورية الشرسة على الأردن، والتي انخرط فيها لأول مرة، مسؤولون سوريون رفيعو المستوى، وبلغت حد الإسفاف في صحف بيروت الصديقة للنظام في دمشق... هذه الحملة، تعود في ظني لأسباب تتصل بمعلومات وتقديرات توافرت لدمشق، عن نيّة أطراف عربية فاعلة، خليجية بالأساس، بتصعيد تدخلها في سوريا، وتوسيع نطاق دعمها للمعارضة، من ضمن رؤية تقول: “اليمن مقابل سوريا”، سيما بعد أن نجح الحوثيون في تدمير قلاع نفوذ هذه الدول، وباتوا وحلفاؤهم في المنطقة، قوة ضاربة ومقرره في مساراته ومستقبلاته.
وفي التفاصيل، أن بعض “دول الاعتدال” العربي بدأت تميل للأخذ بنظرية “سوريا أولاً” في الحرب على الإرهاب، مقابل النظرة السائدة “العراق أولاً”، وهي تضع الأزمة في سوريا، كما في اليمن، في سياق صراعها مع محور طهران وحلفائها، وطالما أنها تلقت ضربة قاصمة في اليمن، فلا بد من رد الصاع صاعين في مكان ما، والمكان الوحيد الذي ما زال متاحاً لذلك، هو سوريا على وجه الخصوص.
وفي المعلومات أيضاً، أن فرص إحداث اختراق في مسارات الأزمة السورية لصالح هذه الأطراف كما تراها هي ذاتها، تتعلق حكماً، باستخدام الجبهة الجنوبية مع الأردن،ولقد قرأنا بالأمس مقالات عديدة عن مزايا الأردن والجبهة الأردنية، ومشاريع عن “الحل الأردني للأزمة السورية”... وبرغم أن الأردن، يؤكد صبح مساء على أنه ليس بوارد تغيير مقاربته للحل السياسي للأزمة السورية، وأن كل ما يفعله ميدانياً، لا يتخطى حدود الترتيبات الدفاعية والوقائية على الحدود الشمالية المنفلتة، إلا أن السلطات في دمشق، آثرت على ما يبدو، شن “هجوم استباقي” على الأردن (ومن هم وراء الأردن)، لتحذيره من مغبة الخضوع للضغوط أو الاستجابة لإغراءات هذه الأطراف.
المؤكد أن دمشق تأخذ المعلومات المتسربة عن اتجاهات جديدة في سياسات الرياض وبعض عواصم الخليج على محمل الجد، فهي لم تكتف بشن هجوم إعلامي استباقي وتحذيري على الأردن فحسب، بل وعمدت على تحريك جحافل من قواتها المسلحة، في أوسع هجوم عسكري منسق على الجبهات الجنوبية منذ أكثر من عامين، وبمشاركة معلنة وفاعلة من حزب الله والحرس الثوري الإيراني، أو ما يسمى بـ “محور المقاومة والممانعة”، لقطع الطريق على أية احتمالات من هذا النوع ... وهذا ما يفسر التزامن بين الهجمة الإعلامية السورية الاستباقية على الأردن، والهجوم العسكري الميداني الاستباقي على مثلث درعا – القنيطرة – ريف دمشق الجنوبي.