العام والخاص في «أزمة الجماعة»
عريب الرنتاوي
جو 24 : يمكن النظر للأزمة الداخلية التي يعيشها “إخوان” الأردن، حزباً وجماعة، بوصفها جزءاً من الأزمة العامة التي تمر بها “الجماعة الأم”، وتحديداً بعد الإطاحة بحكمها في مصر في الثالث من يوليو 2013 ... لكن للأزمة وجوه أخرى، محلية بامتياز، وتخص الجماعة الأردنية وحدها، وهي ما سنوليه في مقالتنا هذه، الاهتمام الخاص.
لكننا قبل الشروع في طرح أسئلة الأزمة وما نراه عوامل تظافرت في تشكيلها، نجادل بأن هناك أزمة، بخلاف ما يصدر بين الحين والآخر من مواقف رسمية معلنة لقادتها، يجاهد أصحابها في التقليل من أهميتها ودلالاتها، أو ربما ينكرون وجودها بالكامل، ويؤثرون الحديث عن خلافات وتباينات في الرأي ... ولا نريد أن نصل إلى الخلاصات “المتطيّرة” النابعة من موقع “الشماتة” و”التشفي” التي تصدر عن بعض “كتاب الزوايا والتكايا”، فننعى الجماعة قبل وفاتها بل وتهيل عليها التراب.
ماذا نعني بالأزمة ابتداءً؟ ... الأزمة هي لحظة التفارق بين الهياكل والأطر والآليات التنظيمية والإدارية والقضائية الحزبية من جهة وحالة التعدد في المواقف والآراء واصطراع التيارات الحزبية الداخلية من جهة أخرى ... فعندما تعجز الأولى عن استيعاب الثانية، وعندما تخفق “الحياة الحزبية الداخلية” في إدارة الاختلاف والتباين واحتوائه وتنظيمه، يكون التنظيم، أي تنظيم، قد بلغ ضفاف الأزمة، والتي غالباً ما تأخذ أشكالاً مختلفة، منها على سبيل الحصر: حالة الشلل التي تصيب التنظيم نظراً لغرقه في مشكلاته الداخلي ... ومنها حالة النزف في الكوادر والقيادات التي تشعر أنها مهمّشة أو في موقع “الأقلية” المُحبطة ... وصولاً إلى الانشقاقات العامودية والأفقية التي يتسع حجمها ويضيق، وما ينطبق على الإخوان، انطبق على مختلف الأحزاب والتيارات السياسية والفكرية الأردنية والعربية.
خلال السنوات الفائتة، خَبِرت الجماعة مختلف الأشكال والمظاهر سابقة الذكر، في تشخيص الأزمة ... “نزفت” العديد من قيادات الصف الأول، وتعرضت لانشقاقات سابقة، وهي تمر اليوم بحالة تنذر بانشقاقات لاحقة، وليست “مبادرة زمزم” أو حركة “التيار الإصلاحي” المهدد بقرارات الفصل الجماعية، سوى بعض مظاهر هذه الأزمة، التي تنعكس من دون شك، على قدرة الجماعة على الحركة والحشد والتأثير والاضطلاع بدورها في الشأن العام.
أما في الحديث عن الأسباب والعوامل التي تظافرت في تشكيل أزمة الجماعة، فيمكن التوقف عند بعضٍ من أهمها، ولا أقول جميعها ... منها أن الجماعة تواجه “أزمة هوية”، فلا يكفي القول بأنها جماعة إسلامية، حتى تنجح في حسم مسألة “الهوية”، فالحركات الإسلامية بعمومها تواجه ثنائية “الوطني/ القومي” و”الأممي / العالمي”، وفي الحالة الأردنية الخاصة، تبدو أزمة الهوية أكثر تعقيداً، فليس صدفة على الإطلاق، أن يكون معظم إن لم نقل جميع، المتسربين من الجماعة والمنشقين عليها، والمطاردين بقراراتها، سابقاً ولاحقاً، من “لون منابتي” واحد، لكأن الجماعة التي نجحت في اختبار “الوحدة الوطنية”، تبدو اليوم على شفا الوقوع ضحيةًللانقسام.
إن أزمة الهوية التي تضرب في الجماعة، ليست أمراً ترفياً، ولا خلافاً حول “جنس الملائكة”، بل هي التوطئة الضرورية لحسم خيارات الجماعة وبرنامجها وأولوياتها وأساليب عملها، وهذا كان على الدوام، محركاً رئيساً من محركات الخلاف الداخلي بين الجماعة وكثيرين من الخارجين منها أوعليها.
والجماعة، قصّرت في تطوير خطابها الفكري – السياسي .... فهي أخفقت وتخفق في فصل الدعوي عن السياسي، بخلاف التجارب الناجحة في تركيا والمغرب وتونس ... وهي ما زالت تتشبث بثنائية الحزب والجماعة دون أن ترسم بدقة التخوم الفاصلة بينهما تنظيمياً ووظيفياً ... والجماعة ما زالت في خطابها السياسي والفكري، تقف على مسافة من ظاهرة “الإسلام المدني – الديمقراطي” التي انتعشت في تركيا زمن صعود العدالة والتنمية، وأعطت أكلها في تونس والمغرب عشية الربيع العربي وفي سياقاته، وكانت سبباً في نجح التجربة هناك، وإخفاقها في مصر والمشرق العربي.
ومسألة “الخطاب الإسلامي المدني – الديمقراطي”، ليست بدورها ترفاً فكرياً كذلك، يمكن الترفع عنه أو وضعه بعيداً على الأرفف العالية ... إنها مسألة جوهرية تكاد تقترب من أن تكون مسألة حياة أو موت بالنسبة لكل الأحزاب والتيارات، وبالأخص الدينية منها... إذ من دون تبني قيم الديمقراطية وتأصيلها وتجذيرها وإشاعتها، من دون إعادة تقديم منظومة حقوق الإنسان بمرجعية إسلامية منفتحة على المنجز الإنساني المعاصر، من دون “نظرية في الحكم”، تتطابق مع العصر والحداثة، من دون موقف غير متلعثم من الحركات الإرهابية، يصعب على الجماعة كسب المؤيدين من خارج “مدرستها” ... والأهم، أنه سيصبح متعذراً عليها الاحتفاظ بوحدتها الداخلية، وإقناع الاتجاهات الشبابية والأكثر انفتاحاً من بين صفوفها، وهذا ما يفسر حالة التراشق بالاتهامات والدفوعات التي تعيشها الحركة في العلن، والأهم داخل الغرف المغلقة.
لا ندري كيف ستجتاز الجماعة هذا “القطوع”، وكيف ستخرج من آخر أزماتها، بل وربما أخطر أزمة تتعرض لها ... لكننا واثقين من أنها ستظل باقية كلاعب رئيس على الساحة، أما السؤال عمّا إذا كانت “ستتمدد” أم لا، فهو في علم الغيب.
من منظورنا نحن، الذين نزعم بأننا جزء من جبهة الإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي في البلاد، نتمنى أن تخرج الجماعة من هذه “المعمعة” موحدة ... ففي ذلك جملة من المصالح والمنافع، منها إن حفظ وحدة الجماعة من شأنه الإسهام في تعزيز الوحدة الوطنية، فالجماعة كما قلنا، من بين مؤسسات قليلة، غير حكومية، تشكل في مبناها تجسيداً للوحدة الوطنية ... أما من منظور الإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي، وبالقياس على تجارب سابقة، فإن الخارجين منها أو عليها، لم يكتب لهم عادة “البقاء والتمدد”، ولم ينجحوا في خلق “معادل موضوعي” لها ... ومن منظور الأمن والاستقرار، فإن خروج التيارات والرموز الإصلاحية من الجماعة، من شأنه تغذية اتجاهات التشدد والتطرف في أوساط من يتبقى فيها وهذا آخر ما نحتاجه، خصوصاً في هذه المرحلة الصعبة بالذات.
لكننا قبل الشروع في طرح أسئلة الأزمة وما نراه عوامل تظافرت في تشكيلها، نجادل بأن هناك أزمة، بخلاف ما يصدر بين الحين والآخر من مواقف رسمية معلنة لقادتها، يجاهد أصحابها في التقليل من أهميتها ودلالاتها، أو ربما ينكرون وجودها بالكامل، ويؤثرون الحديث عن خلافات وتباينات في الرأي ... ولا نريد أن نصل إلى الخلاصات “المتطيّرة” النابعة من موقع “الشماتة” و”التشفي” التي تصدر عن بعض “كتاب الزوايا والتكايا”، فننعى الجماعة قبل وفاتها بل وتهيل عليها التراب.
ماذا نعني بالأزمة ابتداءً؟ ... الأزمة هي لحظة التفارق بين الهياكل والأطر والآليات التنظيمية والإدارية والقضائية الحزبية من جهة وحالة التعدد في المواقف والآراء واصطراع التيارات الحزبية الداخلية من جهة أخرى ... فعندما تعجز الأولى عن استيعاب الثانية، وعندما تخفق “الحياة الحزبية الداخلية” في إدارة الاختلاف والتباين واحتوائه وتنظيمه، يكون التنظيم، أي تنظيم، قد بلغ ضفاف الأزمة، والتي غالباً ما تأخذ أشكالاً مختلفة، منها على سبيل الحصر: حالة الشلل التي تصيب التنظيم نظراً لغرقه في مشكلاته الداخلي ... ومنها حالة النزف في الكوادر والقيادات التي تشعر أنها مهمّشة أو في موقع “الأقلية” المُحبطة ... وصولاً إلى الانشقاقات العامودية والأفقية التي يتسع حجمها ويضيق، وما ينطبق على الإخوان، انطبق على مختلف الأحزاب والتيارات السياسية والفكرية الأردنية والعربية.
خلال السنوات الفائتة، خَبِرت الجماعة مختلف الأشكال والمظاهر سابقة الذكر، في تشخيص الأزمة ... “نزفت” العديد من قيادات الصف الأول، وتعرضت لانشقاقات سابقة، وهي تمر اليوم بحالة تنذر بانشقاقات لاحقة، وليست “مبادرة زمزم” أو حركة “التيار الإصلاحي” المهدد بقرارات الفصل الجماعية، سوى بعض مظاهر هذه الأزمة، التي تنعكس من دون شك، على قدرة الجماعة على الحركة والحشد والتأثير والاضطلاع بدورها في الشأن العام.
أما في الحديث عن الأسباب والعوامل التي تظافرت في تشكيل أزمة الجماعة، فيمكن التوقف عند بعضٍ من أهمها، ولا أقول جميعها ... منها أن الجماعة تواجه “أزمة هوية”، فلا يكفي القول بأنها جماعة إسلامية، حتى تنجح في حسم مسألة “الهوية”، فالحركات الإسلامية بعمومها تواجه ثنائية “الوطني/ القومي” و”الأممي / العالمي”، وفي الحالة الأردنية الخاصة، تبدو أزمة الهوية أكثر تعقيداً، فليس صدفة على الإطلاق، أن يكون معظم إن لم نقل جميع، المتسربين من الجماعة والمنشقين عليها، والمطاردين بقراراتها، سابقاً ولاحقاً، من “لون منابتي” واحد، لكأن الجماعة التي نجحت في اختبار “الوحدة الوطنية”، تبدو اليوم على شفا الوقوع ضحيةًللانقسام.
إن أزمة الهوية التي تضرب في الجماعة، ليست أمراً ترفياً، ولا خلافاً حول “جنس الملائكة”، بل هي التوطئة الضرورية لحسم خيارات الجماعة وبرنامجها وأولوياتها وأساليب عملها، وهذا كان على الدوام، محركاً رئيساً من محركات الخلاف الداخلي بين الجماعة وكثيرين من الخارجين منها أوعليها.
والجماعة، قصّرت في تطوير خطابها الفكري – السياسي .... فهي أخفقت وتخفق في فصل الدعوي عن السياسي، بخلاف التجارب الناجحة في تركيا والمغرب وتونس ... وهي ما زالت تتشبث بثنائية الحزب والجماعة دون أن ترسم بدقة التخوم الفاصلة بينهما تنظيمياً ووظيفياً ... والجماعة ما زالت في خطابها السياسي والفكري، تقف على مسافة من ظاهرة “الإسلام المدني – الديمقراطي” التي انتعشت في تركيا زمن صعود العدالة والتنمية، وأعطت أكلها في تونس والمغرب عشية الربيع العربي وفي سياقاته، وكانت سبباً في نجح التجربة هناك، وإخفاقها في مصر والمشرق العربي.
ومسألة “الخطاب الإسلامي المدني – الديمقراطي”، ليست بدورها ترفاً فكرياً كذلك، يمكن الترفع عنه أو وضعه بعيداً على الأرفف العالية ... إنها مسألة جوهرية تكاد تقترب من أن تكون مسألة حياة أو موت بالنسبة لكل الأحزاب والتيارات، وبالأخص الدينية منها... إذ من دون تبني قيم الديمقراطية وتأصيلها وتجذيرها وإشاعتها، من دون إعادة تقديم منظومة حقوق الإنسان بمرجعية إسلامية منفتحة على المنجز الإنساني المعاصر، من دون “نظرية في الحكم”، تتطابق مع العصر والحداثة، من دون موقف غير متلعثم من الحركات الإرهابية، يصعب على الجماعة كسب المؤيدين من خارج “مدرستها” ... والأهم، أنه سيصبح متعذراً عليها الاحتفاظ بوحدتها الداخلية، وإقناع الاتجاهات الشبابية والأكثر انفتاحاً من بين صفوفها، وهذا ما يفسر حالة التراشق بالاتهامات والدفوعات التي تعيشها الحركة في العلن، والأهم داخل الغرف المغلقة.
لا ندري كيف ستجتاز الجماعة هذا “القطوع”، وكيف ستخرج من آخر أزماتها، بل وربما أخطر أزمة تتعرض لها ... لكننا واثقين من أنها ستظل باقية كلاعب رئيس على الساحة، أما السؤال عمّا إذا كانت “ستتمدد” أم لا، فهو في علم الغيب.
من منظورنا نحن، الذين نزعم بأننا جزء من جبهة الإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي في البلاد، نتمنى أن تخرج الجماعة من هذه “المعمعة” موحدة ... ففي ذلك جملة من المصالح والمنافع، منها إن حفظ وحدة الجماعة من شأنه الإسهام في تعزيز الوحدة الوطنية، فالجماعة كما قلنا، من بين مؤسسات قليلة، غير حكومية، تشكل في مبناها تجسيداً للوحدة الوطنية ... أما من منظور الإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي، وبالقياس على تجارب سابقة، فإن الخارجين منها أو عليها، لم يكتب لهم عادة “البقاء والتمدد”، ولم ينجحوا في خلق “معادل موضوعي” لها ... ومن منظور الأمن والاستقرار، فإن خروج التيارات والرموز الإصلاحية من الجماعة، من شأنه تغذية اتجاهات التشدد والتطرف في أوساط من يتبقى فيها وهذا آخر ما نحتاجه، خصوصاً في هذه المرحلة الصعبة بالذات.