تخمينات أردنية على وقع البركان المجاور
جو 24 : د. موسى برهومة - على وقع التداعيات المتسارعة على الحدود الشمالية لمملكتها، تنشغل النخب الأردنية بما يمكن وصفه بـ «لعبة التخمين» في مآلات قانون الانتخاب الذي صادق الملك عبدالله الثاني على التعديل الطفيف الذي أجراه البرلمان عليه الشهر الماضي.
بيد أن ذلك التعديل «الهامشي» لم يقلل قيد أنملة من اندفاع التيار الذي يدعو لمقاطعة الانتخابات المقبلة ترشيحاً وانتخاباً، بل وتسجيلاً، إذ إن المقاطعة في ازدياد مطَّرد، ما يضع المشروع الإصلاحي الذي دعا إليه الملك في مأزق صعب. ويذهب المخمّنون، المعطوفة توقعاتهم على مقدار عال من التمني، إلى أن الملك لا بد سيدعو بعد عيد الفطر، إلى دورة استثنائية للبرلمان من أجل إجراء التعديل الثاني على قانون الانتخاب، والمتمثل في إضافة صوت ثان إلى الدائرة المحلية، بحيث يكون للدائرة صوتان لا صوت واحد، كما الحال في القانون الراهن. ويعوّل هؤلاء على ذلك من قبيل تفادي «الارتطام بالحائط»، وتمكين أوسع قطاع من القوى السياسية والاجتماعية من المشاركة في الانتخابات المقبلة. ويذهب هؤلاء إلى أن الخروج من «كارثة» المقاطعة لا يتحقق إلا بإضافة صوت آخر للدائرة المحلية، بحيث تنقطع الصلات كلها مع قانون الصوت الواحد الذي يرون بأنه جزّأ المجتمع، وأنهك قواه، وغذّى النزعات العشائرية والإثنية والفئوية. ويتكئ المخمّنون المتفائلون في توقعاتهم إمكانية إجراء تعديل جديد على القانون، إضافة إلى ما تسرّب من إشارات ملكية، على لقاء في منزل السياسي المخضرم مروان دودين مطلع رمضان، أوحى عدم وصول الملك إلى طريق اللاعودة عن القانون الانتخابي الحالي.
على الضفة الأخرى، ثمة تيار حكومي أمني يقوده رئيس الحكومة فايز الطراونة، يشدد على أن الانتخابات ستجرى وفق القانون الحالي الذي لن يطرأ عليه أي تعديل. ويبدو التشديد المتكرر من قبل الرئيس على هذا الأمر بمثابة «استعراض عضلات» -كما وصفته الحركة الإسلامية- لقدرة الرئيس على تمرير قانون الانتخاب حتى لو لم يحقق الهدف المنشود منه، وهو المشاركة الواسعة التي تدفع عملية الإصلاح إلى الأمام.
الحكومة وبعض أركان الحكم ممن يتبنّون هذا الموقف، يسعون إلى توسيع دائرة المشاركة في الانتخابات المقبلة، وثني المقاطعين أو المترددين في المشاركة عن قرارهم، بحيث تتم هذه العملية بأدوات تقليدية عتيقة، من خلال لقاء وجهاء التجمعات الشعبية ومخاتير المخيمات الفلسطينية، في حين يصف معارضون هذا التصرف بأنه أقرب إلى محاولات «دونكيشوت»، الذي يصارع بسيفه الخشبي طواحين الهواء.
وتتوارى في غضون هذا الجدل الساخن مخاوفُ وهواجسُ من مآلات الانتخابات في حال أجريت على قانون انتخاب معدّل، وتتصل تلك المخاوف بوصول مكونين أساسيين في المجتمع، هما الحركة الإسلامية والأردنيون من أصل فلسطيني، إلى سدة البرلمان على نحو «يخلخل» المعادلة الديموغرافية في البلد.
ولعل هذا الاستنتاج الأخير هو ما دفع «طبّاخي النظام» لتفصيل قانون يحول دون تحقق هذا التحوّل «الانقلابي» في المعادلة السياسية في الأردن، في حين يرى كثيرون أن مقتل المشروع الإصلاحي الذي يقوده الملك يمكن أن يأتي من استشراء هذه المخاوف التي تأبى الاعتراف بفكرة المواطَنة والعدالة الاجتماعية، كما ترفض الانصياع لما تفضي إليه نتائج صناديق الاقتراع في إطار اللعبة الديموقراطية التي تبني معيار التداول السلمي للسلطة، والمشاركة الشعبية الواسعة في صناعة القرار. وكلما تصاعدت رقعة العنف في الجارة الشمالية، وتوافد اللاجئون السوريون الهاربون من جحيم الحكم الأسدي، أضحى الحديث عن مآلات المستقبل مشحوناً بالتوتر والقلق. وثمة من يراهن على أن يكون غليان الملف السوري وتسارع أحداثه، طوقَ النجاة للحكم في الأردن للهروب إلى الأمام، وتأجيل الاستحقاقات السياسية المستعصية!
عن "الحياة" اللندنية
بيد أن ذلك التعديل «الهامشي» لم يقلل قيد أنملة من اندفاع التيار الذي يدعو لمقاطعة الانتخابات المقبلة ترشيحاً وانتخاباً، بل وتسجيلاً، إذ إن المقاطعة في ازدياد مطَّرد، ما يضع المشروع الإصلاحي الذي دعا إليه الملك في مأزق صعب. ويذهب المخمّنون، المعطوفة توقعاتهم على مقدار عال من التمني، إلى أن الملك لا بد سيدعو بعد عيد الفطر، إلى دورة استثنائية للبرلمان من أجل إجراء التعديل الثاني على قانون الانتخاب، والمتمثل في إضافة صوت ثان إلى الدائرة المحلية، بحيث يكون للدائرة صوتان لا صوت واحد، كما الحال في القانون الراهن. ويعوّل هؤلاء على ذلك من قبيل تفادي «الارتطام بالحائط»، وتمكين أوسع قطاع من القوى السياسية والاجتماعية من المشاركة في الانتخابات المقبلة. ويذهب هؤلاء إلى أن الخروج من «كارثة» المقاطعة لا يتحقق إلا بإضافة صوت آخر للدائرة المحلية، بحيث تنقطع الصلات كلها مع قانون الصوت الواحد الذي يرون بأنه جزّأ المجتمع، وأنهك قواه، وغذّى النزعات العشائرية والإثنية والفئوية. ويتكئ المخمّنون المتفائلون في توقعاتهم إمكانية إجراء تعديل جديد على القانون، إضافة إلى ما تسرّب من إشارات ملكية، على لقاء في منزل السياسي المخضرم مروان دودين مطلع رمضان، أوحى عدم وصول الملك إلى طريق اللاعودة عن القانون الانتخابي الحالي.
على الضفة الأخرى، ثمة تيار حكومي أمني يقوده رئيس الحكومة فايز الطراونة، يشدد على أن الانتخابات ستجرى وفق القانون الحالي الذي لن يطرأ عليه أي تعديل. ويبدو التشديد المتكرر من قبل الرئيس على هذا الأمر بمثابة «استعراض عضلات» -كما وصفته الحركة الإسلامية- لقدرة الرئيس على تمرير قانون الانتخاب حتى لو لم يحقق الهدف المنشود منه، وهو المشاركة الواسعة التي تدفع عملية الإصلاح إلى الأمام.
الحكومة وبعض أركان الحكم ممن يتبنّون هذا الموقف، يسعون إلى توسيع دائرة المشاركة في الانتخابات المقبلة، وثني المقاطعين أو المترددين في المشاركة عن قرارهم، بحيث تتم هذه العملية بأدوات تقليدية عتيقة، من خلال لقاء وجهاء التجمعات الشعبية ومخاتير المخيمات الفلسطينية، في حين يصف معارضون هذا التصرف بأنه أقرب إلى محاولات «دونكيشوت»، الذي يصارع بسيفه الخشبي طواحين الهواء.
وتتوارى في غضون هذا الجدل الساخن مخاوفُ وهواجسُ من مآلات الانتخابات في حال أجريت على قانون انتخاب معدّل، وتتصل تلك المخاوف بوصول مكونين أساسيين في المجتمع، هما الحركة الإسلامية والأردنيون من أصل فلسطيني، إلى سدة البرلمان على نحو «يخلخل» المعادلة الديموغرافية في البلد.
ولعل هذا الاستنتاج الأخير هو ما دفع «طبّاخي النظام» لتفصيل قانون يحول دون تحقق هذا التحوّل «الانقلابي» في المعادلة السياسية في الأردن، في حين يرى كثيرون أن مقتل المشروع الإصلاحي الذي يقوده الملك يمكن أن يأتي من استشراء هذه المخاوف التي تأبى الاعتراف بفكرة المواطَنة والعدالة الاجتماعية، كما ترفض الانصياع لما تفضي إليه نتائج صناديق الاقتراع في إطار اللعبة الديموقراطية التي تبني معيار التداول السلمي للسلطة، والمشاركة الشعبية الواسعة في صناعة القرار. وكلما تصاعدت رقعة العنف في الجارة الشمالية، وتوافد اللاجئون السوريون الهاربون من جحيم الحكم الأسدي، أضحى الحديث عن مآلات المستقبل مشحوناً بالتوتر والقلق. وثمة من يراهن على أن يكون غليان الملف السوري وتسارع أحداثه، طوقَ النجاة للحكم في الأردن للهروب إلى الأمام، وتأجيل الاستحقاقات السياسية المستعصية!
عن "الحياة" اللندنية