الاعتقال الإداري يهدد الصحفيين بفلسطين
يدفع الصحفيون الفلسطينيون ثمن ما تخطه أيديهم وتصوره كاميراتهم وتصدح به حناجرهم ضريبة للمحتل الإسرائيلي الذي ما انفك ينغص عليهم حياتهم بكل الأشكال، عبر ملاحقتهم والاعتداء عليهم تارة واعتقالهم واحتجازهم ومنعهم من عملهم تارة أخرى.
ويظهر هذا التنغيص أكثر باعتقال الاحتلال للصحفيين، حيث يقبع حاليا سبعة صحفيين في السجون الإسرائيلية لا يواجهون أحكاما منبثقة عن تهم واضحة، وإنما يعتقلون إداريا في إطار اتهامات تعرف بـ"الملف السري".
ويعد الاعتقال الإداري لهؤلاء الصحفيين، كما يقول الصحفي المحرر نواف العامر الذي أفرج عنه قبل عدة أيام بعد 13 شهرا من الاعتقال الإداري، عقابا جماعيا الصحفيين، خاصة أن عمليات اعتقالهم تصاعدت في الآونة الأخيرة.
إعلام ملاحق
وأضاف العامر، الذي يعمل منسقا لقسم البرامج في فضائية القدس، للجزيرة نت أن العمل الإعلامي ملاحق إسرائيليا، ويوضح أن القاضي بالمحكمة الإسرائيلية كان يخبره -عندما كان يتوجه للاستئناف على قرار تجديد الاعتقال- بأن عمله الإعلامي "ليس بريئا" ويتهم الجهات التي أعمل بها بأنها "حزبية وعدائية".
وما يؤكد هذا أن الاحتلال اعتقل عشرات بل مئات الصحفيين إداريا دون محاكمة أو إيضاح التهم الموجهة لهم.
وأضاف العامر أنه أخبر القاضي استعداده بالاعتراف بالملف السري كاملا وبما يوجه إليه من تهم، "على أن يفتح هذا الملف وأحاكم على أساسه، لكن القاضي رفض، وقال إن المواد الموجودة لا تكفي لمحاكمتك، وهي عبارة عن استنتاجات لجهاز المخابرات الإسرائيلية".
ويعيش الصحفيون الذين يعتقلون إداريا وضعا نفسيا صعبا نتيجة لعدم معرفتهم بحقيقة التهم الموجهة إليهم أو وجود دلائل تشير إلى تورطهم أو ممارساتهم نشاطات يرى الاحتلال أنها مخالفة للأمن.
قرار مخابراتي
كما لا يعرفون تاريخ الإفراج عنهم ويتجدد اعتقالهم بشكل متكرر ويعرضون على محاكم عسكرية ليس للقاضي شأن بها، إذ "القرار للمخابرات".
أما الأسير الصحفي والباحث الإعلامي أمين أبو وردة المعتقل منذ نحو ثمانية أشهر، فقد مكث أكثر من أربعين يوما أثناء التحقيق في مركز بتاح تكفا الإسرائيلي، وكانت مساءلته "حول عمله الصحفي البحت".
وعلمت الجزيرة نت من مصادر مقربة للصحفي أبو وردة أن المحققين أحضروا له تقارير وأخبارا صحفية من إعداده كان يجمعونها له على مدى سنين مضت، واتخذوا منها حجة لمعاقبته، رغم أنها معلومات تتداول كثيرا بين الصحفيين ووسائل الإعلام المختلفة، "كتلك التي تتحدث عن وجود قاذورات في طعام الأسرى في السجون ومراكز التحقيق".
انعدام التضامن
وبصورة عامة يستهجن الصحفيون الفلسطينيون المعتقلون صمت المؤسسات الدولية الحقوقية منها والإنسانية حيال قضيتهم، مؤكدين أن هذه المؤسسات تتحدث عن الصحفيين المعتقلين دوما بشكل نمطي وروتيني ودون خطوات عملية لمقاضاة الاحتلال بالمحاكم الدولية، أو الضغط على إسرائيل لوقف الاعتقال بحقهم ووقف العمل بقانون الاعتقال الإداري أصلا.
وطالبوا بريطانيا بصفتها من سن هذا القانون إبان الانتداب على فلسطين بوقفه والضغط على إسرائيل من أجل ذلك.
من جهته رأى شعوان جبارين رئيس مؤسسة الحق الحقوقية التي تهتم بشؤون الأسرى أنه لا يوجد تقصير من المؤسسات الحقوقية حيال قضية الأسرى الصحفيين، وأن ما يكون هو اهتمام بقضية الاعتقال الإداري بشكل عام.
وأضاف للجزيرة نت أن المشكلة قد تكمن في عدم تحدثهم عن المعتقلين وفقا لمهنهم أو طبيعة عملهم وإنما عن المعتقلين إداريا بشكل عام، مشيرا إلى أنه لا يمكن تناول قضايا هذا الاعتقال كأن يتم تناول قضايا الأطباء المعتقلين إداريا وحدها والصحفيين والسياسيين كذلك، مؤكدا أن "الاعتقال الإداري بشكل عام يعد اعتقالا تعسفيا".
وأوضح أنهم أطلقوا حملة واسعة ولاقت آذانا دولية صاغية من المؤسسات والدول حول رفض سياسة الاعتقال الإداري، موضحين أن الاتحاد الأوروبي والبرلمان الأوروبي والمفوض السامي لحقوق الإنسان وأكثر من 39 منظمة حقوقية فرنسية كانوا من أهم المتضامنين مع القضية.
كما رأى موسى الريماوي مدير المركز الفلسطيني للتنمية والحريات الإعلامية (مدى) أن اعتقال الصحفيين تعسفيا يقصد به "معاقبة الأسير وجهة عمله"، ودعا إلى تحرك أوسع من المجتمع الدولي للضغط على حكومة الاحتلال لوقف الاعتداءات والانتهاكات التي يتعرض لها الصحفيون.
ومنذ اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000 اعتقل الاحتلال أكثر من مائة صحفي، وطالت اعتداءات المئات منهم، وحسب مركز مدى فإنه في السنوات العشر الماضية قتل عشرون صحفيا. الجزيرة