قوى سياسية ترى في مقاطعة الانتخابات موقفا مشروعا وتستغرب وصفها بـ"مخالفة الدستور"
كتب هديل غبون - يستغرب مراقبون وسياسيون من تصنيف الداعين إلى مقاطعة الانتخابات النيابية المقبلة بالمخالفين للدستور الأردني، في وقت تؤكد فيه جميع الأعراف الانتخابية على أحقية تبني دعوات للمقاطعة وحملاتها كموقف سياسي مواز للمشاركة في الانتخابات.
تصريحات رئيس الوزراء فايز الطراونة حول مخالفة الداعين للمقاطعة للدستور حملت بعدا سياسيا غير موضوعي، بحسب مراقبين، دعوا من جهتهم الحكومة إلى "تدشين حملة حوار جدية" مع الداعين للمقاطعة بدلا من "تدشين حملات لمهاجمتها".
ويستنكر المراقبون مجددا، أي مساع حكومية "للانزلاق" نحو التصادم مع القوى السياسية "وإقصائها"، خاصة مع رصد مواقف لقوى سياسية راغبة بالمشاركة، ذهبت للتريث في إعلان المشاركة أملا في تحسين المناخ السياسي "غير التوافقي". مخاوف السياسيين والحزبيين من "تشويه" الجهات الرسمية لدعوات المقاطعة مقابل "الترويج للمشاركة"، تستحضر أيضا المشهد السياسي الذي رافق موسم انتخابات 2010، الذي قدم الانتخابات بصورة مشرقة وإعلان نسب تصويت إجمالية تجاوزت الـ50 %، رغم أن حقيقة النتائج أظهرت نسبا لافتة في المقاطعة داخل المدن الرئيسية، مقابل تصويت على الأطراف بدوافع "اجتماعية" لن تحقق "الغاية المرجوة" من الانتخابات المقبلة، حال تكرارها، كما يرى مراقبون. ويقف المراقبون أمام مرحلة مهمة من العملية الانتخابية بدأت أمس بالتسجيل لها؛ حيث لم تعتبر قوى سياسية التسجيل مؤشرا على أي من حجم المشاركة أو المقاطعة، وإن كانت تمنح بعض المؤشرات الأولية لذلك، ذاهبين بالقول إلى أن "التسجيل حق دستوري" لكنه لا يعني المشاركة في التصويت.
لكن تدني نسبة التسجيل، كما يرى محللون، من شأنها أن تحسم معيارا رئيسيا من معايير العملية الانتخابية، محذرين في الوقت ذاته من "الخروج بأرقام صادمة" خلال عملية التسجيل لا تخدم العملية الانتخابية في هذه المرحلة الحساسة، خاصة وأن اليوم اﻷول من التسجيل شهد بعض الأخطاء غير المتوقعة.
ومن هنا، يشدد مراقبون على ضرورة "استدراك" الحالة السياسية الراهنة والخروج من عنق الزجاجة وإحداث حالة انفراج، بالذهاب إلى طاولة الحوار مع القوى السياسية المقاطعة والملوحة بالمقاطعة، في وقت تخشى فيه "قوى سياسية" أعلنت مشاركتها "من فشلها" في النجاح بالوصول إلى البرلمان على ضوء القانون الحالي.
المحلل السياسي وعضو اللجنة التنفيذية في الجبهة الوطنية للإصلاح لبيب قمحاوي أكد على أهمية التفات الحكومة للمرحلة الحالية وﻷجواء المقاطعة التي "تخيم على توجهات القوى السياسية وحتى الشعبية" .
ويرجح القمحاوي أن تتبنى "الجبهة" حملة مقاطعة للانتخابات في ظل اﻷجواء السائدة، لافتا في الوقت ذاته إلى أن "التوجه العام داخل الجبهة هو مقاطعة التسجيل للانتخابات".
الموقف اﻷقرب الى المقاطعة أو التريث، لا ينحصر بين صفوف المعارضة والأحزاب القومية واليسارية حتى الآن، وهو ما يشير إليه اﻷمين العام لحزب الجبهة اﻷردنية الموحدة أمجد المجالي، بالقول إنه "لا ضير من التسجيل للانتخابات، لكن الحزب لم يحسم مشاركته"، معربا عن أمله بتدخل ملكي.
واتفق معه الحزب الوطني الدستوري، على لسان أمينه العام أحمد الشناق، الذي لفت إلى أن الحزب يسعى إلى عقد ملتقى وطني لمناقشة قانون الانتخاب وحزمة من مطالب الإصلاح برعاية مستويات القرار قبل الذهاب إلى الانتخابات.
وقد تبدو القوى المستقلة أكثر مرونة تجاه العملية الانتخابية، إلا أن رئيس اللجنة التوجيهية للتجمع الحر الوزير اﻷسبق أحمد مساعدة يؤكد أن "الإصرار على إجراء الانتخابات على أساس النظام الانتخابي الحالي سيدخل البلاد في حالة استقطاب عميق قد تكون لها تداعيات سلبية على مجمل العملية الإصلاحية والعمل السياسي في المملكة يصعب تجاوزها مستقبلاً".
ويذهب المساعدة بالإشارة إلى أن التجمع الحر "يفضل من جهته" مقاطعة الانتخابات النيابية المقبلة، بدلا من تكريس نظام الصوت الواحد لنحو 80 % من مقاعد مجلس النواب فضلا عن قائمة عامة جرى تحويرها للالتفاف عن أن تكون قائمة حزبية سياسية على حد تعبيره، معتبرا ان ذلك لن يقود الى اصلاحات جوهرية وسيعيد صناعة ذات المشهد النيابي والسياسي الحاليين.
كما أن الأجدى سياسيا، بحسب المساعدة، هو معارضة القانون من خلال مقاطعة الانتخاب، في الوقت الذي يحمل فيه التجمع مشروعا وطنيا إصلاحيا أردنيا عنوانه الدولة المدنية والمواطنة وتداول السلطة بين حكومات حزبية تتمتع بأغلبية برلمانية مسيسة، وهو ما يتعارض مع النظام الانتخابي الحالي.
أما في الشق المتعلق "بالتشكيك في موقف المقاطعة"، فيؤكد المساعدة أن الاجتهاد القانوني والسياسي في الدول المتقدمة استقر على أن مقاطعة الانتخابات العامة هو تعبير عن موقف سياسي رافض لمسألة متعلقة بتلك الانتخابات، وأن المقاطعة تعتبر ممارسة سياسية سليمة تهدف بالمحصلة إلى التأثير في كتلة الناخبين للعزوف عن المشاركة في الانتخابات وإفشالها لتثبيت موقف سياسي معين".
ويقول المساعدة "تعتبر مقاطعة الانتخابات ممارسة لحق قانوني عادة ما تكفله الأنظمة الدستورية والقوانين والمواثيق الدولية، وقد استقر على سبيل المثال القانون العام الانجلوسكسوني على قانونية مقاطعة الانتخابات.. وفي الأردن تكفل المادة 15 من الدستور الاردني حرية الرأي.. وتصبح استنادا إلى ذلك وبالمفهوم المخالف عملية ترهيب المقاطعين، وثنيهم عن المقاطعة أو حتى التعبير عنها، إنما هو المخالفة الدستورية الصريحة بعينها".
وبالتالي لم تنجح حتى الآن، بحسب مراقبين، محاولات احتواء قوى سياسية ودفعها للمشاركة ولا حتى "مغازلة القوميين واليساريين"، فيما يتساءل مراقبون عن تمترس الجهات الرسمية خلف مواقفها، ومصير تلك المواقف في حال استجابة المرجعيات العليا مجددا للأصوات التي تطالب بتأجيل الانتخابات وتعديل قانون الانتخاب."الغد"