الانتحار: مرضى نفسيون ومحبطون عاطفياً يتصدرون المشهد
جو 24 : تقدم شقيق زوجها يعتصره الحزن والألم، قائلا «الله يصبرك أم محمد، ولدك علي انتحر، أطلق على نفسه رصاصة فتوفي»،فوقعت هذه الكلمات عليها كالصاعقة فسقطت مغشيا عليها.
لم تكن تعلم أن أبنها الأصغر «علي» البالغ من العمر ثلاثين عاما، والذي اغدقته بالحب والحنان سينهي حياته فجأة برصاصة.
بصوت متحشرج تقطعه الدموع تارة والصمت أخرى، تقول أم محمد، «في منتصف العام الحالي أيقظت علي صباحا ليذهب الى عمله كالمعتاد، ولم يخطر ببالي أنه يفكر بشيء ما لكنني كنت حزينة لحاله، فقد تقدم لخطبة فتاة ورفض والدها تزويجه إياها رغم أنهما متحابان».
حال علي لا يختلف عن العديد من الأشخاص الذين اقدموا على الانتحار وأنهوا حياتهم تاركين اناسا تعذبوا لفراقهم، وتشير احصاءات رسمية الى زيادة نسب الانتحار مؤخرا بشكل ملحوظ لاسيما بين فئة الشباب، فقد شهد عام 2012 اقدام (86) شخصا على الانتحار مقارنة باقدام (41) شخصا في عام 2011و (46) شخصا في عام 2010و(65) في عام 2009وفقا لاحصائيات مديرية الامن العام.
لكن أرقام مديرية الأمن العام لا تتطابق مع غيرها في عام 2012، إذ يشير تقرير حول الانتحار أصدرته منظمة الصحة العالمية خلال شهر أيلول 2014 بعنوان «الوقاية من الانتحار: ضرورة عالمية»، الى أن الأردن وخلال العام 2012 شهد 114 حالة انتحار كان من بينها 60 حالة لذكور و54 حالة لإناث وبنسبة وصلت الى 47.3%، إذ شهدت حالات الانتحار خلال السنوات الخمس الأخيرة تزايداً ملحوظاً.
ويقول الناطق الاعلامي في المديرية الرائد عامر السرطاوي ان حالات الانتحار بلغت في عام 2012 (86) حالة في حين بلغت عام 2013 (108) حالات.
وكشف مصدر رسمي موثوق رفض ذكر اسمه ان حالات الانتحار في عام 2014 بلغت 100 حالة، وقع 33 منها في عمّان، و9 في الزرقاء و7 في البلقاء و4 في مادبا و2 في الرصيفة و3 غرب البقاء و6في اربد، و16 حالة غرب اربد والمفرق وجرش وعجلون بحيث وقع 4 حالات في كل منطقة، ولم تسجل الرمثا والبترا أي حالة انتحار بينما وقعت 7 حالات في الكرك وواحدة في الطفيلة و5 في معان و2 في العقبة و5 في كل مناطق البادية. ويؤكد المصدر ذاته أن غالبية المنتحرين من المرضى النفسيين والمحبطين عاطفيا من الجنسين الذكور والإناث.
وتشير احصائيات المركز الوطني لحقوق الانسان إلى ارتفاع حالات الاقدام على الانتحار عام 2013 فقد بلغ مجموع حالات الانتحار (88) حالة وكانت غالبية المنتحرين من فئة الشباب الذين تتراوح اعمارهم بين ( 18-27) سنة حيث بلغت 41 حالة مقارنة ب(28)حالة للفئات العمرية من (28-37)، في حين ان الفئات العمرية اقل من (18) سنة بلغت (9) حالات.
وعن الفئات العمرية من (38- فما فوق ) فقد وصلت الى (10) حالات انتحار، كما استمرت في عام 2013 ظاهرة التلويح بالانتحار اذ بلغت محاولات الانتحار في ذاك العام ( 417) حالة.
ويشير مدير المركز الوطني للطب الشرعي الدكتور قيس القسوس الى ان غالبية المنتحرين لا يتم تحويل جثثهم الى المركز لمعرفة سبب وطريقة الانتحار معللا ذلك بأن المدعي العام يكون متأكدا من أن الانتحار هو سبب الوفاة، بينما تحول إلينا الجثة في حال اعترى المدعي العام الشك بسبب الوفاة.
ويلفت إلى أن «أرقام المركز لا تعكس الاعداد الحقيقية لحالات الانتحار لما ذكرناه سالفا إلى جانب ما يعرف عن الشعب الاردني بأنه محافظ ويلجأ بعضهم الى اخفاء سبب الوفاة عن المجتمع».
ويشير إلى أنه بلغ عدد المنتحرين الذين تم تحويلهم للطب الشرعي خلال العام الماضي 63 منتحرا، 23 حالة في عمان منها 9 اناث و14 ذكور بينهم حدث يبلغ من العمر 15 عاما، وفي الزرقاء بلغت 15 حالة، وفي اربد كان العدد مماثلا، بينما كانت منطقة الجنوب الأقل عددا فقد بلغت 10 حالات انتحار».
ويوضح القسوس ان غالبية المنتحرات من الاناث يلجأن إلى «شنق الذات او التسميم الدوائي»، وبالنسبة للذكور فالغالبية منهم تكون باطلاق الاعيرة النارية او بالشنق، غير أنه يلفت إلى ان مدينة اربد تختلف نوعا ما في طريقة الانتحار فغالبية المنتحرات يلجان إلى استخدام المبيدات الحشرية السامة باعتبار اربد منطقة زراعية.
ويبين تقرير منظمة الصحة العالمية معدل الانتحار في العالم بأن اكثر من 800 الف شخص يقدمون على الانتحار في العالم بمعدل حالة انتحار كل اربعين ثانية.
وتشير المنظمة في تقريرها إلى ان معدلات الانتحار في الاردن هي الاقل مقارنة مع العديد من دول الشرق الاوسط، فقد حلت السودان في الدرجة الاولى بحالات الانتحار بنسبة 17.2لكل مئة الف شخص وتأتي الاردن في المرتبة الثامنة 2.4 لكل 100 الف شخص اي برقم 160 موزعة على 6.7 مليون عدد مواطني الاردن فيما بلغ عدد سكان الاردن 9.9 مليون نسمة.
أطفال
ومع غياب شبه كلي لمحاولات انتحار الأطفال العام الماضي تشير تقارير إلى أن الأطفال نفذوا نحو 18 في المئة من حالات الانتحار في المملكة في عام 2011، ومع أن حالات انتحار الاطفال ليست الأكثر عددا إلى انها تعتبر الأخطر.
ومع بداية العام الماضي اختار طفل في الزرقاء يبلغ من العمر9 سنوات ان ينهي سخرية اصدقائه من يده المشوهة بحزام جلدي قام بربط طرفه بخزانة الملابس ولف طرفه الآخر حول عنقه وتدلى به حتى فارق الحياة.
ويروى أحد المقربين منه «أن الطفل عاد يوم الحادث من المدرسة وكان يبكي وسأله شقيقه عن سبب بكائه فأجاب: ان الاولاد يسخرون منه وينادونه «ابو يد مقطوعة» بسبب الاعاقة التي في يده، وأخبر شقيقه أنه انه يريد الانتحار واحضر حزاما وبدأ بتعليقه في الغرفة وفي الاثناء كان جرس المنزل يـــــدق فــــــــخرج شقــــــــيقه وبعــــــد العـــــــودة وجــــــده «قد شنق نفسه».
ويعلق خبير علم الاجتماع في الجامعة الأردنية الدكتور مجدي الدين خمش على انتحار الأطفال «أنها ظاهرة بالغة الأهمية وذلك نتيجة تعرض الطفل لقسوة شديدة وبخاصة العنف الأسري الممارس من الأب، وبالذات الأطفال في سن 12-14 فهي مرحلة شعورهم بذاتهم وكرامتهم مما يجعل لديهم الدافع القوي للانتحار».
ويلفت إلى أن هناك ايضا اسبابا تتعلق بالطفل شخصيا كشعوره بأنه عاجز عن القيام بأمر معين يقوم به اقرانه عادة، واحساسه بانه غير مرغوب فيه اما في الاسرة او بين اصدقائه ففقدان الشعبية بين الاصدقاء يعد عاملا مهما، لذا تتولد لدى الاطفال حالة عالية من الاحباط بسبب وجود معوقــــــــات كثيرة لديهم مـــــــــا يؤدي الى مـــــحاولتهم للانتحار.
ويشدد على أن :» حالات الانتحار لفئة الأطفال الأقل من خمسة عشر عاما غالبا ما تكون في المناطق المهمشة والفقيرة، معللا ذلك بصغر المسكن وزيادة عدد أفراد الأسرة بشكل كبير إلى جانب الدخل الأسري القليل، وهذا يؤدي إلى زيادة العنف داخل الأسرة إضافة إلى الاهمال مما يخلف على مدى سنوات لدى الطفل كرها للحياة نتيجة المعاملة السيئة من الأهل او الأقران في المدرسة أو الحي، فيلجأ إلى معاقبة الأب أو إلى إنهاء حياته للتخلص من عذاباته من خلال الانتحار».
نفسية
العوامل النفسية تعتبر من أبرز أسباب الانتحار، فالأطباء النفسيون يرون أن اكثر من 90 % من المنتحرين يعانون أمراضا نفسية أو عقلية، وقد يصل بهم الأمر الى التخلص من حياتهم.
ومؤخرا أقدم شاب ثلاثيني على الانتحار بحرق نفسه بمادة البنرين أمام منزله في محافظة الطفيلة، ووفقا للمصادر الأمنية فإن «الشاب يعاني من مرض نفسي».
ويؤكد استشاري الامراض النفسية الدكتور محمد الحباشنة أن «من هذه الامراض مرضا يسمى ثنائي القطب ويتراوح ما بين المزاج العالي والكآبة، وأحيانا يكون في قمة السعادة والسرور واحيانا يدخل في كآبة عالية وخاصة عندما يكون في خلوة مع نفسه».
ويتابع الحباشنة «كنت أعالج شابا يعاني من مرض ثنائي القطب وكان متميزا وحاصلا على شهادت علمية عليا ويتمتع بدرجة من المعرفة والاخلاق العالية، وخلال الأشهر الأولى كان يأتي الى العيادة لتلقي العلاج بانتظام ولكن بدأ ينقطع لفترات متباعدة ولم يعد ملتزما بمواعيد الجلسة العلاجية علما أني كنت حريصا ان يأتي لتلقي العلاج».
ويضيف الحباشنة «عندما شعرت بطول غيابه اتصلت بذويه لاطمئن عليه واخبرهم بضرورة ان يراجع العيادة، فكان جوابهم ان هذا الشاب قد شنق نفسه وفارق الحياة».
ويؤكد الدكتور الحباشنة أن غالبية المنتحرين يعانون من مرض نفسي والمرض النفسي يتراوح بين الاكتئاب البيولوجي المرضي والاضطراب الوجداني والفصام العقلي بحيث لا يرى املا او هدفا وتختفي كافة المعاني لديه وهذا ما يسمى علميا بالاضطرابات الذهاني بحيث ينكسر الاتصال مع الواقع لدى الشخص المنتحر».
ويوضح «هناك نوع أخر من المرض النفسي يسمى بهامش الانتحار غير المشخص ويكون الانتحار بسبب عدم القدرة على التغيير بحيث يصبح الوجود لديهم ليس له معنى أو أمل وهو ما يسمى بتراكم الأبعاد (كالبعد الشخصي والثقافي والبعد الوجودي وهؤلاء الاشخاص يصنفون بالمنتحرين المثقفين)».
ويضيف «أما النوع الأخير من المرض النفسي للمنتحر والذي عرضناه سابقا في حالة الشاب والمسمى ثنائي القطب فيتراوح بين المزاج العالي والكآبة فأحيانا يكون في قمة السعادة والسرور واحيانا يدخل في كآبة عالية جدا وخاصة عندما يكون في خلوة مع نفسه».
عاطفية
ومع تعدد أسباب الانتحار تعتبر الأسباب العاطفية من الأسباب المهمة للإنتحار فعدم القدرة على الاقتران بالمعشوق أو فقدانه، قد يؤدي إلى ارسال رسالة احتجاج ضد الواقع الاجتماعي من خلال الرغبة في التخلص من الحياة.
تقول أم محمد «ان علي تغيرت أحواله النفسية وبات حزينا طوال الوقت بعدما رفض والد الفتاة التي يحبها تزويجهما»، وتلفت إلى أن «الفارق التعليمي بينهما كان السبب الرئيسي وراء الرفض فهي تحمل شهادة علمية عليا وابني لم يكمل تعليمه، وحاولنا مرات عديدة اقناع والدها بالعدول عن رأيه لأن الفتاة تحب ابني وتريد الزواج به (...)».
وتضيف «أصبح علي بعد رفض والدها مكدر المزاج، ومع ذلك انتظرت عودته في ذلك اليوم لتناول الغداء معا واذا بخبر وفاته يقع كالصاعقة على حياتي».
ولا تتوقف حالات الانتحار عند فئة الشباب بل تتجاوز إلى كبار السن، استنادا إلى أسباب اجتماعية او نفسية، فقد أقدم المسن أبو سعيد (70 عاما) على الانتحار إثر عدم قدرته على إدارة قضاياه الاجتماعية مع زوجته.
ويروي أبو ابراهيم-أحد شهود حادثة انتحار أبي سعيد-«في ذلك اليوم سمعنا شجارا بصوت عال بينه وبين زوجته المسنة وكان الخلاف بينهما يدور حول شقيقتي ابي سعيد اذ انهما تعانيان من امراض عديدة وإحدى شقيقتيه مقعدة وليس لهن معيل سواه، وزوجته تمتنع عن الاعتناء بهما...واستمر الشجار حتى قامت بطرد زوجها خارج البيت وسمعناه ينادي افتحي الباب، ولكن دون جدوى».
ويتابع «توجه ابو سعيد الى مكان مجاور يبيع الاسلحة فاشترى مسدسا وعاد في المساء الى قريته، فما كان منه الا ان وضع المسدس على رأسه ونادى على زوجته قائلا :اذا لم تفتحي الباب سأقتل نفسي».
ويضيف «لم تكترث ام سعيد لكلامه كونه رجلا مسنا». وقالت حسبما روت لاحقا «رجل مخرفن «فكانت المفاجأة ان ابا سعيد اصبح ينادي بصوت عال افتحي الشباك سأقول لك شيئا، وما ان فتحت ام سعيد النافذة حتى وضع المسدس على رأسه وأطلق رصاصة فكانت النهاية».
عاطلون من العمل
البطالة من الاسباب التي تدفع الشباب للانتحار، ويقول باحثون إن أبرز سبب يملأ نفوس الشباب إحباطا ويسوقهم إلى مهالك التفكير في الانتحار هو انسداد باب الحصــــــــــول على وظيـــفة يبني الواحد منهم عليها مستقبله.
شاب يقطن غرب العاصمة عمّان أقدم على الانتحار بشنق نفسه اسفل درج منزله، ويقول مصدر أمني أن «سبب اقدامه على الانتحار حالة من الاحباط بسبب ظروفه المادية كون المتوفى عاطلا من العمل، ولا يعاني من اي اضطرابات نفسية».
ويظهر التقرير الاحصائي الجنائي لمديرية الأمن العام أن عدد حالات انتحار العاطلين عن العمل في عام 2012 بلغت 14 حالة فيما بلغت في 18 حالة في عام 2013.
ويرى باحثون أن الشباب ينطبق عليهم التفسير النفساني نفسه الخاص بالاطفال الا ان دوافع الشباب لشعورهم بالاحباط يعد اعلى من الاطفال وذلك يعود لحاجاتهم الاكبر وشعورهم بعدم الانجاز وضيق الحياة من النواحي الاقتصادية والشعور بتدني تقدير الذات.
محاولات
الواقع يقر ان محاولات الانتحار زادت بشكل ملحوظ خلال السنوات الثلاث الاخيرة في العديد من المدن والارياف الاردنية هذا ما صرح به مصدر مسؤول في مديرية الامن العام.
كاتبة التحقيق توصلت لاحد افراد عائلة شاب حاول الانتحار، وتروي شقيقته غادة «اخي يعاني من اضطرابات عقلية بسيطة وما حدث معه خلاف اسري نشب بينه وبين والدي ولم نتوقع رد فعل من قبله سوى ان يعلو صوته ويبدأ بالشتم للجميع كعادته، فنحن معتادون على لسانه السليط ولا نكترث بما يقول، ولكن لم يكن متوقعا منه ان يذهب الى خزانة ابي ويخرج مسدسه ويطلق عيارا ناريا باتجاه كتفه». وتتابع «ما جرى جعلنا دائما في حالة تأهب خوفا من تكرار محاولته الانتحار وفرض علينا ذلك تغيرا في طبيعة سلوكنا نحوه».
ويقول الدكتور الحباشنة ان هناك فرقا كبيرا بين المنتحر ومن حاول الانتحار فمحاولة الانتحار تسمى الايذاء المتعمد للجسم وفي كثير من الحالات لا تكون النية الانتحارية موجودة لانهاء الحياة.
ويضرب مثالاً على بعض الحالات التي تحاول لفت الانتباه والتلويح بالانتحار دون مؤشرات حقيقية للانتحار، قائلا «احدى المريضات تتصل بطبيبها في ساعات متأخرة من الليل تخبره بأنها تناولت كمية كبيرة من الدواء وهو نوع من المهدئات محاولة الانتحار، فتتفاجأ برد الطبيب بالسؤال عن الكمية المتبقية لديها فتجيبه بتركها لكبسولتين فيقول لها الطبيب: تناولي ما تبقى، لكنها بالطبع لم تفعل».
وفي المقابل يقول الحباشنة ان نسبة معينة من الذين يؤذون انفسهم ربما تنتهي بهم الامور الى الموت بسبب عدم المعرفة بأن هذه الطريقة ستؤدي الى نهايتهم».
ما قبل الانتحار
يؤكد أطباء نفسيون ان هناك ملامح ومؤشرات على أقدام الشخص على إنهاء حياته قبل عدة اسابيع، ويذكر الدكتور الحباشنة ان الشخص المنتحر قبل اقدامه على الانتحار يظهر تغيرا في سلوكه وتصرفاته فيلجأ الى العزلة ويتصرف بغرابة بطريقة لم يعهدها سابقا فيعطي للاشخاص المقربين منه عدة اشارات مثل توزيع اغراضه الغاليه وصوره وهذا سلوك لم يفعله قبلاً, وقد يلجأ الى التصريح بطلب طعام معين أو يقول لافراد أسرته هذا اخر طعام يتناوله معهم.
ويشدد الحباشنة هذه الفئة من المنتحرين يعانون حالات نفسية متقدمة ويجب عدم التردد بأخذ المريض في هذه الحالة الى الطبيب النفسي لأنه يعتبر فاقدا لبصيرته.
ويقول أستاذ القانون في جامعة العلوم الاسلامية الدكتور ابراهيم الصرايرة أنه لا توجد عقوبات قانونية لمن حاول الانتحار ولكن هناك عقوبات بديلة وتكون عن طريق معالجة علماء نفس تربويين للسلوك الانساني وايجاد مراكز للخدمات الاجتماعية».
ويؤكد الصرايرة ان دوافع الانتحار تختلف من شخص لأخر فمنها دوافع اقتصادية واجتماعية او نفسية او نقص الوازع الديني، وايضا لا ننسى مواقع التواصل الاجتماعي وانفتاح نسبة عالية من الناس على هذه المواقع مع غياب عنصر الرقابة من الاسرة.
ويضيف الصرايرة «نحن بحاجة للتعاون بين جميع الجهات الرسمية وعلماء النفس والاجتماع للخروج بحلول توعوية للحد من الظاهرة ومن الحلول الزام المؤسسات والشركات بالتدريب الالزامي للشباب وهذا يساعد كثيرا في تغيير سلوك الفرد بالتحاقه بوظيفة».
ويؤكد الصرايرة على وجوب توافر توجيه اعلامي قوي عن طريق وسائل الاعلام المختلفة إلى جانب خطباء المساجد لأن لهم دورا فعالا في نشر التوعية لدى فئات كبيرة من المجتمع.
ويؤكد رئيس قسم الاجتماع في الجامعة الاردنية الدكتور مجدالدين خمش على أن حماية الانسان من الانتحار تبدأ وتنتهي بالاسرة فالسبب الرئيسي للانتحار يعود للضغوطات الاسرية التي يتعرض لها شخص ما من الاسرة وخصوصا من قبل الوالدين.
ويعطي مثالا على ذلك ان فئة عالية من الشباب تعاني من البطالة وهنا يأتي دور الاسرة فعندما يكون موقف الاسرة داعما للشاب يعطيه شعوراً بالامل والتفاؤل، وفي حال كان موقف الأسرة سلبيا يصبح لدى الشاب خيبة امل ومرض نفسي ورغبة في معاقبة الاسرة عن طريق ايذاء نفسه.
ويضيف خمش ان من واجب الاسرة والمدرسة والجامعات بناء علاقات ودية تقوم على الاحترام والتقدير لاشعار الشخص بأنه عنصر فاعل لبناء الذات بطريقة ايجابية والابتعاد عن اسلوب التقليل من شأن الشباب فأحيانا المرض النفسي والاكتئاب الشديد يكونا سببا رئيسيا في اقدام الشخص على الانتحار.
ويؤكد خمش على ان فترة الربيع العربي التي مرت بها معظم الدول العربية ادت الى زيادة نسب الانتحار في الاردن عن طريق اعطاء صورة اعلامية بشكل ايجابي عن الانتحار فوسائل الاعلام ادت دورا غير مقصود ورسالة غير مباشرة لحالات الانتحار.
ويؤكد أستاذ الفقه وأصوله في كلية الشريعة بالجامعة الاردنية الدكتور عبدالله الكيلاني أن الانتحار جرم كبير ومن كبائر الذنوب، واعتداء على حق الحياة الذي منحه الله تعالى للإنسان ولذا فإن المنتحر متوعد بالخلود في نار جهنم أبداً.
وقاية مسبقة
ويؤكد مدير مركز الدراسات والبحوث التشريعية في مجلس النواب المحامي صدام ابو عزام على ضرورة مراجعة التشريعات الوطنية ذات العلاقة والأخذ بمنهج العقوبات البديلة في حالات الشروع بالانتحار.
ويضيف أنه يمكن الحديث عن تطوير قانون منع الجرائم وقانون العقوبات والزام هؤلاء الاشخاص بالتدريب على مهنة او حرفة معينة او من خلال التفعيل الحقيقي للخدمة المجتمعية، فضلا عن اخضاع الشخص الى برامج علاج نفسي واعادة تأهيله من قبل خبراء وهنا يصار الحديث عن دور المجتمع المدني في تطوير رؤية وطنية حيال ذلك.
ويضيف ابو عزام الى ضرورة معالجة ظاهرة الانتحار والتي تحتاج الى تدابير وقائية وعلاجية أكثر نجاحا وتضمينها بالتشريعات والبحث عن الأسباب الاجتماعية والاقتصادية والأسرية الكامنة خلف الانتحار.
ويؤكد الدكتور الحباشنة على ضرورة تعزيز حالة التدعيم الاجتماعي وتبادلية الدعم في التعامل مع محاولات الانتحار من خلال التربية والتعليم والجامعات والدولة عن طريق حزمة الأمان الاجتماعي.
ويقول رئيس اللجنة القانونية في مجلس النواب عبدالمنعم العودات ان اسباب الانتحار اوظاهرة التلويح بالانتحار ناتجة عن اسباب الشعور بالفشل، نتيجة اسباب عديدة قد تكون ضعف الوازع الديني او عوامل مرتبطة بالوضع النفسي والاقتصادي والاجتماعي وبهذه الحالة يجب ان لا نتوقف عند النتائج بل البحث عن الاسباب والمسببات.
اللافت للانتباه بحسب العودات انه لا يوجد في قانون العقوبات الاردني نص حول ايقاع العقوبة على مرتكب الفعل، مطالبا بأن يكون هناك عقوبة الردع لمن يحاول الانتحار وذلك من اجل تحقيق الردع العام ( شعور المجتمع ان هناك عقوبة لكل من يقدم على الفعل وان يكون ردعا شخصيا لنفسية الجاني لاشعاره بالخوف ).
وينبه العودات إلى ضرورة اخذ ظاهرة الانتحار بجدية اكثر من خلال مختصين بعلم النفس للتوصل الى الاسباب ويكون الحل من خلال الارشاد النفسي ووسائل الاعلام التي تلعب دورا مهما في توعية المواطنين.
ويؤكد على ان اللجنة القانونية في مجلس النواب على استعداد الى المضي بتعديل التشريعات القانونية لدراسة ظاهرة الانتحار والخروج بنتائج للحد من هذه الظاهرة .الراي
لم تكن تعلم أن أبنها الأصغر «علي» البالغ من العمر ثلاثين عاما، والذي اغدقته بالحب والحنان سينهي حياته فجأة برصاصة.
بصوت متحشرج تقطعه الدموع تارة والصمت أخرى، تقول أم محمد، «في منتصف العام الحالي أيقظت علي صباحا ليذهب الى عمله كالمعتاد، ولم يخطر ببالي أنه يفكر بشيء ما لكنني كنت حزينة لحاله، فقد تقدم لخطبة فتاة ورفض والدها تزويجه إياها رغم أنهما متحابان».
حال علي لا يختلف عن العديد من الأشخاص الذين اقدموا على الانتحار وأنهوا حياتهم تاركين اناسا تعذبوا لفراقهم، وتشير احصاءات رسمية الى زيادة نسب الانتحار مؤخرا بشكل ملحوظ لاسيما بين فئة الشباب، فقد شهد عام 2012 اقدام (86) شخصا على الانتحار مقارنة باقدام (41) شخصا في عام 2011و (46) شخصا في عام 2010و(65) في عام 2009وفقا لاحصائيات مديرية الامن العام.
لكن أرقام مديرية الأمن العام لا تتطابق مع غيرها في عام 2012، إذ يشير تقرير حول الانتحار أصدرته منظمة الصحة العالمية خلال شهر أيلول 2014 بعنوان «الوقاية من الانتحار: ضرورة عالمية»، الى أن الأردن وخلال العام 2012 شهد 114 حالة انتحار كان من بينها 60 حالة لذكور و54 حالة لإناث وبنسبة وصلت الى 47.3%، إذ شهدت حالات الانتحار خلال السنوات الخمس الأخيرة تزايداً ملحوظاً.
ويقول الناطق الاعلامي في المديرية الرائد عامر السرطاوي ان حالات الانتحار بلغت في عام 2012 (86) حالة في حين بلغت عام 2013 (108) حالات.
وكشف مصدر رسمي موثوق رفض ذكر اسمه ان حالات الانتحار في عام 2014 بلغت 100 حالة، وقع 33 منها في عمّان، و9 في الزرقاء و7 في البلقاء و4 في مادبا و2 في الرصيفة و3 غرب البقاء و6في اربد، و16 حالة غرب اربد والمفرق وجرش وعجلون بحيث وقع 4 حالات في كل منطقة، ولم تسجل الرمثا والبترا أي حالة انتحار بينما وقعت 7 حالات في الكرك وواحدة في الطفيلة و5 في معان و2 في العقبة و5 في كل مناطق البادية. ويؤكد المصدر ذاته أن غالبية المنتحرين من المرضى النفسيين والمحبطين عاطفيا من الجنسين الذكور والإناث.
وتشير احصائيات المركز الوطني لحقوق الانسان إلى ارتفاع حالات الاقدام على الانتحار عام 2013 فقد بلغ مجموع حالات الانتحار (88) حالة وكانت غالبية المنتحرين من فئة الشباب الذين تتراوح اعمارهم بين ( 18-27) سنة حيث بلغت 41 حالة مقارنة ب(28)حالة للفئات العمرية من (28-37)، في حين ان الفئات العمرية اقل من (18) سنة بلغت (9) حالات.
وعن الفئات العمرية من (38- فما فوق ) فقد وصلت الى (10) حالات انتحار، كما استمرت في عام 2013 ظاهرة التلويح بالانتحار اذ بلغت محاولات الانتحار في ذاك العام ( 417) حالة.
ويشير مدير المركز الوطني للطب الشرعي الدكتور قيس القسوس الى ان غالبية المنتحرين لا يتم تحويل جثثهم الى المركز لمعرفة سبب وطريقة الانتحار معللا ذلك بأن المدعي العام يكون متأكدا من أن الانتحار هو سبب الوفاة، بينما تحول إلينا الجثة في حال اعترى المدعي العام الشك بسبب الوفاة.
ويلفت إلى أن «أرقام المركز لا تعكس الاعداد الحقيقية لحالات الانتحار لما ذكرناه سالفا إلى جانب ما يعرف عن الشعب الاردني بأنه محافظ ويلجأ بعضهم الى اخفاء سبب الوفاة عن المجتمع».
ويشير إلى أنه بلغ عدد المنتحرين الذين تم تحويلهم للطب الشرعي خلال العام الماضي 63 منتحرا، 23 حالة في عمان منها 9 اناث و14 ذكور بينهم حدث يبلغ من العمر 15 عاما، وفي الزرقاء بلغت 15 حالة، وفي اربد كان العدد مماثلا، بينما كانت منطقة الجنوب الأقل عددا فقد بلغت 10 حالات انتحار».
ويوضح القسوس ان غالبية المنتحرات من الاناث يلجأن إلى «شنق الذات او التسميم الدوائي»، وبالنسبة للذكور فالغالبية منهم تكون باطلاق الاعيرة النارية او بالشنق، غير أنه يلفت إلى ان مدينة اربد تختلف نوعا ما في طريقة الانتحار فغالبية المنتحرات يلجان إلى استخدام المبيدات الحشرية السامة باعتبار اربد منطقة زراعية.
ويبين تقرير منظمة الصحة العالمية معدل الانتحار في العالم بأن اكثر من 800 الف شخص يقدمون على الانتحار في العالم بمعدل حالة انتحار كل اربعين ثانية.
وتشير المنظمة في تقريرها إلى ان معدلات الانتحار في الاردن هي الاقل مقارنة مع العديد من دول الشرق الاوسط، فقد حلت السودان في الدرجة الاولى بحالات الانتحار بنسبة 17.2لكل مئة الف شخص وتأتي الاردن في المرتبة الثامنة 2.4 لكل 100 الف شخص اي برقم 160 موزعة على 6.7 مليون عدد مواطني الاردن فيما بلغ عدد سكان الاردن 9.9 مليون نسمة.
أطفال
ومع غياب شبه كلي لمحاولات انتحار الأطفال العام الماضي تشير تقارير إلى أن الأطفال نفذوا نحو 18 في المئة من حالات الانتحار في المملكة في عام 2011، ومع أن حالات انتحار الاطفال ليست الأكثر عددا إلى انها تعتبر الأخطر.
ومع بداية العام الماضي اختار طفل في الزرقاء يبلغ من العمر9 سنوات ان ينهي سخرية اصدقائه من يده المشوهة بحزام جلدي قام بربط طرفه بخزانة الملابس ولف طرفه الآخر حول عنقه وتدلى به حتى فارق الحياة.
ويروى أحد المقربين منه «أن الطفل عاد يوم الحادث من المدرسة وكان يبكي وسأله شقيقه عن سبب بكائه فأجاب: ان الاولاد يسخرون منه وينادونه «ابو يد مقطوعة» بسبب الاعاقة التي في يده، وأخبر شقيقه أنه انه يريد الانتحار واحضر حزاما وبدأ بتعليقه في الغرفة وفي الاثناء كان جرس المنزل يـــــدق فــــــــخرج شقــــــــيقه وبعــــــد العـــــــودة وجــــــده «قد شنق نفسه».
ويعلق خبير علم الاجتماع في الجامعة الأردنية الدكتور مجدي الدين خمش على انتحار الأطفال «أنها ظاهرة بالغة الأهمية وذلك نتيجة تعرض الطفل لقسوة شديدة وبخاصة العنف الأسري الممارس من الأب، وبالذات الأطفال في سن 12-14 فهي مرحلة شعورهم بذاتهم وكرامتهم مما يجعل لديهم الدافع القوي للانتحار».
ويلفت إلى أن هناك ايضا اسبابا تتعلق بالطفل شخصيا كشعوره بأنه عاجز عن القيام بأمر معين يقوم به اقرانه عادة، واحساسه بانه غير مرغوب فيه اما في الاسرة او بين اصدقائه ففقدان الشعبية بين الاصدقاء يعد عاملا مهما، لذا تتولد لدى الاطفال حالة عالية من الاحباط بسبب وجود معوقــــــــات كثيرة لديهم مـــــــــا يؤدي الى مـــــحاولتهم للانتحار.
ويشدد على أن :» حالات الانتحار لفئة الأطفال الأقل من خمسة عشر عاما غالبا ما تكون في المناطق المهمشة والفقيرة، معللا ذلك بصغر المسكن وزيادة عدد أفراد الأسرة بشكل كبير إلى جانب الدخل الأسري القليل، وهذا يؤدي إلى زيادة العنف داخل الأسرة إضافة إلى الاهمال مما يخلف على مدى سنوات لدى الطفل كرها للحياة نتيجة المعاملة السيئة من الأهل او الأقران في المدرسة أو الحي، فيلجأ إلى معاقبة الأب أو إلى إنهاء حياته للتخلص من عذاباته من خلال الانتحار».
نفسية
العوامل النفسية تعتبر من أبرز أسباب الانتحار، فالأطباء النفسيون يرون أن اكثر من 90 % من المنتحرين يعانون أمراضا نفسية أو عقلية، وقد يصل بهم الأمر الى التخلص من حياتهم.
ومؤخرا أقدم شاب ثلاثيني على الانتحار بحرق نفسه بمادة البنرين أمام منزله في محافظة الطفيلة، ووفقا للمصادر الأمنية فإن «الشاب يعاني من مرض نفسي».
ويؤكد استشاري الامراض النفسية الدكتور محمد الحباشنة أن «من هذه الامراض مرضا يسمى ثنائي القطب ويتراوح ما بين المزاج العالي والكآبة، وأحيانا يكون في قمة السعادة والسرور واحيانا يدخل في كآبة عالية وخاصة عندما يكون في خلوة مع نفسه».
ويتابع الحباشنة «كنت أعالج شابا يعاني من مرض ثنائي القطب وكان متميزا وحاصلا على شهادت علمية عليا ويتمتع بدرجة من المعرفة والاخلاق العالية، وخلال الأشهر الأولى كان يأتي الى العيادة لتلقي العلاج بانتظام ولكن بدأ ينقطع لفترات متباعدة ولم يعد ملتزما بمواعيد الجلسة العلاجية علما أني كنت حريصا ان يأتي لتلقي العلاج».
ويضيف الحباشنة «عندما شعرت بطول غيابه اتصلت بذويه لاطمئن عليه واخبرهم بضرورة ان يراجع العيادة، فكان جوابهم ان هذا الشاب قد شنق نفسه وفارق الحياة».
ويؤكد الدكتور الحباشنة أن غالبية المنتحرين يعانون من مرض نفسي والمرض النفسي يتراوح بين الاكتئاب البيولوجي المرضي والاضطراب الوجداني والفصام العقلي بحيث لا يرى املا او هدفا وتختفي كافة المعاني لديه وهذا ما يسمى علميا بالاضطرابات الذهاني بحيث ينكسر الاتصال مع الواقع لدى الشخص المنتحر».
ويوضح «هناك نوع أخر من المرض النفسي يسمى بهامش الانتحار غير المشخص ويكون الانتحار بسبب عدم القدرة على التغيير بحيث يصبح الوجود لديهم ليس له معنى أو أمل وهو ما يسمى بتراكم الأبعاد (كالبعد الشخصي والثقافي والبعد الوجودي وهؤلاء الاشخاص يصنفون بالمنتحرين المثقفين)».
ويضيف «أما النوع الأخير من المرض النفسي للمنتحر والذي عرضناه سابقا في حالة الشاب والمسمى ثنائي القطب فيتراوح بين المزاج العالي والكآبة فأحيانا يكون في قمة السعادة والسرور واحيانا يدخل في كآبة عالية جدا وخاصة عندما يكون في خلوة مع نفسه».
عاطفية
ومع تعدد أسباب الانتحار تعتبر الأسباب العاطفية من الأسباب المهمة للإنتحار فعدم القدرة على الاقتران بالمعشوق أو فقدانه، قد يؤدي إلى ارسال رسالة احتجاج ضد الواقع الاجتماعي من خلال الرغبة في التخلص من الحياة.
تقول أم محمد «ان علي تغيرت أحواله النفسية وبات حزينا طوال الوقت بعدما رفض والد الفتاة التي يحبها تزويجهما»، وتلفت إلى أن «الفارق التعليمي بينهما كان السبب الرئيسي وراء الرفض فهي تحمل شهادة علمية عليا وابني لم يكمل تعليمه، وحاولنا مرات عديدة اقناع والدها بالعدول عن رأيه لأن الفتاة تحب ابني وتريد الزواج به (...)».
وتضيف «أصبح علي بعد رفض والدها مكدر المزاج، ومع ذلك انتظرت عودته في ذلك اليوم لتناول الغداء معا واذا بخبر وفاته يقع كالصاعقة على حياتي».
ولا تتوقف حالات الانتحار عند فئة الشباب بل تتجاوز إلى كبار السن، استنادا إلى أسباب اجتماعية او نفسية، فقد أقدم المسن أبو سعيد (70 عاما) على الانتحار إثر عدم قدرته على إدارة قضاياه الاجتماعية مع زوجته.
ويروي أبو ابراهيم-أحد شهود حادثة انتحار أبي سعيد-«في ذلك اليوم سمعنا شجارا بصوت عال بينه وبين زوجته المسنة وكان الخلاف بينهما يدور حول شقيقتي ابي سعيد اذ انهما تعانيان من امراض عديدة وإحدى شقيقتيه مقعدة وليس لهن معيل سواه، وزوجته تمتنع عن الاعتناء بهما...واستمر الشجار حتى قامت بطرد زوجها خارج البيت وسمعناه ينادي افتحي الباب، ولكن دون جدوى».
ويتابع «توجه ابو سعيد الى مكان مجاور يبيع الاسلحة فاشترى مسدسا وعاد في المساء الى قريته، فما كان منه الا ان وضع المسدس على رأسه ونادى على زوجته قائلا :اذا لم تفتحي الباب سأقتل نفسي».
ويضيف «لم تكترث ام سعيد لكلامه كونه رجلا مسنا». وقالت حسبما روت لاحقا «رجل مخرفن «فكانت المفاجأة ان ابا سعيد اصبح ينادي بصوت عال افتحي الشباك سأقول لك شيئا، وما ان فتحت ام سعيد النافذة حتى وضع المسدس على رأسه وأطلق رصاصة فكانت النهاية».
عاطلون من العمل
البطالة من الاسباب التي تدفع الشباب للانتحار، ويقول باحثون إن أبرز سبب يملأ نفوس الشباب إحباطا ويسوقهم إلى مهالك التفكير في الانتحار هو انسداد باب الحصــــــــــول على وظيـــفة يبني الواحد منهم عليها مستقبله.
شاب يقطن غرب العاصمة عمّان أقدم على الانتحار بشنق نفسه اسفل درج منزله، ويقول مصدر أمني أن «سبب اقدامه على الانتحار حالة من الاحباط بسبب ظروفه المادية كون المتوفى عاطلا من العمل، ولا يعاني من اي اضطرابات نفسية».
ويظهر التقرير الاحصائي الجنائي لمديرية الأمن العام أن عدد حالات انتحار العاطلين عن العمل في عام 2012 بلغت 14 حالة فيما بلغت في 18 حالة في عام 2013.
ويرى باحثون أن الشباب ينطبق عليهم التفسير النفساني نفسه الخاص بالاطفال الا ان دوافع الشباب لشعورهم بالاحباط يعد اعلى من الاطفال وذلك يعود لحاجاتهم الاكبر وشعورهم بعدم الانجاز وضيق الحياة من النواحي الاقتصادية والشعور بتدني تقدير الذات.
محاولات
الواقع يقر ان محاولات الانتحار زادت بشكل ملحوظ خلال السنوات الثلاث الاخيرة في العديد من المدن والارياف الاردنية هذا ما صرح به مصدر مسؤول في مديرية الامن العام.
كاتبة التحقيق توصلت لاحد افراد عائلة شاب حاول الانتحار، وتروي شقيقته غادة «اخي يعاني من اضطرابات عقلية بسيطة وما حدث معه خلاف اسري نشب بينه وبين والدي ولم نتوقع رد فعل من قبله سوى ان يعلو صوته ويبدأ بالشتم للجميع كعادته، فنحن معتادون على لسانه السليط ولا نكترث بما يقول، ولكن لم يكن متوقعا منه ان يذهب الى خزانة ابي ويخرج مسدسه ويطلق عيارا ناريا باتجاه كتفه». وتتابع «ما جرى جعلنا دائما في حالة تأهب خوفا من تكرار محاولته الانتحار وفرض علينا ذلك تغيرا في طبيعة سلوكنا نحوه».
ويقول الدكتور الحباشنة ان هناك فرقا كبيرا بين المنتحر ومن حاول الانتحار فمحاولة الانتحار تسمى الايذاء المتعمد للجسم وفي كثير من الحالات لا تكون النية الانتحارية موجودة لانهاء الحياة.
ويضرب مثالاً على بعض الحالات التي تحاول لفت الانتباه والتلويح بالانتحار دون مؤشرات حقيقية للانتحار، قائلا «احدى المريضات تتصل بطبيبها في ساعات متأخرة من الليل تخبره بأنها تناولت كمية كبيرة من الدواء وهو نوع من المهدئات محاولة الانتحار، فتتفاجأ برد الطبيب بالسؤال عن الكمية المتبقية لديها فتجيبه بتركها لكبسولتين فيقول لها الطبيب: تناولي ما تبقى، لكنها بالطبع لم تفعل».
وفي المقابل يقول الحباشنة ان نسبة معينة من الذين يؤذون انفسهم ربما تنتهي بهم الامور الى الموت بسبب عدم المعرفة بأن هذه الطريقة ستؤدي الى نهايتهم».
ما قبل الانتحار
يؤكد أطباء نفسيون ان هناك ملامح ومؤشرات على أقدام الشخص على إنهاء حياته قبل عدة اسابيع، ويذكر الدكتور الحباشنة ان الشخص المنتحر قبل اقدامه على الانتحار يظهر تغيرا في سلوكه وتصرفاته فيلجأ الى العزلة ويتصرف بغرابة بطريقة لم يعهدها سابقا فيعطي للاشخاص المقربين منه عدة اشارات مثل توزيع اغراضه الغاليه وصوره وهذا سلوك لم يفعله قبلاً, وقد يلجأ الى التصريح بطلب طعام معين أو يقول لافراد أسرته هذا اخر طعام يتناوله معهم.
ويشدد الحباشنة هذه الفئة من المنتحرين يعانون حالات نفسية متقدمة ويجب عدم التردد بأخذ المريض في هذه الحالة الى الطبيب النفسي لأنه يعتبر فاقدا لبصيرته.
ويقول أستاذ القانون في جامعة العلوم الاسلامية الدكتور ابراهيم الصرايرة أنه لا توجد عقوبات قانونية لمن حاول الانتحار ولكن هناك عقوبات بديلة وتكون عن طريق معالجة علماء نفس تربويين للسلوك الانساني وايجاد مراكز للخدمات الاجتماعية».
ويؤكد الصرايرة ان دوافع الانتحار تختلف من شخص لأخر فمنها دوافع اقتصادية واجتماعية او نفسية او نقص الوازع الديني، وايضا لا ننسى مواقع التواصل الاجتماعي وانفتاح نسبة عالية من الناس على هذه المواقع مع غياب عنصر الرقابة من الاسرة.
ويضيف الصرايرة «نحن بحاجة للتعاون بين جميع الجهات الرسمية وعلماء النفس والاجتماع للخروج بحلول توعوية للحد من الظاهرة ومن الحلول الزام المؤسسات والشركات بالتدريب الالزامي للشباب وهذا يساعد كثيرا في تغيير سلوك الفرد بالتحاقه بوظيفة».
ويؤكد الصرايرة على وجوب توافر توجيه اعلامي قوي عن طريق وسائل الاعلام المختلفة إلى جانب خطباء المساجد لأن لهم دورا فعالا في نشر التوعية لدى فئات كبيرة من المجتمع.
ويؤكد رئيس قسم الاجتماع في الجامعة الاردنية الدكتور مجدالدين خمش على أن حماية الانسان من الانتحار تبدأ وتنتهي بالاسرة فالسبب الرئيسي للانتحار يعود للضغوطات الاسرية التي يتعرض لها شخص ما من الاسرة وخصوصا من قبل الوالدين.
ويعطي مثالا على ذلك ان فئة عالية من الشباب تعاني من البطالة وهنا يأتي دور الاسرة فعندما يكون موقف الاسرة داعما للشاب يعطيه شعوراً بالامل والتفاؤل، وفي حال كان موقف الأسرة سلبيا يصبح لدى الشاب خيبة امل ومرض نفسي ورغبة في معاقبة الاسرة عن طريق ايذاء نفسه.
ويضيف خمش ان من واجب الاسرة والمدرسة والجامعات بناء علاقات ودية تقوم على الاحترام والتقدير لاشعار الشخص بأنه عنصر فاعل لبناء الذات بطريقة ايجابية والابتعاد عن اسلوب التقليل من شأن الشباب فأحيانا المرض النفسي والاكتئاب الشديد يكونا سببا رئيسيا في اقدام الشخص على الانتحار.
ويؤكد خمش على ان فترة الربيع العربي التي مرت بها معظم الدول العربية ادت الى زيادة نسب الانتحار في الاردن عن طريق اعطاء صورة اعلامية بشكل ايجابي عن الانتحار فوسائل الاعلام ادت دورا غير مقصود ورسالة غير مباشرة لحالات الانتحار.
ويؤكد أستاذ الفقه وأصوله في كلية الشريعة بالجامعة الاردنية الدكتور عبدالله الكيلاني أن الانتحار جرم كبير ومن كبائر الذنوب، واعتداء على حق الحياة الذي منحه الله تعالى للإنسان ولذا فإن المنتحر متوعد بالخلود في نار جهنم أبداً.
وقاية مسبقة
ويؤكد مدير مركز الدراسات والبحوث التشريعية في مجلس النواب المحامي صدام ابو عزام على ضرورة مراجعة التشريعات الوطنية ذات العلاقة والأخذ بمنهج العقوبات البديلة في حالات الشروع بالانتحار.
ويضيف أنه يمكن الحديث عن تطوير قانون منع الجرائم وقانون العقوبات والزام هؤلاء الاشخاص بالتدريب على مهنة او حرفة معينة او من خلال التفعيل الحقيقي للخدمة المجتمعية، فضلا عن اخضاع الشخص الى برامج علاج نفسي واعادة تأهيله من قبل خبراء وهنا يصار الحديث عن دور المجتمع المدني في تطوير رؤية وطنية حيال ذلك.
ويضيف ابو عزام الى ضرورة معالجة ظاهرة الانتحار والتي تحتاج الى تدابير وقائية وعلاجية أكثر نجاحا وتضمينها بالتشريعات والبحث عن الأسباب الاجتماعية والاقتصادية والأسرية الكامنة خلف الانتحار.
ويؤكد الدكتور الحباشنة على ضرورة تعزيز حالة التدعيم الاجتماعي وتبادلية الدعم في التعامل مع محاولات الانتحار من خلال التربية والتعليم والجامعات والدولة عن طريق حزمة الأمان الاجتماعي.
ويقول رئيس اللجنة القانونية في مجلس النواب عبدالمنعم العودات ان اسباب الانتحار اوظاهرة التلويح بالانتحار ناتجة عن اسباب الشعور بالفشل، نتيجة اسباب عديدة قد تكون ضعف الوازع الديني او عوامل مرتبطة بالوضع النفسي والاقتصادي والاجتماعي وبهذه الحالة يجب ان لا نتوقف عند النتائج بل البحث عن الاسباب والمسببات.
اللافت للانتباه بحسب العودات انه لا يوجد في قانون العقوبات الاردني نص حول ايقاع العقوبة على مرتكب الفعل، مطالبا بأن يكون هناك عقوبة الردع لمن يحاول الانتحار وذلك من اجل تحقيق الردع العام ( شعور المجتمع ان هناك عقوبة لكل من يقدم على الفعل وان يكون ردعا شخصيا لنفسية الجاني لاشعاره بالخوف ).
وينبه العودات إلى ضرورة اخذ ظاهرة الانتحار بجدية اكثر من خلال مختصين بعلم النفس للتوصل الى الاسباب ويكون الحل من خلال الارشاد النفسي ووسائل الاعلام التي تلعب دورا مهما في توعية المواطنين.
ويؤكد على ان اللجنة القانونية في مجلس النواب على استعداد الى المضي بتعديل التشريعات القانونية لدراسة ظاهرة الانتحار والخروج بنتائج للحد من هذه الظاهرة .الراي