سجال بين سفيري سوريا وإيران حول شعبية الأسد
فوجئ حضور فعاليات يوم القدس الذي تحييه السفارات الإيرانية في مختلف العواصم أواخر كل رمضان، بسجال علني غير مسبوق وقع بين السفير الإيراني المضيف، والسفير السوري الضيف، حول شعبية الرئيس بشار الأسد في سوريا، وسط تصفيق حاد لمداخلة السفير السوري لم يحظ بمثله السفير الإيراني صاحب الدعوة، من قبل الحضور، الذي كان في غالبيته ماركسيا شيوعيا ممثلا للفصائل الفلسطينية، وسط مقاطعة الحركة الإسلامية للدعوة، احتجاجا على "الإنحياز الإيراني للنظام السوري"، وغياب جميع الأمناء العامين لأحزاب الإئتلاف القومي اليساري، بمن فيهم قادة حزب البعث السوري، باستثناء حزب الوحدة الشعبية..!
ففيما قال السفير الإيراني الدكتور مصطفى مصلح زاده إن ثلث السوريين يؤيدون الرئيس الأسد، تصدى له السفير السوري الدكتور بهجت سليمان، أمام ضيوفه، معلنا أن الرئيس الأسد يحظى بتأييد ثلثي الشعب السوري..!
كلمة السفير الإيراني
مصلح زادة، كان استعرض في بداية كلمته تاريخ الفتن التي عمل الإستعمار على بثها العرقية والإثنية بين مختلف مكونات المنطقة، مقررا أن "أزمة المنطقة بلغت الآن أوجها، لكن وبحمد الله، فإن صحوة شعوب هذه المنطقة وصلت إلى ذروتها أيضا".
ثم تحدث السفير الإيراني عن ثلاثة نقاط رئيسة لم ترق للسفير السوري، وهي جوهر الكلمة التي القاها في دار السفارة الإيرانية، قبيل تناول طعام الإفطار.
الأولى: وقد طرحها مصلح زادة على شكل سؤال "لماذا اشتعلت الحرب الأهلية في سوريا..؟" وقال في معرض اجابته على السؤال إن الربيع العربي لم يكن السبب الوحيد لما يجري في سوريا، مقرا بأن الشعب السوري "كأي شعب من شعوب المنطقة بحاجة إلى اصلاحات، وبحاجة إلى حرية الأحزاب، وبحاجة إلى حرية الإعلام". ثم قال "وما من شك أن الشعب السوري أيضا له الحق في تشكيل حكومته عن طريق الإنتخابات".. واستطرد قائلا "لكن ما نود قوله أن قسما مما يحدث في سوريا قد تأثر بأحداث الربيع العربي، لكن القسم الآخر هو بلا شك كان من فعل التدخلات الخارجية".
الثانية: تأكيد السفير الإيراني "إن الإصلاحات الشعبية هي إحدى القواسم المشتركة بين الحراك في سوريا، وبقية حركات الربيع العربي، لكن الفارق الأهم في أحداث سوريا هو أن المعارضة فيها ليست بأكثرية، ولا يزيد عددها عن ثلث الشعب السوري، والثلث الآخر هو مؤيد للحكومة، أما الثلث المتبقي فقد التزم الحياد بطبيعة الحال". ولفت إلى أن "هذه مسألة غاية في الأهمية".
وقارن السفير الإيراني بين "حركات البحرين واليمن ومصر وتونس"، وما يحدث في سوريا، قائلا "إن الأمر يختلف كثيرا"، لجهة أن الحركات في البلدان المذكورة "شكلت الأكثرية في حراكها وثورتها، ولم تستعمل السلاح في الثورة، ولم تطلب المساعدة المالية والعسكرية من الدول الخارجية، لكن المعارضة السورية كانت النقيض من ذلك، فقد لجأت إلى حمل السلاح في معارضتها، وطلبت بشكل صريح المساعدة العسكرية والمالية من الدول الخارجية، وطالبت بتدخل هذه الدول في الشأن السوري أيضا".
الثالثة: وقد ختم بها السفير الإيراني كلمته، معربا عن الأمل في "أن يظهر منجي البشرية (في إشارة إلى المهدي المنتظر) في آخر الزمان، ليعاقب الظالمين المتغطرسين في العالم، الذين، وبقواهم السياسية والإقتصادية والإعلامية يحرمون مظلومي العالم من حقوقهم المشروعة".
وختم السفير الإيراني بتلاوة قوله تعالى "ونريد أن نمن على الذين استضفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين".
مداخلة السفير السوري
وما أن جلس السفير الإيراني على مقعده المواجه للمنصة، حتى توجه لها السفير السوري، متحفزا للرد، طالبا الإذن بأن يعلق على ما قاله، مقدما نفسه "أنا السفير السوري الدكتور بهجت سليمان" وصمت برهة، ليدوي التصفيق فورا من غالبية المدعوين بشكل غير مبرر.
ثم وجه شكره العميق "لدولة ايران الإسلامية، لحكمائها وقادتها وشعبها، ولممثليها".. وواصل "ولكن فليسمح لي صديقي وزميلي سفير الجمهورية الإسلامية الإيرانية أن أقوّم خطأين وقع فيهما، لأنني أعرف سوريا أكثر مما يعرفها غيري".
ثم تحدث في نقطتين قائلا:
أولا: ما حدث في سوريا حتى الآن ليس حربا أهلية (تصفيق)، مؤكدا أن الحرب الأهلية لن تحضر "لأن هناك شعب حي" مضيفا "إن الشعوب الحية إذا كان يدعمها جيش حي عقائدي وطني قومي مقاوم ممانع، لا يمكن أن يسمح بنشوب حرب أهلية" (تصفيق).
واستحضر أن تهاوي الجيش اللبناني سنة 1975 هو الذي أدى إلى نشوب الحرب الأهلية في لبنان، وقال أنه "لولا حل الجيش العراقي سنة 2003 لما حدثت حرب أهلية في العراق".
وتابع "لذلك يجري كل التركيز على الجيش السوري، واخترعوا عصابات ارهابية سموها جيشا حرا، لكي تكون بديلا عن جيش عقائدي خاض اربعة حروب في مواجهة اسرائيل.. هذه يسمونها كتائب الأسد، وتلك العصابات المسلحة التكفيرية التدميرية يسمونها الجيش الحر".
وطمأن الحضور "لن تكون هناك حرب أهلية".
ثانيا: "النقطة الثانية التي اخطأ فيها صديقي وزميلي وأخي سعادة السفير عندما قال أنه توجد في سوريا ثلاثة أثلاث.. ثلث مع النظام وثلث مع المعارضة وثلث محايد"..
وقال إنه يريد أن يستشهد "بمن وصل إلى درجة العدو.. حاكم قطر".
وتابع قائلا "إن زوجة حاكم قطر موزة بنت المسند، قامت بعمل احصائي في سوريا لصالحها، وقالت إن 55 بالمئة من الشعب السوري هم مع الرئيس بشار الأسد أصلا (تصفيق)، وأن 70 بالمئة من الشعب السوري هم مع النظام، وأن من يؤيد المعارضة هم 20 بالمئة (تصفيق).
غير أن هناك من تساءل هامسا: وهل يعقل أن يسمح النظام السوري لزوجة أمير قطر، أو غيرها، بإجراء هكذا استطلاع، وهو يمنع حتى وسائل الإعلام من تغطية الأحداث..؟!
كلمة عطا الله حنا
الكلمة التالية كانت للأب عطا الله حنا، رئيس اساقفة الكنيسة الأرثوذكسية في فلسطين، الذي بعث بتسجيل مصور لكلمته من القدس بدا فيها علم ايران مرفوعا إلى جانبه داخل منزله، واندرجت كلمته تحت عنوان العلاقات العامة، بما حفلت به من مديح وتحايا لإيران وقادتها ومرشدها السابق الإمام الخميني وشعبها.. مركزا على مغازي يوم القدس العالمي الذي استحدثه الخميني.. مؤكدا التفاف كل الأمة حول القيادة الإيرانية لأنها تدافع عن القدس.
كلمة تيسير قبعة
الكلمة الأخيرة كانت لتيسير قبعة نائب رئيس المجلس الوطني الفلسطيني، الذي حيا مبادرة "القائد الفذ الإمام الخميني" باستحداث اليوم العالمي للقدس، لافتا إلى أنه لن يضيف شيئا إلى "كلمتي السفيرين".
وقال قبعة إنه لن يكرر شرح تفاصيل المؤامرة التي تتعرض لها القدس منذ وجدت الحركة الصهيونية.
واقترح قبعة تطوير وتفعيل فكرة اليوم العالمي للقدس بحيث يشتمل على برامج عمل مكثفة لدعم وحماية القدس، توطئة لتحريرها.. متقدما بالشكر الجزيل بإسم الشعب الفلسطيني للشعب الإيراني الشقيق الذي يقف باستمرار مع القضية الفلسطينية.
واقترح قبعة أن يشتمل برنامج العمل الذي يقترحه على رفض التطبيع "مع العدو الصهيوني لا اسلاميا، ولا عربيا".. مشيرا لوجود دول اسلامية وعربية تقيم أفضل العلاقات والتجارة مع العدو الصهيوني".
وتحدث قبعة عما اسماه وجود "أحلاف عسكرية بين دول اسلامية والعدو الصهيوني".. وطالب برفع شعار "لا للتطبيع".
واقترح أن يتضمن برنامج دعم القدس ايجاد وسيلة لدفع الأموال لدعم القدس والمسجد الأقصى.. مقترحا كذلك تشكيل لجنة لصياغة هذا البرنامج تضم عددا من الصحفيين الموجودين في الحفل.
وأشار إلى أن مؤتمر سرت العربي اتخذ قرارا بدفع نصف مليار دولار لدعم القدس، أكد أن كل ما دفع فعليا منه هو فقط 36 مليون دولار.. مؤكدا حاجة القدس للأموال، ووضع برنامج لإعمارها، بما في ذلك شراء الأراضي من صهاينة قد يبيعون بعض الأراضي.. لافتا إلى عدم وجود برنامج تحريري للقدس وحمايتها.
وتحدث قبعة عن مليارات الدولارات "تصرف في غير محلها".
وأشار إلى أن اسرائيل أعلنت مخططا لبناء ثلاثة ملايين متر مربع في جبل أبو غنيم من خلال اقامة ناطحات سحاب.
ودعا قبعة إلى مليونية تتوجه إلى القدس في يوم عيد الفطر لتصلي في المسجد الأقصى، أو عند الحواجز الإسرائيلية في حال منعها من الوصول للقدس.
كما دعا إلى وحدة الشعب الفلسطيني "حتى لا تسوء الأوضاع أكثر فأكثر". واعتبر "إن التآمر على هذا البلد العربي أو ذاك هو تآمر على القضية الفلسطينية".. مرددا "لقد أكلت يوم أكل الثور الأبيض".
وختم قبعة موجها تحية لإيران وشعب ايران لوقوفها بقوة إلى جانب القضية الفلسطينية، مدينا ما اسماه بـ "التآمر العربي على ايران".. رافضا اعتبار ايران عدوا.. مبديا مخاوفه من تعرض ايران لعدوان اسرائيلي قريب، يتم تحت جناحها طرد ما بين مليون إلى مليون ونصف مليون فلسطيني من الضفة الغربية إلى بلدان مجاورة واقامة دولة فلسطينية في هذه البلدان، وذلك في اشارة إلى الأردن.. مؤكدا أن الشعب الفلسطيني لا يقبل أي بديل عن فلسطين غير فلسطين.. مطالبا القمة الإسلامية المنعقدة في السعودية باتخاذ قرارات ايجابية لهذه الغاية، وتوقف قادة العالم الإسلامي عن التآمر على بعضهم البعض.