المجالي: داعش وايران أبرز التحديات التي تواجه الاردن والمنطقة
جو 24 : قال رئيس الوزراء الأسبق، وأمين عام حزب التيار الوطني، المهندس عبدالهادي المجالي، علينا جميعاأن نُقِرَّ بحجمِ وتنوعِ التحدياتِ والصعوباتِ التي نُواجِهُها، ونواجِهُ اخطارَها وتداعياتِها الماثلةِ الآن، والمستقبليةِ المحتملة، وأن نُقِّرَ كذلكَ أن هذهِ التحدياتُ بكلِّ تشابكاتِها وتداخلاتِها، معقدةٌ مركبة، وتحتاجُ جٌهدا استثنائيا في تفكيكِها وتصميمِ استراتيجياتٍ متنوعةٍ وفعالةٍ وقادرةٍ على أن تكونَ استجاباتٍ واقعيةً لكلِّ هذهِ التحديات.
وأشار المجالي، إلى أنَّ أصلَ العلاجِ تشخيصُ المرض، وأصلَ مواجهةِ التحدياتِ ومخاطرِها أن نفهمَها فهماً عميقاً دقيقا، وأن نسبُرَ أسبابَها، ونفكِّكَها إلى جزئياتٍ صغيرة، ونحللَّ مُعطياتِها، وكلَّ الحيثياتِ المحيطةِ بها، وأن نعرفَ أطرافَ هذهِ التحديات، والمحفزاتِ التي أدت بهذه الأطرافِ لتكونَ فاعلاً أساسياً أو ثانوياً في كلِّ ما يجري في المنطقةِ والإقليم، مؤكداً على أنها في الأصل، بديهياتٌ ومسلمات.
لافتاً إلى أن الدولُ التي تستكشفُ ما تواجِهُهُ من تحدياتٍ بمقدورِها أن تُفلتَ من تبعاتِها وتداعياتِها، وفي الحدِّ الأدنى، تُقللُ من كُلَفِ هذه التبعاتِ والتداعيات، وهذا يتطلبُ أن تكونَ للدولةِ الواحدةِ مقاربتَها الخاصةَُ وتُطَوِّرَ قدراتِ المجابهةِ الذاتية، لكنْ في الأساسِ السليمِ أنَّ على مجموعةَِ الدولِ ذاتِ التشخيصِ الواحدِ للتحدياتِ والأخطارِ تطويرَ مقاربةٍ مشتركة، بِلا خللٍ أو ثغرات، لتتمكنَ من مجابهةِ ما تتعرضُ له من صعوباتٍ وتعقيداتٍ ومخاطر.
وأمد المجالى أنَّه على الأردنِّ أن يطورَ مقاربتَهُ الخاصةَ وبجهدِهِ الذاتي، وأنْ يوجِّهَ كلَّ مقدَّراتِها وامكاناتهِ للاستفادةِ منها وبأقصى طاقةٍ لحمايِة ذاتهِ من عواصفِ المنطقةِ والإقليم، وبعد أن يَطمئِنَّ إلى نجاحِهِ في ذلك، لابدَّ له، بل يجبُ عليه، أن يبادرَ إلى التحركِ لبناءِ مقاربةٍ مع دولٍ منتقاةٍ ومنسجمةٍ معَه في فهمِ الواقعِ الراهنِ وكيفيةِ مواجهةِ ما يمثلُ هذا الواقعُ من صعابٍ ويجلبُه من ويلات، ليسَ على الأردنِّ فقط، بل وعلى جميعِ دولِ المنطقةِ والإقليم.
والناظرُ إلى طبيعةِ التحدياتِ لا يخطئُ في تحديدِها، فالمنطقةُ والإقليمُ في مواجهةِ نوعينِ من التحدياتِ الثقيلةِ والصاعدة، تحدٍّ تمثلُهُ التنظيماتُ المتطرفةُ والمتشددة، أبرزها "تنظيمُ الدولةِ الإسلامية" ويليهِ تنظيمُ "القاعدة"، والتحدي الآخرُ هوَ التمددُ الإيرانيُّ وتوسُّعِ نفوذِها ذاتيا أو عبرَ قوى فعالةٍ وكيلةٍ لها، وهو نفوذٌ سيكونُ أكثر صعوداً حالَ توقيعِ إيرانَ مع مجموعةِ الدولِ الستِّ الاتفاقَ الوشيكَ بشأنِ برنامَجِها النووي.
وأضاف، لا شك أن الأردنَّ، مستهدفٌ من التنظيمِ المتطرفِ الذي يدَّعي أنَّهُ يمثلُ الإسلام، فسيطرتُهُ على مساحاتٍ كبيرة، ومنذ أشهر، في سوريا والعراق، وتمدُّدُه إلى دولِ الشرقِ الأوسطِ وشمالِ أفريقيا، عبر مبايعاتٍ من تنظيماتٍ أخرى تزيدُ المخاطرَ على الأردن، والذي يضاعِفُ هذهِ المخاطرَ أنَّ استراتيجيةَ مواجهتِها، لا تبدو محكمةً ومنسقةً على نحوٍ كاف، وتَظهَرُ أميركا وكأنها لا تستعجلُ الحسمَ معه، أو كأنها لم تُنضِجْ بعد استراتيجيةً عسكريةً وسياسيةً للحسم، وهذا أمرٌ لابدَّ من فحصِهِ واستكشافِ دلالاتِهِ ومعانيه، لأنَّ عواقبَهُ كارثيةٌ ومن شأنٍها أنْ ترفعَ منسوبَ المخاطرِ على المنطقةِ بأسرِها.
وتابع المجالي، أظنُّ الأردنَّ يدركُ جيداً أنَّ النمطَ الحاليَّ من المواجهةِ معَ التنظيم، على المستويينِ الإقليميِّ والدولي، ليس كافياً ولا فعالا، وأظنُّ أنَّ على الأردنِّ أن يدرك، كما كلُّ الدولِ ذاتِ الصلة، أن التنظيمَ وصمودَهُ إلى الآن، نتيجةَ عدمِ المواجهةِ الحاسمةِ معَه، باتَ جذاباً للشبابِ من كلِّ أرجاءِ العالم، وهو جذابٌ بمستوى العنفِ والتحدي الذي يمثلُهُ وخصوصاً إعلانُ الخلافةِ على حيزٍ جغرافيٍّ ليسَ هيِّنا، ويُلاحَظُ أنَّ أيدلوجيةَ تنظيمِ الدولةِ تفوقتْ في الجاذبيةِ والحضورِ والتأثيرِ على جاذبيةِ تنظيمِ القاعدة.
وأوضح أن الخشيةُ تكمن في أنْ يتحولَ تنظيمُ القاعدةِ إلى اتباعِ أنماطِ عملِ تنظيمِ الدولةِ فنُصبحَ في مواجهةِ تعاظمٍ للأخطار، أو أن ينهزِمَ تنظيمُ الدولةِ وتُهَدَّمُ خلافتُه، وهو المرجح، ويتحولَ إلى العملِ بأنماطِ تنظيمِ القاعدة، أي العملياتِ الانتحاريةِ والسياراتِ المفخخةِ واختطافِ الرهائن، وغيرِها، وهنا سنكونُ أيضا في مواجهةِ تعاظمِ المخاطرِ لأنَّ أعدادَ المتطرفينَ والمتشددينَ ستزيدُ وستعملُ بروحيةٍ أكثرَ عدوانيةً وانتقامية.
وأشار إلىة أنه لا يجبُ إنكارُ أنَّ للتنظيمِ المتطرفِ والمسيطرِ على حيزٍ جغرافيٍّ في العراقِ وسوريا، حواضنُ وبيئاتٌ تنظيميةٌ وفكرية، ولو بسيطة، في مختلفِ البيئاتِ الدوليةِ الإقليمية، والأردنُّ بينَها، كما هناكَ ما أُسمّيهِ "البيئاتُ المتسامحة" وهي بيئاتٌ غيرُ معنيةٍ بمواجهةِ التنظيمِ والتضييقِ عليه. وهذهِ البيئاتُ تنشأُ نتيجةَ الفقرِ والبطالةِ والفسادِ وغيابِ الديمقراطيةِ وانفصالِ الحكوماتِ عن واقِعِها الاجتماعِي، وانسدادِ الأفق. والبيئاتُ المتسامحةُ تعني ألا يكونَ المواطنُ فعالاً وحيوياً في مشاركةِ الأجهزةِ الأمنيةِ التي تجابِهُ التطرفَ والتشددَ وتكافِحُه.
وبيّن أن التحدي الآخر، إيراني، وهو تحدٍ لا يقلُّ أهميةً عن تحدي التنظيماتِ المتطرفة، وأظُنُّهُ أكثرُها أهمية، بالنظرِ إلى أنَّ إيرانَ دولةٌ قوية، لا يجبُ أن ننكرِ ذلك، وجزءٌ أساسيٌّ من قوتِها انها تشكلُ الحاضنةَ السياسيةَ والعسكريةَ والاقتصاديةَ للعديدِ من المكوناتِ الشيعيةِ في العديدِ من البلدانِ العربية.
وأضاف أن إيرانُ تملكُ نفوذاً حقيقياً في العراق، وستحافظُ على مستوى ما مِنَ النفوذِ في سوريا في ظلِّ أيِّ تسوية، ولها نفوذُها في لبنان، تماما كلما لها نفوذُها في اليمن، وهذا النفوذُ أساسيٌّ في أزْماتِ العديدِ منْ هذِهِ الدولِ بما فيها البحرين، وبمقدورِها أن تؤزِّمَ الأوضاعَ في كل دولِ الخليج، وخصوصا السعودية.
وتابع المجالي، أقولُها صراحة، أنَّ الدولَ العربية، خصوصا التي فيها مكوناتٌ اجتماعيةٌ شيعية، ارتكبتْ خطأينِ تاريخيينِ قاتلين:
الأول: انها لم تحتوِ ولم تحتضنْ المكوناتِ الشيعيةِ العربية، فعامَلَتْها كمكوناتٍ اجتماعيةٍ من الدرجةِ الثانية، ومارستْ بحقِّها التهميشَ والإقصاء، وظلتْ تشككُ في انتماءِ وولاءِ هذه المكوناتِ ولم تثقْ بها يوما.
وأكد هذا الواقعُ الخاطئُ منحَ إيرانَ فرصتَها الذهبيةَ في احتواءِ هذه المكوناتِ ورعايتِها، والظهورَ بمظهرِ الحامي والداعمِ لها، وربطَتْها بها فكرياً وتنظيميا، ولأنَّ إيرانَ تخططُ لأهدافِها، لم تلتزمْ فقط فكرياً واقتصادياً تجاهَ أغلبِ هذهِ المكونات، بل وفَّرتْ لها أيضاً قدراتٍ تنظيميةٍ وهيكليةٍ ودرَّبتْها عسكرياً لتكونَ فاعلاً أساسياً في كلِّ البلادِ التي تتواجدُ بها، لتُوازِنَ واقِعَها كأقليةٍ مع الأكثريةِ السُّنية.
وأضاف، الخطأُ الثاني، أنَّ الدولَ العربيةَ المعنية، لم تُنظِّمِ المكوناتِ السنية، ولم ترْعَ مصالحَها، ولم تمنحْها الاهتمامَ الكافي، فبدتْ قوى مشتتةً هشةً وضعيفةً غير متماسكة، فسهَّلَ على المكوناتِ الشيعيةِ أن تفرِضَ عليها واقِعَها الذي لا ينسجمُ معَ أوزانِ القوى الاجتماعية، ذلك جليٌّ في العراقِ واليمن، والأخطرُ أنَّ المكوناتِ السنية، كما في العراق، لم تَعُدْ تثقُ بالأنظمةِ العربيةِ السُّنيةِ بعد أن تخلتْ عنها غيرَ مرةٍ وتركتْها تواجِهُ مصيرَها وحدَها.
وأكد المجالي أن هذين الخطأينِ الكبيرينِ والقاتلين، يخدمانِ إيران، ليسَ في صراعِها الأيدولوجي، أو ما يُسمّى الصراعُ السنيُّ الشيعي، بل يخدمانِ القوميةَ الفارسيةَ التي تريدُ إيرانُ أن تصعدَ بها إلى الذُروةِ في مواجهةِ قوميةٍ عربيةٍ ضعيفةٍ تعاني الانقساماتِ والتناقضاتِ والأجنداتِ المختلفة.
وأشار إلى أنه قد نجدُ أنفسَنا، واظنُّ ذلكَ واقعا لا محالة، أمامَ تجاوزٍ لثنائيةِ الشيعيِّ والسُّنَّي، إلى ثنائيةِ القوميةِ الفارسيةِ والعربية، وفي ثناياها أيضا بروزٌ لقومياتٍ اخرى كالكردية، وهذه وصفةٌ لخرابِ المنطقة، وضياعِ مستقبلِها، وتستدعي أيضا من العربِ تقييمَ واقعِ قوميتهِم ومدى قدرتِها على مجابهةِ صراعِ القومياتِ الأخرى، خصوصا الفارسيةَ التي تريدُ هيمنةً واسعةً على الإقليم، وقد بدأتْ خطواتُ ذلكَ منذُ زمن، والمؤسفُ أنَّ الدولَ العربيةَ لم تتنبَّه له، قصدا أو من دونِ قصد.
وبيّن لأنه أمامَ هذا الحال، يجدُ الأردنُّ نفسَهُ أمامَ مأزقِ الواقع، وقد حذَّرَ منهُ مِراراً وتكرارا، صراحةً وخِفية، لكنَّ الأردنَّ وحدَهُ لا يُمكِنُه تغييرُ هذا الواقع، إذا لم تتنبَّهِ الدولُ العربيةُ المعنيةُ لمخاطِرِه، وتعيدُ قراءةَ مآلاتِها الراهنةِ والمستقبلية.
وأبدى المجالي أسفه من أنَّ الدولَ العربيةَ التي تقاتل، سياسياً وعسكريا، على أكثرِ من جبهة، لم تنجحْ بعدُ في التقاطِ حقائقِ المشروعِ الفارسيِّ ومداهُ ومصادرِ قوتِّه، وحتى لو التقطتْ هذه الدولُ هذهِ الحقائق، فهي لم تعملْ على تطويرِ استراتيجيةِ مجابهةٍ حقيقية، لا على مستواها ولا حتى على مستوى تحالفِها التاريخيِّ مع الولاياتِ المتحدةِ الأميركية.
وأضاف، نلحظُ أنَّ الدولَ العربيةَ المتضررةَ من التوسعِ والتمددِ الإيراني، بما فيها الأردن، لا تقفُ بصورةٍ عميقةٍ على طبيعةِ المفاوضاتِ الثنائيةِ بين أميركا وإيرانَ بشأنِ البرنامّجِ النووي، فلا أظنُّ أن مثلَ هذا الاتفاقِ سيقتصرُ فقط على البعدِ النوويِّ التقنيِّ وضمانِ مدنيةِ، لا عسكريةِ، المشروعِ الإيراني، إذ أظنُّ أنَّ اتفاقاتٍ سريةٍ ذاتِ طابعٍ سياسيٍّ يمكنُ أن تُعقدَ بين واشنطن وطهران حيالَ مختلفِ قضايا المنطقة.
فأميركا تعي أنَّ إيرانَ الفاعلُ المهيمنُ في الكثيرِ من الملفاتِ والمناطق، وإيرانُ نجحتْ في إقناعِ أميركا أنَّ استقرارَ أوعدمَ استقرارِ المنطقةِ بيدِها، مقابلَ إدراكِ واشنطن أنَّ الدولَ العربيةَ التي يُفترضُ أن تجابِهَ إيرانَ ليستْ بالقوةِ الكافيةِ ولا بالقدرةِ اللازمةِ لتحقيقِ التوازن، من هنا يُمكِنُ أن نفكرَ في بناءِ نمط ٍمختلفٍ من التفاهمِ مع أميركا لخلقِ هذا التوازنِ إنْ لم تستطِعِ الدولُ العربيةُ أن تبنيَ نفسَها من جديدٍ لتعتمدَ على ذاتِها في المجابهةِ وخلقِ التوازنِ المطلوب.
وبّين المجالي أنه تحدث عن الخطرينِ أو التحديينِ الماثلينِ والمستجِدَّينِ الآن، إلا أنه لم يتعرضْ للمخاطرِ التي تُحدِثُها إسرائيلُ المحتلةُ لأرضٍ عربية، لأنَّ هذا الخطرُ مستمرٌ منذُ سنوات، ورغمَ الاتفاقاتِ السلميةِ معَهُ إلاّ أنَّ خطرَ هذا الكيانِ باتَ أكبرَ بكثيرٍ على الأردنِّ والمنطقة، بعدما أتتِ الانتخاباتُ التشريعيةُ الأخيرةُ باليمينِ المتطرف، وما سمعناهُ من رئيسِ الوزراءِ المكلفِ "بنيامين نتنياهو"، قبلَ الانتخابات، من مواقفَ غايةٍ في الخطورةِ وفيها أكَّدَ انتهاءَ فرصِ حلِّ الدولتين، ومثلُ هذا التصريحِ والموقفِ الذي يَصعُبُ على رئيسِ وزراءِ الكيانِ تجاوزَهُ في ظلِّ طبيعةِ تحالفاتِه، فإنَّ الأردنَّ سيكونُ في مواجهةِ خطرِ حلولٍ تفرضُها إسرائيلُ على المنطقةِ تضرُّ الأردنَّ أكثرَ مِن غيرِه.
وأكد أنه ومعَ التحدياتِ التي يفرضُها الكيانُ الإسرائيليُّ الغاصب، يصبحُ الأردنُّ في مواجهةِ مثلثٍ من التحديات؛ تنظيماتٌ متطرفة، تمددٌ إيراني، وأطماعٌ إسرائيلية.. فتكتملُ بذلكَ دائرةُ المخاطرِ والمآلاتِ الصعبة.
واشار إلى أن ذلك ذلك يجبُ أن يعنيَ للأردنِّ، التالي: أن يبدأَ فعلياً في فهمِ وتشخيصِ هذهِ التحدياتِ ويضعَ لها احتمالاتٍ وفرضيات، وأنْ يفهمَ الواقعَ العربيَّ وقدرةَ هذا الواقعِ على توفيرِ القدراتِ اللازمةِ كي يواجهَ الأردنُّ التحدياتِ وكلَّ أخطارِها، وأن يتحدثَ بلغةٍ واضحةٍ تماما مع الشركاءِ العربِ والغربِيينَ حيالَها، وألاّ يُجَمِّلَ أو يقللَ من خطورةِ ما يواجِه، أو يقبلَ بتصوراتِ وتحليلاتِ وتقييماتِ الآخرينَ إذا لم تكنْ واقعيةً تستشرفُ المخاطرَ الوجودية.
وبين المجالي، أنه إذا لم يجدِ الأردنُّ أذناً صاغية، ولم يلمَسْ فرصاً حقيقيةً لتغييرِ الواقعِ العربي، ولم يجدْ بيئةً موضوعيةً لبناءِ مقاربةٍ عربيةٍ واحدةٍ مشتركةٍ لمواجهةِ هذهِ المخاطر، فعليهِ أن يُصممَ مقاربتَهُ الخاصة، وأن يوازنَ علاقاتِهِ الخارجيةِ بما يحفظُ وجودَ الدولة، ويقللَ من فرصِ تعرضِها للأسوأ.
واضاف، أنا أتفهمُ، لكن لا أفهم، الملاحظاتِ النقديةِ على زيارةِ وزيرِ الخارجيةِ الأردنيِّ إلى طهران، بل أجدُها خطوةً ذكيةً وضرورية، لنفهمَ طبيعةَ التفكيرِ الإيرانيِّ وإلى أيِّ مدى هو ذاهب، وكذلك كي يفهمَ الجانبُ الإيرانيُّ مواقفَنا وتقييماتِنا لما تمرُّ بهِ المنطقةُ ومخاطرُ ذلكَ على الجميعِ بما فيهم إيران.
وكشف أن العديدُ من الدول، حتى بعضٌ تلكَ التي شاركتْ في تحالفِ الدولِ العشرِ الذي تقودُهُ السعوديةُ ضدَّ الحوثيينَ في اليمن، تقيمُ علاقاتٍ واتصالاتٍ معَ إيران، أي أنَّ مثلَ هذهِ السياساتِ والتوازناتِ طبيعيةٌ في العلاقاتِ بين الدول.
وتابع، رغمَ أملي في أن يُشكِّلَ التحالفُ العشريُّ الفاعلُ في القضيةِ اليمينة، بدايةَ تصليبِ المواقفِ العربيةِ في مواجهةِ إيرانَ وتمددِها، والتنظيماتِ المتطرفةِ وأخطارِها، إلاّ أنَّي أخشى من محدوديةِ الفعاليةِ واعتراضِ دولٍ عربيةٍ عليه، وربما حتى اعتراضِ أميركا على أن يأخذَ هذا التحالفُ مدى أوسعَ من المدى والنطاقِ اليمني، لكن قبل أن نَخلُصَ إلى نتائجَ محددةٍ في هذا الشأنِ فمِنَ الحكمةِ انتظارُ بعضِ الوقتِ للتقييمِ والاستنتاج.
وأكد المجالي أنه إذا أردنا إِحداثَ تغييراتٍ حقيقيةٍ في واقعِ المنطقةِ والإقليم، وكذلك خلقَ حالةِ التوازنِ المفترضةِ بين قواه، فان إنفاذَ قرارِ القمةِ العربيةِ في شرمِ الشيخ بتشكيلِ قوةٍ عسكريةٍ مشتركةٍ مدخلٌ مهمٌ، لأن خطوةً كهذهِ تدعمُ التصوراتِ السياسيةِ والتسوياتِ الناجمةِ عنها من غيرِ غبنٍ أو استسلامٍ لشروطِ الطرفِ الأقوى، وميزةُ القوةِ العربيةِ المشتركةِ أنها تجنبتْ مأزقَ شرطِ الإجماعِ الذي يفرضُهُ ميثاقُ الجامعةِ العربية، فأن تكونَ المشاركةُ في تلكَ القوةِ اختياريةٌ لا إجباريةً من شأنهِ ان يقللَ مأزقَ تشكيلِها، ويخففَ الخلافاتِ حولَها.
وأشار إلى أنه من المهمُ أن تكونَ أسسُ ومعاييرُ تشكيلِ هذهِ القوة، وكذلك مهماتُها وفي أي ظروف، تعملُ واضحةً وشفافة، ومتفقا عليها مسبقا، تجنبا للتفسيراتِ والتأويلاتِ المستقبليةِ التي قد تظهرُ مع أيِّ مهمةٍ تقومُ بها أو تُستدعى إليها، فتجدَ نفسَها وقد اصبحت مشلولةً ولا فائدةَ منها، وهذا، إن حدثَ لا قدَّرَ الله، فإنً المنطقةَ ستكونُ مكشوفةً أمامَ كمٍّ هائلٍ من المخاطر، لأن فرصَ التلاقي والتفاهمِ العسكريِّ وحتى السياسيِّ تصبحُ أكثرَ صعوبةً وأكثرَ تعقيدا.
وختم المجالي قوله، هذا هو الواقع، بكل مراراتِهِ وصعابِه، والمفتوحِ على أفقٍ مظلمٍ شديدِ الخطورة..
وأشار المجالي، إلى أنَّ أصلَ العلاجِ تشخيصُ المرض، وأصلَ مواجهةِ التحدياتِ ومخاطرِها أن نفهمَها فهماً عميقاً دقيقا، وأن نسبُرَ أسبابَها، ونفكِّكَها إلى جزئياتٍ صغيرة، ونحللَّ مُعطياتِها، وكلَّ الحيثياتِ المحيطةِ بها، وأن نعرفَ أطرافَ هذهِ التحديات، والمحفزاتِ التي أدت بهذه الأطرافِ لتكونَ فاعلاً أساسياً أو ثانوياً في كلِّ ما يجري في المنطقةِ والإقليم، مؤكداً على أنها في الأصل، بديهياتٌ ومسلمات.
لافتاً إلى أن الدولُ التي تستكشفُ ما تواجِهُهُ من تحدياتٍ بمقدورِها أن تُفلتَ من تبعاتِها وتداعياتِها، وفي الحدِّ الأدنى، تُقللُ من كُلَفِ هذه التبعاتِ والتداعيات، وهذا يتطلبُ أن تكونَ للدولةِ الواحدةِ مقاربتَها الخاصةَُ وتُطَوِّرَ قدراتِ المجابهةِ الذاتية، لكنْ في الأساسِ السليمِ أنَّ على مجموعةَِ الدولِ ذاتِ التشخيصِ الواحدِ للتحدياتِ والأخطارِ تطويرَ مقاربةٍ مشتركة، بِلا خللٍ أو ثغرات، لتتمكنَ من مجابهةِ ما تتعرضُ له من صعوباتٍ وتعقيداتٍ ومخاطر.
وأمد المجالى أنَّه على الأردنِّ أن يطورَ مقاربتَهُ الخاصةَ وبجهدِهِ الذاتي، وأنْ يوجِّهَ كلَّ مقدَّراتِها وامكاناتهِ للاستفادةِ منها وبأقصى طاقةٍ لحمايِة ذاتهِ من عواصفِ المنطقةِ والإقليم، وبعد أن يَطمئِنَّ إلى نجاحِهِ في ذلك، لابدَّ له، بل يجبُ عليه، أن يبادرَ إلى التحركِ لبناءِ مقاربةٍ مع دولٍ منتقاةٍ ومنسجمةٍ معَه في فهمِ الواقعِ الراهنِ وكيفيةِ مواجهةِ ما يمثلُ هذا الواقعُ من صعابٍ ويجلبُه من ويلات، ليسَ على الأردنِّ فقط، بل وعلى جميعِ دولِ المنطقةِ والإقليم.
والناظرُ إلى طبيعةِ التحدياتِ لا يخطئُ في تحديدِها، فالمنطقةُ والإقليمُ في مواجهةِ نوعينِ من التحدياتِ الثقيلةِ والصاعدة، تحدٍّ تمثلُهُ التنظيماتُ المتطرفةُ والمتشددة، أبرزها "تنظيمُ الدولةِ الإسلامية" ويليهِ تنظيمُ "القاعدة"، والتحدي الآخرُ هوَ التمددُ الإيرانيُّ وتوسُّعِ نفوذِها ذاتيا أو عبرَ قوى فعالةٍ وكيلةٍ لها، وهو نفوذٌ سيكونُ أكثر صعوداً حالَ توقيعِ إيرانَ مع مجموعةِ الدولِ الستِّ الاتفاقَ الوشيكَ بشأنِ برنامَجِها النووي.
وأضاف، لا شك أن الأردنَّ، مستهدفٌ من التنظيمِ المتطرفِ الذي يدَّعي أنَّهُ يمثلُ الإسلام، فسيطرتُهُ على مساحاتٍ كبيرة، ومنذ أشهر، في سوريا والعراق، وتمدُّدُه إلى دولِ الشرقِ الأوسطِ وشمالِ أفريقيا، عبر مبايعاتٍ من تنظيماتٍ أخرى تزيدُ المخاطرَ على الأردن، والذي يضاعِفُ هذهِ المخاطرَ أنَّ استراتيجيةَ مواجهتِها، لا تبدو محكمةً ومنسقةً على نحوٍ كاف، وتَظهَرُ أميركا وكأنها لا تستعجلُ الحسمَ معه، أو كأنها لم تُنضِجْ بعد استراتيجيةً عسكريةً وسياسيةً للحسم، وهذا أمرٌ لابدَّ من فحصِهِ واستكشافِ دلالاتِهِ ومعانيه، لأنَّ عواقبَهُ كارثيةٌ ومن شأنٍها أنْ ترفعَ منسوبَ المخاطرِ على المنطقةِ بأسرِها.
وتابع المجالي، أظنُّ الأردنَّ يدركُ جيداً أنَّ النمطَ الحاليَّ من المواجهةِ معَ التنظيم، على المستويينِ الإقليميِّ والدولي، ليس كافياً ولا فعالا، وأظنُّ أنَّ على الأردنِّ أن يدرك، كما كلُّ الدولِ ذاتِ الصلة، أن التنظيمَ وصمودَهُ إلى الآن، نتيجةَ عدمِ المواجهةِ الحاسمةِ معَه، باتَ جذاباً للشبابِ من كلِّ أرجاءِ العالم، وهو جذابٌ بمستوى العنفِ والتحدي الذي يمثلُهُ وخصوصاً إعلانُ الخلافةِ على حيزٍ جغرافيٍّ ليسَ هيِّنا، ويُلاحَظُ أنَّ أيدلوجيةَ تنظيمِ الدولةِ تفوقتْ في الجاذبيةِ والحضورِ والتأثيرِ على جاذبيةِ تنظيمِ القاعدة.
وأوضح أن الخشيةُ تكمن في أنْ يتحولَ تنظيمُ القاعدةِ إلى اتباعِ أنماطِ عملِ تنظيمِ الدولةِ فنُصبحَ في مواجهةِ تعاظمٍ للأخطار، أو أن ينهزِمَ تنظيمُ الدولةِ وتُهَدَّمُ خلافتُه، وهو المرجح، ويتحولَ إلى العملِ بأنماطِ تنظيمِ القاعدة، أي العملياتِ الانتحاريةِ والسياراتِ المفخخةِ واختطافِ الرهائن، وغيرِها، وهنا سنكونُ أيضا في مواجهةِ تعاظمِ المخاطرِ لأنَّ أعدادَ المتطرفينَ والمتشددينَ ستزيدُ وستعملُ بروحيةٍ أكثرَ عدوانيةً وانتقامية.
وأشار إلىة أنه لا يجبُ إنكارُ أنَّ للتنظيمِ المتطرفِ والمسيطرِ على حيزٍ جغرافيٍّ في العراقِ وسوريا، حواضنُ وبيئاتٌ تنظيميةٌ وفكرية، ولو بسيطة، في مختلفِ البيئاتِ الدوليةِ الإقليمية، والأردنُّ بينَها، كما هناكَ ما أُسمّيهِ "البيئاتُ المتسامحة" وهي بيئاتٌ غيرُ معنيةٍ بمواجهةِ التنظيمِ والتضييقِ عليه. وهذهِ البيئاتُ تنشأُ نتيجةَ الفقرِ والبطالةِ والفسادِ وغيابِ الديمقراطيةِ وانفصالِ الحكوماتِ عن واقِعِها الاجتماعِي، وانسدادِ الأفق. والبيئاتُ المتسامحةُ تعني ألا يكونَ المواطنُ فعالاً وحيوياً في مشاركةِ الأجهزةِ الأمنيةِ التي تجابِهُ التطرفَ والتشددَ وتكافِحُه.
وبيّن أن التحدي الآخر، إيراني، وهو تحدٍ لا يقلُّ أهميةً عن تحدي التنظيماتِ المتطرفة، وأظُنُّهُ أكثرُها أهمية، بالنظرِ إلى أنَّ إيرانَ دولةٌ قوية، لا يجبُ أن ننكرِ ذلك، وجزءٌ أساسيٌّ من قوتِها انها تشكلُ الحاضنةَ السياسيةَ والعسكريةَ والاقتصاديةَ للعديدِ من المكوناتِ الشيعيةِ في العديدِ من البلدانِ العربية.
وأضاف أن إيرانُ تملكُ نفوذاً حقيقياً في العراق، وستحافظُ على مستوى ما مِنَ النفوذِ في سوريا في ظلِّ أيِّ تسوية، ولها نفوذُها في لبنان، تماما كلما لها نفوذُها في اليمن، وهذا النفوذُ أساسيٌّ في أزْماتِ العديدِ منْ هذِهِ الدولِ بما فيها البحرين، وبمقدورِها أن تؤزِّمَ الأوضاعَ في كل دولِ الخليج، وخصوصا السعودية.
وتابع المجالي، أقولُها صراحة، أنَّ الدولَ العربية، خصوصا التي فيها مكوناتٌ اجتماعيةٌ شيعية، ارتكبتْ خطأينِ تاريخيينِ قاتلين:
الأول: انها لم تحتوِ ولم تحتضنْ المكوناتِ الشيعيةِ العربية، فعامَلَتْها كمكوناتٍ اجتماعيةٍ من الدرجةِ الثانية، ومارستْ بحقِّها التهميشَ والإقصاء، وظلتْ تشككُ في انتماءِ وولاءِ هذه المكوناتِ ولم تثقْ بها يوما.
وأكد هذا الواقعُ الخاطئُ منحَ إيرانَ فرصتَها الذهبيةَ في احتواءِ هذه المكوناتِ ورعايتِها، والظهورَ بمظهرِ الحامي والداعمِ لها، وربطَتْها بها فكرياً وتنظيميا، ولأنَّ إيرانَ تخططُ لأهدافِها، لم تلتزمْ فقط فكرياً واقتصادياً تجاهَ أغلبِ هذهِ المكونات، بل وفَّرتْ لها أيضاً قدراتٍ تنظيميةٍ وهيكليةٍ ودرَّبتْها عسكرياً لتكونَ فاعلاً أساسياً في كلِّ البلادِ التي تتواجدُ بها، لتُوازِنَ واقِعَها كأقليةٍ مع الأكثريةِ السُّنية.
وأضاف، الخطأُ الثاني، أنَّ الدولَ العربيةَ المعنية، لم تُنظِّمِ المكوناتِ السنية، ولم ترْعَ مصالحَها، ولم تمنحْها الاهتمامَ الكافي، فبدتْ قوى مشتتةً هشةً وضعيفةً غير متماسكة، فسهَّلَ على المكوناتِ الشيعيةِ أن تفرِضَ عليها واقِعَها الذي لا ينسجمُ معَ أوزانِ القوى الاجتماعية، ذلك جليٌّ في العراقِ واليمن، والأخطرُ أنَّ المكوناتِ السنية، كما في العراق، لم تَعُدْ تثقُ بالأنظمةِ العربيةِ السُّنيةِ بعد أن تخلتْ عنها غيرَ مرةٍ وتركتْها تواجِهُ مصيرَها وحدَها.
وأكد المجالي أن هذين الخطأينِ الكبيرينِ والقاتلين، يخدمانِ إيران، ليسَ في صراعِها الأيدولوجي، أو ما يُسمّى الصراعُ السنيُّ الشيعي، بل يخدمانِ القوميةَ الفارسيةَ التي تريدُ إيرانُ أن تصعدَ بها إلى الذُروةِ في مواجهةِ قوميةٍ عربيةٍ ضعيفةٍ تعاني الانقساماتِ والتناقضاتِ والأجنداتِ المختلفة.
وأشار إلى أنه قد نجدُ أنفسَنا، واظنُّ ذلكَ واقعا لا محالة، أمامَ تجاوزٍ لثنائيةِ الشيعيِّ والسُّنَّي، إلى ثنائيةِ القوميةِ الفارسيةِ والعربية، وفي ثناياها أيضا بروزٌ لقومياتٍ اخرى كالكردية، وهذه وصفةٌ لخرابِ المنطقة، وضياعِ مستقبلِها، وتستدعي أيضا من العربِ تقييمَ واقعِ قوميتهِم ومدى قدرتِها على مجابهةِ صراعِ القومياتِ الأخرى، خصوصا الفارسيةَ التي تريدُ هيمنةً واسعةً على الإقليم، وقد بدأتْ خطواتُ ذلكَ منذُ زمن، والمؤسفُ أنَّ الدولَ العربيةَ لم تتنبَّه له، قصدا أو من دونِ قصد.
وبيّن لأنه أمامَ هذا الحال، يجدُ الأردنُّ نفسَهُ أمامَ مأزقِ الواقع، وقد حذَّرَ منهُ مِراراً وتكرارا، صراحةً وخِفية، لكنَّ الأردنَّ وحدَهُ لا يُمكِنُه تغييرُ هذا الواقع، إذا لم تتنبَّهِ الدولُ العربيةُ المعنيةُ لمخاطِرِه، وتعيدُ قراءةَ مآلاتِها الراهنةِ والمستقبلية.
وأبدى المجالي أسفه من أنَّ الدولَ العربيةَ التي تقاتل، سياسياً وعسكريا، على أكثرِ من جبهة، لم تنجحْ بعدُ في التقاطِ حقائقِ المشروعِ الفارسيِّ ومداهُ ومصادرِ قوتِّه، وحتى لو التقطتْ هذه الدولُ هذهِ الحقائق، فهي لم تعملْ على تطويرِ استراتيجيةِ مجابهةٍ حقيقية، لا على مستواها ولا حتى على مستوى تحالفِها التاريخيِّ مع الولاياتِ المتحدةِ الأميركية.
وأضاف، نلحظُ أنَّ الدولَ العربيةَ المتضررةَ من التوسعِ والتمددِ الإيراني، بما فيها الأردن، لا تقفُ بصورةٍ عميقةٍ على طبيعةِ المفاوضاتِ الثنائيةِ بين أميركا وإيرانَ بشأنِ البرنامّجِ النووي، فلا أظنُّ أن مثلَ هذا الاتفاقِ سيقتصرُ فقط على البعدِ النوويِّ التقنيِّ وضمانِ مدنيةِ، لا عسكريةِ، المشروعِ الإيراني، إذ أظنُّ أنَّ اتفاقاتٍ سريةٍ ذاتِ طابعٍ سياسيٍّ يمكنُ أن تُعقدَ بين واشنطن وطهران حيالَ مختلفِ قضايا المنطقة.
فأميركا تعي أنَّ إيرانَ الفاعلُ المهيمنُ في الكثيرِ من الملفاتِ والمناطق، وإيرانُ نجحتْ في إقناعِ أميركا أنَّ استقرارَ أوعدمَ استقرارِ المنطقةِ بيدِها، مقابلَ إدراكِ واشنطن أنَّ الدولَ العربيةَ التي يُفترضُ أن تجابِهَ إيرانَ ليستْ بالقوةِ الكافيةِ ولا بالقدرةِ اللازمةِ لتحقيقِ التوازن، من هنا يُمكِنُ أن نفكرَ في بناءِ نمط ٍمختلفٍ من التفاهمِ مع أميركا لخلقِ هذا التوازنِ إنْ لم تستطِعِ الدولُ العربيةُ أن تبنيَ نفسَها من جديدٍ لتعتمدَ على ذاتِها في المجابهةِ وخلقِ التوازنِ المطلوب.
وبّين المجالي أنه تحدث عن الخطرينِ أو التحديينِ الماثلينِ والمستجِدَّينِ الآن، إلا أنه لم يتعرضْ للمخاطرِ التي تُحدِثُها إسرائيلُ المحتلةُ لأرضٍ عربية، لأنَّ هذا الخطرُ مستمرٌ منذُ سنوات، ورغمَ الاتفاقاتِ السلميةِ معَهُ إلاّ أنَّ خطرَ هذا الكيانِ باتَ أكبرَ بكثيرٍ على الأردنِّ والمنطقة، بعدما أتتِ الانتخاباتُ التشريعيةُ الأخيرةُ باليمينِ المتطرف، وما سمعناهُ من رئيسِ الوزراءِ المكلفِ "بنيامين نتنياهو"، قبلَ الانتخابات، من مواقفَ غايةٍ في الخطورةِ وفيها أكَّدَ انتهاءَ فرصِ حلِّ الدولتين، ومثلُ هذا التصريحِ والموقفِ الذي يَصعُبُ على رئيسِ وزراءِ الكيانِ تجاوزَهُ في ظلِّ طبيعةِ تحالفاتِه، فإنَّ الأردنَّ سيكونُ في مواجهةِ خطرِ حلولٍ تفرضُها إسرائيلُ على المنطقةِ تضرُّ الأردنَّ أكثرَ مِن غيرِه.
وأكد أنه ومعَ التحدياتِ التي يفرضُها الكيانُ الإسرائيليُّ الغاصب، يصبحُ الأردنُّ في مواجهةِ مثلثٍ من التحديات؛ تنظيماتٌ متطرفة، تمددٌ إيراني، وأطماعٌ إسرائيلية.. فتكتملُ بذلكَ دائرةُ المخاطرِ والمآلاتِ الصعبة.
واشار إلى أن ذلك ذلك يجبُ أن يعنيَ للأردنِّ، التالي: أن يبدأَ فعلياً في فهمِ وتشخيصِ هذهِ التحدياتِ ويضعَ لها احتمالاتٍ وفرضيات، وأنْ يفهمَ الواقعَ العربيَّ وقدرةَ هذا الواقعِ على توفيرِ القدراتِ اللازمةِ كي يواجهَ الأردنُّ التحدياتِ وكلَّ أخطارِها، وأن يتحدثَ بلغةٍ واضحةٍ تماما مع الشركاءِ العربِ والغربِيينَ حيالَها، وألاّ يُجَمِّلَ أو يقللَ من خطورةِ ما يواجِه، أو يقبلَ بتصوراتِ وتحليلاتِ وتقييماتِ الآخرينَ إذا لم تكنْ واقعيةً تستشرفُ المخاطرَ الوجودية.
وبين المجالي، أنه إذا لم يجدِ الأردنُّ أذناً صاغية، ولم يلمَسْ فرصاً حقيقيةً لتغييرِ الواقعِ العربي، ولم يجدْ بيئةً موضوعيةً لبناءِ مقاربةٍ عربيةٍ واحدةٍ مشتركةٍ لمواجهةِ هذهِ المخاطر، فعليهِ أن يُصممَ مقاربتَهُ الخاصة، وأن يوازنَ علاقاتِهِ الخارجيةِ بما يحفظُ وجودَ الدولة، ويقللَ من فرصِ تعرضِها للأسوأ.
واضاف، أنا أتفهمُ، لكن لا أفهم، الملاحظاتِ النقديةِ على زيارةِ وزيرِ الخارجيةِ الأردنيِّ إلى طهران، بل أجدُها خطوةً ذكيةً وضرورية، لنفهمَ طبيعةَ التفكيرِ الإيرانيِّ وإلى أيِّ مدى هو ذاهب، وكذلك كي يفهمَ الجانبُ الإيرانيُّ مواقفَنا وتقييماتِنا لما تمرُّ بهِ المنطقةُ ومخاطرُ ذلكَ على الجميعِ بما فيهم إيران.
وكشف أن العديدُ من الدول، حتى بعضٌ تلكَ التي شاركتْ في تحالفِ الدولِ العشرِ الذي تقودُهُ السعوديةُ ضدَّ الحوثيينَ في اليمن، تقيمُ علاقاتٍ واتصالاتٍ معَ إيران، أي أنَّ مثلَ هذهِ السياساتِ والتوازناتِ طبيعيةٌ في العلاقاتِ بين الدول.
وتابع، رغمَ أملي في أن يُشكِّلَ التحالفُ العشريُّ الفاعلُ في القضيةِ اليمينة، بدايةَ تصليبِ المواقفِ العربيةِ في مواجهةِ إيرانَ وتمددِها، والتنظيماتِ المتطرفةِ وأخطارِها، إلاّ أنَّي أخشى من محدوديةِ الفعاليةِ واعتراضِ دولٍ عربيةٍ عليه، وربما حتى اعتراضِ أميركا على أن يأخذَ هذا التحالفُ مدى أوسعَ من المدى والنطاقِ اليمني، لكن قبل أن نَخلُصَ إلى نتائجَ محددةٍ في هذا الشأنِ فمِنَ الحكمةِ انتظارُ بعضِ الوقتِ للتقييمِ والاستنتاج.
وأكد المجالي أنه إذا أردنا إِحداثَ تغييراتٍ حقيقيةٍ في واقعِ المنطقةِ والإقليم، وكذلك خلقَ حالةِ التوازنِ المفترضةِ بين قواه، فان إنفاذَ قرارِ القمةِ العربيةِ في شرمِ الشيخ بتشكيلِ قوةٍ عسكريةٍ مشتركةٍ مدخلٌ مهمٌ، لأن خطوةً كهذهِ تدعمُ التصوراتِ السياسيةِ والتسوياتِ الناجمةِ عنها من غيرِ غبنٍ أو استسلامٍ لشروطِ الطرفِ الأقوى، وميزةُ القوةِ العربيةِ المشتركةِ أنها تجنبتْ مأزقَ شرطِ الإجماعِ الذي يفرضُهُ ميثاقُ الجامعةِ العربية، فأن تكونَ المشاركةُ في تلكَ القوةِ اختياريةٌ لا إجباريةً من شأنهِ ان يقللَ مأزقَ تشكيلِها، ويخففَ الخلافاتِ حولَها.
وأشار إلى أنه من المهمُ أن تكونَ أسسُ ومعاييرُ تشكيلِ هذهِ القوة، وكذلك مهماتُها وفي أي ظروف، تعملُ واضحةً وشفافة، ومتفقا عليها مسبقا، تجنبا للتفسيراتِ والتأويلاتِ المستقبليةِ التي قد تظهرُ مع أيِّ مهمةٍ تقومُ بها أو تُستدعى إليها، فتجدَ نفسَها وقد اصبحت مشلولةً ولا فائدةَ منها، وهذا، إن حدثَ لا قدَّرَ الله، فإنً المنطقةَ ستكونُ مكشوفةً أمامَ كمٍّ هائلٍ من المخاطر، لأن فرصَ التلاقي والتفاهمِ العسكريِّ وحتى السياسيِّ تصبحُ أكثرَ صعوبةً وأكثرَ تعقيدا.
وختم المجالي قوله، هذا هو الواقع، بكل مراراتِهِ وصعابِه، والمفتوحِ على أفقٍ مظلمٍ شديدِ الخطورة..