"الفيسبوك".. شبكة العلاقات الافتراضية والفضاء الذي لا يعترف بالقيود
تامر خرمه- في عصر الثورة المعلوماتية، بات العيد وكافة المناسبات الاجتماعية مجرد استحقاقات تفرض بعض مفردات التهاني عبر اللغة الرقمية، دون تحقيق التواصل الاجتماعي خارج نطاق الشبكة العنكبوتية التي حلت مكان الواقع لتخلق آفاقا افتراضية تكرس فردية الإنسان، الذي بات وكأنه يتلصص على العالم من نافذة شاشته الالكترونية.
لست بحاجة إلى القيام بالزيارات التي تفرضها مناسبة العيد وغيرها من المناسبات، مادامت وسائل الاتصال تتيح لي القيام بما تيسر من مجاملات تقتضيها الالتزامات الاجتماعية.. هذا هو لسان حال المواطن الذي ملأ صفحات "الفيسبوك" و"التويتر" وكافة مواقع التواصل الاجتماعي، بمختلف عبارات التهاني دون ان يلتقي وجها لوجه مع أي من الأقارب والأصدقاء الذين وصلت إليهم معايداته وتهانيه بعيد الفطر.
من جهة أخرى فإن العالم الافتراضي، الذي لا يحتاج فيه الفرد الى هوية او جواز سفر، صهر المجتمعات الانسانية في شبكة متشعبة من العلاقات الاجتماعية الافتراضية، حيث تمكنت الثورة المعلوماتية من خلق عالم افتراضي مواز للواقع، اتاح امكانية تجاوز كافة القيود والمحددات.
تستطيع ان تكون ما تشاء، وان تنتمي لأي من هذه المجتمعات الافتراضية، بل ومن الممكن ايضاً النفاذ من العالم الافتراضي الى أرض الواقع ونقل العلاقات الرقمية الى حيز الحياة اليومية، بل ويمكنك ممارسة نشاطك السياسي على نطاق غير محدود، والتعبير عن آرائك ومعتقداتك بكل ما اوتيت من رغبة بالحرية.
"الفيسبوك" هو أحد أهم مجتمعات العالم الافتراضي التي تتشابك مع الواقع التقليدي عبر منظومات من الشبكات الاجتماعية التي تجمع بين المعارف والاصدقاء التقليديين والاصدقاء الافتراضيين على حد سواء، حيث اتاح هذا الموقع الالكتروني امكانية التنقل والتفاعل بين مختلف الافراد والمجتمعات، وعلى نطاق واسع، عبر الجسور الممتدة من عالم الواقع الى عالم الديجيتال.
صديقتي "الفيسبوكية" كاثرين ابو دولة، اعتبرت ان واقعنا ليس افتراضياً، "ما دمنا نتكلم مع اشخاص من لحم ودم"، وقالت: "أنت تقرأ مثلاً شعراً لشخص ما، فتحترمه وتقدره وتعرفه من غير أن تراه•• المهم أن تحسن الاختيار يا صديقي".
واكدت ان ما هو غير مسموح يصبح متاحاً على "الفيسبوك"، فيستطيع الانسان أن يقرر وحده ما لا تقرره عادات معينة مرتبطة بالبيئة التي يعيشها، كما يستطيع تكوين صداقات قد يكون من الصعب انشاؤها في محيطه.
وتابعت بقولها: "أحياناً يعيش بعض الاشخاص في غربة عن محيطهم، لاختلاف نمط تفكيرهم عمن هم حولهم، فيجدون على "الفيسبوك" من يوافقهم على آرائهم ويؤمن بمعتقداتهم، فيشعرون انهم يحيون في نفوس الآخرين.
واشارت ابو دولة الى ان "الفيسبوك" اتاح للأفراد امكانية البحث والمعرفة وتذوق الجمال، وقالت: "الانسان يعيش ليهتدي الى الجمال•• وما خلا ذلك وهم من الانتظار، هذا ما قاله جبران منذ سنوات".
واعتبر الطالب كمال بلعاوي ان اكثر ما يميز العلاقات الاجتماعية التي تنشأ عبر المواقع الالكترونية هو امكانية طرح مختلف الامور الاجتماعية والسياسية غير المتاح طرحها في الاوساط التقليدية، حيث يكون الفرد اكثر جرأة في طرح ما يريده، كونه غير معروف للطرف الآخر.
وقال ان العلاقات تكون متاحة بشكل واسع جداً على المنتديات الالكترونية، خاصة مع الجنس الآخر، غير أن هذه العلاقات تكون غير طبيعية ومشوهة كونها ناتجة عن كبت اجتماعي، وتتوفر فيها امكانية ظهور الشخص بما يناقض حقيقته.
واكد بلعاوي ان هذه المواقع قد ساهمت في الترويج لمختلف الافكار السياسية لأكبر شريحة اجتماعية، منوهاً إلى أن الحوارات التي تتم عبر الانترنت تساهم في تطوير شخصية الفرد، مستدركاً بالقول: "لكن طرح مواضيع معينة قد يخلق حساسيات لدى البعض، خاصة واننا ننتمي لحضارة لها خصوصيتها، والنقاش غالباً لا يتم على أرضية تقبل الآخر".
ومن جانبه أشار الطالب عمرو ابو فرحة الى أن المواقع الالكترونية وخاصة "الفيسبوك" هي منابر هامة للعمل العام، يمكن من خلالها الترويج لمختلف النشاطات الثقافية والفنية والسياسية، وقال: "لقد اتاح لي الفيسبوك امكانية التواصل مجدداً مع اصدقاء قدامى كنت اعرفهم في المرحلة المدرسية"، مشيراً الى أن العلاقات التي تنشأ مع أشخاص مجهولين يشوبها التضليل في كثير من الاحيان، حيث يخفي الفرد شخصيته الحقيقية عن الذين لا يعرفهم فتكون لديه هوية افتراضية تختلف عن شخصيته الحقيقية.
وهذا ما اكده ايضاً الناشط على موقع "الفيسبوك" ماهر النمري الذي قال: "كثيراً ما يُظهر أحدهم ما يريد فقط من شخصيته، ويدعي ما ليس فيه، واحياناً يحدث هذا دون تعمد او وعي، كما أن الفيسبوك يتيح المجال لاقامة علاقات وصداقات عديدة في فترة زمنية قصيرة، إلا أنه كثيراً ما يصطدم الفرد بالواقع نتيجة غياب المصداقية في الكثير من هذه العلاقات".
واعتبر ان من أهم مزايا "الفيسبوك" هو امكانية الوصول لاشخاص يكون من الصعب الالتقاء بهم، والقدرة على الحشد لمختلف النشاطات الطلابية وايصال الافكار السياسية لمجموعة كبيرة من الناس.
ويبقى العالم الافتراضي مرآة للواقع التقليدي، إلا أن المحددات الاجتماعية التي تحكم طبيعة واشكال العلاقات بين الافراد، بات من الممكن تجاوزها في هذه المجتمعات الرقمية بعد أن رفعت الحظر عن كافة الافكار والمعتقدات التي تتصادم مع حواجز الثالوث المحرم، حيث لم يعد الحديث بل والجدل في شؤون الدين والسياسة والجنس من الموبقات التي تفرض على مقترفها جداراً من العزلة الابدية.