مهام شاقة تنتظر التوجه الفلسطيني في الجنائية الدولية
جو 24 : ينتظر الفلسطينيون مهام شاقة قبل تحويل مسعاهم لمحاكمة قادة الاحتلال الإسرائيلي في المحكمة الجنائية الدولية إلى حقيقة فعلية في ظل مصاعب قانونية وسياسية متعددة تنتظرهم.
وأعلنت الجنائية الدولية في الأول من الشهر الجاري بدء سريان عضوية فلسطين لديها بعد ثلاثة أشهر من توقيع الرئيس محمود عباس على ميثاق "روما" الممهد الأساسي للانضمام إلى المحكمة.
وسبق ذلك أن أعلنت المدعية العام للمحكمة عن الشروع في تحقيق "دراسة حالة" عن الأراضي الفلسطينية وهو ما يمكن أن يعقبه بدء تحويل الجانب الفلسطيني ملفات دعاوي قضائية لدى المحكمة.
ويجمع سياسيون وقانونيون وأكاديميون على ضرورة استمرار المساعي لتحقيق العدالة للضحايا وعد إفلات مجرمي الحرب الإسرائيليين من المحاسبة شرط أن يتم ذلك ضمن معدات قانونية معد لها جيدا.
وضمن التحضيرات لهذه الخطوات نظم مركز الميزان لحقوق الإنسان في غزة مؤتمراً تحت عنوان "فلسطين والعدالة المنتظرة.. المحكمة الجنائية الدولية"، بحضور ممثلي أحزاب سياسية ومؤسسات أهلية وحقوقيين وأكاديميين.
تحقيق العدالة
وأكد رئيس اللجنة الوطنية للمتابعة مع المحكمة الجنائية الدولية صائب عريقات في مداخلة هاتفية له خلال المؤتمر، أن السلطة الفلسطينية لم تنضم للمحكمة الجنائية الدولية من أجل الانتقام "بل من أجل تحقيق العدالة وعدم تكرار الجرائم".
وذكر عريقات أن السلطة الفلسطينية انضمت لـ(29) اتفاقية من أصل (523) منظمة وميثاق واتفاقية.
وأشار إلى أن اللجنة الوطنية تستعد لإعداد الملفات المنوي تحويلها على المحكمة الجنائية واتفقت في سبيل ذلك مع خمسة مؤسسات قانونية دولية للاستعانة بخبراتهم.
وذكر أن ملفي الاستيطان والعدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة يحتلان الأولوية في التوجه الفلسطيني المرتقب للمحكمة الجنائية، على أن تكون قضية الأسرى في سجون الاحتلال إحدى القضايا المستقبلية.
وأعلن عريقات أن اللجنة الوطنية تعتزم التوقيع خلال الأسبوع مع خمس من كبرى المؤسسات الدولية المختصة بالقانون الدولي والمهتمة بالمحكمة الجنائية الدولية للاستفادة من خبراتها في مجال التوجه للمحكمة الجنائية.
جهد حقوقي
وفقا للعضوية الفلسطينية لدى المحكمة الجنائية الدولية فإن الولاية الزمنية لها في الأراضي الفلسطينية ستبدأ ابتداء من 13 يونيو الماضي وهو ما يؤمل استخدامه خصوصا في إنصاف ضحايا العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة صيف العام الماضي.
وقال عصام يونس مدير مركز الميزان إن الضحايا الفلسطينيين هم اليوم أبعد ما يكونون عن الوصول للعدالة، حيث يجري التضحية بقيم العدالة وقواعد القانون الدولي لصالح إفلات مجرمي الحرب من العقاب.
ولفت يونس إلى أن دولة الاحتلال ارتكبت وبشكل منظم جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، من خلال إقامة جدار الفصل العنصري، كما أنها شنت ثلاث هجمات حربية واسعة النطاق في أقل من ست سنوات.
وكان الانضمام الفلسطيني إلى عضوية الجنائية الدولية جاء بعد فشل مشروع قرار فلسطيني قدم إلى مجلس الأمن الدولي في ديسمبر الماضي لطلب تحديد سقف زمني لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي بسبب تعذر نيله التسعة أصوات المطلوبة من المجلس.
ويرى إبراهيم أبو شمالة ممثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن الانضمام الفلسطيني للمحكمة الجنائية "مهم ويعزز التوجه لاستخدام آليات وأدوات العدالة الدولية في إطار دعم وصول الشعب الفلسطيني للعدالة، والدفع باتجاه سلام حقيقي يحقق الآمال الوطنية الفلسطينية".
وشدد أبو شمالة على أن العدالة مطلوبة لفلسطين وللشعب الفلسطيني أكثر من أي وقت مضى، ولا يجوز للمجتمع الدولي الاستمرار في دفن الرأس في الرمال وعليه الوقوف أمام مسئولياته.
ولفت إلى أن التوجه الحالي للسلطة الفلسطينية يؤكد على مبدأ المسائلة عن الانتهاكات المتكررة ضد السكان في قطاع غزة، والتي كانت آخرها عدوان 2014، مع الأخذ في الاعتبار أهمية عدم المبالغة وسوء التقدير.
وعند الحديث عن سوء التقدير تبرز دعوات إلى ضرورة عدم الاكتفاء بالتوجه الفلسطيني للمحكمة الجنائية، بل وضرورة تحديد الخيارات الفلسطينية أمام المحكمة.
وبهذا الصدد يؤكد شعوان جبارين مدير مؤسسة الحق ومقرها رام الله، أن التحقيقات الدولية في القضية الفلسطينية بالغة الأهمية والحساسية، وسيتم التدقيق في الملفات ألف مرة قبل اتخاذ القرارات فيها، وذلك لحساسية الأمر والتدخل السياسي للدول.
ونبه شعوان أن المحكمة الدولية ليست بعيدة عن التدخلات السياسة، مشيرا إلى أن هناك ضغط بعدم بدء التحقيقات الأولية للمحكمة، ولكن المحكمة لم ترضخ لها، غير أن هذه التحقيقات الأولية قد تستغرق عام أو أقل.
ثورة قانونية
وتم إنشاء محكمة الجنايات عام 2002 وهي ركزت على التحقيق في أسوأ انتهاكات للقانون الدولي مثل الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
ويقول الخبير القانوني عبد الرحمن أبو النصر إن المحكمة الجنائية ثورة في القانون الدولي لمحاكمة الأفراد وفقا لميثاق روما 1998، وأن هذا الميثاق هو المنشئ للمحكمة الجنائية التي تختص بجرائم الحرب وجرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الانسانية وجريمة العدوان.
وحسب أبو النصر تختص المحكمة في الولاية الزمنية والمكانية والشخصية، وللمدعي العام أن يقبل كافة الشكاوى من دول أو من اشخاص أو من منظمات، وهو يحقق فيها والمؤسسات يكون لها أهمية في إحالة القضايا وهي مسالة أساسية للعمل.
الخيارات الفلسطينية
وأمام الفلسطينيين ثلاث خيارات في التعامل بإحالة الملفات للمحكمة الجنائية.
ويقول محمد النحال أستاذ القانون الدولي في الجامعة الإسلامية في غزة، إن الخيارات الفلسطينية المطروحة هي بين تقديم الملفات من خلال مجلس الأمن، والصعوبة فيه هو التدخل السياسي وحق الفيتو، أو تحريك الدعاوى بواسطة لضحايا أنفسهم لمكتب المدعى العام بشكل مباشر، والمحكمة تكلف محامين للضحايا أو عن طريق محاميين دوليين أو عن طريق منظمات حقوق الإنسان كممثلة عن الضحايا.
والخيار الثالث والأخير بحسب النحال هو الإحالة عبر الدولة- التي يشترط أن تكون عضواً في المحكمة- وهناك جرائم مستمرة لا يمكن إلا إحالتها عن طريق دولة فلسطين.
ويشدد النحال على ضرورة أن تتوفر لدى القيادة الفلسطينية التي تتولى هذا الملف وإدارة هذه المعركة القانونية إرادة ومهنية، وحدد الخيارات الأفضل في اختيار الملفات النوعية كالاستيطان والجدار والعدوان على غزة (2014).
وكانت مؤسسات حقوق الإنسان في قطاع غزة بدأت منذ أشهر بتوثيق الانتهاكات الاسرائيلية منذ اقترافها، وجمعت الأدلة القانونية والميدانية ودعمتها بحافظة قانونية شاملة، وتم اختيار الملفات القوية والمهمة منها.
وبهذا الصدد يقول مدير مؤسسة الضمير لحقوق الإنسان خليل أبو شمالة، إن تجربة العمل المشترك لمؤسسات حقوق الانسان فريدة ورائعة وسبق أن أثمرت في عمل لجان تحقيق دولية.
ولفت إلى أن تقرير "غولدستون" احتوي كم كبير من المعلومات المستقاة من عمل مؤسسات حقوق الانسان، وكذلك لجنة التحقيق في العدوان الأخير حيث قدمت المؤسسات معلومات والتقت محققيها عبر الفيديو كونفرنس.
ويؤكد أبو شمالة على أن التوعية بأهمية التحركات القانونية والانضمام لروما والسنوات التي قد يحتاجها العمل على الملفات القضائية، هي الخطوة المهمة في المرحلة الحالية.
دعاوي مضادة
وعدا عن قوة الموقف الفلسطيني عند إحالة ملفات قضائية ضد الاحتلال الإسرائيلي فإن فصائل المقاومة الفلسطينية يمكن أن تتعرض للأمر ذاته وهو ما يتطلب إجراءات لتفادي ذلك.
ويقول مدير الهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق الإنسان في غزة جميل سرحان إن ضمان عدم إقامة دعاوي بحقنا فيه شيء من الوصول للعدالة، فعدم وقوعنا في شر من الممكن أن نكتوي بناره شيء محمود، فلا يمكن أن نقبل اتهامنا بارتكاب انتهاكات جسيمة وجرائم حرب.
وأشار سرحان إلى أن هناك ادعاءات إسرائيلية باستخدام المقاومة للمدنيين الفلسطينيين كدروع بشرية، وبإطلاق صواريخ دون تمييز وبعشوائية واستهداف مدنيين إسرائيليين.
وشدد على أن السبيل الوحيد لتفادي آثار هذه الادعاءات هو القيام بالتحقيق في مثل هذه الادعاءات "فالجنائية الدولية هي قضاء تكميلي، فالأصل أن القضاء الوطني يقوم بمعالجة كل التجاوزات، فيجب التحقيق بجدية فيما يدعى أنه استخدام للمدنيين كدروع بشرية، ولا يجوز محاكمة أي شخص مرتين، فإذا ما شكلنا محاكمات داخلية فلا يجوز محاكمة أي شخص خضع لمحاكمة محلية دولياً".
دعم فصائلي
ويحظى التوجه الفلسطيني إلى المحكمة الجنائية الدولية بإجماع من الفصائل التي تشدد على حق الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال على جبهة القانون الدولي ومحاكمة قادة الاحتلال.
وبهذا الصدد أكدت عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" آمال حمد أن التوجه للمحكمة يحظى بإجماع من الشعب الفلسطيني ومؤسساته المدنية وهو ما تمثل بتشكيل اللجنة الوطنية لمتابعة الملف كونها تمثل ألوان الطيف السياسي والقانوني ومؤسسات المجتمع المدني والخبراء.
من جهته أكد عضو المكتب السياسي لحركة "حماس" خليل الحيّة أن الفلسطينيين بانضمامهم للجنائية الدولية أمام اشتباك جديد، ولا يجوز بأي حال من الأحوال أن يخسروا هذه المعركة القانونية، مشدداً على أن استمرار الانتهاكات يضعنا أمام مسؤولية جماعية بضرورة محاسبة المجرمين.
وذكر الحية أن حماس بادرت للترحيب بالانضمام للمحكمة وهي مشاركة في اللجنة الوطنية الخاصة بالمحكمة الجنائية الدولية، مبينا أن هذه المعركة لا تتطلب أنصاف المهنية والحرفية، بل تحتاج إعداد ومهنية عالية.
في المقابل أبدى القيادي في حركة الجهاد الاسلامي خالد البطش تحفظ الحركة على التوقيع على اتفاق روما "لأن المحكمة الجنائية مسيسة، والعدالة تفرض فقط على الضعفاء، ولم يحاكم الاحتلال الأمريكي للعراق وأفغانستان".
لكن البطش أكد أن الجهاد لن تقف في وجه الانضمام للمحكمة وهي مع كل أشكال وأدوات الاشتباك مع الاحتلال "لكن يجب عدم الإفراط في الأمل".
من جهته أكد القيادي في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين صالح ناصر أن الانضمام الفلسطيني للجنائية الدولي " حق لفلسطين وهو غير قابل للمساومة تحت أي ظرف"، منوهاً إلى أن التحقيق قد يطول وعلينا كفلسطينيين أن نجهّر ملفاتنا بشكل مهني.
توصيات
وعقب جلسات من المناقشات أوصى المشاركون في المؤتمر بضرورة الاصرار على المضي قدماً في اكمال ملف التوجه إلى المحكمة الجنائية الدولية، والتعامل بمهنية عالية مع الملفات المنوي إحالتها إلى المحكمة.
ودعا هؤلاء إلى ضرورة تكثيف وتوحيد الجهود الفلسطينية لتوجه للمحكمة الجنائية والاستعانة بكل الخبرات الفلسطينية لا سيما خبرات مؤسسات حقوق الانسان وحشد كل الطاقات الوطنية والمؤسساتية والشعبية لدعم هذا التوجه.
كما أكدوا على أهمية الاستعانة بطواقم وخبراء دوليين في القانون الدولي، والعمل على الاستفادة من خبرات أصدقاء القضية الفلسطينية في العالم أجمع، إلى جانب تشكيل لجنة تحقيق محلية للبحث في كل الادعاءات بارتكاب المقاومة لانتهاكات لقواعد القانون الدولي الإنساني.
صفا
وأعلنت الجنائية الدولية في الأول من الشهر الجاري بدء سريان عضوية فلسطين لديها بعد ثلاثة أشهر من توقيع الرئيس محمود عباس على ميثاق "روما" الممهد الأساسي للانضمام إلى المحكمة.
وسبق ذلك أن أعلنت المدعية العام للمحكمة عن الشروع في تحقيق "دراسة حالة" عن الأراضي الفلسطينية وهو ما يمكن أن يعقبه بدء تحويل الجانب الفلسطيني ملفات دعاوي قضائية لدى المحكمة.
ويجمع سياسيون وقانونيون وأكاديميون على ضرورة استمرار المساعي لتحقيق العدالة للضحايا وعد إفلات مجرمي الحرب الإسرائيليين من المحاسبة شرط أن يتم ذلك ضمن معدات قانونية معد لها جيدا.
وضمن التحضيرات لهذه الخطوات نظم مركز الميزان لحقوق الإنسان في غزة مؤتمراً تحت عنوان "فلسطين والعدالة المنتظرة.. المحكمة الجنائية الدولية"، بحضور ممثلي أحزاب سياسية ومؤسسات أهلية وحقوقيين وأكاديميين.
تحقيق العدالة
وأكد رئيس اللجنة الوطنية للمتابعة مع المحكمة الجنائية الدولية صائب عريقات في مداخلة هاتفية له خلال المؤتمر، أن السلطة الفلسطينية لم تنضم للمحكمة الجنائية الدولية من أجل الانتقام "بل من أجل تحقيق العدالة وعدم تكرار الجرائم".
وذكر عريقات أن السلطة الفلسطينية انضمت لـ(29) اتفاقية من أصل (523) منظمة وميثاق واتفاقية.
وأشار إلى أن اللجنة الوطنية تستعد لإعداد الملفات المنوي تحويلها على المحكمة الجنائية واتفقت في سبيل ذلك مع خمسة مؤسسات قانونية دولية للاستعانة بخبراتهم.
وذكر أن ملفي الاستيطان والعدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة يحتلان الأولوية في التوجه الفلسطيني المرتقب للمحكمة الجنائية، على أن تكون قضية الأسرى في سجون الاحتلال إحدى القضايا المستقبلية.
وأعلن عريقات أن اللجنة الوطنية تعتزم التوقيع خلال الأسبوع مع خمس من كبرى المؤسسات الدولية المختصة بالقانون الدولي والمهتمة بالمحكمة الجنائية الدولية للاستفادة من خبراتها في مجال التوجه للمحكمة الجنائية.
جهد حقوقي
وفقا للعضوية الفلسطينية لدى المحكمة الجنائية الدولية فإن الولاية الزمنية لها في الأراضي الفلسطينية ستبدأ ابتداء من 13 يونيو الماضي وهو ما يؤمل استخدامه خصوصا في إنصاف ضحايا العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة صيف العام الماضي.
وقال عصام يونس مدير مركز الميزان إن الضحايا الفلسطينيين هم اليوم أبعد ما يكونون عن الوصول للعدالة، حيث يجري التضحية بقيم العدالة وقواعد القانون الدولي لصالح إفلات مجرمي الحرب من العقاب.
ولفت يونس إلى أن دولة الاحتلال ارتكبت وبشكل منظم جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، من خلال إقامة جدار الفصل العنصري، كما أنها شنت ثلاث هجمات حربية واسعة النطاق في أقل من ست سنوات.
وكان الانضمام الفلسطيني إلى عضوية الجنائية الدولية جاء بعد فشل مشروع قرار فلسطيني قدم إلى مجلس الأمن الدولي في ديسمبر الماضي لطلب تحديد سقف زمني لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي بسبب تعذر نيله التسعة أصوات المطلوبة من المجلس.
ويرى إبراهيم أبو شمالة ممثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن الانضمام الفلسطيني للمحكمة الجنائية "مهم ويعزز التوجه لاستخدام آليات وأدوات العدالة الدولية في إطار دعم وصول الشعب الفلسطيني للعدالة، والدفع باتجاه سلام حقيقي يحقق الآمال الوطنية الفلسطينية".
وشدد أبو شمالة على أن العدالة مطلوبة لفلسطين وللشعب الفلسطيني أكثر من أي وقت مضى، ولا يجوز للمجتمع الدولي الاستمرار في دفن الرأس في الرمال وعليه الوقوف أمام مسئولياته.
ولفت إلى أن التوجه الحالي للسلطة الفلسطينية يؤكد على مبدأ المسائلة عن الانتهاكات المتكررة ضد السكان في قطاع غزة، والتي كانت آخرها عدوان 2014، مع الأخذ في الاعتبار أهمية عدم المبالغة وسوء التقدير.
وعند الحديث عن سوء التقدير تبرز دعوات إلى ضرورة عدم الاكتفاء بالتوجه الفلسطيني للمحكمة الجنائية، بل وضرورة تحديد الخيارات الفلسطينية أمام المحكمة.
وبهذا الصدد يؤكد شعوان جبارين مدير مؤسسة الحق ومقرها رام الله، أن التحقيقات الدولية في القضية الفلسطينية بالغة الأهمية والحساسية، وسيتم التدقيق في الملفات ألف مرة قبل اتخاذ القرارات فيها، وذلك لحساسية الأمر والتدخل السياسي للدول.
ونبه شعوان أن المحكمة الدولية ليست بعيدة عن التدخلات السياسة، مشيرا إلى أن هناك ضغط بعدم بدء التحقيقات الأولية للمحكمة، ولكن المحكمة لم ترضخ لها، غير أن هذه التحقيقات الأولية قد تستغرق عام أو أقل.
ثورة قانونية
وتم إنشاء محكمة الجنايات عام 2002 وهي ركزت على التحقيق في أسوأ انتهاكات للقانون الدولي مثل الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
ويقول الخبير القانوني عبد الرحمن أبو النصر إن المحكمة الجنائية ثورة في القانون الدولي لمحاكمة الأفراد وفقا لميثاق روما 1998، وأن هذا الميثاق هو المنشئ للمحكمة الجنائية التي تختص بجرائم الحرب وجرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الانسانية وجريمة العدوان.
وحسب أبو النصر تختص المحكمة في الولاية الزمنية والمكانية والشخصية، وللمدعي العام أن يقبل كافة الشكاوى من دول أو من اشخاص أو من منظمات، وهو يحقق فيها والمؤسسات يكون لها أهمية في إحالة القضايا وهي مسالة أساسية للعمل.
الخيارات الفلسطينية
وأمام الفلسطينيين ثلاث خيارات في التعامل بإحالة الملفات للمحكمة الجنائية.
ويقول محمد النحال أستاذ القانون الدولي في الجامعة الإسلامية في غزة، إن الخيارات الفلسطينية المطروحة هي بين تقديم الملفات من خلال مجلس الأمن، والصعوبة فيه هو التدخل السياسي وحق الفيتو، أو تحريك الدعاوى بواسطة لضحايا أنفسهم لمكتب المدعى العام بشكل مباشر، والمحكمة تكلف محامين للضحايا أو عن طريق محاميين دوليين أو عن طريق منظمات حقوق الإنسان كممثلة عن الضحايا.
والخيار الثالث والأخير بحسب النحال هو الإحالة عبر الدولة- التي يشترط أن تكون عضواً في المحكمة- وهناك جرائم مستمرة لا يمكن إلا إحالتها عن طريق دولة فلسطين.
ويشدد النحال على ضرورة أن تتوفر لدى القيادة الفلسطينية التي تتولى هذا الملف وإدارة هذه المعركة القانونية إرادة ومهنية، وحدد الخيارات الأفضل في اختيار الملفات النوعية كالاستيطان والجدار والعدوان على غزة (2014).
وكانت مؤسسات حقوق الإنسان في قطاع غزة بدأت منذ أشهر بتوثيق الانتهاكات الاسرائيلية منذ اقترافها، وجمعت الأدلة القانونية والميدانية ودعمتها بحافظة قانونية شاملة، وتم اختيار الملفات القوية والمهمة منها.
وبهذا الصدد يقول مدير مؤسسة الضمير لحقوق الإنسان خليل أبو شمالة، إن تجربة العمل المشترك لمؤسسات حقوق الانسان فريدة ورائعة وسبق أن أثمرت في عمل لجان تحقيق دولية.
ولفت إلى أن تقرير "غولدستون" احتوي كم كبير من المعلومات المستقاة من عمل مؤسسات حقوق الانسان، وكذلك لجنة التحقيق في العدوان الأخير حيث قدمت المؤسسات معلومات والتقت محققيها عبر الفيديو كونفرنس.
ويؤكد أبو شمالة على أن التوعية بأهمية التحركات القانونية والانضمام لروما والسنوات التي قد يحتاجها العمل على الملفات القضائية، هي الخطوة المهمة في المرحلة الحالية.
دعاوي مضادة
وعدا عن قوة الموقف الفلسطيني عند إحالة ملفات قضائية ضد الاحتلال الإسرائيلي فإن فصائل المقاومة الفلسطينية يمكن أن تتعرض للأمر ذاته وهو ما يتطلب إجراءات لتفادي ذلك.
ويقول مدير الهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق الإنسان في غزة جميل سرحان إن ضمان عدم إقامة دعاوي بحقنا فيه شيء من الوصول للعدالة، فعدم وقوعنا في شر من الممكن أن نكتوي بناره شيء محمود، فلا يمكن أن نقبل اتهامنا بارتكاب انتهاكات جسيمة وجرائم حرب.
وأشار سرحان إلى أن هناك ادعاءات إسرائيلية باستخدام المقاومة للمدنيين الفلسطينيين كدروع بشرية، وبإطلاق صواريخ دون تمييز وبعشوائية واستهداف مدنيين إسرائيليين.
وشدد على أن السبيل الوحيد لتفادي آثار هذه الادعاءات هو القيام بالتحقيق في مثل هذه الادعاءات "فالجنائية الدولية هي قضاء تكميلي، فالأصل أن القضاء الوطني يقوم بمعالجة كل التجاوزات، فيجب التحقيق بجدية فيما يدعى أنه استخدام للمدنيين كدروع بشرية، ولا يجوز محاكمة أي شخص مرتين، فإذا ما شكلنا محاكمات داخلية فلا يجوز محاكمة أي شخص خضع لمحاكمة محلية دولياً".
دعم فصائلي
ويحظى التوجه الفلسطيني إلى المحكمة الجنائية الدولية بإجماع من الفصائل التي تشدد على حق الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال على جبهة القانون الدولي ومحاكمة قادة الاحتلال.
وبهذا الصدد أكدت عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" آمال حمد أن التوجه للمحكمة يحظى بإجماع من الشعب الفلسطيني ومؤسساته المدنية وهو ما تمثل بتشكيل اللجنة الوطنية لمتابعة الملف كونها تمثل ألوان الطيف السياسي والقانوني ومؤسسات المجتمع المدني والخبراء.
من جهته أكد عضو المكتب السياسي لحركة "حماس" خليل الحيّة أن الفلسطينيين بانضمامهم للجنائية الدولية أمام اشتباك جديد، ولا يجوز بأي حال من الأحوال أن يخسروا هذه المعركة القانونية، مشدداً على أن استمرار الانتهاكات يضعنا أمام مسؤولية جماعية بضرورة محاسبة المجرمين.
وذكر الحية أن حماس بادرت للترحيب بالانضمام للمحكمة وهي مشاركة في اللجنة الوطنية الخاصة بالمحكمة الجنائية الدولية، مبينا أن هذه المعركة لا تتطلب أنصاف المهنية والحرفية، بل تحتاج إعداد ومهنية عالية.
في المقابل أبدى القيادي في حركة الجهاد الاسلامي خالد البطش تحفظ الحركة على التوقيع على اتفاق روما "لأن المحكمة الجنائية مسيسة، والعدالة تفرض فقط على الضعفاء، ولم يحاكم الاحتلال الأمريكي للعراق وأفغانستان".
لكن البطش أكد أن الجهاد لن تقف في وجه الانضمام للمحكمة وهي مع كل أشكال وأدوات الاشتباك مع الاحتلال "لكن يجب عدم الإفراط في الأمل".
من جهته أكد القيادي في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين صالح ناصر أن الانضمام الفلسطيني للجنائية الدولي " حق لفلسطين وهو غير قابل للمساومة تحت أي ظرف"، منوهاً إلى أن التحقيق قد يطول وعلينا كفلسطينيين أن نجهّر ملفاتنا بشكل مهني.
توصيات
وعقب جلسات من المناقشات أوصى المشاركون في المؤتمر بضرورة الاصرار على المضي قدماً في اكمال ملف التوجه إلى المحكمة الجنائية الدولية، والتعامل بمهنية عالية مع الملفات المنوي إحالتها إلى المحكمة.
ودعا هؤلاء إلى ضرورة تكثيف وتوحيد الجهود الفلسطينية لتوجه للمحكمة الجنائية والاستعانة بكل الخبرات الفلسطينية لا سيما خبرات مؤسسات حقوق الانسان وحشد كل الطاقات الوطنية والمؤسساتية والشعبية لدعم هذا التوجه.
كما أكدوا على أهمية الاستعانة بطواقم وخبراء دوليين في القانون الدولي، والعمل على الاستفادة من خبرات أصدقاء القضية الفلسطينية في العالم أجمع، إلى جانب تشكيل لجنة تحقيق محلية للبحث في كل الادعاءات بارتكاب المقاومة لانتهاكات لقواعد القانون الدولي الإنساني.
صفا