ماذا يعني أن تتفق الرياض وواشنطن عـلـى «حـل سياسـي» للأزمـة اليمنيـة؟
عريب الرنتاوي
جو 24 : في الأنباء، أن العاهل السعودي والرئيس الأمريكي اتفقا في مكالمة هاتفية أمس الأول، على ضرورة البحث عن “حل سياسي” للازمة اليمنية ... الموقف مفهوم من وجهة نظر واشنطن، ولأسباب عديدة، فماذا عن الموقف من الضفة السعودية؟
من يقرأ بدقة وعمق السياق الذي تطور فيه الموقف الأمريكي حيال الأزمة اليمنية، يلحظ بوضوح، أن الولايات المتحدة، لم تكن راغبة في فتح جبهة جديدة في هذه المنطقة الملتهبة بالصراعات والحروب السياسية والعقائدية والمذهبية، حروب المحاور والمعسكرات، حروب الوكالة ... لكنها وهي التي تعطي الأولوية لاتفاقها النووي مع طهران، لم تجد من وسيلة لـ “طمأنة” السعودية وبعض حلفائها العرب، إلا بتقديم “جائرة ترضية” كما قلنا في مقال سابق، والتي تمثلت في الدعم اللوجستي والاستخباري لعملية “عاصفة الحزم”، وتساءلنا يومها ما الذي ستكون عليه “جائزة الترضية” لإسرائيل، الدولة الإقليمية الثانية التي تنظر بعدائية لإيران وتعارض أي اتفاق معها.
واشنطن حرصت على عدم التورط مباشرة في القتال الدائر على أرض اليمن، حتى أن عمليات تزويد القاذفات والمقاتلات بالوقود في الجو، تجريها الطائرات الأمريكية خارج الأجواء اليمنية، في إشارة رمزية لا تخلو من الدلالة، مع أن إيران وبالأخص، حلفائها في المنطقة، يصرون على وصف ما يجري في اليمن بالعدوان “الأمريكي – السعودي”، وهذا أمر لا تدعمه القراءة الهادئة للموقف كما يتبدى من واشنطن.
أبعد من ذلك، ثمة قراءات في واشنطن لما يجري في اليمن، مفادها أن الولايات المتحدة تكاد تخسر الحرب على الإرهاب في تلك البقعة من العالم حيث تحتفظ “قاعدة الجهاد في جزيرة العرب” بنفوذ قوي ومتصاعد، وهي الفرع الأخطر للقاعدة من منظور المؤسسة الأمنية الأمريكية ... وثمة مخاوف، يتشاطرها الجمهوريون والديمقراطيون، بأن القاعدة هي المستفيد الأكبر من اندلاع الحرب في اليمن وعليه ... وهناك ما يشبه الاستعجال لطي هذا الملف، وإعادة الاعتبار لأولوية الحرب على الإرهاب، بدل حروب المذاهب والأدوار الإقليمية وحروب الوكالة المندلعة في المنطقة، ذلك أن العمليات العسكرية والأمنية الأمريكية ضد القاعدة، تكاد تكون توقفت منذ اندلاع “عاصفة الحزم” التي دخلت أسبوعها الرابع.
وتشاطر الولايات المتحدة رؤيتها جملة من الحكومات العربية التي انخرطت بنشاط متفاوت في الحرب على الإرهاب ... الأردن يتصدر قائمة هذه الدول، فهو لا يزال يعطي الحرب على “داعش” الأولوية الأولى، حتى أن الملك عبد الثاني قال في مقابلة صحفية مؤخراً، أن الأردن وحده من بقي إلى جانب الولايات المتحدة في هذه الحرب، وأن الدول العربية والإقليمية، لم تعد تشارك في أنشطتها الحربية، على الرغم من أن الأردن أعلن رسمياً تأييده لـ “عاصفة الحزم”، بل ومشاركته “الرمزية” في التحالف الإقليمي بقيادة السعودية.
ويزداد الضغط على واشنطن لإيجاد “مخرج سياسي” من الاستعصاء اليمني، في ضوء تقارير المنظمات الدولية والإنسانية التي تتحدث عن كارثة إنسانية تتهدد اليمنيين جراء الحرب والحصار المطبق المفروض على اليمن من قبل قوات التحالف بقيادة السعودية، وهي الكارثة التي لن تقلل من تأثيراتها، المنحة السعودية للأمم المتحدة لمساعدتها على تزويد اليمنيين بالمعونات الإنسانية والإغاثية العاجلة ... فمن وجهة نظر اليمنيين، يتعين وقف الحرب بدل إرسال المساعدات لإغاثة ضحاياها ... الأصل منع سقوط المزيد من الضحايا”.
لكن السؤال عن الموقف كما يتبدى من الضفة السعودية، يبدو أكثر أهمية وتعقيداً في الوقت ذاته ... الوسطاء المحتملين في الحرب المفروضة على اليمن، تخبرك مصادرهم بأنهم غير متحمسين للشروع في مساعيهم الحميدة، والسبب الرئيس هو أن المملكة تفضل “الحسم العسكري” في اليمن على الحل السياسي، وفي أقل تقدير، تريد تحقيق انتصار واضح، غير ملتبس أو قابل للتأويل في هذه الحرب، قبل الشروع في ترتيب التئام مائدة الحوار والمفاوضات.
لقد بنت المملكة رهانات كبيرة على هذه الحرب، ولعب الإعلام المحسوب عليها دوراً حاسماً في تضخيم أهدافها ومراميها والمبالغة في تصوير “التوقعات” و”الانتظارات” المترتبة عليها ... فمن قائل بـ “الصحوة العربية” إلى مردد لشعار “عودة الروح للأمة” إلى متحدث عن “موجة وطنية متّقدة” تجتاح المجتمع السعودية، إلى مروّج لـ “هزيمة إيران” و”انكفاء مشروعها الشيعي / الفارسي” إلى متأمل باستعادة التوازن في النظام الإقليمي، إلى غير ما هناك من آراء تتخطى جغرافيا اليمن والحرب فيه وعليه، إلى الإقليم برمته.
إن كان “الحل السياسي” الذي اتفق العاهل السعودي مع الرئيس الأمريكي على وجوبه في اليمن، هو من النوع الذي تحدثت عنه المملكة في بداية “عاصفة الحزم”، فأحسب أن اليمن ما زال بعيداً عن “صمت المدافع” ... ذلك أن شروط هذا الحل من المنظور السعودي، تجعل منه “صك إذعان” و”رايات بيضاء” مرفوعة في صعدة وصنعاء ... ولا أحسب أن “عاصفة الحزم” في أسبوعها الرابع، قد حققت من المكاسب ما يكفي لفرض هذه الشروط والإملاءات على الطرف الذي تستهدفه ... إما إذا كان الحل السياسي المقترح، أقرب إلى صيغة “لا غالب ولا مغلوب”، فأحسب أنه سيكون بمثابة صفعة للحزم وعاصفته، وإعلان عن الفشل في تحقيق مرامي الحرب وأهدافها ... وثمة سيناريو ثالث لتفسير “التوافق الأمريكي – السعودي”، مفاده أن كل طرف من الطرفين، كان يعني شيئاً آخر في حديثه عن “الحل السياسي”، وإن إعلان الاتفاق على هذا النحو، هو تعبير دبلوماسي ملطف عن إرجاء البوح عن “الخلاف والاختلاف”.
ما يعزز قناعتنا بأرجحية السيناريو الأخير، الثالث، هو ردة الفعل السعودية (الخليجية) على تصريحات بان كي مون، التي دعا فيها لأول مرة منذ هبوب “العاصفة” إلى وقف فوري لإطلاق النار، ومن قبل جميع الفئات المتحاربة في اليمن، وهي تصريحات أزعجت عواصم خليجية عديدة من بينها الرياض، وثمة معلومات عن تحرك كثيف سيبدأ في واشنطن ونيويورك لاحتواء تداعياتها.
الدستور
من يقرأ بدقة وعمق السياق الذي تطور فيه الموقف الأمريكي حيال الأزمة اليمنية، يلحظ بوضوح، أن الولايات المتحدة، لم تكن راغبة في فتح جبهة جديدة في هذه المنطقة الملتهبة بالصراعات والحروب السياسية والعقائدية والمذهبية، حروب المحاور والمعسكرات، حروب الوكالة ... لكنها وهي التي تعطي الأولوية لاتفاقها النووي مع طهران، لم تجد من وسيلة لـ “طمأنة” السعودية وبعض حلفائها العرب، إلا بتقديم “جائرة ترضية” كما قلنا في مقال سابق، والتي تمثلت في الدعم اللوجستي والاستخباري لعملية “عاصفة الحزم”، وتساءلنا يومها ما الذي ستكون عليه “جائزة الترضية” لإسرائيل، الدولة الإقليمية الثانية التي تنظر بعدائية لإيران وتعارض أي اتفاق معها.
واشنطن حرصت على عدم التورط مباشرة في القتال الدائر على أرض اليمن، حتى أن عمليات تزويد القاذفات والمقاتلات بالوقود في الجو، تجريها الطائرات الأمريكية خارج الأجواء اليمنية، في إشارة رمزية لا تخلو من الدلالة، مع أن إيران وبالأخص، حلفائها في المنطقة، يصرون على وصف ما يجري في اليمن بالعدوان “الأمريكي – السعودي”، وهذا أمر لا تدعمه القراءة الهادئة للموقف كما يتبدى من واشنطن.
أبعد من ذلك، ثمة قراءات في واشنطن لما يجري في اليمن، مفادها أن الولايات المتحدة تكاد تخسر الحرب على الإرهاب في تلك البقعة من العالم حيث تحتفظ “قاعدة الجهاد في جزيرة العرب” بنفوذ قوي ومتصاعد، وهي الفرع الأخطر للقاعدة من منظور المؤسسة الأمنية الأمريكية ... وثمة مخاوف، يتشاطرها الجمهوريون والديمقراطيون، بأن القاعدة هي المستفيد الأكبر من اندلاع الحرب في اليمن وعليه ... وهناك ما يشبه الاستعجال لطي هذا الملف، وإعادة الاعتبار لأولوية الحرب على الإرهاب، بدل حروب المذاهب والأدوار الإقليمية وحروب الوكالة المندلعة في المنطقة، ذلك أن العمليات العسكرية والأمنية الأمريكية ضد القاعدة، تكاد تكون توقفت منذ اندلاع “عاصفة الحزم” التي دخلت أسبوعها الرابع.
وتشاطر الولايات المتحدة رؤيتها جملة من الحكومات العربية التي انخرطت بنشاط متفاوت في الحرب على الإرهاب ... الأردن يتصدر قائمة هذه الدول، فهو لا يزال يعطي الحرب على “داعش” الأولوية الأولى، حتى أن الملك عبد الثاني قال في مقابلة صحفية مؤخراً، أن الأردن وحده من بقي إلى جانب الولايات المتحدة في هذه الحرب، وأن الدول العربية والإقليمية، لم تعد تشارك في أنشطتها الحربية، على الرغم من أن الأردن أعلن رسمياً تأييده لـ “عاصفة الحزم”، بل ومشاركته “الرمزية” في التحالف الإقليمي بقيادة السعودية.
ويزداد الضغط على واشنطن لإيجاد “مخرج سياسي” من الاستعصاء اليمني، في ضوء تقارير المنظمات الدولية والإنسانية التي تتحدث عن كارثة إنسانية تتهدد اليمنيين جراء الحرب والحصار المطبق المفروض على اليمن من قبل قوات التحالف بقيادة السعودية، وهي الكارثة التي لن تقلل من تأثيراتها، المنحة السعودية للأمم المتحدة لمساعدتها على تزويد اليمنيين بالمعونات الإنسانية والإغاثية العاجلة ... فمن وجهة نظر اليمنيين، يتعين وقف الحرب بدل إرسال المساعدات لإغاثة ضحاياها ... الأصل منع سقوط المزيد من الضحايا”.
لكن السؤال عن الموقف كما يتبدى من الضفة السعودية، يبدو أكثر أهمية وتعقيداً في الوقت ذاته ... الوسطاء المحتملين في الحرب المفروضة على اليمن، تخبرك مصادرهم بأنهم غير متحمسين للشروع في مساعيهم الحميدة، والسبب الرئيس هو أن المملكة تفضل “الحسم العسكري” في اليمن على الحل السياسي، وفي أقل تقدير، تريد تحقيق انتصار واضح، غير ملتبس أو قابل للتأويل في هذه الحرب، قبل الشروع في ترتيب التئام مائدة الحوار والمفاوضات.
لقد بنت المملكة رهانات كبيرة على هذه الحرب، ولعب الإعلام المحسوب عليها دوراً حاسماً في تضخيم أهدافها ومراميها والمبالغة في تصوير “التوقعات” و”الانتظارات” المترتبة عليها ... فمن قائل بـ “الصحوة العربية” إلى مردد لشعار “عودة الروح للأمة” إلى متحدث عن “موجة وطنية متّقدة” تجتاح المجتمع السعودية، إلى مروّج لـ “هزيمة إيران” و”انكفاء مشروعها الشيعي / الفارسي” إلى متأمل باستعادة التوازن في النظام الإقليمي، إلى غير ما هناك من آراء تتخطى جغرافيا اليمن والحرب فيه وعليه، إلى الإقليم برمته.
إن كان “الحل السياسي” الذي اتفق العاهل السعودي مع الرئيس الأمريكي على وجوبه في اليمن، هو من النوع الذي تحدثت عنه المملكة في بداية “عاصفة الحزم”، فأحسب أن اليمن ما زال بعيداً عن “صمت المدافع” ... ذلك أن شروط هذا الحل من المنظور السعودي، تجعل منه “صك إذعان” و”رايات بيضاء” مرفوعة في صعدة وصنعاء ... ولا أحسب أن “عاصفة الحزم” في أسبوعها الرابع، قد حققت من المكاسب ما يكفي لفرض هذه الشروط والإملاءات على الطرف الذي تستهدفه ... إما إذا كان الحل السياسي المقترح، أقرب إلى صيغة “لا غالب ولا مغلوب”، فأحسب أنه سيكون بمثابة صفعة للحزم وعاصفته، وإعلان عن الفشل في تحقيق مرامي الحرب وأهدافها ... وثمة سيناريو ثالث لتفسير “التوافق الأمريكي – السعودي”، مفاده أن كل طرف من الطرفين، كان يعني شيئاً آخر في حديثه عن “الحل السياسي”، وإن إعلان الاتفاق على هذا النحو، هو تعبير دبلوماسي ملطف عن إرجاء البوح عن “الخلاف والاختلاف”.
ما يعزز قناعتنا بأرجحية السيناريو الأخير، الثالث، هو ردة الفعل السعودية (الخليجية) على تصريحات بان كي مون، التي دعا فيها لأول مرة منذ هبوب “العاصفة” إلى وقف فوري لإطلاق النار، ومن قبل جميع الفئات المتحاربة في اليمن، وهي تصريحات أزعجت عواصم خليجية عديدة من بينها الرياض، وثمة معلومات عن تحرك كثيف سيبدأ في واشنطن ونيويورك لاحتواء تداعياتها.
الدستور