حقوق الإنسان في الأردن.. كلام كثير ...قليل من الأفعال
جو 24 : كتب: عمر محارمة
لا تزال المعضلة القديمة - الجديدة قائمة في الاردن عند البحث في أوضاع حقوق الانسان؛ فالكثير من الكلام، القليل من الافعال السمة الغالبة عند تناول قضايا حقوق الانسان محليا او في أحسن الاحوال يكون الفعل محدود الأثر والتقدم بطيئا جداً، وهو ما يظهر بجلاء من خلال التقارير المحلية والدولية التي تتناول أوضاع حقوق الإنسان في الأردن.
قد يكون العام الماضي 2014 مختلفا الى حد ما، فلأول مرة تقدم الحكومة ردا مكتوبا على توصيات المركز الوطني لحقوق الانسان وتعين منسقا خاصا لحقوق الانسان وتشرع في وضع خطة وطنية لحقوق الانسان.
لكن ما حدث حتى الآن، ان الامور ما زالت تراوح في مكانها من حيث تزايد السجلات الورقية لقضايا حقوق الانسان وارتفاع عدد التدوينات الرسمية لملاحظات وتوصيات المراكز الحقوقية والوعود المتزايدة بمتابعتها دون أن يترجم هدا الكم الكبير من الحوار الى واقع يلمس المواطن أثره في مختلف جوانب حياته.
خلوات عدة عقدت لترجمة الخطة الوطنية لحقوق الانسان، ولقاءات مكثفة سعت الى وضع التقرير الحكومي للرد على ملاحظات وتوصيات تقرير المركز الوطني لحقوق الانسان، لكن السؤال الكبير الذي لا يجد اي باحث اجابة له « ما الجديد...؟».
وما بين اجتماعات وندوات وورش عمل وخلوات متتالية يحضر التنظير والحديث الكثير عن حقوق الانسان، فيما تضيع القضية الاساس عند الفعل الذي يعتمد نجاح اي دولة عليه لوضعها في تصنيف الدول التي تحترم حقوق الانسان.
فطالما أن المواطن لم يلمس تطورا وتحسنا بحقه في التعليم والعمل والصحة والسكن والبيئة النظيفة والمعيشة اللائقة، فإن الخلل سيبقى موجودا والتصنيف بين دول العالم لن يتغير.
حقوق الانسان ليست كلاما انشائيا للاستهلاك الاعلامي واستعراض الخطط والاستراتيجيات، بل ممارسة فعلية يتوجب ان يلمس أثرها المواطن، ليضمن ان لا أحد سيأخد دوره على شباك دائرة حكومية، وانه سيجد وسيلة نقل توصله الى منزله وكذلك العلاج اللازم في اقرب مركز صحي اليه، والذي لن يخاف ان يرفع صوته عندما لا يجد كل ذلك.
عند انتخاب الأردن عضوا غير دائم في مجلس الأمن، تفاءلت المؤسسات الحقوقية بسرعة التجاوب الحكومي مع التوصيات الواردة في تقارير المنظمات الأهلية الأردنية وتقارير المركز الوطني لحقوق الإنسان، لكي يكتسب الخطاب الرسمي في هذا المجال مصداقية على اعلى مستوى ممكن.
وقبل أشهر مرت الذكرى الخامسة والستون لصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمجتمعات البشرية لا تزال بمعظمها تعاني من عدم ممارسة قطاعات واسعة من أفرادها لحقوقهم، بما في ذلك حقوق أساس مثل: الحق في الآمان والحياة والحق في الغذاء والتعليم والعمل والصحة والسكن.
ووفقاً لإحصائيات الأمم المتحدة، هناك ما يقارب المليار من البشر يعانون من الجوع، إضافة لذلك يوجد ملياران من البشر لا تتوافر لديهم ـ أو تتوافر بصورة جزئية ـ خدمات الصحة والتعليم والصرف الصحي والمياه الصالحة للشرب وطرق المواصلات.
اي أن نصف البشرية لا تزال تعيش في ظل ظروف صعبة وتعاني من الجوع والجهل والمرض والفقر والبطالة ــ بالرغم من أن بلدان العالم ـ خاصة البلدان الصناعية المتقدمة ـ تنتج من الغذاء حالياً ما يكفي لتسعة مليارات من البشر، في حين أن سكان الكرة الأرضية يتجاوزون الستة مليارات بقليل.
الأردن مثقل بالانتقادات القاسية التي توجه له من مؤسسات محلية ودولية كان ابرزها ما طرح في مجلس حقوق الانسان في جنيف اواخر تشرين الأول الماضي وإن كانت تلك الانتقادات لا تمثل رؤية شاملة كاملة لكل ما تعانيه حقوق الإنسان في الاردن من ضعف في الجوانب المختلفة، وثانيها أنها جاءت تراكمية؛ ما يعني أن الأردن في السواد الأعظم من قضاياه لم يتحسن، بل في بعضها عاد للخلف خطوة أو اثنتين.
يأتي ذلك في الوقت الذي اصبحت فيه موضوعات حقوق الإنسان تفرض نفسها على الفكر القانوني، والسياسي، والتنظيم الدولي، وفي الجامعات كبرامج علمية يتم تدريسها للطلاب بعد ان اصبحت قضية حقوق الإنسان قضية عالمية، تجاوزت حدود الدول ونطاق قوانينها وأنظمتها الداخلية، ولقد أفرز لنا هذا العامل إشكالية السيادة، والتدويل، وعلاقة النص الوطني بالنصوص الدولية، والمعيارية الدولية لمفهوم الحقوق.
كما ارتفع اهتمام أنظمة الحكم بمختلف أشكالها بهذه القضية لاتخاذها كوسيلة لتحصين نفسها بالشرعية، وإبعاد تهمة الديكتاتورية والاستبداد عن ممارساتها حيث تُعتبر قضية حقوق الإنسان ومدى احترامها والالتزام بها بمثابة مقياس لتقدم الأمم ورفعتها، لأن فقدان الحقوق والحريات كان على مرّ العصور سبباً من أسباب انهيار الحضارات.
لذلك صار تعزيز حقوق الإنسان وحمايتها مهمة رئيسة للضمير الجمعي للمجتمع الإنساني، وبذات الدرجة من مهام الأمم المتحدة بموجب ميثاقها. ومنذ العام 1948، فإن «الإعلان العالمي لحقوق الإنسان» يعدّ بمثابة « المعيار المشترك للإنجاز بالنسبة لجميع الشعوب وكافة الأمم «.
إن الحديث عن الأهمية المتنامية لموضوع حقوق الإنسان يقود بالضرورة للتعرض إلى الأسس الفلسفية، والرؤى العقائدية، والتراكم الحضاري، والإشكاليات القانونية، ويتمثل في إعطاء وتقديم مفهوم ودلالة المصطلح « حقوق» ومعـنى «الإنسان« عند الحديث عن هذه الحقوق، باعتبار أن الحقوق أساس التأصيل، فمصطلح الحق هو مصطلح قانوني يعني السلطة أو القدرة التي يقررها القانون لشخص ويكون له بمقتضاها ميزة القيام بعمل معين.
ومما يلاحظ على هذا التعريف أنه ربط مفهوم الحقوق بالقانون، والقول بأن الحقوق الطبيعية هي التي يُمكن أن يتمتع بها الإنسان دون أن يُقرها القانون. أما تشريعات حقوق الإنسان فهي النصوص القانونية والقواعد العرفية التي تحمي حقاً من حقوق الإنسان، ويعتبر جزءا من منظومة حقوق الإنسان دون النظر إلى مصدرها الديني، أو الوطني أو الدولي. ويُفهم من هذا التعريف أن تشريعـات حقوق الإنسان هي المنظومة القانونية الكفيلة بحماية حقوق الإنسان.
لقد آن الأوان لكي نتوقف عن استجداء احترامنا وكرامتنا... وحقوقنا ... وشرعـتنا الإنسانية. علينا أن نفرض احترام تلك الشرعة بوعي ويقظة، وليرفع كل إنسان منا صوته عاليا بأنه إنسان بكل ما يحمله ذلك من معان في مواجهة الجميع حكاما ومحكومين.
(الدستور)
لا تزال المعضلة القديمة - الجديدة قائمة في الاردن عند البحث في أوضاع حقوق الانسان؛ فالكثير من الكلام، القليل من الافعال السمة الغالبة عند تناول قضايا حقوق الانسان محليا او في أحسن الاحوال يكون الفعل محدود الأثر والتقدم بطيئا جداً، وهو ما يظهر بجلاء من خلال التقارير المحلية والدولية التي تتناول أوضاع حقوق الإنسان في الأردن.
قد يكون العام الماضي 2014 مختلفا الى حد ما، فلأول مرة تقدم الحكومة ردا مكتوبا على توصيات المركز الوطني لحقوق الانسان وتعين منسقا خاصا لحقوق الانسان وتشرع في وضع خطة وطنية لحقوق الانسان.
لكن ما حدث حتى الآن، ان الامور ما زالت تراوح في مكانها من حيث تزايد السجلات الورقية لقضايا حقوق الانسان وارتفاع عدد التدوينات الرسمية لملاحظات وتوصيات المراكز الحقوقية والوعود المتزايدة بمتابعتها دون أن يترجم هدا الكم الكبير من الحوار الى واقع يلمس المواطن أثره في مختلف جوانب حياته.
خلوات عدة عقدت لترجمة الخطة الوطنية لحقوق الانسان، ولقاءات مكثفة سعت الى وضع التقرير الحكومي للرد على ملاحظات وتوصيات تقرير المركز الوطني لحقوق الانسان، لكن السؤال الكبير الذي لا يجد اي باحث اجابة له « ما الجديد...؟».
وما بين اجتماعات وندوات وورش عمل وخلوات متتالية يحضر التنظير والحديث الكثير عن حقوق الانسان، فيما تضيع القضية الاساس عند الفعل الذي يعتمد نجاح اي دولة عليه لوضعها في تصنيف الدول التي تحترم حقوق الانسان.
فطالما أن المواطن لم يلمس تطورا وتحسنا بحقه في التعليم والعمل والصحة والسكن والبيئة النظيفة والمعيشة اللائقة، فإن الخلل سيبقى موجودا والتصنيف بين دول العالم لن يتغير.
حقوق الانسان ليست كلاما انشائيا للاستهلاك الاعلامي واستعراض الخطط والاستراتيجيات، بل ممارسة فعلية يتوجب ان يلمس أثرها المواطن، ليضمن ان لا أحد سيأخد دوره على شباك دائرة حكومية، وانه سيجد وسيلة نقل توصله الى منزله وكذلك العلاج اللازم في اقرب مركز صحي اليه، والذي لن يخاف ان يرفع صوته عندما لا يجد كل ذلك.
عند انتخاب الأردن عضوا غير دائم في مجلس الأمن، تفاءلت المؤسسات الحقوقية بسرعة التجاوب الحكومي مع التوصيات الواردة في تقارير المنظمات الأهلية الأردنية وتقارير المركز الوطني لحقوق الإنسان، لكي يكتسب الخطاب الرسمي في هذا المجال مصداقية على اعلى مستوى ممكن.
وقبل أشهر مرت الذكرى الخامسة والستون لصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمجتمعات البشرية لا تزال بمعظمها تعاني من عدم ممارسة قطاعات واسعة من أفرادها لحقوقهم، بما في ذلك حقوق أساس مثل: الحق في الآمان والحياة والحق في الغذاء والتعليم والعمل والصحة والسكن.
ووفقاً لإحصائيات الأمم المتحدة، هناك ما يقارب المليار من البشر يعانون من الجوع، إضافة لذلك يوجد ملياران من البشر لا تتوافر لديهم ـ أو تتوافر بصورة جزئية ـ خدمات الصحة والتعليم والصرف الصحي والمياه الصالحة للشرب وطرق المواصلات.
اي أن نصف البشرية لا تزال تعيش في ظل ظروف صعبة وتعاني من الجوع والجهل والمرض والفقر والبطالة ــ بالرغم من أن بلدان العالم ـ خاصة البلدان الصناعية المتقدمة ـ تنتج من الغذاء حالياً ما يكفي لتسعة مليارات من البشر، في حين أن سكان الكرة الأرضية يتجاوزون الستة مليارات بقليل.
الأردن مثقل بالانتقادات القاسية التي توجه له من مؤسسات محلية ودولية كان ابرزها ما طرح في مجلس حقوق الانسان في جنيف اواخر تشرين الأول الماضي وإن كانت تلك الانتقادات لا تمثل رؤية شاملة كاملة لكل ما تعانيه حقوق الإنسان في الاردن من ضعف في الجوانب المختلفة، وثانيها أنها جاءت تراكمية؛ ما يعني أن الأردن في السواد الأعظم من قضاياه لم يتحسن، بل في بعضها عاد للخلف خطوة أو اثنتين.
يأتي ذلك في الوقت الذي اصبحت فيه موضوعات حقوق الإنسان تفرض نفسها على الفكر القانوني، والسياسي، والتنظيم الدولي، وفي الجامعات كبرامج علمية يتم تدريسها للطلاب بعد ان اصبحت قضية حقوق الإنسان قضية عالمية، تجاوزت حدود الدول ونطاق قوانينها وأنظمتها الداخلية، ولقد أفرز لنا هذا العامل إشكالية السيادة، والتدويل، وعلاقة النص الوطني بالنصوص الدولية، والمعيارية الدولية لمفهوم الحقوق.
كما ارتفع اهتمام أنظمة الحكم بمختلف أشكالها بهذه القضية لاتخاذها كوسيلة لتحصين نفسها بالشرعية، وإبعاد تهمة الديكتاتورية والاستبداد عن ممارساتها حيث تُعتبر قضية حقوق الإنسان ومدى احترامها والالتزام بها بمثابة مقياس لتقدم الأمم ورفعتها، لأن فقدان الحقوق والحريات كان على مرّ العصور سبباً من أسباب انهيار الحضارات.
لذلك صار تعزيز حقوق الإنسان وحمايتها مهمة رئيسة للضمير الجمعي للمجتمع الإنساني، وبذات الدرجة من مهام الأمم المتحدة بموجب ميثاقها. ومنذ العام 1948، فإن «الإعلان العالمي لحقوق الإنسان» يعدّ بمثابة « المعيار المشترك للإنجاز بالنسبة لجميع الشعوب وكافة الأمم «.
إن الحديث عن الأهمية المتنامية لموضوع حقوق الإنسان يقود بالضرورة للتعرض إلى الأسس الفلسفية، والرؤى العقائدية، والتراكم الحضاري، والإشكاليات القانونية، ويتمثل في إعطاء وتقديم مفهوم ودلالة المصطلح « حقوق» ومعـنى «الإنسان« عند الحديث عن هذه الحقوق، باعتبار أن الحقوق أساس التأصيل، فمصطلح الحق هو مصطلح قانوني يعني السلطة أو القدرة التي يقررها القانون لشخص ويكون له بمقتضاها ميزة القيام بعمل معين.
ومما يلاحظ على هذا التعريف أنه ربط مفهوم الحقوق بالقانون، والقول بأن الحقوق الطبيعية هي التي يُمكن أن يتمتع بها الإنسان دون أن يُقرها القانون. أما تشريعات حقوق الإنسان فهي النصوص القانونية والقواعد العرفية التي تحمي حقاً من حقوق الإنسان، ويعتبر جزءا من منظومة حقوق الإنسان دون النظر إلى مصدرها الديني، أو الوطني أو الدولي. ويُفهم من هذا التعريف أن تشريعـات حقوق الإنسان هي المنظومة القانونية الكفيلة بحماية حقوق الإنسان.
لقد آن الأوان لكي نتوقف عن استجداء احترامنا وكرامتنا... وحقوقنا ... وشرعـتنا الإنسانية. علينا أن نفرض احترام تلك الشرعة بوعي ويقظة، وليرفع كل إنسان منا صوته عاليا بأنه إنسان بكل ما يحمله ذلك من معان في مواجهة الجميع حكاما ومحكومين.
(الدستور)