مبادرة شبابية لرصد ومكافحة الفساد في مصر
جو 24 : الفساد من أكبر التحديات التي تواجهها مصر، لكن الأكبر والأصعب هو مكافحته. ولمواجهة هذا التحدي أطلقت مجموعة شباب مبادرة "ويكي فساد" التي تعتمد على جمع ونشر وقائع ومعلومات عن الفساد وحجمه. فهل ينجح هؤلاء حيثما فشل غيرهم؟
قامت ثورة 25 يناير وبعدها أحداث 30 يونيو لمواجهة الفساد المتجذًر في المجتمع المصري. ولكن الانشغال بالأزمات الداخلية، دفع المسؤولين الحكوميين لنسيان أو التغاطي عن مواجهة هذا الملف، الذي يساهم في تفاقم الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها مصر. كما أن قانون التظاهر أدى إلى إخماد الاحتجاجات والتظاهرات المطالبة بمواجهة الفساد، بالإضافة إلى غياب البرلمان الذي يراقب السلطة التنفيذية ويصدر تشريعات. ومن هنا ظهرت مبادرة شبابية جديدة لمحاربة الفساد عبر نشر ثقافة الرقابة الشعبية وتوافر مؤشر دقيق لحجم الفساد في البلاد. لكن فرص نجاح هذه المبادرة تبقى مجرد تكهنات في ظل صعوبة التنسيق بين القائمين عليها والجهات الرقابية.
"ويكي فساد" والخطوط الحمراء
يتحدث أحمد جمعة عنتر، عضو في مبادرة "ويكي فساد"، عن طبيعة عمل المبادرة بأنها تقوم على رصد وقائع الفساد الموجودة في مصر، وإصدار مؤشر ربع سنوي داخلي لحجم تعاملات الفساد المالي، ويقول إن "المبادرة مفتوحة للتدوين، بمعني أن أيا كان قادر على جلب وقائع الفساد وتدوينها بنفسه". وتستهدف المبادرة تحقيق الشفافية والنزاهة في عرض المعلومات وتبادلها.
وينوه عنتر في حيدثه مع DW عربية، إلى أنه لا يوجد أحد في مصر سواء على المستوى الرسمي أو غير الرسمي يعمل على هذا الموضوع بشكل حقيقي، خاصة و أن الأجهزة الرقابية تابعة للحكومة ويتم احياناً التغاطي عنها. أما الأجهزة غير الرسمية فلا يوجد أحد لديها يتابع ملفات الفساد بشكل قوي، حيث هناك ملفات يصعب فتحها، حسب عنتر الذي يقول إن ما "ما يميزنا هو عدم وجود خطوط حمراء لدينا لأي ملف أو أي جهة ووزارة كانت".
وقد أصدر مركز هدرو لدعم التعبير الرقمي الذي أطلق "ويكي فساد"، أول تقاريره بشأن وقائع الفساد المكتشفة في الفترة من 1 إلى 15 إبريل من عام 2015 والتي تجاوز حجمها عن تلك الفترة الـ "520 مليار" جنيه مصري. وأكد عنتر أنهم يعتمدون على البيانات من خلال تقارير الأجهزة الرقابية وتقارير القضاء الإداري والنيابة العامة والصحف وأجهزة نوعية مثل الكسب غير المشروع ومعلومات من المواطنين بعد التأكد منها. وشدًد على أن حجم الفساد في مصر لا يؤثر فقط على سمعة البلاد الدولية، بل أيضاً على البطالة ومشاكل إجتماعية اخرى، لأن الفساد يأخذ أشكالا عديدة. ويؤكد أن فرص نجاح مبادرة "ويكي فساد" كبيرة جداً، ويصفها بالجريئة والقوية المبنية على أسس علمية وصحيحة، وبالتالي تتجاوب معها الحكومة والمجتمع المدني ومستخدمو الانترنت. أما عن العلاقة بينهما وبين الأجهزة الرقابية، يقول إنهم يستطيعون الاطلاع على كافة تقارير الأجهزة الرقابية سواء القابلة أو غير القابلة للنشر.
ويشير عنتر إلى عدة إجراءات على الحكومة اتخاذها لمكافحة الفساد منها؛ فصل الأجهزة الرقابية عن سلطة الحكومة، وتحويل الموازنة العامة إلى موازنة برامج، وتوافر إرادة سياسية حقيقية عبر حملة قومية ممنهجة إعلاميا وسياسياً واجتماعيا. لكن هل ينجح البرلمان القادم في تمرير تشريعات لمكافحة الفساد؟ عنتر غير متفائل بذلك.
أما التحديات التي قد تواجهها المبادرة، يقول عنتر إنها تكمن في عدم جود شفافية حقيقية، وبطء الإجراءات للتصدي للفساد وقلة الكوادر المؤهلة لمكافحة الفساد.
"لا توجد أداة مثلى لمحاربة الفساد"
أسامة مراد، الرئيس السابق للمجلس الاستشارى لزيادة النزاهة والشفافية ومكافحة الفساد، يؤكد في حديثه مع DWعربية على صعوبة كسر منظومة الفساد في مصر، ويرجع ذلك إلى التشريعات القائمة وبطء الإجراءات والتقاضي وتنفيذ الأحكام. أما بالنسبة للتعامل مع الفساد، فيقول مراد لا توجد وسيلة مثلي للتعامل معه، ولكن محاربته تتم عبر قانون تبادل المعلومات وإجراءات تشجيع النزاهة وتبسيط إجراءات التقاضي وتسهيل الخدمات.
وصدرت عدة مبادرات واقتراحات لمكافحة الفساد، منها المفوضية الوطنية لمكافحة الفساد، ولكن تنفيذها يرجع إلى أن صانع القرار غير مثابر على محاربة أي جبهة، حسب مراد. الذي ينتقد بشدة في حواره مع DWعربية "المبالغة" في حجم الفساد والأرقام التي أشار إليها مركز هدرو في تقريره الأول، ودعا إلى التحري والتأكد منها، لأنها تضر أكثر مما تفيد، وضورة وضعها في سياق واضح. وفي الوقت ذاته، ينتقد أرقام الجهات الرقابية غير صحيحة لاعتمادها على وقائع غير معروفة.
الفساد وعرقلة التنمية الاقتصادية
أما إبراهيم الغيطاني، خبير اقتصادي في المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية بالقاهرة، فيشير إلى تقديرات مختلفة من قبل الخبراء الاقتصاديين لتكلفة الفساد سنويا بمصر، والتي تتراوح بين 50 مليار و 80 مليار جنيه. ولكن تظل هذه التقديرات غير دقيقة بأي حال، حسب الغيطاني. فهو يعتقد أن دور حملة "ويكي فساد" تقتصر على مجرد رصد وقائع الفساد، وهو ما قد يشكل توجه الرأي العام في مصر، معتبرا ذلك أمرا في غاية الأهمية في ظل مناخ عام يتسم بالرقابة الصارمة على الحريات العامة.
كما يرى بأن الفساد بمختلف أنواعه يعرقل النمو والتنمية الاقتصادية، ويلحق خسائر كبيرة بالخزانة العامة. وهذه المبادرات وأمثالها لا يستطيع تحريك وقائع الفساد قانونيا أو إداريا، ويقتصر دورها على مجرد تشكيل الوعي العام، ويرى الغيطاني أن أكبر التحديات لأي استراتيجية لمكافحة الفساد هي حالة التشابك الواضح والملموس بين دوائر ثلاث هي النظام السياسي والنخبة الإدارية ومجتمع الأعمال (المحلي أو الأجنبي). و درجة قوة التشابك والتضامن والتداخل بينها يجعل من أي استراتيجية لمحاربة الفساد عديمة الجدوى.
ويشير الغيطاني إلى أن الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد التي أطلقها رئيس الوزراء المصري في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، ستكون نقطة انطلاق هامة لمحاصرة الفساد في الجهاز الإداري، إذا واكبتها إجراءات تنظيمية وتشريعية موازية لتفعيل استراتيجية مكافحة الفساد.
قامت ثورة 25 يناير وبعدها أحداث 30 يونيو لمواجهة الفساد المتجذًر في المجتمع المصري. ولكن الانشغال بالأزمات الداخلية، دفع المسؤولين الحكوميين لنسيان أو التغاطي عن مواجهة هذا الملف، الذي يساهم في تفاقم الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها مصر. كما أن قانون التظاهر أدى إلى إخماد الاحتجاجات والتظاهرات المطالبة بمواجهة الفساد، بالإضافة إلى غياب البرلمان الذي يراقب السلطة التنفيذية ويصدر تشريعات. ومن هنا ظهرت مبادرة شبابية جديدة لمحاربة الفساد عبر نشر ثقافة الرقابة الشعبية وتوافر مؤشر دقيق لحجم الفساد في البلاد. لكن فرص نجاح هذه المبادرة تبقى مجرد تكهنات في ظل صعوبة التنسيق بين القائمين عليها والجهات الرقابية.
"ويكي فساد" والخطوط الحمراء
يتحدث أحمد جمعة عنتر، عضو في مبادرة "ويكي فساد"، عن طبيعة عمل المبادرة بأنها تقوم على رصد وقائع الفساد الموجودة في مصر، وإصدار مؤشر ربع سنوي داخلي لحجم تعاملات الفساد المالي، ويقول إن "المبادرة مفتوحة للتدوين، بمعني أن أيا كان قادر على جلب وقائع الفساد وتدوينها بنفسه". وتستهدف المبادرة تحقيق الشفافية والنزاهة في عرض المعلومات وتبادلها.
وينوه عنتر في حيدثه مع DW عربية، إلى أنه لا يوجد أحد في مصر سواء على المستوى الرسمي أو غير الرسمي يعمل على هذا الموضوع بشكل حقيقي، خاصة و أن الأجهزة الرقابية تابعة للحكومة ويتم احياناً التغاطي عنها. أما الأجهزة غير الرسمية فلا يوجد أحد لديها يتابع ملفات الفساد بشكل قوي، حيث هناك ملفات يصعب فتحها، حسب عنتر الذي يقول إن ما "ما يميزنا هو عدم وجود خطوط حمراء لدينا لأي ملف أو أي جهة ووزارة كانت".
وقد أصدر مركز هدرو لدعم التعبير الرقمي الذي أطلق "ويكي فساد"، أول تقاريره بشأن وقائع الفساد المكتشفة في الفترة من 1 إلى 15 إبريل من عام 2015 والتي تجاوز حجمها عن تلك الفترة الـ "520 مليار" جنيه مصري. وأكد عنتر أنهم يعتمدون على البيانات من خلال تقارير الأجهزة الرقابية وتقارير القضاء الإداري والنيابة العامة والصحف وأجهزة نوعية مثل الكسب غير المشروع ومعلومات من المواطنين بعد التأكد منها. وشدًد على أن حجم الفساد في مصر لا يؤثر فقط على سمعة البلاد الدولية، بل أيضاً على البطالة ومشاكل إجتماعية اخرى، لأن الفساد يأخذ أشكالا عديدة. ويؤكد أن فرص نجاح مبادرة "ويكي فساد" كبيرة جداً، ويصفها بالجريئة والقوية المبنية على أسس علمية وصحيحة، وبالتالي تتجاوب معها الحكومة والمجتمع المدني ومستخدمو الانترنت. أما عن العلاقة بينهما وبين الأجهزة الرقابية، يقول إنهم يستطيعون الاطلاع على كافة تقارير الأجهزة الرقابية سواء القابلة أو غير القابلة للنشر.
ويشير عنتر إلى عدة إجراءات على الحكومة اتخاذها لمكافحة الفساد منها؛ فصل الأجهزة الرقابية عن سلطة الحكومة، وتحويل الموازنة العامة إلى موازنة برامج، وتوافر إرادة سياسية حقيقية عبر حملة قومية ممنهجة إعلاميا وسياسياً واجتماعيا. لكن هل ينجح البرلمان القادم في تمرير تشريعات لمكافحة الفساد؟ عنتر غير متفائل بذلك.
أما التحديات التي قد تواجهها المبادرة، يقول عنتر إنها تكمن في عدم جود شفافية حقيقية، وبطء الإجراءات للتصدي للفساد وقلة الكوادر المؤهلة لمكافحة الفساد.
"لا توجد أداة مثلى لمحاربة الفساد"
أسامة مراد، الرئيس السابق للمجلس الاستشارى لزيادة النزاهة والشفافية ومكافحة الفساد، يؤكد في حديثه مع DWعربية على صعوبة كسر منظومة الفساد في مصر، ويرجع ذلك إلى التشريعات القائمة وبطء الإجراءات والتقاضي وتنفيذ الأحكام. أما بالنسبة للتعامل مع الفساد، فيقول مراد لا توجد وسيلة مثلي للتعامل معه، ولكن محاربته تتم عبر قانون تبادل المعلومات وإجراءات تشجيع النزاهة وتبسيط إجراءات التقاضي وتسهيل الخدمات.
وصدرت عدة مبادرات واقتراحات لمكافحة الفساد، منها المفوضية الوطنية لمكافحة الفساد، ولكن تنفيذها يرجع إلى أن صانع القرار غير مثابر على محاربة أي جبهة، حسب مراد. الذي ينتقد بشدة في حواره مع DWعربية "المبالغة" في حجم الفساد والأرقام التي أشار إليها مركز هدرو في تقريره الأول، ودعا إلى التحري والتأكد منها، لأنها تضر أكثر مما تفيد، وضورة وضعها في سياق واضح. وفي الوقت ذاته، ينتقد أرقام الجهات الرقابية غير صحيحة لاعتمادها على وقائع غير معروفة.
الفساد وعرقلة التنمية الاقتصادية
أما إبراهيم الغيطاني، خبير اقتصادي في المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية بالقاهرة، فيشير إلى تقديرات مختلفة من قبل الخبراء الاقتصاديين لتكلفة الفساد سنويا بمصر، والتي تتراوح بين 50 مليار و 80 مليار جنيه. ولكن تظل هذه التقديرات غير دقيقة بأي حال، حسب الغيطاني. فهو يعتقد أن دور حملة "ويكي فساد" تقتصر على مجرد رصد وقائع الفساد، وهو ما قد يشكل توجه الرأي العام في مصر، معتبرا ذلك أمرا في غاية الأهمية في ظل مناخ عام يتسم بالرقابة الصارمة على الحريات العامة.
كما يرى بأن الفساد بمختلف أنواعه يعرقل النمو والتنمية الاقتصادية، ويلحق خسائر كبيرة بالخزانة العامة. وهذه المبادرات وأمثالها لا يستطيع تحريك وقائع الفساد قانونيا أو إداريا، ويقتصر دورها على مجرد تشكيل الوعي العام، ويرى الغيطاني أن أكبر التحديات لأي استراتيجية لمكافحة الفساد هي حالة التشابك الواضح والملموس بين دوائر ثلاث هي النظام السياسي والنخبة الإدارية ومجتمع الأعمال (المحلي أو الأجنبي). و درجة قوة التشابك والتضامن والتداخل بينها يجعل من أي استراتيجية لمحاربة الفساد عديمة الجدوى.
ويشير الغيطاني إلى أن الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد التي أطلقها رئيس الوزراء المصري في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، ستكون نقطة انطلاق هامة لمحاصرة الفساد في الجهاز الإداري، إذا واكبتها إجراءات تنظيمية وتشريعية موازية لتفعيل استراتيجية مكافحة الفساد.