عمال النسيج.. عرق وكد واستثناء يهضم حقهم في الحد الادنى للأجور "انفوجرافيك"
أعدّت التقرير: هبة أبو طه -
سلوى (اسم مستعار) أمّ تعيل أبناءها الثلاث احترفت الحياكة منذ صغرها فاختارت العمل في أحد مصانع الغزل والنسيج المتواجدة في المناطق الصناعية المؤهلة. تتذمر سلوى من وضعها المعيشي يوميا فما تحصل عليه من بضعة دنانير بعد مشقة وتعب لا يسدد ما يكفي أولادها من خبز واحتياجات بسيطة.
تقول سلوى: "لم أعد أقوى على العمل كالسابق؛ فامراض عديدة أصابتني، حيث يتم التعاطي معنا في المعمل وكأننا عبيد، لا رحمة ولا شفقة، حتى الحد الأدنى من الأجور نُحرم منه، لا احد يكترث لأمرنا.. الجميع يضطهدنا".
استثناء عمال النسيج من الحد الأدنى تمييز مبطن..
لفتت سلوى إلى محاولة اللجنة الثلاثية "الإلتفاف" على القوانين حيث يقوم أصحاب العمل بشمل العلاوات والزيادات مع الحد الادنى للاجور. الأمر الذي اعتبره المحامي سامي عوض مخالفا للقوانين حيث أنه لا يجوز اعتبار العلاوات جزءا من الراتب الأساسي؛ فالحد الأدنى للأجر يجب أن يصرف كما هو مقرر وتضاف اليه العلاوات، وهذا وفقاً لإجتهادات محكمة التمييز.
وقالت صوفيا -اسم مستعار- القادمة من دول شرق آسيا للعمل في المناطق الصناعية المؤهلة "هناك تمييز ملموس بيننا وبين الأردنيين العاملين في المصانع، لا نتقاضى أجورا تتساوى مع ما نبذله من جهد، ورغم ذلك يعتبرون مسكننا الضيق الذي لا متنفس فيه أجرا عينيا، لا أدري ما تقوله قوانين الاردن ولا المعاهدات الدولية لكن أشعر أن حقوقنا كوافدين تنتهك كل يوم".
ومن خلال وثائق حصل عليها (JO24) تبين أن اللجنة الثلاثية المناط بها تحسين اوضاع العمال المعيشية قررت عام 2009 رفع الحد الأدنى للأجور من 110 الى 150 دينارا وبعد ثلاثة اعوام قررت ذات اللجنة المشكلة من أصحاب العمل والحكومة وممثلي العمال رفع الأجور الى 190 دينارا مع استثناء العاملين في الغزل والنسيج.
54945 عاملا وعاملة في معامل الغزل والنسيج -أردنيون ووافدون- مستثنيون من الحد الأدنى، إضافة الى ان مذكرات التفاهم والإتفاقيات الموقعه بين الأطراف المعنية، تتضمن "تمييزا مبطنا" وعدم اقرار لرفع الأجر ومساواة عمال النسيج مع غيرهم من العاملين، ومن ذلك البند الثاني من مذكرة تفاهم موقعة عام 2009 بين نقابة العاملين في الغزل والنسيج ووزارة العمل والجمعية الاردنية لمصدري الالبسة وجمعية المستثمرين الاجانب الذي نص على "اضافة مبلغ يعادل بدلات طعام وسكن للعاملين الاردنيين الذين يتقاضون راتب "110" دنانير مبلغ أربعون دينارا لمساواتهم بالعمال الاجانب الذين يعملون لديهم ويتقاضون هذا البدل عينا او ماديا".
وفي الخامس عشر من شباط لعام 2012 تضمنت الاتفاقية الموقعة بين نقابة أصحاب مصانع المحيكات و نقابة العاملين في الغزل والنسيج والجمعية الأردنية لمصدري ومصنعي الألبسة والمنسوجات اتفاقا ينصّ على التدرج برفع اجور العاملين الاردنيين باستثناء قطاع الالبسة والمحيكات بحسب قرار اللجنة الثلاثية وضرورة الاتفاق على توقيع اتفاقية جماعية قطاعية بين الاطراف المعنية لتحقيق المساواة بين عمال قطاع النسيج لتوقّع في العشرين من شباط للعام ذاته اتفاقية اخرى بين نقابة اصحاب المصانع ونقابة العاملين في النسيج والجمعية الاردنية لمصدري الالبسة تضمنت زيادة خمسة دنانير لكل عامل أمضى سنة كاملة، وعشرة دنانير لكل عامل أمضى سنتين كاملتين، وخمسة عشر دينارا لكل عامل أمضى ثلاث سنوات كاملات، وعشرون دينارا لكل عامل أمضى اربع سنوات فأكثر.
وفي عام 2014 وقعت مذكرة بين الجمعية الأردنية لمصدري الألبسة ونقابة العاملين في الغزل والنسيج اتفقا خلالها على تحديد الحد الأدنى للأجر بقيمة مئة وعشرة دنانير إضافة الى قيام صاحب العمل بتوفير المسكن والطعام واعتبارها جزءا من الأجر للعمال على ان تقدر قيمته بـ20 دينار عام 2014 و40 دينار عام 2015 و60 دينار عام 2016 و80 دينار عام 2017.
ومن جانبه، قال مدير مركز الفينيق للدراسات العمالية أحمد عوض: "ما زال غالبية العاملين في المناطق الصناعية المؤهلة من اردنيين واجانب يعانون من شروط عمل صعبة سواء كانت من حيث مستويات الاجور او ظروف السكن أو ظروف عملهم من ناحية شروط الصحة والسلامة أثناء العمل وجودة التامينات الصحية المقدمة للعاملين في هذا القطاع عدا عن استثناءهم من الحد الأدنى للأجور".
ونوه عوض إلى أن التمييز ضد هذا القطاع محظور بكافة أشكاله وفق الشريعة العالمية لحقوق الإنسان واتفاقيات منظمة العمل الدولية ومنها إعلان المنظمة للحقوق والمبادئ الأساسية في العمل على وجه الخصوص.
وأضاف: "المستثمرون في هذا القطاع يتمتعون بتسهيلات عالية مقابل تأثيرات إيجابية على الوضع الإقتصادي الوطني، فعلى الأردن الإنتباه للإنتهاكات التي يتعرض لها العاملون والتي من شأنها الإساءة لسمعة البلاد".
الحكومة تسعى لتحقيق مصالحها
نقيب العاملين في الغزل والنسيج، فتح الله العمراني، أرجع استثناء قطاع الغزل والنسيج من رفع الحد الادنى للاجور الى "سعي الحكومة لتحقيق مصالحها عبر سياسة إعطاء حقوق لعمال وحرمان آخرين منها".
وأشار إلى أن النقابة حققت مزايا ومكاسب للعمال الأردنيين والوافدين من ناحية الزيادات والعلاوات التي أضيفت لهم وفق الإتفاقيات الموقعة بالشراكة مع النقابة، ومساواة العمال مع بعضهم ورفع نسبة الأردنيين العاملين في تلك المصانع.
الإستثناء ليس انتهاكا!
يعلق مدير التفتيش في وزارة العمل المهندس أيمن خوالدة: "إن إستثناء عمال الغزل والنسيج من الحد الأدنى للأجور قرار بيد اللجنة الثلاثية التي ترأسها الوزارة ويعود ذلك لخصوصية هذه المصانع حيث أن ما يحصل عليه العمال من امتيازات فيها كتوفير المأكل والمسكن لا يحصل عليها آخرون لذلك لا يوجد تمييز بقرار الحد الأدنى أو انتهاك للقوانين وأحكام العمل والمعاهدات الدولية إضافة إلى أن استثناء قطاع الغزل والنسيج من الأجر قرار صادقت عليه منظمة العمل الدولية.
وأضاف: "قمنا بمساواة العامل الأردني مع الوافد من خلال البدلات والزيادات المتعلقة بالأجر وصرف ما يتقاضاه الوافد من أجر عيني كالمسكن والمأكل للأردني لتشجيع العمال الوطنيين على العمل فيها وقد بدأنا بالسعي لإحتساب بدل الضمان الإجتماعي وساعات العمل الإضافي للوافدين ".
وختم الخوالدة: "نحن كوزارة عمل لا يمكن أن نكون طرفاً ضد العامل فهو الحلقة الأضعف في هذه المنظومة فبعد مهاجمة التقارير الأمريكية لنا عام 2006 اهتمت الحكومة بهذا القطاع لتأثيره بحجم كبير على الاقتصاد الوطني ودوره في خفض البطالة فتم اجراء تعديلات نوعية على اجراءات الوزارة والجهات الأخرى من ضمنها فتح مديرية بكل منطقة صناعية والتفتيش الدوري والتأكد من سجلات العمال وتفعيل خدمة الخط الساخن".
ورغم الغلاء المعيشي والاجور المتدنية في البلاد يُظلم العاملون في الغزل والنسيج مرتين باستثناءهم من الحد الأدنى للأجور المبرر من قبل المعنيين بحجج واهية يبدو أنها لا تسعى إلّا لخدمة سلطة رأس المال...