"اللملمة" لا تليق بالأمن العام
تامر خرمه- عندما يهدر دم مواطن على يد من يفترض بهم حمايته، فإن الكارثة تكون قد تجلّت بأبشع صورها. فتى لا يتجاوز من عمره الـ 19 عاما، تعاطى المخدّرات، خالف القانون بذلك لا أحد يجادل بهذه المسألة، ولكن هل يكون العقاب الموت تحت التعذيب؟!
القضيّة شكّلت صفعة جديدة للرأي العام، الذي أضناه ما يطلّ عليه بين الفينة والأخرى من تجاوزات يقترفها بعض عناصر الأمن. صحيح أن وقوع الأخطاء مسألة واردة، وأن عناصر الأمن العام هم بشر في نهاية المطاف، وليسوا معصومين عن الخطأ.. ولكن...
إزهاق روح مواطن ليس مجرّد خطأ يمكن تجاوزه بسهولة، بل هي ذنب يجب أن يحاسب مرتكبه، ففي الدول التي تؤمن بسيادة القانون، تفضي حادثة مثل هذه إلى استقالة مدير الأمن العام ووزير الداخليّة على الفور، عوضاً عن محاولة "لملمة" القضيّة برواية رسميّة غير مقنعة.. هذا من جهة.
ومن جهة أخرى من حقّ الرأي العام أن يعرف ما هي الميكانيكيّات التي يتمّ الاستناد إليها لمعالجة ما يقع من أخطاء وتجاوزات، تسيء إلى صورة جهاز الأمن العام قبل أي شيء آخر. أوليس الأردن دولة مؤسّسات يسود فيها القانون على الجميع ؟!
العمل المؤسّسي لا ينسجم مع إطلاق روايات غير مقنعة في محاولة للحفاظ على صورة الأمن العام، بل على العكس من ذلك فإن مثل هذه المحاولات تهزّ صورة الجهاز. الحرص على هذه المؤسّسة يستوجب الشفافيّة، واتّباع منهجيّة واضحة في التعامل مع ما يقترفه البعض من أخطاء فرديّة.
الخطأ الفردي الذي يسيء إلى سمعة الأمن العام، ينبغي محاسبة من يقترفه وفقاً للقانون، وليس محاولة التستّر عليه . العلاقة بين الأمن العام والمواطن لا يفترض أن تكون علاقة عداء، بحيث تعتبر المديريّة نفسها في خندق، والناس في الخندق الآخر، فتعمد إلى التستّر على ما يقترفه منتسبيها من أخطاء !
اعتاد الناس من مدراء الأمن العام -الذين سبقوا عهد الطوالبة والمجالي- مدّ الجسور إلى المجتمع، وتوطيد العلاقة بين هذه المديريّة والمواطن الذي يعتزّ بها، ولكن هذه العلاقة بدأت بالتفكّك والتخلخل نتيجة الممارسات التي تبنّاها الرجلين في استعداء الناس.
لا ينبغي استعداء المواطن على هذا النحو يا مدير الأمن العام، وحريّ بك أن تدرك أن عمل هذه المديريّة يختلف عن عمل جهاز الدرك، فعناصر الأمن العام في تواصل يوميّ مع الناس، ولا يفترض أن يكون التعامل معهم كالتعامل مع حالات الشغب أو غير ذلك !!
في نهاية المطاف فالكلّ حريص على هذه المؤسّسة الوطنيّة، التي يفترض أنّها تسهر على راحة المواطن، ولكن الحرص على هذه المؤسّسة يستوجب الصرامة في مواجهة ما يقترفه بعض منتسبيها من أخطاء، فإن المحاسبة الرادعة المقترنة بالشفافيّة هي ما تحفظ للجهاز هيبته واحترامه.
كما أنّنا لا نرضى لمديريّة الأمن العام غياب الأسس والمعايير في اختيار من هو مؤهّل للانتساب إليها، ولا غياب المعايير في معالجة الأخطاء ومنع التجاوزات. كان يمكن لخطأ بسيط، كتعامل فظّ مع مواطن مثلا، أن يمرّ مرور الكرام، ولكن ما حصل هو إراقة دم، فهل هذا هو التدريب والتأهيل الذي يخضع له منتسبي الأجهزة الأمنيّة!