صراع مستمر بمساجد تونس
رغم أن بيوت الله مخصصة للعبادة والصلاة فإن مئات المساجد تحوّلت في تونس إلى مسارح للعنف والصراعات، حتى باتت الفوضى بداخلها جزءا من المشهد اليومي الذي تعيشه البلاد بعد الثورة.
وتتمثل حالات الفوضى في عزل الأئمة وإنزالهم من المنابر وتنصيب أئمة متشددين، وتبادل الشتائم والعنف، الذي يصل إلى حد استعمال السلاح الأبيض والغاز المشلّ للحركة بين مجموعات مختلفة فكريا.
وتوجه أصابع الاتهام إلى أطراف محسوبة على التيار السلفي، الذي يسعى -حسب بعض المراقبين- إلى البروز على الساحة الدينية وبسط نفوذه على المساجد، التي كانت إدارتها تحت قبضة نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي.
ويقول مستشار وزير الشؤون الدينية صادق العرفاوي للجزيرة نت، إن المساجد في تونس عاشت بدورها ثورة بعد سقوط النظام، مشيرا إلى أن الناس "ثاروا" على الأئمة، الذين نصبوا "على أساس الولاء لا على أساس العلم".
وحمّل المنتمين للتيار السلفي مسؤولية تواصل حالة الاحتقان، قائلا "هذا الطرف يعمل على فرض إرادته وتواجده بالقوة في المساجد وهو مدفوع إمّا بقناعات عقائدية أو تعصّب مذهبي أو حسابات سياسية".
ويقسّم العرفاوي التيار السلفي في تونس إلى ثلاث جماعات إحداها تتبنى فكر "القاعدة" وتسمّى "السلفية الجهادية"، وجماعة "متشددة" لا تتبنى القوّة وتدعى "السلفية العلمية"، وجماعة "تكفيرية" يطلق عليها "المداخلة"، نسبة للشيخ الوهابي ربيع المدخلي.
دوافع مختلفة
ويوضح العرفاوي أن هذه الجماعات تتبنى دوافع مختلفة لعزل الأئمة، مبينا أن دافع "السلفية الجهادية" سياسي باعتبارها تكفر الحكومة الحالية وترفض تعيين الأئمة عن طريق وزارة الشؤون الدينية.
أما بالنسبة للجماعات الأخرى فترتكز دوافعهم لعزل الأئمة على أحكام عقائدية ضد الأئمة أنفسهم بأنهم مبتدعين أو ضالين أو أشعريين أو غير ملتحين أو لا يطبقون السنة، حسب قول العرفاوي.
ورغم تحميل التيار السلفي المسؤولية الأولى فيما يحدث من توترات، فإن العرفاوي أكد أن الفوضى بالمساجد تقف وراءها أطراف مشبوهة "اخترقت" التيار السلفي من مجرمين وجهات سياسية محسوبة على الحزب الحاكم السابق (التجمع).
واعترف العرفاوي بأن هناك تأخرا في تسوية وضعية عشرات المساجد وبطءا بتعيين أئمة لها من قبل وزارة الشؤون الدينية، مما جعل هذه المساجد دون مسؤول عليها وفتح الباب أمام الصراع بين الجماعات الدينية لافتكاك منابرها، وفق قوله.
جامع الزيتونة
لكن شيخ جامع الزيتونة حسين العبيدي أرجع استمرار الصراع القائم على المساجد إلى "مساعي" الحكومة الحالية للهيمنة على منابرها، قائلا للجزيرة نت "وزارة الشؤون الدينية تثير الفتنة بتدخلها في مسألة تعيين الأئمة وتنظيم المساجد".
ويقول العبيدي إن عزل الأئمة داخل المساجد تواصل لفترة طويلة بعد الثورة لأن الحكومة "واصلت سياسة النظام السابق" بتعيينها للأئمة والإطارات "والحال أن الأمر يعود للمصلين أنفسهم".
وأكد للجزيرة نت أن عودة التعليم بجامع الزيتونة من شأنه أن يطفئ حالة الاحتقان، مشيرا إلى أن سياسة تجفيف المنابع في العهد السابق دفعت بعديد الفئات إلى متابعة الفضائيات وتلقي خطب دينية مختلفة دون غربلة أو تدقيق، وهو ما خلق تيارات مختلفة وأدى إلى حالة من التطاحن.
وفي شهر مايو/آيار الماضي، تم الإعلان عن عودة التعليم الزيتوني بعدما كان مغلقا في ظل النظام السابق، لكن أزمة خانقة تفجرت مؤخرا بين الحكومة ومشايخ جامع الزيتونة بشأن مسألة تعيين إمام المسجد وإدارة جامع الزيتونة.
ومنذ أيام رفضت المحكمة قضية رفعتها وزارة الشؤون الدينية ضدّ الشيخ حسين العبيدي الذي يتمسك باستقلالية جامع الزيتونة، لكن مستشار وزير الشؤون الدينية صادق العرفاوي أكد للجزيرة نت أن وزارته سترفع قضية جديدة في الأصل لاستعادة الإشراف على هذا المسجد.
واتهم الشيخ حسين العبيدي الحكومة بمحاولة الانقلاب على اتفاقية سابقة تم توقيعها مع ثلاثة وزراء تنص على استقلالية الجامع واستعادة دوره التعليمي، قائلا للجزيرة نت "الحكومة تسعى من خلال تمسكها بتعيين إمام المسجد للهيمنة على جامع الزيتونة وتقزيم دوره من التعليم إلى الوعظ والإرشاد فحسب". الجزيرة