مسلسل الانفلات الأمني.. إخراج تقليدي للرواية الرسمية
انس ضمرة - الترويج الرسمي لعمليات القبض على المطلوبين يضع علامات استفهام كبيرة حول الغاية من هذه الدعاية الواسعة، والتي اصبحت اخبارها تتصدر الصحف والمواقع الالكترونية.
السيناريوهات التي تدور في الغرف المغلقة كثيرة، أبرزها واكثرها أهمية هو ان الاجهزة الامنية تقوم بهذه العمليات وتروج لها لخلق التوتر والخوف لدى المواطن، وتنمي لديه الشعور بالقلق من المستقبل، والترويج لما يسمى بـ "الأمن الخشن" الذي ابدى المواطنون رضاهم عنه حيال مطاردة المطلوبين لإلقاء القبض عليهم واستعادة "الأمن والأمان".
اكثر من خمسة عمليات نفذتها الاجهزة الامنية خلال الشهر الجاري، انتهت أغلبها بالقبض على المطلوبين او مقتلهم، حيث كان بعضهم متورطا بتجارة السلاح، فيما كان آخرون يروعون المواطنين ويمارسون البلطجة عليهم.
جهود الاجهزة الامنية في القبض على هؤلاء الاشخاص مباركة، الا ان تعمد الامن في إظهار هذه العمليات والترويج لها من خلال السماح للصحفيين بحضورها وتصويرها يضع تساؤلا حول الغاية من نشر هذه الاخبار بين الاردنيين.
ما الجديد ؟؟
الأجهزة الأمنية كانت تنفذ عمليات أخطر مما تم الكشف عنها مؤخرا، ولم تأخذ اهتماما اعلاميا كبيرا، وكنا نشاهد بعضها على برنامج العين الساهرة دون قلق، لكن الاردنيين اليوم يتابعون اخبار هذه العمليات بقلق شديد حتى ان نسبة الاقبال على شراء السلاح ارتفعت بشكل ملحوظ .
يدور الحديث هذه الاثناء ان الأمن العام بعد فشله بالتعامل مع الحراك من خلال الطرق العديدة التي استخدمها من اعتقال وضرب ومحاولة تمزيق لحمة الشعب الاردني، وجد ان الحل الامثل هو القضاء على الحراك شعبيا، من خلال ابراز هذه العمليات لتتم "شرعنة" إقرار قانون الطوارئ لتحكم الاجهزة الامنية قبضتها على الحراكيين المطالبين بالحرية والعدالة الاجتماعية.
الادعاء بوجود حالة انفلات امني غير صحيح، فزياد الراعي وغيره من المجرمين، موجودون منذ سنوات، وكان بإمكان الأجهزة الامنية القبض عليهم في اي وقت سابق، الا انها استغلتهم لمحاولة ضبط الحبكة الاخراجية لمسلسل الانفلات الامني.
والسبب الحقيقي وراء إشاعة "مسلسل الانفلات" يمكن في ان الحكومة تفاجأت منذ 712011 بجيل من الشباب الواعي المدرك لحقوقه وواجباته تجاه بلده، شباب سبق ما يسمى بالربيع العربي من خلال عشرات الاحتجاجات العمالية الذي شهدتها حكومة سمير الرفاعي وتشهدها الان حكومة الطراونة.
اين الحبكة؟؟
الإدارة الرسمية لم تستطع التعامل مع الشباب الذين خرجوا الى الشارع للمطالبة بمحاكمة رموز الفساد و استرداد ثروات الدولة و اعادة السلطة للشعب حيث ان عقول صناع القرار "العرفية" لم تنسجم مع العقول الناضجة والواعية لمعنى الديمقراطية.
الان الناشط السياسي سعود العجارمة ما زال معتقلا في الموقر ولا بواكي له، لأن معظم الاردنيين باتوا لا يميزون بين العجارمة والخلايا الارهابية التي يتم القبض عليها بين الحين والاخر، واصبح كل من يقف ويطالب بإطلاق سراح العجارمة منبوذ لأنه يطالب بالإفراج عن ارهابي !! هذا الوعي الذي اكتسبه معظم الاردنيين من اجهزتهم الأمنية .
اما فيما يتعلق بالامن الناعم والامن الخشن؛ فإن الاجهزة الامنية تروج انها تعاملت مع الحراك الشعبي بأسلوب الامن الناعم، إلا أننا لو أمعنا النظر لشاهدنا مدى خشونة هذا الامن في تعمله مع المتظاهرين.
الأمن الناعم لم يطبق الا على الفعاليات الاحتجاجية التي لم تشهد توترا - وهذا طبيعي- حيث لا يمكن لرجل الامن ان يضرب مواطنا يسير في مسيرة او يقف في اعتصام دون وجود توتر او وجود "بلطجية" او تجاوز لخطوطهم الحمراء.
دوار الداخلية "24 اذار"، ساحة النخيل، 155، الدوار الرابع، هذه بعض النماذج لأحداث شهدت توترا بين الامن والمعتصمين، حيث لم يفكر الأمن بالتعاطي معهم عبر سياسة الامن الناعم، بل كانت الهروات اولى الخيارات، بمعنى ان الاعتصامات التي يتحدث عنها حسين هزاع المجالي، مدير الأمن العام، كانت اعتصامات اعتيادية وتقليدية لم تشهد توترا او تجاوزا للسقوف الحكومية، ولكن في حال تحول الأمر إلى تظاهرة حقيقية فإنه لا يوجد "أمن ناعم" في التعامل مع المتظاهرين.