محاضرة للاستاذ فراعنة في مركز دراسات الرأي
جو 24 : أكد الكاتب السياسي حمادة فراعنة ، أن هناك مفاجئتين قد تحققتا في إنتخابات البرلمان الإسرائيلي التي جرت يوم الثلاثاء 17/3/2015 ، سيكون لهما أثراً ملموساً على تطور الأحداث السياسية داخل مناطق الإحتلال الأولى عام 1948 ، وعلى المسار السياسي المرافق والمجاور لفلسطين ، وإنعكاس ذلك على مجمل المشهد السياسي في منطقتنا العربية .
وأضاف النائب السابق في البرلمان الأردني أن المفاجأة الأولى كانت متوقعة ، ولكنها سجلت على أنها حالة تاريخية غير مسبوقة ، ووجهت لطمة لقادة المشروع الإستعماري الإسرائيلي وتتمثل بما حققه المكون الفلسطيني الثالث أبناء الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل الفلسطيني المختلطة وتشكيلهم القائمة العربية اليهودية المشتركة ، يوم 22/1/2015 ، من الكتل البرلمانية الأربعة : الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة ، والحركة الإسلامية ، والتجمع الوطني الديمقراطي ومعهم حزب الحركة العربية للتغيير ، وكان إنجازهم الأول هذا رداً على قانونين : الأول الدولة القومية اليهودية الذي بادرت إليه كتلة تسيبي ليفني ، والثاني رفع نسبة الحسم والذي بادر إليه افيغدور ليبرمان ، وتم ذلك من قبل الطرفين بهدف شطب الدور العربي في مناطق 48 ، وإلغاء وجودهم البرلماني والسياسي ، وإنجازهم الأول هذا شكل الأرضية والخلفية لتحقيق إنجازهم الثاني يوم الإنتخابات في شهر أذار الماضي حيث زاد تمثيلهم من 11 مقعداً إلى 13 مقعداً ، وحصلوا على 440 الف صوتاً مقابل 330 الفاً عام 2013 ، ورفعوا نسبة التصويت بين صفوفهم من 56 بالمائة إلى 65 بالمائة ، أما المفاجأة الثانية فهي حصول الليكود على 30 مقعداً خلافاً لكل التوقعات ، والتي كانت تتوقع هبوط تمثيل الليكود مقعد أو مقعدين أو أنه سيتعادل مع حزب العمل ومعسكره الصهيوني ، ولكن النتيجة أحبطت كل التوقعات وأعطت حزب العمل وحليفه 24 مقعداً فقط ، وزاد تمثيل الليكود ستة مقاعد ، وهذا يعود لعدة أسباب حددها الفراعنة الخبير في الشؤون الفلسطينية والإسرائيلية ، كما يلي :
أولاً : التصادم بين الأدارتين الإسرائيلية والأميركية ، وزيارة نتنياهو لواشنطن بدعوة من رئيس مجلس النواب الأميركي جون بونير ، بدون أن يجد القبول أو الترحيب من قبل إدارة الرئيس أوباما ، وعدم إستجابته لنصائح تأجيل الزيارة إلى ما بعد الإنتخابات الإسرائيلية ، وإصراره على تلبية الزيارة وتأديتها وخطابه أمام الكونغرس يوم 3 أذار 2015 ، بما يتعارض مع موقف الرئيس الأميركي فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني ، وما أسفر ذلك عن توجهات أميركية أوروبية لإزاحة نتنياهو ، مما خلق حوافز إسرائيلية بإتجاه التمسك بسياسة نتنياهو وتوجهاته والإصرار عليها من قبل قطاع مؤثر من الإسرائيليين ، فالتصادم مع الأدارة الأميركية عزز من الإنحياز الإسرائيلي نحو توجهات نتنياهو والتجاوب مع مخاوفه الأمنية .
ثانياً : حالة عدم الإستقرار الأمنية والسياسية السائدة لدى البلدان العربية المحيطة بفلسطين : لبنان ، سوريا ، سيناء وقطاع غزة ، وإحتمالات المواجهة معها ، وحالة عدم الطمأنينة السائدة ، جعلت سياسات نتنياهو الأمنية مصدر إهتمام الأغلبية الإسرائيلية القلقة والمتوترة .
ثالثاً : غياب برنامج إسرائيلي بديل ومقنع ، وإفتقاد المعارضة لشخصية كارزمية ، فالبرنامج الذي قدمه حزب العمل لم يكن جاذباً للإسرائيليين ولا يشكل بديلاً نوعياً أو متقدماً عن برنامج الليكود ، إضافة إلى أن هيرتسوك سبق له وأن كان وزيراً في حكومة نتنياهو مع شريكته تسيبي لفني .
والنتيجة السياسية المباشرة لهاتين المفاجأتين كما يقول الفراعنة هي أن النتيجة الأولى شطبت أو كادت وستشطب مقولة أن إسرائيل دولة الشعب اليهودي ، فقد أعطت النتيجة أن ثمة شعباً أخر وقومية أخرى وهوية وطنية أخرى تمثل عشرين بالمائة من المجتمع الإسرائيلي ، ليسوا يهوداً ولا يؤمنون بالصهيونية بل هم معادون لها ، ولا يُعّرفون أنفسهم على أنهم من الإسرائيليين ، بل هويتهم الوطنية الفلسطينية تزداد وضوحاً ، وقوميتهم العربية باتت بائنة فاقعة ، وإسلامهم ومسيحيتهم تزداد صلابة وإتزاناً وقناعة .
وفي ضوء هذا الإنجاز الذي يُمثل نقلة نوعية ومحطة تاريخية للوسط العربي الفلسطيني في منطقة 48 خلال مسار نضالهم السياسي ، ووحدتهم وتماسكهم واستعادة حقوقهم بشكل تدريجي ، يبقى السؤال ما هو المطلوب منهم لتأديته؟؟ ما هو التحدي الذي يواجههم؟؟ وما هو برنامجهم في ضوء المقدمات التي صنعت هذا الحدث ، والذي تم رداً على السياسة العنصرية المباشرة التي استهدفتهم بهدف إبعاد تمثيلهم بما يوازي حجمهم في البرلمان.
وأول ما يجب فعله وتأديته من جانبهم كما يقول الباحث السياسي الفراعنة هو الحفاظ على تماسكهم ووحدتهم واستمرارية التحالف فيما بينهم والبحث عن القواسم المشتركة التي توحد جهودهم وتحركاتهم ، وتحاشي ما يفرق صفوفهم.
ثانياً: العمل على إلغاء القوانين العنصرية التي صاغها البرلمان والتي تستهدفهم وبلغ مجموعها 23 قانوناً ، تم تشريعها في البرلمان التاسع عشر السابق وما قبله ، لأن بقاء هذه القوانين بمثابة أسلحة عنصرية مشرعة ضدهم وتستهدف حياتهم وتمس حقوقهم وتعكس مظاهر العنصرية والتمييز الرسمي الواقع عليهم.
ثالثاً العمل على تقديم مشاريع قوانين بديلة تؤكد المساواة وتكافؤ الفرص بين المواطنين على أساس المواطنة والشراكة بصرف النظر عن الدين أو القومية.
رابعاً: العمل على كسب انحيازات إسرائيلية لعدالة مطالبهم ، وبناء علاقات متكافئة ندية مع الكتل البرلمانية المختلفة ، والبحث عن المطالب المشتركة والمنافع المتبادلة لتوطيد الثقة مع بعض الكتل الإسرائيلية ، بدون تقديم أي تنازلات تمس حقوق الشعب الفلسطيني الثلاثة : حق المساواة ، حق الاستقلال ، وحق العودة.
أما النتيجة الثانية التي يخلص إليها الفراعنة في محاضرته في مركز دراسات الرأي فهي وضوح سياسات المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي ، وتعريتها ، ليس فقط أمام قطاع من المجتمع الدولي ، بل أمام سياسة الإدارة الأميركية ، والرئيس أوباما شخصياً حينما وجه نقده لنتنياهو على مسألتين الأولى تراجعه عن حل الدولتين ، والثانية عن أن العرب بذهابهم إلى صناديق الإقتراع يشكلون خطراً ، ووصف حشد العرب أمام صناديق الإقتراع على أنه مثل الدبابير وهو تعبير عن العنصرية الكامنة ، وعن سياسة التمييز الممارسة ضد العرب الفلسطينيين .
وحتى ندرك أهمية الأنتقاد الأميركي للسياسة الإسرائيلية التي يقودها نتنياهو يقول الفراعنة : علينا أن ندقق أن الذي صنع المشروع الإستعماري الإسرائيلي عاملان هما أولاً مبادرة الحركة الصهيونية ، وثانياً دعم وإسناد المجتمع الدولي خاصة أوروبا ومن ثم أميركا للمشروع الصهيوني على أرض فلسطين ، لذلك تبرز أهمية تراجع المجتمع الدولي عن تأييد إسرائيل بل وشجبه وعدم رضاه عن سياساتها وإن كان ذلك ما زال نظرياً ، ولكنها خطوات تراكمية على طريق عُزلة المشروع الإستعماري الإسرائيلي وهزيمته ، لأنه قام على باطل وعلى حساب الشعب العربي الفلسطيني وعلى أرضه .
فالرئيس الأميركي أوباما وصف الخلافات مع رئيس حكومة المستوطنين نتنياهو ، على أنها ليست شخصية ، بل هي جوهرية وعنوانها قضيتان يحددهما الفراعنة الباحث في الشؤون الفلسطينية والإسرائيلية كما يلي :
الأولى : الموقف من معالجة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ، وعدم تجاوب نتنياهو مع الجهود الأميركية ، ومع مبادراتها المتلاحقة لتسوية هذا الصراع على أساس حل الدولتين الذي أعلن نتنياهو التراجع عن موافقته على هذا الحل ، ووعد ناخبيه بعدم قيام دولة فلسطينية خلال فترة ولايته الثالثة ، بما يتعارض مع الموقف الأميركي وجهود الوزير جون كيري مثلما سبق له وأن أحبط جهود السيناتور جورج ميتشل خلال ولاية أوباما الأولى 2009 – 2013 .
والثانية : معارضة نتنياهو للتوجه الأميركي نحو التوصل إلى اتفاق مع طهران والتفاهم معها لتحديد تخصيب اليورانيوم لفترة عشر سنوات مقابل إزالة الحصار الاقتصادي المفروض على إيران من قبل الأمم المتحدة ، حيث تجاوز نتنياهو حدوده وعمل على تحريض أعضاء الكونغرس وتدخل بشكل سافر في المفاصل الأميركية ، بهدف تعطيل توجهات إدارة الرئيس أوباما نحو هذا الاتفاق بعد أن تم قطع الشوط الأكبر في التوصل إليه.
قضيتان تمسان المصالح الأمنية والإستراتيجية الأميركية ، وتوجهاتها نحو مواصلة دورها الفاعل على المستوى الدولي ، مع أن واشنطن تأخذ بعين الاعتبار ، عدم المس بمصالح المشروع الاستعماري الإسرائيلي وأمنه ، كما أعلن أوباما نفسه حينما قال أن الخلافات مع نتنياهو لن تلغي أو تشطب التزامات واشنطن الأمنية والعسكرية والاستخبارية مع تل أبيب ، وهذا يعني أن الخلافات المعلنة بين واشنطن وتل أبيب ، لن تعصف بالعلاقات الإستراتيجية بين الطرفين ، ولا أحد يتوقع انقلاباً في الموقف الأميركي من موقع التأييد التقليدي للمشروع الاستعماري الإسرائيلي ودعمه ، والانتقال نحو إزالة المظلة الحامية له ورفع الدعم عن مشاريعه ، ولكنها خلافات تراكمية تزداد صعوبة بين الطرفين ، كما هو الحال بين تل أبيب وبلدان القارة الأوروبية ، وهذا يعود لعدة أسباب ، تناولها الكاتب حمادة فراعنة في محاضرته كما يلي :
أولها: مشروعية المطالب الفلسطينية وعدالتها ، وواقعية السياسة التي تقود منظمة التحرير ، وحكمة الرئيس الفلسطيني وحنكته في إعلان رفضه للعنف وللعمل المسلح في نضال الشعب الفلسطيني لاستعادة حقوقه المهدورة ، مقرونة سياسته بالتطبيق العملي على الأرض وفي الميدان في رفض خيار الكفاح المسلح ، ومواصلة طريق العمل الدبلوماسي والسياسي مع التركيز على النضال الشعبي ذات الطابع غير العنفي.
وثانيها: تطرف نتنياهو وألاعيبه التي بدت مكشوفة ولم تعد تُسوق على أي طرف عربي أو دولي ، ورفضه الواضح إلى الانسحاب إلى حدود 67 ، ورفض التفاوض بشأن القدس ، وتسمين المستعمرات ورفض إزالتها ، والتمسك بالغور الفلسطيني لشطب الحدود الأردنية الفلسطينية المشتركة ، ولا عودة لفلسطيني واحد لمناطق 48 ، ما يجعل التفاوض على دولة فلسطينية بين الجدارين مقتطع منها ثلاث مناطق هي: القدس ، والغور ، والمستوطنات الواقعة غرب الجدار ، بلا جدوى وبلا فائدة ، وبلا معنى.
وثالثها: أن المشروع الاستعماري الإسرائيلي فقد قيمته الأخلاقية ودوافع قيام إسرائيل لأسباب إنسانية على خلفية ما تعرض له اليهود من مآس في أوروبا على أيدي النازيين والفاشيين ، فلم يعد الهولوكوست ومحارقه قائماً ، وتحول إلى مجرد ذكرى ، ولم يعد لدى الفلسطينيين سياسة يمكن وصفها بالأرهاب والتطرف ، ويمكن أن تشكل إدانة فاقعة لهم أمام المجتمع الدولي ، من خطف الطائرات أو قتل المدنيين أو غيرها من العمليات التي لا تحظى بموافقة المجتمع الدولي وشجبه لها ، بل بالعكس إن المآسي والمجازر والمحرقة ، هي تلك التي يقترفها جيش الاحتلال والمستوطنون المستعمرون بحق الإنسان الفلسطيني وتراثه وقيمه وممتلكاته ومقدساته ، ما يدفع المجتمع الدولي وخاصة أوروبا وحتى الولايات المتحدة لشجب هذه الممارسات التي غالباً ما يقترفها الإسرائيليون بحق الفلسطينيين.
لا أحد يتوقع انقلاباً في السياسات الأميركية نحو إسرائيل كما يضيف الفراعنة ، ولكنها تشكل دافعاً للأوروبيين وتُشجعهم على مواصلة سياستهم ضد المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي وهي لا شك خطوات وسياسات ومواقف تراكمية ، من قبل الأوروبيين والأميركيين على السواء لصالح المشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني ، وتقدمه على الطريق الطويل الصعب والشاق لاستعادة كامل حقوق الشعب العربي الفلسطيني ، غير القابلة للتصرف أو التلاشي !! .
وهذا يدفعنا كما يرى الفراعنة لتناول المشهد الفلسطيني من زواياه المتعددة ، بإعتبار مشروعه الوطني الديمقراطي من أجل إستعادة حقوق الشعب العربي الفلسطيني الثلاثة وفق قرارات الشرعية الدولية والأمم المتحدة وهي : 1- حق المساواة في مناطق 48 ، 2- حق الإستقلال في مناطق 67 ، 3- حق اللاجئين في العودة وإستعادة ممتلكاتهم في المدن والقرى التي طردوا منها عام 1948 ، فيقول : لا شك أن المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي يملك مقومات القوة ، التي يتفوق فيها على المشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني وعوامل قوته يمكن تلخيصها بثلاثة عوامل هي :
أولاً : قوته الذاتية بإمتلاكه لقدرات سياسية وعسكرية وإقتصادية وتكنولوجية وإستخبارية متقدمة . ثانياً : دعم وإسناد الطوائف اليهودية والمتنفذة في العالم . ثالثاً : دعم الولايات المتحدة له ، وتشكيلها مظلة لحمايته والحفاظ على تفوقه .
ولكن رغم التفوق الإسرائيلي كما يرى الفراعنة ، فهو يرى أن الشعب العربي الفلسطيني يملك أربعة مصادر قوة ذاتية تمكنه من مقاومة المشروع الإسرائيلي وتفكيكه والنيل منه ، وإستعادة حقوق الشعب الفلسطيني ، وهذه العوامل هي كما حددها في محاضرته فهي : أولاً : وجود 5.800 الف نسمة على أرض فلسطين في مواجهة ستة ملايين ومائتي الف يهودي إسرائيلي ، وهو عدد متقارب ويدلل على فشل المشروع الإسرائيلي لطرد كامل الشعب الفلسطيني عن أرض وطنه . ثانياً : العداء الفلسطيني من كافة الشرائح ، للمشروع الإستعماري الإسرائيلي سواء في مناطق 48 أو مناطق 67 ، وفشله في كسب ولو شريحة فلسطينية واحدة لصالحه . ثالثاً : توفر التعددية الفلسطينية من فتح وحماس والشعبية والديمقراطية والجهاد ، وهي مصدر إثراء للنضال الفلسطيني . رابعاً : إمتلاك الفلسطينيين لأحدى أهم أسلحتهم السياسية وهي قرارات الأمم المتحدة بدءاً من قرار التقسيم 181 ، مروراً بقرار عودة اللاجئين 194 ، وقرار الإنسحاب وعدم الضم 242 ، وقرار حل الدولتين 1397 ، وخارطة الطريق 1515 ، والعشرات من القرارات وهي جميعها منصفة لصالح الشعب الفلسطيني بدلالة رفض حكومات تل أبيب لها وعدم الأذعان لتطبيقها .
ولكن المشكلة الفلسطينية كما يرى الباحث الفراعنة لا تكمن فقط بإمتلاك المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي للقوة والتفوق ، بل يعود الضعف الفلسطيني إلى عدم إمتلاكه الوضوح الكامل في التعامل مع العناوين الثلاثة الضرورية ، وهي شروط إنتصاره وبدونها ستتواصل معاناة الفلسطينيين وسيبقوا أسرى تحت رحمة قوة المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي وتفوقه والعناوين التي يراها هي :
أولاً : الوحدة الوطنية الفلسطينية ، بدون إنهاء الأنقسام والتمزق ، سيبقى الوضع الفلسطيني في حالة الضعف وعدم القدرة لتحقيق الخطوات العملية التراكمية على طريق إستعادة الشعب الفلسطيني لحقوقه وهذا يتطلب تحقيق ما يلي : 1- إمتلاكهم للمؤسسة التمثيلية الواحدة وهي منظمة التحرير ومشاركة جميع الفصائل والفعاليات الفلسطينية في صفوفها ومؤسساتها . 2- التوصل إلى برنامج سياسي مشترك .3 - إختيار الأدوات الكفاحية المناسبة المتفق عليها والإلتزام بها .
ثانياً : العمل على زيادة تعاطف المجتمع الدولي ودعمه للمطالب الفلسطينية ، سواء على مستوى البرلمانات أو الحكومات الأوروبية والأميركية ودول العالم ، وتعزيز ذلك في مؤسسات الأمم المتحدة وقراراتها نحو حقوق الفلسطينيين الثلاثة : المساواة في مناطق 48 ، والإستقلال لمناطق 67 ، والعودة للاجئين وإستعادة ممتلكاتهم في المدن والقرى التي طردوا منها .
ثالثاً : إختراق المجتمع الإسرائيلي ، وكسب إنحيازات من بين صفوفه لصالح عدالة المطالب الفلسطينية الثلاثة وشرعيتها ، وبدون تحقيق هذا الهدف سيبقى التفوق الإسرائيلي قادراً على التحكم في نتائج المشهد السياسي وحركته وعلينا أن نتذكر جيداً أن بسالة الجزائريين والفيتناميين واللبنانيين وكفاحهم ضد الفرنسيين والأميركيين والإسرائيليين ، لم يكن العامل الوحيد في إنتصار هذه الشعوب على محتليها ، بل كانت الإنحيازات الفرنسية لمطالب الشعب الجزائري في الإستقلال ، والمظاهرات العارمة في المدن الأميركية ضد نعوش الجنود الأميركيين ، مطالبين بإنهاء الحرب والإنسحاب من الفيتنام ، والمظاهرات الضخمة في تل أبيب لإنسحاب جيش الإحتلال من جنوب لبنان ، كانت هذه التجارب الثلاثة ولدى غيرها من الشعوب العامل الهام الذي رافق نضال الجزائريين والفيتناميين واللبنانيين ، لإنهاء معاناتهم ونيل مطالبهم .
وأضاف النائب السابق في البرلمان الأردني أن المفاجأة الأولى كانت متوقعة ، ولكنها سجلت على أنها حالة تاريخية غير مسبوقة ، ووجهت لطمة لقادة المشروع الإستعماري الإسرائيلي وتتمثل بما حققه المكون الفلسطيني الثالث أبناء الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل الفلسطيني المختلطة وتشكيلهم القائمة العربية اليهودية المشتركة ، يوم 22/1/2015 ، من الكتل البرلمانية الأربعة : الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة ، والحركة الإسلامية ، والتجمع الوطني الديمقراطي ومعهم حزب الحركة العربية للتغيير ، وكان إنجازهم الأول هذا رداً على قانونين : الأول الدولة القومية اليهودية الذي بادرت إليه كتلة تسيبي ليفني ، والثاني رفع نسبة الحسم والذي بادر إليه افيغدور ليبرمان ، وتم ذلك من قبل الطرفين بهدف شطب الدور العربي في مناطق 48 ، وإلغاء وجودهم البرلماني والسياسي ، وإنجازهم الأول هذا شكل الأرضية والخلفية لتحقيق إنجازهم الثاني يوم الإنتخابات في شهر أذار الماضي حيث زاد تمثيلهم من 11 مقعداً إلى 13 مقعداً ، وحصلوا على 440 الف صوتاً مقابل 330 الفاً عام 2013 ، ورفعوا نسبة التصويت بين صفوفهم من 56 بالمائة إلى 65 بالمائة ، أما المفاجأة الثانية فهي حصول الليكود على 30 مقعداً خلافاً لكل التوقعات ، والتي كانت تتوقع هبوط تمثيل الليكود مقعد أو مقعدين أو أنه سيتعادل مع حزب العمل ومعسكره الصهيوني ، ولكن النتيجة أحبطت كل التوقعات وأعطت حزب العمل وحليفه 24 مقعداً فقط ، وزاد تمثيل الليكود ستة مقاعد ، وهذا يعود لعدة أسباب حددها الفراعنة الخبير في الشؤون الفلسطينية والإسرائيلية ، كما يلي :
أولاً : التصادم بين الأدارتين الإسرائيلية والأميركية ، وزيارة نتنياهو لواشنطن بدعوة من رئيس مجلس النواب الأميركي جون بونير ، بدون أن يجد القبول أو الترحيب من قبل إدارة الرئيس أوباما ، وعدم إستجابته لنصائح تأجيل الزيارة إلى ما بعد الإنتخابات الإسرائيلية ، وإصراره على تلبية الزيارة وتأديتها وخطابه أمام الكونغرس يوم 3 أذار 2015 ، بما يتعارض مع موقف الرئيس الأميركي فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني ، وما أسفر ذلك عن توجهات أميركية أوروبية لإزاحة نتنياهو ، مما خلق حوافز إسرائيلية بإتجاه التمسك بسياسة نتنياهو وتوجهاته والإصرار عليها من قبل قطاع مؤثر من الإسرائيليين ، فالتصادم مع الأدارة الأميركية عزز من الإنحياز الإسرائيلي نحو توجهات نتنياهو والتجاوب مع مخاوفه الأمنية .
ثانياً : حالة عدم الإستقرار الأمنية والسياسية السائدة لدى البلدان العربية المحيطة بفلسطين : لبنان ، سوريا ، سيناء وقطاع غزة ، وإحتمالات المواجهة معها ، وحالة عدم الطمأنينة السائدة ، جعلت سياسات نتنياهو الأمنية مصدر إهتمام الأغلبية الإسرائيلية القلقة والمتوترة .
ثالثاً : غياب برنامج إسرائيلي بديل ومقنع ، وإفتقاد المعارضة لشخصية كارزمية ، فالبرنامج الذي قدمه حزب العمل لم يكن جاذباً للإسرائيليين ولا يشكل بديلاً نوعياً أو متقدماً عن برنامج الليكود ، إضافة إلى أن هيرتسوك سبق له وأن كان وزيراً في حكومة نتنياهو مع شريكته تسيبي لفني .
والنتيجة السياسية المباشرة لهاتين المفاجأتين كما يقول الفراعنة هي أن النتيجة الأولى شطبت أو كادت وستشطب مقولة أن إسرائيل دولة الشعب اليهودي ، فقد أعطت النتيجة أن ثمة شعباً أخر وقومية أخرى وهوية وطنية أخرى تمثل عشرين بالمائة من المجتمع الإسرائيلي ، ليسوا يهوداً ولا يؤمنون بالصهيونية بل هم معادون لها ، ولا يُعّرفون أنفسهم على أنهم من الإسرائيليين ، بل هويتهم الوطنية الفلسطينية تزداد وضوحاً ، وقوميتهم العربية باتت بائنة فاقعة ، وإسلامهم ومسيحيتهم تزداد صلابة وإتزاناً وقناعة .
وفي ضوء هذا الإنجاز الذي يُمثل نقلة نوعية ومحطة تاريخية للوسط العربي الفلسطيني في منطقة 48 خلال مسار نضالهم السياسي ، ووحدتهم وتماسكهم واستعادة حقوقهم بشكل تدريجي ، يبقى السؤال ما هو المطلوب منهم لتأديته؟؟ ما هو التحدي الذي يواجههم؟؟ وما هو برنامجهم في ضوء المقدمات التي صنعت هذا الحدث ، والذي تم رداً على السياسة العنصرية المباشرة التي استهدفتهم بهدف إبعاد تمثيلهم بما يوازي حجمهم في البرلمان.
وأول ما يجب فعله وتأديته من جانبهم كما يقول الباحث السياسي الفراعنة هو الحفاظ على تماسكهم ووحدتهم واستمرارية التحالف فيما بينهم والبحث عن القواسم المشتركة التي توحد جهودهم وتحركاتهم ، وتحاشي ما يفرق صفوفهم.
ثانياً: العمل على إلغاء القوانين العنصرية التي صاغها البرلمان والتي تستهدفهم وبلغ مجموعها 23 قانوناً ، تم تشريعها في البرلمان التاسع عشر السابق وما قبله ، لأن بقاء هذه القوانين بمثابة أسلحة عنصرية مشرعة ضدهم وتستهدف حياتهم وتمس حقوقهم وتعكس مظاهر العنصرية والتمييز الرسمي الواقع عليهم.
ثالثاً العمل على تقديم مشاريع قوانين بديلة تؤكد المساواة وتكافؤ الفرص بين المواطنين على أساس المواطنة والشراكة بصرف النظر عن الدين أو القومية.
رابعاً: العمل على كسب انحيازات إسرائيلية لعدالة مطالبهم ، وبناء علاقات متكافئة ندية مع الكتل البرلمانية المختلفة ، والبحث عن المطالب المشتركة والمنافع المتبادلة لتوطيد الثقة مع بعض الكتل الإسرائيلية ، بدون تقديم أي تنازلات تمس حقوق الشعب الفلسطيني الثلاثة : حق المساواة ، حق الاستقلال ، وحق العودة.
أما النتيجة الثانية التي يخلص إليها الفراعنة في محاضرته في مركز دراسات الرأي فهي وضوح سياسات المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي ، وتعريتها ، ليس فقط أمام قطاع من المجتمع الدولي ، بل أمام سياسة الإدارة الأميركية ، والرئيس أوباما شخصياً حينما وجه نقده لنتنياهو على مسألتين الأولى تراجعه عن حل الدولتين ، والثانية عن أن العرب بذهابهم إلى صناديق الإقتراع يشكلون خطراً ، ووصف حشد العرب أمام صناديق الإقتراع على أنه مثل الدبابير وهو تعبير عن العنصرية الكامنة ، وعن سياسة التمييز الممارسة ضد العرب الفلسطينيين .
وحتى ندرك أهمية الأنتقاد الأميركي للسياسة الإسرائيلية التي يقودها نتنياهو يقول الفراعنة : علينا أن ندقق أن الذي صنع المشروع الإستعماري الإسرائيلي عاملان هما أولاً مبادرة الحركة الصهيونية ، وثانياً دعم وإسناد المجتمع الدولي خاصة أوروبا ومن ثم أميركا للمشروع الصهيوني على أرض فلسطين ، لذلك تبرز أهمية تراجع المجتمع الدولي عن تأييد إسرائيل بل وشجبه وعدم رضاه عن سياساتها وإن كان ذلك ما زال نظرياً ، ولكنها خطوات تراكمية على طريق عُزلة المشروع الإستعماري الإسرائيلي وهزيمته ، لأنه قام على باطل وعلى حساب الشعب العربي الفلسطيني وعلى أرضه .
فالرئيس الأميركي أوباما وصف الخلافات مع رئيس حكومة المستوطنين نتنياهو ، على أنها ليست شخصية ، بل هي جوهرية وعنوانها قضيتان يحددهما الفراعنة الباحث في الشؤون الفلسطينية والإسرائيلية كما يلي :
الأولى : الموقف من معالجة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ، وعدم تجاوب نتنياهو مع الجهود الأميركية ، ومع مبادراتها المتلاحقة لتسوية هذا الصراع على أساس حل الدولتين الذي أعلن نتنياهو التراجع عن موافقته على هذا الحل ، ووعد ناخبيه بعدم قيام دولة فلسطينية خلال فترة ولايته الثالثة ، بما يتعارض مع الموقف الأميركي وجهود الوزير جون كيري مثلما سبق له وأن أحبط جهود السيناتور جورج ميتشل خلال ولاية أوباما الأولى 2009 – 2013 .
والثانية : معارضة نتنياهو للتوجه الأميركي نحو التوصل إلى اتفاق مع طهران والتفاهم معها لتحديد تخصيب اليورانيوم لفترة عشر سنوات مقابل إزالة الحصار الاقتصادي المفروض على إيران من قبل الأمم المتحدة ، حيث تجاوز نتنياهو حدوده وعمل على تحريض أعضاء الكونغرس وتدخل بشكل سافر في المفاصل الأميركية ، بهدف تعطيل توجهات إدارة الرئيس أوباما نحو هذا الاتفاق بعد أن تم قطع الشوط الأكبر في التوصل إليه.
قضيتان تمسان المصالح الأمنية والإستراتيجية الأميركية ، وتوجهاتها نحو مواصلة دورها الفاعل على المستوى الدولي ، مع أن واشنطن تأخذ بعين الاعتبار ، عدم المس بمصالح المشروع الاستعماري الإسرائيلي وأمنه ، كما أعلن أوباما نفسه حينما قال أن الخلافات مع نتنياهو لن تلغي أو تشطب التزامات واشنطن الأمنية والعسكرية والاستخبارية مع تل أبيب ، وهذا يعني أن الخلافات المعلنة بين واشنطن وتل أبيب ، لن تعصف بالعلاقات الإستراتيجية بين الطرفين ، ولا أحد يتوقع انقلاباً في الموقف الأميركي من موقع التأييد التقليدي للمشروع الاستعماري الإسرائيلي ودعمه ، والانتقال نحو إزالة المظلة الحامية له ورفع الدعم عن مشاريعه ، ولكنها خلافات تراكمية تزداد صعوبة بين الطرفين ، كما هو الحال بين تل أبيب وبلدان القارة الأوروبية ، وهذا يعود لعدة أسباب ، تناولها الكاتب حمادة فراعنة في محاضرته كما يلي :
أولها: مشروعية المطالب الفلسطينية وعدالتها ، وواقعية السياسة التي تقود منظمة التحرير ، وحكمة الرئيس الفلسطيني وحنكته في إعلان رفضه للعنف وللعمل المسلح في نضال الشعب الفلسطيني لاستعادة حقوقه المهدورة ، مقرونة سياسته بالتطبيق العملي على الأرض وفي الميدان في رفض خيار الكفاح المسلح ، ومواصلة طريق العمل الدبلوماسي والسياسي مع التركيز على النضال الشعبي ذات الطابع غير العنفي.
وثانيها: تطرف نتنياهو وألاعيبه التي بدت مكشوفة ولم تعد تُسوق على أي طرف عربي أو دولي ، ورفضه الواضح إلى الانسحاب إلى حدود 67 ، ورفض التفاوض بشأن القدس ، وتسمين المستعمرات ورفض إزالتها ، والتمسك بالغور الفلسطيني لشطب الحدود الأردنية الفلسطينية المشتركة ، ولا عودة لفلسطيني واحد لمناطق 48 ، ما يجعل التفاوض على دولة فلسطينية بين الجدارين مقتطع منها ثلاث مناطق هي: القدس ، والغور ، والمستوطنات الواقعة غرب الجدار ، بلا جدوى وبلا فائدة ، وبلا معنى.
وثالثها: أن المشروع الاستعماري الإسرائيلي فقد قيمته الأخلاقية ودوافع قيام إسرائيل لأسباب إنسانية على خلفية ما تعرض له اليهود من مآس في أوروبا على أيدي النازيين والفاشيين ، فلم يعد الهولوكوست ومحارقه قائماً ، وتحول إلى مجرد ذكرى ، ولم يعد لدى الفلسطينيين سياسة يمكن وصفها بالأرهاب والتطرف ، ويمكن أن تشكل إدانة فاقعة لهم أمام المجتمع الدولي ، من خطف الطائرات أو قتل المدنيين أو غيرها من العمليات التي لا تحظى بموافقة المجتمع الدولي وشجبه لها ، بل بالعكس إن المآسي والمجازر والمحرقة ، هي تلك التي يقترفها جيش الاحتلال والمستوطنون المستعمرون بحق الإنسان الفلسطيني وتراثه وقيمه وممتلكاته ومقدساته ، ما يدفع المجتمع الدولي وخاصة أوروبا وحتى الولايات المتحدة لشجب هذه الممارسات التي غالباً ما يقترفها الإسرائيليون بحق الفلسطينيين.
لا أحد يتوقع انقلاباً في السياسات الأميركية نحو إسرائيل كما يضيف الفراعنة ، ولكنها تشكل دافعاً للأوروبيين وتُشجعهم على مواصلة سياستهم ضد المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي وهي لا شك خطوات وسياسات ومواقف تراكمية ، من قبل الأوروبيين والأميركيين على السواء لصالح المشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني ، وتقدمه على الطريق الطويل الصعب والشاق لاستعادة كامل حقوق الشعب العربي الفلسطيني ، غير القابلة للتصرف أو التلاشي !! .
وهذا يدفعنا كما يرى الفراعنة لتناول المشهد الفلسطيني من زواياه المتعددة ، بإعتبار مشروعه الوطني الديمقراطي من أجل إستعادة حقوق الشعب العربي الفلسطيني الثلاثة وفق قرارات الشرعية الدولية والأمم المتحدة وهي : 1- حق المساواة في مناطق 48 ، 2- حق الإستقلال في مناطق 67 ، 3- حق اللاجئين في العودة وإستعادة ممتلكاتهم في المدن والقرى التي طردوا منها عام 1948 ، فيقول : لا شك أن المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي يملك مقومات القوة ، التي يتفوق فيها على المشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني وعوامل قوته يمكن تلخيصها بثلاثة عوامل هي :
أولاً : قوته الذاتية بإمتلاكه لقدرات سياسية وعسكرية وإقتصادية وتكنولوجية وإستخبارية متقدمة . ثانياً : دعم وإسناد الطوائف اليهودية والمتنفذة في العالم . ثالثاً : دعم الولايات المتحدة له ، وتشكيلها مظلة لحمايته والحفاظ على تفوقه .
ولكن رغم التفوق الإسرائيلي كما يرى الفراعنة ، فهو يرى أن الشعب العربي الفلسطيني يملك أربعة مصادر قوة ذاتية تمكنه من مقاومة المشروع الإسرائيلي وتفكيكه والنيل منه ، وإستعادة حقوق الشعب الفلسطيني ، وهذه العوامل هي كما حددها في محاضرته فهي : أولاً : وجود 5.800 الف نسمة على أرض فلسطين في مواجهة ستة ملايين ومائتي الف يهودي إسرائيلي ، وهو عدد متقارب ويدلل على فشل المشروع الإسرائيلي لطرد كامل الشعب الفلسطيني عن أرض وطنه . ثانياً : العداء الفلسطيني من كافة الشرائح ، للمشروع الإستعماري الإسرائيلي سواء في مناطق 48 أو مناطق 67 ، وفشله في كسب ولو شريحة فلسطينية واحدة لصالحه . ثالثاً : توفر التعددية الفلسطينية من فتح وحماس والشعبية والديمقراطية والجهاد ، وهي مصدر إثراء للنضال الفلسطيني . رابعاً : إمتلاك الفلسطينيين لأحدى أهم أسلحتهم السياسية وهي قرارات الأمم المتحدة بدءاً من قرار التقسيم 181 ، مروراً بقرار عودة اللاجئين 194 ، وقرار الإنسحاب وعدم الضم 242 ، وقرار حل الدولتين 1397 ، وخارطة الطريق 1515 ، والعشرات من القرارات وهي جميعها منصفة لصالح الشعب الفلسطيني بدلالة رفض حكومات تل أبيب لها وعدم الأذعان لتطبيقها .
ولكن المشكلة الفلسطينية كما يرى الباحث الفراعنة لا تكمن فقط بإمتلاك المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي للقوة والتفوق ، بل يعود الضعف الفلسطيني إلى عدم إمتلاكه الوضوح الكامل في التعامل مع العناوين الثلاثة الضرورية ، وهي شروط إنتصاره وبدونها ستتواصل معاناة الفلسطينيين وسيبقوا أسرى تحت رحمة قوة المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي وتفوقه والعناوين التي يراها هي :
أولاً : الوحدة الوطنية الفلسطينية ، بدون إنهاء الأنقسام والتمزق ، سيبقى الوضع الفلسطيني في حالة الضعف وعدم القدرة لتحقيق الخطوات العملية التراكمية على طريق إستعادة الشعب الفلسطيني لحقوقه وهذا يتطلب تحقيق ما يلي : 1- إمتلاكهم للمؤسسة التمثيلية الواحدة وهي منظمة التحرير ومشاركة جميع الفصائل والفعاليات الفلسطينية في صفوفها ومؤسساتها . 2- التوصل إلى برنامج سياسي مشترك .3 - إختيار الأدوات الكفاحية المناسبة المتفق عليها والإلتزام بها .
ثانياً : العمل على زيادة تعاطف المجتمع الدولي ودعمه للمطالب الفلسطينية ، سواء على مستوى البرلمانات أو الحكومات الأوروبية والأميركية ودول العالم ، وتعزيز ذلك في مؤسسات الأمم المتحدة وقراراتها نحو حقوق الفلسطينيين الثلاثة : المساواة في مناطق 48 ، والإستقلال لمناطق 67 ، والعودة للاجئين وإستعادة ممتلكاتهم في المدن والقرى التي طردوا منها .
ثالثاً : إختراق المجتمع الإسرائيلي ، وكسب إنحيازات من بين صفوفه لصالح عدالة المطالب الفلسطينية الثلاثة وشرعيتها ، وبدون تحقيق هذا الهدف سيبقى التفوق الإسرائيلي قادراً على التحكم في نتائج المشهد السياسي وحركته وعلينا أن نتذكر جيداً أن بسالة الجزائريين والفيتناميين واللبنانيين وكفاحهم ضد الفرنسيين والأميركيين والإسرائيليين ، لم يكن العامل الوحيد في إنتصار هذه الشعوب على محتليها ، بل كانت الإنحيازات الفرنسية لمطالب الشعب الجزائري في الإستقلال ، والمظاهرات العارمة في المدن الأميركية ضد نعوش الجنود الأميركيين ، مطالبين بإنهاء الحرب والإنسحاب من الفيتنام ، والمظاهرات الضخمة في تل أبيب لإنسحاب جيش الإحتلال من جنوب لبنان ، كانت هذه التجارب الثلاثة ولدى غيرها من الشعوب العامل الهام الذي رافق نضال الجزائريين والفيتناميين واللبنانيين ، لإنهاء معاناتهم ونيل مطالبهم .