النظام والثورة في سوريا
تقرير الأمم المتحدة الذي صدر في أعقاب وأحداث شهر أب الدموية ، أدان طرفي الصراع في سوريا ، الجيش السوري والجيش الحر ، في أنهما إرتكبا " مجازر ضد الأنسانية " وجرائم حرب مع الفرق أن جيش المعارضة السورية المسلحة ، الجيش الحر ، إرتكب المجازر " على نطاق أضيق " بسبب ضيق المساحة المتاحة له ، وهي أضيق من المساحة المتاحة بشكل أوسع لجيش النظام الرسمي ، وثمة تفسير أخر يعتمد على ما قاله لوكالة الصحافة الفرنسية أبو حيدر المقاتل في حي سيف الدولة جنوب غرب مدينة حلب ، في عرضه وتقييمه لموازين القوى بين جيش النظام وجيش المعارضة الحر بقوله " نحن لا نملك أسلحة كافية ، بينما جيش النظام لا يملك عناصر كافية " وهذا يعني أن الحال من بعضه ، سواء للنظام أو للمعارضة المسلحة ، حيث يقوم كل طرف بإعدام وتصفية خصومه على الأرض وفي الميدان ، عبر محاكمات " ثورية تقدمية " من قبل النظام ضد العملاء والعناصر المتطرفة والمتسللين المدعومين من الأمبريالية وأدواتها ، وعبر محاكمات " جهادية " من قبل الثورة والجيش الحر ، ضد عملاء النظام والشبيحة والمخابرات والمندسين والمتعاطفين مع الكفرة والفرس والخوارج .
لا مجال للطرفين لممارسة الأعتقال والتحقيق ، وممارسة أصول المحاكمات ، فالمعركة مصيرية ، لا مجال للأجتهاد وطول البال والتمتع بالحقوق و " طك الحكي " فالأهداف أنبل وأعمق وأكثر شمولية من خسران مواطن وتصفيته حتى ولو كان مظلوماً ، فالحفاظ على سوريا أهم من وجهة نظر النظام وجيشه العقائدي ، والحفاظ على الثورة وإنتصارها أهم من وجهة نظر الثورة والمعارضة وجيشها الحر ، لأن خسارة طرف من الطرفين أمام الأخر تعني خسارة سوريا برمتها وسقوطها لمصلحة الأخر المعادي ، ولذلك يستوجب القتال والنضال والجهاد حتى أخر مدني سوري ، لحماية النظام من السقوط أو لمصلحة إنتصار الثورة والمعارضة .
لم يعد الوضع في سوريا ، ثورة شعبية ذات طابع مدني ضد نظام قمعي تسلطي ذات لون واحد ، تتوسل تحقيق الديمقراطية وتداول السلطة عبر صناديق الأقتراع ، بل غدا الصراع بين الطرفين بين النظام من طرف والمعارضة المسلحة من طرف أخر ، بين جيش النظام وجيش المعارضة الحر ، صراع دولي إقليمي مسلح ، بأدوات سورية لكل منهما أدواته وتبعاته وإمتداداته .
نظام حزب البعث السوري ، يقاتل من أجل الحفاظ على السلطة والنظام مدعوماً من قبل قوى إقليمية تتمثل بحزب الله وجزء من النظام العراقي وإيران وبغطاء وحماية سياسية وقانونية دولية من قبل روسيا والصين تحول دون صدور قرار أممي يسمح بالتدخل العسكري الأميركي الأوروبي كما حصل مع تجربتي العراق 2003 وليبيا 2011 ، في إسقاط نظاميهما بالضربات الجوية والتدخل العسكري المباشر .
والمعارضة السورية تقاتل عبر جيشها الحر من أجل إسقاط النظام والأستيلاء على السلطة مدعومة من قوى إقليمية يقف في طليعتها تركيا والمنظومة الخليجية تقوم بعمل تغذية ودعم للثورة بالمال والأعلام والسلاح إضافة إلى حركة الأخوان المسلمين العابرة للحدود وتنظيمات جهادية إسلامية أممية ، وبتغطية أميركية أوروبية .
الصراع الأقليمي الدولي في سوريا وعلى سوريا من قبل المعسكرين ، بأدوات سورية ، لم يعد مخفياً وتكتيكاته ليست حذرة بل بائنة بشدة وفاقعة من قبل الطرفين ، والضحية هو الشعب السوري بكل مكوناته وطوائفه وشرائحه والضحية هو جغرافية سوريا ، التي لن تعود كما كانت ، وستتأرجح نتائجها ما بين الحصيلة العراقية بحكم ذاتي للأكراد ، أو بإنفصال كامل كما حصل لجنوب السودان على الأقل .
h.faraneh@yahoo.com