زيادة اسعار المحروقات يمهد لزيادات متوالية في اسعار السلع والخدمات
فاجأ القرار الحكومي برفع اسعار الديزل والبنزين وكافة اصناف الوقود الاخرى المواطنين، في الوقت الذي تحافظ اسعار النفط العالمية على استقرار.
وبعد ايام عن حديث وزير الطاقة عن ارتفاع فاتورة دعم المحروقات الى ما يزيد عن 600 مليون دينار، وبعد اسابيع قليلة على التوصل الى اتفاق مع صندوق النقد الدولي حول ما اصطلح على تسميته "برنامج تصحيح اقتصادي وطني" تقوم الحكومة ومن دون سابق انذار بزيادة اسعار المشتقات النفطية، وبشكل لا يعكس تحركات اسعار النفط العالمية خلال الفترة السابقة.
ويرى محللون ان القرار الاخير، ستأتي اثاره مباشرة على شريحة واسعة من السلع والخدمات بدءاً من النقل ووصولاً الى الكهرباء فالسلع الصناعية والتدفئة ...الخ.
وكال متخصصون الانتقادات الى القرار الحكومي مشددين على انه لا يعكس التكاليف الحقيقية لاسعار النفط العالمية، اذ ان المستويات الحالية لبعض المشتقات النفطية اعلى من مستويات الاسعار ابان صعود النفط الى مستوى 147 دولار قبل 4 سنوات.
وتوقعوا ان يسفر القرار عن اثار مباشرة وغير مباشرة على كثير من المؤشرات الاقتصادية والتنموية في المملكة، وتزايد العبء على الطبقة المتوسطة.
وطالت اعلى نسب ارتفاع الاسعار في القرار الحكومي الاخير البنزين 90 وبنسبة تصل الى 10 بالمئة تلاها وقود الطائرات بنسبة 9.4 بالمئة وزيت الوقود لغايات توليد الكهرباء بنسبة 7.7 بالمئة والديزل بنسبة 7 بالمئة.
ودعوا الى ان تتطلع الحكومة الى ميادين اخرى لزيادة الايرادات من دون اللجوء الى الحل الاسهل "جيوب المواطنين" حيث ان تقديرات المتخصصين للتهرب الضريبي تؤكد انها تفوق 500 مليون دينار وهو ما يوازي مبلغ الدعم المتوقع للمحروقات حسب البيان الحكومي مساء امس الاول.
رفع الاسعار وبرنامج التصحيح الجديد
ويرى المحلل الاقتصادي عبد المنعم الزعبي، ان مثل هذه القرارات توضح انها هي المبرر وراء اخفاء مفاصل "برنامج التصحيح الجديد" المتفق عليه مع صندوق النقد الدولي.
ولا يخفي الزعبي حقيقة ان القرار "جبائي" الطابع اذ انه لا يعكس اسعار النفط الحقيقية، وسيقود الى انفلات في معدلات "التضخم" والتي يصل حالياً الى 4 بالمئة، متوقعاً ان يصل الى 6 بالمئة في نهاية عام 2012.
ويوضح الزعبي، هناك مفارقة اخرى في السلوك المالي والاوليات الحكومية، اذ ان الحكومة تقوم برفع الدعم عن المشتقات النفطية وتزيد الضرائب على سلة من السلع، بالترافق مع تخفيض انفاقها على بند المساعدات الاجتماعية، حيث انخفض بند المساعدة الاجتماعية بنسبة 53 بالمئة ليصل الى 30 مليون دينار في النصف الاول من عام 2012 مقارنة مع 64 مليون دينار في النصف الاول من عام 2011.
ويرى انه حتى في المراجعات الدورية لصندوق النقد، يتم الاشارة الى ضرورة تعزيز الحماية الاجتماعية بالترافق مع اجراءات رفع الدعم فيما تقوم الحكومة بسلوك معاكس لذلك.
في سياق متصل، يتساءل الزعبي عن اولويات الحكومة الاقتصادية، عندما تقوم بتخفيض الضريبة على حديد البليت، بواقع 50 بالمئة ومن 16 بالمئة الى 8 بالمئة بينما يتم رفع اسعار المحروقات على المواطنين؟.
القرار اضر بالطبقة الوسطى
من جانبه استهجن المحلل الاقتصادي الدكتور منير حمارنه اتخاذ قرار رفع اسعار المحروقات بالتزامن مع بداية العام الدراسي الجديد ومطلع فصل الشتاء وفي اعقاب عطلة عيد الفطر وتأخر رواتب الموظفين لنحو 40 يوماً الامر الذي يوجب زيادة جديدة على تكاليف موازنة العائلة الاردنية.
ويربط الدكتور حمارنة بين القرار الحكومي وتوصيات صندوق النقد الدولي التي يرى انها المسبب وراء مثل هكذا قرار، متوقعاً زيادة جديدة على اسعار الكهرباء اضافة الى فورة جديدة في اسعار الغذاء نتيجة زيادة الاسعار العالمية والتي تصب كلها في خانة ارتفاع معدلات التضخم والغلاء المحلية.
وتساءل الدكتور حمارنة، عن آلية ايصال الدعم الى مستحقيه وشبكة حماية اجتماعية من وقوع شرائح اجتماعية في براثن الفقر، في ظل الزيادة المتواصلة على الاسعار مقابل ثبات الاجور.
وقال ان على الحكومة البحث في ميادين اخرى لزيادة ايراداتها وليس اللجوء الدائم الى جيوب المواطنين في قرارات جبائية محضة لا تتطلع الى العواقب والمخرجات اضافة الى انها لا تقوم بتخفيض اسعار المحروقات في حال تراجعت اسعار النفط العالمية.
كلف الانتاج الصناعي الى ارتفاع جديد
من جانبه قال أمين سر غرفة صناعة الأردن ممثل الصناعات الكيماوية في الغرفة، نبيل اسماعيل أن الحكومة اتخذت قرار رفع أسعار البنزين والديزل والوقود الصناعي بطريقة سرية ومن دون مناقشته مع القطاع الصناعي لا من قريب ولا من بعيد.
ونوه اسماعيل بأن القطاع الصناعي يعاني من ارتفاع في تكاليف الإنتاج والقدرة على المنافسة مع السلع المستوردة من الخارج وخاصة من الدول المحيطة التي تتمتع بميزة انخفاض تكاليف الطاقة والحوافز للقطاعات الصناعية فيها.
وقال اسماعيل: كان يجب على الحكومة أن تناقش الموضوع مع غرفة الصناعة لتحديد التأثير السلبي للقرار على القطاع الصناعي وعلى تنافسيته، مؤكداً أن أي ارتفاع على تكاليف الإنتاج سيؤثر على الصناعة الأردنية وتنافسيتها الخارجية.
وأشار الى ضرورة أن تكون أسعار الطاقة مرتبطة بأسعار البترول وهي معادلة معروفة للجميع، فلا يجوز ترك الأمور لقرارات إدارية من دون معرفة تفاصيل القرار وتبعاته وآثاره، إذ يجب أن تكون هذه القرارات خاضعة إلى أسعار النفط في العالم ويحكمها اساس ثابت وواضح.
ودعا اسماعيل الى ضرورة تحديد القطاعات الصناعية الأكثر حساسية تجاه الطاقة لمراعاة أوضاعها، بحيث لا يؤثر أي قرار على حركة الإقتصاد الوطني بصورة سلبية. فهناك قطاعات صناعية تشكل فيها الطاقة حوالي 35 بالمئة من مستلزمات الإنتاج في حين لا يتطلب من قطاعات أخرى سوى 5 بالمئة فهذا أمر بحاجة إلى دراسة تقوم عليها كل من الحكومة وغرفة صناعة الأردن.
وتوقع اسماعيل ان ترتفع أسعار سلة كبيرة من السلع والخدمات الأخرى مع ارتفاع أسعار البنزين والديزل إضافة إلى التأثير المباشر على قطاع النقل والذي سيتوضح خلال ايام واسابيع مقبلة، إضافة إلى ارتفاع أسعار أنواع المحروقات الأخرى التي تصيب قطاعات اقتصادية حيوية.
وطالب الحكومة بالإفصاح عن بنود الإتفاق مع صندوق النقد وخطاب النوايا الذي تم الإلتزام به حتى يكون معروفاً للرأي العام والقطاع الصناعي بشكل خاص.
وقال: على المواطن أن يعلم ما هي الإلتزامات التي قدمتها الحكومة أو التي ستقدمها لصندوق النقد الدولي من أجل الحصول على القرض المتوقع كما ويجب أن تكون تفاصيل برنامج الإصلاح الوطني الإقتصادي واضحة أيضاً ومحددة مع الجهات الداخلية والخارجية.
قطاع النقل... زيادة مباشرة
وتسبب قرار الحكومة "المباغت" والثاني من نوعه هذا العام برفع المشتقات النفطية صباح امس بحالات من الفوضى في قطاع النقل حيث رأى عاملون بالقطاع ومواطنون ان القرار استهدف تحصيل الاموال من ابناء الطبقتين الوسطى والفقيرة دون الاغنياء الذين تم اخراجهم من المعادلة، كون الارتفاع الاكبر جاء على بنزين اوكتان 90 الذي تستهلكه اغلب شريحة المجتمع الاردني مقارنة مع اوكتان 95 الذي ينحصر استخدامه من قبل الاغنياء فقط.
ورأى هؤلاء ان زيادة اسعار وقود الطائرات وضعت شركات الطيران المحلية خاصة الناقل الرسمي للمملكة في موقف صعب رغم تفاقم الخسائر التي لحقت بها خلال العام الماضي.
وحسب راي العديد من الخبراء فان اسعار المشتقات النفطية في المملكة تعد من الاعلى على المستوى العالمي رغم ان دخل شرائح مجتمعية واسعة دون خط الفقر التي حددته الامم المتحدة.
واثار القرار المفاجئ حفيظة جميع مكونات قطاع النقل في المملكة والمواطنين معا، مما تسبب في يومه الاول بحدوث العديد من النزاعات والخلافات الحادة بين متلقي خدمة النقل "المواطنين" وسائقي النقل العام خاصة سيارات التاكسي على وجه الخصوص.
وأكد أحد العاملين في قطاع النقل لـ"العرب اليوم" ان الحكومة مصممة على تجاهل مطالب ومصلحة هذا القطاع والمواطنين معا، حيث سيتسبب هذا القرار بحدوث الازمات الحقيقية والحاق الخسائر بالعديد من الشركات العاملة في قطاع النقل الاردني.
وأعلن انه في قطاع النقل الجوي، فان الاردن يعتبر من أغلى الدول حول العالم في سعر وقود الطائرات، فاسعار المحروقات ووقود الطائرات في الاردن تجاوزت ما هو مطبق في كبريات المحطات العالمية رغم انها دول غير نفطية.
وقال ان القرار سيكون له تأثير سلبي كبير على شركة الملكية الاردنية بوجه الخصوص، التي تشتري حوالي 70 بالمئة من حاجتها من وقود الطائرات محليا عبر "شركة مصفاة البترول الاردنية".
واضاف ان اسعار وقود الطائرات في الاردن هو الاكثر ارتفاعا في العالم، فالملكية الاردنية تشتري باقي ما تحتاجه من وقود الطائرات من حوالي 60 محطة عالمية، منها 59 محطة اسعارها ارخص مما تقدمه الاردن.
واشار ان الملكية الاردنية لا تستطيع عكس كلفة ارتفاع اسعار وقود الطائرات التي تفرضها الحكومة على اسعار التذاكر كاملة بل تقوم بعمل ما تستطيع بعكس ما نسبته 50-45 بالمئة من قمية الارتفاع وهو ما يسمى "ضريبة الوقود".
وقال ان اسعار التذاكر لا توازي الارتفاعات الحاصلة حاليا على اسعار وقود الطائرات محليا، وهو ما يهدد القدرة التنافسية لشركة الملكية الاردنية اقليميا وعالميا.
وطالب المصدر بضرورة كشف الحكومة عن الالية التي تتبعها في احتساب تسعيرة اسعار المشتقات النفطية والتي يثار حولها العديد من الشبهات.
في المقابل اكد نقيب اصحاب السيارات العمومية ومكاتب التاكسي احمد ابو حيدر، انه سيتم مطالبة هيئة تنظيم النقل البري اليوم بضرورة الاسراع باصدار قرار زيادة اجور وتعرفة التاكسي والسرافيس وجميع السيارات العمومية بنسبة 16 بالمئة، نتيجة للارتفاعات التي شهدت على قطاع النقل في الاردن خلال الاشهر الماضية.
وقال ان الحكومة قامت في وقت سابق برفع اسعار المحروقات 6 بالمئة ولم تقم بعكس هذه الزيادة على اجور التاكسي والسرافيس، واليوم رفعتها من جديد وبشكل مفاجىء 10 بالمئة، مما يحتم على هيئة النقل البري زيادة نسبة اجور التاكسي والسرافيس 16 بالمئة.
من جهة اخرى ترك قرار الحكومة اثار امتعاظ لدى المواطنين متسبباً بالعديد من الخلافات والمشاكل ما بين متلقي خدمة النقل والسائقين.
وقال أحد المواطنين ان الحكومة تسببت اليوم باشعال الخلافات مع كافة السائقين سواء كان سائقي سيارات التاكسي ام وسائط النقل العام. مضيفاً ان الحكومة ارتكبت خطأ كبيرا في زيادة اسعار المحروقات الذي تم بشكل مفاجىء وسط ظروف اقتصادية وسياسية صعبة، الامر الذي سيزيد الفجوة وعدم الثقة بين الحكومة والمواطنين، فالقرار جاء لاستهداف جيوب الفقراء ومتوسطي الدخل دون الاغنياء كون الارتفاع الاكبر على بنزين اوكتان 90 الذي يعتمد عليه كافة شرائح المجتمع من مواطنين ووسائط نقل عام.
وتابع قائلا: "مع صبيحة يوم امس تفاجأت ان هناك ارتفاعا في اسعار المحروقات وهو ما كان باديا على سائق التاكسي حيث نشب بيننا خلاف حول ضرورة دفع زيادة في المبلغ على المبلغ المحدد في العداد".
في المقابل أكد احد سائقي التاكسي، ان "الحكومة مصممة على تجاهل الضرورات المعيشية للمواطنين، فالقرار تم بشكل ينم عن عدم ثقتها بالمواطنين كونه تم بشكل مباغت وفي منتصف الليل".
واضاف ان الحكومة ان لم تقم بزيادة اجور النقل والتعرفة لسيارات التاكسي، فانه والعديد من زملائه سيقومون باغلاق العداد والعمل على تحديد اجور نقل الراكب بالإتفاق معه حسب المنطقة التي يريدها الراكب.
النقل البري تدرس تعرفة النقل
وقالت هيئة تنظيم النقل البري انها تدرس وبالتنسيق مع أمانة عمان الكبرى انعكاس رفع اسعار المحروقات على تعرفة النقل وسيتم اتخاذ القرار المناسب بخصوص أجور النقل العام سواء بالرفع او التثبيت حسب نتائج الدراسة التي سيتم عرضها على مجلس ادارة الهيئة حيث ستأخذ الدراسة بعين الاعتبار الارتفاع الذي حصل على اسعار المحروقات قبل شهرين.
واشارت الهيئة ان الدراسة التي ستقوم بها ستشمل كافة خطوط المملكة بما فيها الخطوط التي تعمل داخل حدود أمانة عمان.
وكان مجلس ادارة الهيئة قد أقر سياسات خاصة لتحديد تعرفة الاجورتعتمد على أسس ومبادئ محددة وهي اعادة النظر سنويا بأجور النقل العام مع الاخذ بعين الاعتبار التضخم ومؤشر غلاء المعيشة والتغير في اسعار المحروقات سواء كانت بالارتفاع او الانخفاض وذلك لتحقيق العدالة لطرفي المعادلة ، والتأكيد على اهمية الموازنة بين استقطاب وتشجيع الاستثمار في مجال النقل العام وتأمين وسائط نقل ذات تكلفة ملائمة لمستخدمي وسائط النقل العام.
التل: الاثر طويل الامد سيؤدي لزيادة البطالة والفقر
من جانبه، قال رئيس غرفة صناعة الزرقاء السابق والخبير الاقتصادي الدكتور محمد التل أنه رغم ثبات أسعار النفط العالمية إلا أن الحكومة ما زالت تحاول أن تحمل عبء الأسعار على المواطن.
وأشار أن قرار رفع أسعار البنزين والديزل سيزيد من تكلفة المعيشة على المواطن العادي محدود الدخل مما سيؤثر على حياته اليومية وسيزداد الفقير فقراً وسيصبح المواطن غير قادر على تأمين متطلبات الحياة اليومية. إضافة إلى ذلك، لن تستطيع الصناعة الأردنية أن تثبت أمام المستوردات الخارجية الواردة إلينا من كافة أنحاء العالم ودول الخليج العربي، مما سيزيد من إفلاسات وإغلاق الكثير من المعامل والمصانع المتوسطة الحجم والصغيرة وبالتالي سيؤدي ذلك إلى زيادة البطالة في السوق الأردني.
وبين التل أن زيادة سعر البنزين والديزل سينعكس على تكلفة النقل وبالتالي سترتفع كافة أسعار المواد الغذائية وكلف الخدمات،
في حين أن قرار رفع سعر الديزل سيؤثر على كافة مناحي الحياة للمواطن الأردني متوسط الحال والفقير، حتى لو لم تقم الحكومة برفع سعر الغاز فإنها ستقوم بتغطية الدعم على الغاز من رفع تكلفة الديزل والبنزين.
(العرب اليوم)