جنوب ليبيا.. برميل بارود
تحولت جريمة قتل جنائية في ليبيا إلى معركة استخدمت فيها الأسلحة الثقيلة والرشاشات، وحصدت حتى الآن عشرات المواطنين من قبيلة التبو والقبائل العربية في مدينة سبها.
ووصل الأمر إلى حد إعلان المجلس الانتقالي والحكومة أن الجنوب منطقة عسكرية، ورفعت قوات الجيش الوطني درجة التأهب لفض النزاع المسلح، وتعهد رئيس الأركان يوسف المنقوش بالتصدي لأي محاولات خرق للهدنة.
وأكد الناطق باسم الحكومة ناصر المانع أن الحكومة "تأخذ على محمل الجد كافة الدعوات الانفصالية"، مضيفا أن لجنة من حكماء ليبيا -بالإضافة إلى وفد وزاري وقوات عسكرية غير قتالية- تعمل على تقدير الموقف في الجنوب لحل كافة المشاكل العالقة. مشيرا إلى أن معالجة الاشتباكات من شأنها توفير أرضية مناخ مناسب للحوار.
هذا التحرك الحكومي اعتبره الأكاديمي والسياسي عبد الرحمن النعمي "مرتبكا"، متحدثا عن "انحياز الحكومة لطرف ضد آخر في بعض الأحيان". كما اعتبر أن الضغط على قبائل التبو للانسحاب من مناطق سبها "خطأ إستراتيجي، وأن استخدام قوة الدولة الغاشمة في الضغط على قبائل التبو من شأنه أن يفاقم الأزمة عبر مناشدتهم لدول وجهات دولية بالتدخل لحمايتهم، من خلال رسم خط أحمر يحفظهم من أي قوات تلاحقهم".
وقال إن "الاقتتال داخل سبها حاليا أفضل من فرض أوضاع دائمة في المستقبل تؤدي إلى ارتفاع صيحات الانفصال". ورجح النعمي استغلال الأحداث الطارئة من قبل أطراف سياسية في غياب هيبة الدولة لتأجيج الجنوب.
وأكد أن انحسار نفوذ بعض القبائل -التي رفض تحديدها- بعد ثورة 17 فبراير، وبروز دور التبو خلال الثورة في وسائل الإعلام، دعا القبائل المتنفذة في سبها إلى محاولة إرجاع "التبو إلى عهد العبودية".
احتقان
أما أستاذ العلوم السياسية صالح السنوسي فقال إن ما جرى يعكس حالة احتقان كبير في مناطق الجنوب، وإن الحساسية المفرطة "بين الأطراف المتنازعة تراكمت طوال فترة حكم الرئيس الراحل معمر القذافي على مدى 42 عاما"، مؤكدا أن الحدث "كشف عما كان مسكوتا عنه".
وبشأن انفصال الجنوب، قال إن ذلك يتوقف على مدى استعداد دول الجوار لمساندة هذه المطالب والتوجهات لدى بعض الفئات، إلى جانب عدم ممانعة القوى الكبرى مثل فرنسا ذات النفوذ الكبير في القارة الأفريقية.
وأكد السنوسي أن "تفكيك الأزمة وعدم ارتفاع سقف المطالب الانفصالية يتوقف بالدرجة الأولى على مدى حزم الدولة الليبية، ومدى الاستجابة لمطالب قبائل الجنوب المهمشة بمن فيهم التبو،" مؤكدا أن الحكومة الحالية ليست هي المسيطرة، وأنها تحاول فقط إقناع الأطراف المتنازعة بأن مصلحتهم ليست في استمرار النزاع وأزمة الجنوب.
مناشدة
ومن سبها، قال القاضي والناشط الحقوقي كمال حذيفة إن الدولة تحاول فرض سيطرتها على المدينة، وإن مناطق مرزق وأم الأرانب والقطرون وأوباري وزويلة في جنوب سبها تقع خارج سيطرة الدولة.
وأكد رفض الشارع لمبدأ الانفصال، وناشد الحكومة الإسراع في رفع المعاناة عن سكان الجنوب، وإعادة الكهرباء المقطوعة عنها منذ ثلاثة أيام، "محذرا من تدهور الأوضاع الإنسانية في حال تعذر وصول المساعدات الإنسانية"، وطالب -على المدى القريب- بضرورة فرز الليبي الأصلي من غير الأصلي لحل أزمة الجنوب.
وأعرب الكاتب السياسي إبراهيم المقصبي عن أمله في عدم تجدد الاشتباكات مرة أخرى، وقال "على الحكومة إذا أرادت تفادي وقوع القتال مرة أخرى تفعيل أجهزة الدولة الأمنية والسيادية كالجيش والشرطة بأسرع ما يمكن"، كما توقع ظهور "مطالب انفصالية لإرغام الحكومة على تحقيق بعض المطالب".
ودافع الخبير الاجتماعي أوفنايت الكوني عن علاقة قبائل الجنوب ببعضها، لكنه عبر عن خشيته من تداعيات كبيرة في الجنوب "إذا استمرت سياسة عرض العضلات من أي طرف".الجزيرة