24 ساعة تهز الحكومة والنواب وتضعهما وجها لوجه أمام "زلزال" رفع أسعار المحروقات
جهاد المنسي - يدور حديث هامس بين مجموعات نيابية يفضي إلى أن "ثورة" النواب على الحكومة، لم تخمد إلى الآن، وأن نوابا يرون أن مذكرة حجب الثقة التي وقعها 89 منهم أول من أمس احتجاجا على قرار رفع أسعار المحروقات الذي جمد بتوجيه ملكي أمس، ما تزال قائمة، وعليها المرور بمراحلها الدستورية، ورفعها وفق الأسس المتبعة.
يقابل هذا الرأي، وجهة نظر أخرى، ترى أن المذكرة انتفى سببها الرئيس، بعد قرار التجميد، لافتين الى أنها جاءت كتعبير نيابي احتجاجي على عملية الرفع، وبالتالي، أصبحت بعد التجميد بلا قيمة، داعين الى سحبها.
وعلى الرغم من اختلاف وجهات النظر بين النواب، لكن الكل يجمع على أن التوجيه الملكي للحكومة حد من "غضبة نيابية"، وأن توقيع النواب بكل أطيافهم على مذكرة تطالب برحيل الحكومة، وتغطيتها برسالة مرفوعة إلى المقام الملكي، تستأذنه بذلك، تحت قائمة أسباب، أبرزها أن رفع الأسعار والتعيينات وغيرها، دليل على وجود حالة تنافر واضحة بين السلطتين: التشريعية والتنفيذية.
عموما، فإن الـ24 ساعة السابقة، شهدت تطورات دراماتيكية شغلت النخب السياسية والشارع والمحللين ورجال الدولة، فالكل أصبح يتساءل عن مصير الحكومة والنواب في آن، واختلفت التحليلات والتقييمات بين من يعتقد أن ما جرى فرصة لإعلان حالة الطوارئ، ومن ثم التخلص من مآزق دستورية مختلفة، وأنه ايضا أطال عمر مجلس النواب، وقصر عمر الحكومة، بينما يرى فريق ثالث انه "قصر" عمر الطرفين معا.
ويحتفظ فريق رابع برؤية مختلفة، مفادها أن ما جرى "زوبعة في فنجان"، وهو عبارة عن حرد الصديق من صديقه، والأمور سترجع الى مجاريها بين السلطتين، وستعودان سمنا على عسل قريبا، وتنهيان ما تبقى لهما من وقت معا.
زواج بالإكراه
حالة مجلس النواب والحكومة، تشبه إلى حد بعيد "الزواج بالإكراه"، فالحكومة؛ تعرف أنها "انتقالية"، ومطلوب منها حل المجلس وفق أحكام الدستور، والرحيل بعد حل البرلمان بأيام، والنواب يعرفون أن وجود الحكومة، يعني استمرارهم تحت القبة، ويطمئنهم بأن في العمر بقية، والحل بعيد.
وفقا لذلك، فإن كل طرف يعرف حاجة الطرف الآخر له، ووجودهما مرتبط ببعض، لذا؛ راقب المهتمون لمشهد أمس بعيون مفتوحة، فالكل يعرف حساسية الظرف، والعقدة التي ستحصل، إذ إن ترحيل الحكومة قبل حل المجلس، يعني أحد أمرين؛ إما حكومة جديدة لفترة لا تتعدى الشهرين، أو التغاضي عن انتخابات مبكرة في نهاية العام الحالي، ودخول المجلس في دورة نيابية ثالثة، وحكومة جديدة.
الكل راقب المشهد برمته أمس، حتى يتسنى له معرفة أين تذهب الأمور، وأين سترسو السفينة في نهاية الأمر، لذا فإن خبثاء علقوا على الغضب النيابي ضد رفع أسعار المحروقات بأنها "شطارة"، وأن النواب أرادوا "أن يتغدوا بالطراونة قبل أن يتعشى بهم"، بمعنى أنهم أرادوا رحيله لتطول فترة بقائهم.
مراقبون يرون أن التوجيه الملكي بتجميد رفع الأسعار، أنصف عامة الشعب في المقام الأول، ونزع فتيل أزمة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وفتيل أزمة أخرى؛ دستورية.
فمذكرة حجب الثقة والرسالة التي أرفقت بها في حال رفعها الى جلالة الملك، وتسليمها رسميا، تعني أن الجميع ينتظر إجراء ملكيا دستوريا عليها، فترحيل النواب، سيكون لصعوبة التفاهم مع السلطة التنفيذية، وترحيل الحكومة سيكون جراء سحب الثقة النيابية منها، وغالبا ما تلجأ الأسرة الهاشمية وجلالة الملك للخيار الثاني (ترحيل الحكومة) والانتصار للنواب، باعتبارهم يمثلون الشعب، وبخاصة أن موضوع الخلاف ذو صلة بالناس.
نزع فتيل الأزمة بما تم عليه، جعل "الزواج بالإكراه" بين السلطتين قائما، وعليهما إيجاد وسيلة للتفاهم بين بعضهما لأمد قصير، ومن ثم "يخلق الله ما لا تعلمون".
ما حصل أيضا؛ وجه رسالة مفادها بأن جلالة الملك ما يزال يأمل بإجراء انتخابات مبكرة قبل نهاية العام الحالي إن سمحت الإجراءات اللوجستية بذلك، وأن إبقاء الأمور على حالها؛ يعني الاحتفاظ بالطرفين (الحكومة والنواب) لفترة قصيرة جدا، قد لا تتجاوز الأسبوعين أو نهاية الشهر الحالي، ومن ثم ترحيلهم معا.
الدغمي عند الطراونة في "الرابع"
بعد انتهاء جلسة النواب أول من أمس، لصعوبة عقدها، ثار النواب وبادروا الى توقيع مذكرة سحب الثقة من الحكومة، وفي هذه الأثناء وعلى الفور، ذهب رئيس المجلس عبدالكريم الدغمي إلى الدوار الرابع (مقر رئاسة الوزراء في عمان)، والتقى رئيس الوزراء فايز الطراونة، وبحث معه الأمر، ناقلا له امتعاضا نيابيا شديدا بسبب رفع الأسعار.
كما تساءل النواب عن سر غياب الطراونة عن جلستهم أول من أمس، لاسيما أنها تحمل في طياتها قضايا كثيرة تتطلب وجوده، وردودا حكومية فورية على كل ما سيقال. المعلومات المستقاة، تفيد بأن الدغمي والطراونة، التقيا معا جهة سياسية عليا لفترة من الزمن.
مذكرة لم تسلم
خلال لقاء الرئيسين؛ الطراونة والدغمي، كانت وتيرة "غضبة" النواب تزداد اشتعالا وقوة، وبدا أن مذكرة حجب الثقة التي باشروا بالتوقيع عليها ستكون مدوية، وهي ليست مذكرة عادية تكتب وتمضي، والحشد النيابي لها جاء من كل الاتجاهات (معارضون ومؤيدون) للحكومة، وحجم الغضب النيابي كبير، ساعدت في تأجيجه التعيينات الأخيرة للحكومة.
في اللقاء بين الرئيسين، أخذت الحكومة تجري اتصالات مع أطراف نيابية محسوبة عليها لاستشارتها ماذا تفعل، والاستماع لتقييم من ساحة النواب عما يحدث، وأين وصل الأمر.
كل ما كان يصل للحكومة من قبل أطراف مؤثرة مفاده أن "النواب غاضبون ولن يتراجعوا" عن قرارهم بسحب الثقة، والحكومة خذلتهم. على الجانب الحكومي سأل نائب مؤثر هاتفيا: ما موقف النواب لو جمد القرار مثلا، الطرف النيابي المعني والمقرب من الحكومة أصلا، أجاب فورا، أنه يرى أن التجميد أو وقف القرار، يعني بالضرورة انتفاء سبب المذكرة، وبالتالي سحبها.
جواب النائب معناه، أن الكرة في ملعب الحكومة، وعليها اتخاذ قرار سريع فورا، ولكن النائب وإن كان تلقى ما يشبه التطمين، لكنه لم يسمع وقتذاك من الحكومة، عزمها بإلغاء القرار أو وقفه.
النواب بدورهم واصلوا التوقيع على مذكرتهم، وأضافوا إليها رسالة مرفوعة الى جلالة الملك، يشرحون فيها الأسباب الذي دفعتهم لطلب سحب الثقة، ويستأذنون في نهايتها جلالته بترحيل الحكومة.
بعد انفضاض وقفة الاحتجاج النيابية أمام مدخل مجلس الأمة، توجه النواب لطباعة الرسالة وأجروا اتصالات مع المسؤولين في الديوان الملكي لتسليمهم المذكرة، وتوافقوا على أن يذهب: النائب الثاني لرئيس المجلس خليل عطية، ومساعدة الرئيس النائب ناريمان الروسان، ورئيس اللجنة القانونية محمود الخرابشة، إلى الديوان الملكي لأداء المهمة وتسليم الرسالة المرفوعة للمقام السامي، وكذلك المذكرة التي تطالب بإضافة بند طرح الثقة بالحكومة على جدول أعمال الدورة الاستثنائية.
بعد انتهاء طباعة المذكرة، توجه النواب الثلاثة الى الديوان، بناء على موعد مسبق، لتسليم الرسالة والمذكرة، وقبل وصولهم أي وهم في الطريق، تلقوا اتصالا يفيد بأن جلالة الملك، أصدر توجيها للحكومة بتجميد قرار رفع أسعار المحروقات.
النواب الثلاثة، وصلوا الى الديوان الملكي وعرفوا بالقرار، والتقوا مدير مكتب جلالة الملك عماد فاخوري، وتباحثوا معه مطولا فيما حصل، والموقف النيابي، والتطور اللاحق المتمثل بتوجيه الملك للحكومة، بتجميد القرار.
من هناك بدأ النواب الثلاثة، بإجراء اتصالات مع زملائهم الموقعين على المذكرة، لوضعهم في صورة آخر المستجدات، والتوجيه الملكي، ومعرفة رأيهم في مصير المذكرة والرسالة بعد التطورات الجديدة.
في نهاية الأمر، وبعد أخذ ورَدّ، توافق النواب على أن يعودوا ويجروا تعديلا على الرسالة المرفوعة الى جلالة الملك، باعتبار أن ما ورد فيها في موضوع أسعار المحروقات انتفى.
في نهاية المطاف، عاد النواب الثلاثة دون أن يسلموا الرسالة والمذكرة للديوان الملكي، على أمل أن يتشاوروا فيما بينهم في الساعات المقبلة ويقرروا موقفهم.
وكشفت مصادر نيابية، كانت ضمن الوفد النيابي الثلاثي في الديوان الملكي، أن التعيينات الأخيرة التي أجرتها الحكومة، ستجمد، ولن تحظى بالموافقة عليها.
الطراونة في دارة الدغمي
بعد أن عاد النواب من الديوان الملكي، توجه عطية والروسان إلى منزل الدغمي، ليجدا هناك النواب: محمد البرايسة، ومفلح الرحيمي، وخالد الفناطسة، ورئيس الوزراء فايز الطراونة، ووزراء من حكومته، أبرزهم وزير الخارجية ناصر جودة.
ويعتقد مراقبون أن اللقاء وإن بدا في جوهره أسريا ووديا، لكنه جاء لمحاولة قراءة الموقف النيابي جيدا، بعد كل التطورات التي جرت عصر الأحد، وتلمس إن انتهت الأزمة أم لا، ومد جسور علاقة يمكن أن تعبر بالجميع إلى الإمام.
نواب: الأزمة انتهت.. الأزمة مستمرة
حصيلة ما جرى حتى مساء أمس، مذكرة نيابية وقع عليها 89 نائبا، تطالب بإدراج سحب الثقة بالحكومة على جدول الاستثنائية، هذه المذكرة هي الآن موجودة عند الدغمي، إضافة إلى رسالة مرفوعة لجلالة الملك حول الموضوع، لم يتم تسليمها الى الديوان الملكي، لإعادة صياغتها من جديد.
إلا ان ما يجري، هو أن هناك فريقا نيابيا يعتبر أن المذكرة والرسالة، انتهى أثرهما لزوال سببهما، وهناك فريق نيابي آخر يرفض ذلك، ويعتقد أن الحكومة ارتكبت أخطاء جمة تدفع الى طرح الثقة بها؛ أبرزها التعيينات الأخيرة.
التحركات النيابية التي جرت أمس، أظهرت هذا الانقسام في وجهتي النظر، إذ يحمل فريق نيابي وجهة نظر تقول إن المذكرة انتهت، ومن يريد الإبقاء عليها يتوجب عليه التوقيع على مذكرة جديدة، لافتين الى أن نوابا كثرا سيسحبون تواقيعهم عنها لأن قرار رفع الأسعار جمد.
مقابل وجهة النظر تلك، هناك من يقول إن المذكرة يجب أن تأخذ طريقها وتذهب في وجهتها الدستورية، ويتوقع أن يعقد أصحاب هذه الوجهة، لقاء فيما بينهم اليوم، لمناقشة الأمر وقراءة المشهد من جديد.
(الغد)