"أحمد وكريستينا" والخطيئة الكبرى
جو 24 : كنّا على موعد مطلع رمضان الجاري مع مسلسل "أحمد وكريستينا" (يُعرض على "الجديد" حصراً) عن قصّة حبّ يدلّ اسما بطليها على مصيرها. ستختلف النهاية عما كتبته كلوديا مرشيليان وسيصوّرها مخرج العمل سمير حبشي وفق رؤيته الخاصة. فضّلت كاتبة العمل أن تعبر بنا إلى أواخر الستينات لنلتقط فتات ذاكرة اجتماعية متناثرة ممّا قبل الحرب. وقتذاك سادت حركة "الهيبيز" في بيروت وعرفت المنع والملاحقة، زاوية جديدة ارتكزت عليها القصة. لكنها في أساساتها الكبرى تدور حول قصة حب عابرة للطوائف، كملاذ آمن لكل عمل درامي يودّ لمس قضية أو جرحٍ في هذا المجتمع.
تعبر قلوبنا الطوائف لنتحسّس الفوارق ونعيش مع البطلين، "أحمد" الذي يلعب دوره وسام صليبا لأول مرة في لبنان، و"كريستينا" التي تؤدي دورها المغنيّة سابين في أول تجربة تمثيلية لها. يخترق الأول بدور المصوّر حياة الثانية لأجل صورة، ثم تبدأ الدوامة باجتذابهما إليها، تارة على الأرجوحة خارج نطاق ضيعتها وطوراً في الاستديو الذي يملكه في بيروت. أغلب الظنّ أن البطلين بآدائهما اللافت وانسجامهما سيحلّان نجمين - معاً أو منفصلين- على الدراما اللبنانية لسنوات مقبلة.
ما النفع من الانجرار إلى تفاصيل القصّة ما دامت النهاية مكتوبة بحروف الطوائف؟ قد يجيب بعضنا أن الهروب إلى القصص ينسينا الواقع. وقد يتصور بعضنا أن ذلك يسمّى علاجاً بالدراما. لكن على رسلكم يا سادة. من قال إننا نحتاج علاجاً مماثلاً؟ ها قد تعايشنا مع طائفيتنا وعرفنا أين تنتهي حدود الحبّ. وَعْيُنا يدرك أن التجربة تنتهي بانتهاء الحلقة. عقّبوا على قصص الزواج المدني إذا رأيتم فيها حلًّا بديلاً. لكن لا تستهلكوها هي الأخرى.
نرى بعين المخرج سمير حبشي ما هو جميل في قرانا وطبيعتنا وجرودنا ودكاكين بيروت واستديو التصوير. حركة كاميراه تجرّنا إلى الأعمق. ثمة صورة تُلتقط بعناية ثم تتناوب على ذوقنا معطيات كثيرة. الضيعة بكلّ مقوّماتها: بساطتها، ديكوراتها، ملابسها، عاداتها... ثم لا نغفل عن أدوار حقيقيّة جداً لا بدّ من أن تبصر نوراً في سيناريواتنا وقد عرف المخرج آلية تشغيلها. "طانيوس" المعتّر يؤدي دوره حسّان مراد بإبداعٍ مطلق وحسٍّ لم نرَ له مثيلاً بين الجيل الراهن. "عبدلله" كاراكتير آخر يلعبه طوني نصير جيّداً. القدير نقولا دانييل إضافة ذكيّة في دور "روكز" ابن القرية المتعصّب. أما ابنه "الياس" (نيكولا مزهر) فما زال واعداً من حيث النوعية رغم كمية الأعمال التي أداها.
غير أن الحبّ الحقيقي يُبحث عنه كالإبرة بين القشّ. كما يكون اختلاف الأديان سبباً للتفرقة بين الحبيبين، كذلك يمكن لقدوم العريس "جريس" (يوسف حداد) من أميركا لطلب يد ابنة عمه "كريستينا" مهرباً لها من رتابة الحياة القروية قد لا ترفضه أيّ فتاة. هنا أرادت "كريستينا" المواجهة والمجازفة في حبّ "أحمد" من دون أن تعرف خواتيمه. سوف تخفي "كريستينا" ملامح الحب عن وجهها إلى أن تبدأ المواجهة الفعلية.
تحضيراً لتسارع الأحداث نجد أن ما كتبته مرشيليان جميل لناحية الحوارات الواقعية والألفاظ البلديّة الصرفة، رغم بعض الوعظ الذي تتلفظه فتاة "الهيبيز" (سينتيا خليفة). هذه الأخيرة هي الوحيدة القادرة على التفلت من قيود المجتمع بسيجارة حشيش وثياب ممزقة وإهمال وكذب على الأهل... هي حياة "الهيبيز" كما شاء المسلسل تصويرها. أما باقي الفتيات فلم نرَ الانتفاض في حيواتهنّ. حتى "كريستينا" في حبّها ستخضع لقيود نراها تدفعها في الحلقات القادمة إلى الرضوخ. ثم تعرض لنا مسائل شرف الفتيات مثل "تريز" (جويل منصور). محطة تتطلب جرأة المعالجة. تكثر "العيوب" التي جمعتها الحبكة... "تريز" بعيب في الشرف، "عبدلله" بعيب خلقي، ولكلّ عيبه إلاّ أن عيب الحبّ من الدين الآخر يسم القصّة. كان لمسلسل "أحمد وكريستينا" أن يعرف نجاحاً أكبر لو عرض في غير رمضان لينال حقّه من المشاهدة. إذ إنه رغم عجقة الإنتاجات يحقّق مشاهدة مرتفعة. ربما لا ينقصه إلا كلمة سحر إن أراد تغيير هذا المجتمع الزائف.
النهار
تعبر قلوبنا الطوائف لنتحسّس الفوارق ونعيش مع البطلين، "أحمد" الذي يلعب دوره وسام صليبا لأول مرة في لبنان، و"كريستينا" التي تؤدي دورها المغنيّة سابين في أول تجربة تمثيلية لها. يخترق الأول بدور المصوّر حياة الثانية لأجل صورة، ثم تبدأ الدوامة باجتذابهما إليها، تارة على الأرجوحة خارج نطاق ضيعتها وطوراً في الاستديو الذي يملكه في بيروت. أغلب الظنّ أن البطلين بآدائهما اللافت وانسجامهما سيحلّان نجمين - معاً أو منفصلين- على الدراما اللبنانية لسنوات مقبلة.
ما النفع من الانجرار إلى تفاصيل القصّة ما دامت النهاية مكتوبة بحروف الطوائف؟ قد يجيب بعضنا أن الهروب إلى القصص ينسينا الواقع. وقد يتصور بعضنا أن ذلك يسمّى علاجاً بالدراما. لكن على رسلكم يا سادة. من قال إننا نحتاج علاجاً مماثلاً؟ ها قد تعايشنا مع طائفيتنا وعرفنا أين تنتهي حدود الحبّ. وَعْيُنا يدرك أن التجربة تنتهي بانتهاء الحلقة. عقّبوا على قصص الزواج المدني إذا رأيتم فيها حلًّا بديلاً. لكن لا تستهلكوها هي الأخرى.
نرى بعين المخرج سمير حبشي ما هو جميل في قرانا وطبيعتنا وجرودنا ودكاكين بيروت واستديو التصوير. حركة كاميراه تجرّنا إلى الأعمق. ثمة صورة تُلتقط بعناية ثم تتناوب على ذوقنا معطيات كثيرة. الضيعة بكلّ مقوّماتها: بساطتها، ديكوراتها، ملابسها، عاداتها... ثم لا نغفل عن أدوار حقيقيّة جداً لا بدّ من أن تبصر نوراً في سيناريواتنا وقد عرف المخرج آلية تشغيلها. "طانيوس" المعتّر يؤدي دوره حسّان مراد بإبداعٍ مطلق وحسٍّ لم نرَ له مثيلاً بين الجيل الراهن. "عبدلله" كاراكتير آخر يلعبه طوني نصير جيّداً. القدير نقولا دانييل إضافة ذكيّة في دور "روكز" ابن القرية المتعصّب. أما ابنه "الياس" (نيكولا مزهر) فما زال واعداً من حيث النوعية رغم كمية الأعمال التي أداها.
غير أن الحبّ الحقيقي يُبحث عنه كالإبرة بين القشّ. كما يكون اختلاف الأديان سبباً للتفرقة بين الحبيبين، كذلك يمكن لقدوم العريس "جريس" (يوسف حداد) من أميركا لطلب يد ابنة عمه "كريستينا" مهرباً لها من رتابة الحياة القروية قد لا ترفضه أيّ فتاة. هنا أرادت "كريستينا" المواجهة والمجازفة في حبّ "أحمد" من دون أن تعرف خواتيمه. سوف تخفي "كريستينا" ملامح الحب عن وجهها إلى أن تبدأ المواجهة الفعلية.
تحضيراً لتسارع الأحداث نجد أن ما كتبته مرشيليان جميل لناحية الحوارات الواقعية والألفاظ البلديّة الصرفة، رغم بعض الوعظ الذي تتلفظه فتاة "الهيبيز" (سينتيا خليفة). هذه الأخيرة هي الوحيدة القادرة على التفلت من قيود المجتمع بسيجارة حشيش وثياب ممزقة وإهمال وكذب على الأهل... هي حياة "الهيبيز" كما شاء المسلسل تصويرها. أما باقي الفتيات فلم نرَ الانتفاض في حيواتهنّ. حتى "كريستينا" في حبّها ستخضع لقيود نراها تدفعها في الحلقات القادمة إلى الرضوخ. ثم تعرض لنا مسائل شرف الفتيات مثل "تريز" (جويل منصور). محطة تتطلب جرأة المعالجة. تكثر "العيوب" التي جمعتها الحبكة... "تريز" بعيب في الشرف، "عبدلله" بعيب خلقي، ولكلّ عيبه إلاّ أن عيب الحبّ من الدين الآخر يسم القصّة. كان لمسلسل "أحمد وكريستينا" أن يعرف نجاحاً أكبر لو عرض في غير رمضان لينال حقّه من المشاهدة. إذ إنه رغم عجقة الإنتاجات يحقّق مشاهدة مرتفعة. ربما لا ينقصه إلا كلمة سحر إن أراد تغيير هذا المجتمع الزائف.
النهار