الهواتف المحمولة بالمقلوب أفلتت من عين القنّاص
جو 24 : يستطيع مسلسلٌ يتباهى صنّاعُه بأنّه "الأوّل" أن يتحوّل، بزلّة واحدة، حديث الناس الساخر. مخرجون يسطّرون أسماءهم على أعمال يُروَّج لها على أنّها ساحرة، فإذا بهم يتورّطون بأخطاء الهواة. المسلسل الناجح مخرجٌ ماهر يملك عين قنّاص، يُفلفِش النصّ ويسهر على مَشاهده. خلف النصّ والممثل، قائد أوركسترا لولاه لتبعثر العرض. إنه المخرج، لكنّه يأتي عربياً في المرتبة دون المنتج والكاتب والممثلين كافة. ثم حلّت على لبنان بدعةٌ غير مسبوقة: نَسْبُ المسلسل للمنتج والزعم أنه مِن خاصاته! برزت في السنوات الأخيرة أسماءٌ تعطي الكلمات معاني بصرية. الليث حجو أو حاتم علي ونظرات أخرى. رغم ذلك، قد يقع المسلسل في أخطاء تثير هزء المُشاهد وتجعله يستمتع باللهو. صَعَّبت السوشيال ميديا مسائل، وهَوَّنت مسائل أخرى. أن يحمل باسم مغنية هاتفه بالمقلوب، ويقنع المُشاهد بأنه يُجري اتصالاً قد يغيّر المسار، فتلك سقطة لا تُغتَفر. فليقتنعْ بما يقدِّم لنقتنع بما يُقدَّم. ندرك أنّ إشكالية الأخطاء ليست وقفاً على مسلسلات العرب، ولا على بدائع الأعمال اللبنانية. أفلام السينما نفسها لا تنجو من عين شاردة ومن أحدٍ قدّ قصَّر حين حلَّ التعب.
ثم إنّ المواقع تتناقل الخبر كلمح البصر. أصبح باسم مغنية سيرةً، لا لأدائه في "24 قيراط" ("أم تي في"، "أو أس أن") بل للاتصال الذي أجراه بالهاتف المقلوب! حدث ذلك أمام كاميرا المخرج الليث حجو، فيما تسبّبت ضوضاء "الخلطة" العربية بجعل الممثل السوري أيمن عبد السلام موظفاً في أحد المصارف اللبنانية، رغم أنّ الواقع مغاير. ضجّت السوشيال ميديا بالزلّة، وفات المخرج سامر البرقاوي ملاحظة الوقائع الطارئة، ليترك للمتهكّمين التهكُّم. ترخي المسلسلات جرّاء الكَثرة وما تزدحم به الشاشات، مُشاهداً يلحظ المشهد اللامع من المشهد الباهت. يقدّم سمير حبشي في "أحمد وكريستينا" ("الجديد") أنفاس القرية اللبنانية وأنفاس ناسها. يتعثّر ممثلون، وتبقى للصورة قدرةٌ على المواجهة. نتوقّع أن يحافظ حبشي على معالم الطبيعة وتفاصيل الجوّ، لكننا نتوقّع من الليث حجو عيناً من لمعان. أتاح المبالغة في أداء ماغي بو غصن وأتاح تسذيج الأحداث. ليس "24 قيراط" عمله الأحسن. تحكّم به النصّ عوض العكس.
حال "تشيللو" ("المستقبل"، "أم بي سي") مع سامر البرقاوي امتدادٌ لحال "لو" (رمضان 2014). كلوز آب على الوجوه وملامح وتفاصيل. التعامل مع البرقاوي بالنسبة الى الممثلين تبادلُ اطمئنان. نادين نسيب نجيم ذكية ولافتة، تقدّم شخصية من غرق. يجاريها يوسف الخال وتيم حسن، رغم الإفراط في إشهار الكاريزما. إخراج "بنت الشهبندر" يترجم النصّ حرفياً. سيف الدين السبيعي يقود سلافة معمار وقصي خولي وسيف شيخ نجيب (وآخرين) الى التمثيل المُتوقَّع. الجوّ موجود، لكنّ كاركتير البعض لا يقنع والأداء يظهر مُفتَعلاً. ينجو "باب الحارة" من افتعال ممثليه وحوارات الفضاءات الخارجية، ويحمل عزام فوق العادة المُشاهد على تصديق العلاقة بين الوجوه والمنازل. شأنٌ آخر "تلفيق" الأحداث واصطناع الشرارة المُحرِّكة، كأن يُفتَعل إشكالٌ مع رجال الكاراكون وتُسلب من أحدهم بندقيته، فتصبح القضية: أين هي البندقية؟ حشوٌ لضرورات تكاثر الأجزاء والكسب المادي. لكنّ المغرّدين تحدّثوا عن خطأ ارتكبه المسلسل: كيف ومن أين هبط أبو مرزوق (محمد الشماط) فجأة؟ لا بأس، فأنّى للذاكرة حسبان مَن مات ومَن عاش ونحن اليوم في الجزء السابع؟
ندعُ جانباً استيقاظ الممثلات أميراتٍ من النوم وتلقّي المآسي بالفخامة والكعب العالي. تعرفون ذلك، إنها البديهيات. لكنّ رامي حنا في "غداً نلتقي" ("أل بي سي آي") يمسك الصورة من أنفاسها. هنا تلاقي المشهد مع النصّ، ثم الذوبان في الحدث. حاتم علي في "العراب- نادي الشرق" ("أل بي سي آي") يمسك ممثلين فيُفلت نصاً أساسياً ويشيح الأنظار عنه. يُبيّن التفكك ويضيف الى الصورة رذائل النفس الإنسانية. علي منذ مسلسل "عمر" (رمضان 2012) لا يهدأ. قدّم "العراب" بشيء من التماسُك، فيما ظهر الهذيان في "عراب" المثنى صبح وظهر التراخي. عرَّض عمل فرنسيس فورد كوبولا للفشل عربياً. نعود الى "ثقافة" توليد المسلسلات: الكاتب أولاً أم المخرج أم الحضور التمثيلي؟ كنا عن غير قصد قد نسينا المنتج. عاصي الحلاني اسمٌ محبوب، بيَّن روحاً مرحة في برامج الهواة، لكنّ "العراب" عبر "الجديد" (حتى الآن) لم ينجح.
ذلك على عكس "أستاذ ورئيس قسم" ("أم بي سي") وعودة عادل إمام الى الشعب. المخرج وائل إحسان يلتقط- متأخراً- صوت الشارع. يُخرِج عادل إمام من عباءتين: ابنه المخرج رامي إمام، والرفاهية غير المُستَحَبّة. نبض الثورة ونبض السلاح، والعمل المقاوِم هو هو وإن استُبدِل مُخرجٌ بآخر. المعركة مع العدو واحدة والنصر واحد، ولا بدّ للمقاوِم أن يتغلَّب على العملاء. إيلي ف. حبيب في "درب الياسمين" ("المنار") أمام تجربة جديدة بالنسبة إليه ومألوفة بالنسبة الى المُشاهد. عرضٌ وسردٌ وشحذ عزائم. "ألف ليلة وليلة" ("أم تي في"، "أم بي سي") على غير نسق: صورةٌ مشغولة لكنّها غير مقنعة، ونصٌّ مستهلك ممل. حاول المخرج رؤوف عبد العزيز إحداث نقلة، فأتى العمل برمّته غير قابلٍ للمُشاهدة الممتعة. لا تصنع المبالغة جماليات ولا تضمن الأساطير الانتشار. فضَّل مغرّدو "تويتر" التهكّم على "أخطاء تاريخية" قالوا إنّ "حارة اليهود" ("دبي") طَفَح بها، مقدّمين أمثلة أبسطها أنّ ريهام عبد الغفور رقصت على أغنية "يا مسافر وحدك" في العام 1949، فيما غنّتها ليلى مراد العام 1950. تسالٍ هو "تويتر" وفسحة "رقابة" وتأثير. مزاجيٌّ يشبه الجماهير في التهليل والتحطيم والنقد المتسرّع المتناسِخ.
المصدر: "النهار"
فاطمة عبدالله
ثم إنّ المواقع تتناقل الخبر كلمح البصر. أصبح باسم مغنية سيرةً، لا لأدائه في "24 قيراط" ("أم تي في"، "أو أس أن") بل للاتصال الذي أجراه بالهاتف المقلوب! حدث ذلك أمام كاميرا المخرج الليث حجو، فيما تسبّبت ضوضاء "الخلطة" العربية بجعل الممثل السوري أيمن عبد السلام موظفاً في أحد المصارف اللبنانية، رغم أنّ الواقع مغاير. ضجّت السوشيال ميديا بالزلّة، وفات المخرج سامر البرقاوي ملاحظة الوقائع الطارئة، ليترك للمتهكّمين التهكُّم. ترخي المسلسلات جرّاء الكَثرة وما تزدحم به الشاشات، مُشاهداً يلحظ المشهد اللامع من المشهد الباهت. يقدّم سمير حبشي في "أحمد وكريستينا" ("الجديد") أنفاس القرية اللبنانية وأنفاس ناسها. يتعثّر ممثلون، وتبقى للصورة قدرةٌ على المواجهة. نتوقّع أن يحافظ حبشي على معالم الطبيعة وتفاصيل الجوّ، لكننا نتوقّع من الليث حجو عيناً من لمعان. أتاح المبالغة في أداء ماغي بو غصن وأتاح تسذيج الأحداث. ليس "24 قيراط" عمله الأحسن. تحكّم به النصّ عوض العكس.
حال "تشيللو" ("المستقبل"، "أم بي سي") مع سامر البرقاوي امتدادٌ لحال "لو" (رمضان 2014). كلوز آب على الوجوه وملامح وتفاصيل. التعامل مع البرقاوي بالنسبة الى الممثلين تبادلُ اطمئنان. نادين نسيب نجيم ذكية ولافتة، تقدّم شخصية من غرق. يجاريها يوسف الخال وتيم حسن، رغم الإفراط في إشهار الكاريزما. إخراج "بنت الشهبندر" يترجم النصّ حرفياً. سيف الدين السبيعي يقود سلافة معمار وقصي خولي وسيف شيخ نجيب (وآخرين) الى التمثيل المُتوقَّع. الجوّ موجود، لكنّ كاركتير البعض لا يقنع والأداء يظهر مُفتَعلاً. ينجو "باب الحارة" من افتعال ممثليه وحوارات الفضاءات الخارجية، ويحمل عزام فوق العادة المُشاهد على تصديق العلاقة بين الوجوه والمنازل. شأنٌ آخر "تلفيق" الأحداث واصطناع الشرارة المُحرِّكة، كأن يُفتَعل إشكالٌ مع رجال الكاراكون وتُسلب من أحدهم بندقيته، فتصبح القضية: أين هي البندقية؟ حشوٌ لضرورات تكاثر الأجزاء والكسب المادي. لكنّ المغرّدين تحدّثوا عن خطأ ارتكبه المسلسل: كيف ومن أين هبط أبو مرزوق (محمد الشماط) فجأة؟ لا بأس، فأنّى للذاكرة حسبان مَن مات ومَن عاش ونحن اليوم في الجزء السابع؟
ندعُ جانباً استيقاظ الممثلات أميراتٍ من النوم وتلقّي المآسي بالفخامة والكعب العالي. تعرفون ذلك، إنها البديهيات. لكنّ رامي حنا في "غداً نلتقي" ("أل بي سي آي") يمسك الصورة من أنفاسها. هنا تلاقي المشهد مع النصّ، ثم الذوبان في الحدث. حاتم علي في "العراب- نادي الشرق" ("أل بي سي آي") يمسك ممثلين فيُفلت نصاً أساسياً ويشيح الأنظار عنه. يُبيّن التفكك ويضيف الى الصورة رذائل النفس الإنسانية. علي منذ مسلسل "عمر" (رمضان 2012) لا يهدأ. قدّم "العراب" بشيء من التماسُك، فيما ظهر الهذيان في "عراب" المثنى صبح وظهر التراخي. عرَّض عمل فرنسيس فورد كوبولا للفشل عربياً. نعود الى "ثقافة" توليد المسلسلات: الكاتب أولاً أم المخرج أم الحضور التمثيلي؟ كنا عن غير قصد قد نسينا المنتج. عاصي الحلاني اسمٌ محبوب، بيَّن روحاً مرحة في برامج الهواة، لكنّ "العراب" عبر "الجديد" (حتى الآن) لم ينجح.
ذلك على عكس "أستاذ ورئيس قسم" ("أم بي سي") وعودة عادل إمام الى الشعب. المخرج وائل إحسان يلتقط- متأخراً- صوت الشارع. يُخرِج عادل إمام من عباءتين: ابنه المخرج رامي إمام، والرفاهية غير المُستَحَبّة. نبض الثورة ونبض السلاح، والعمل المقاوِم هو هو وإن استُبدِل مُخرجٌ بآخر. المعركة مع العدو واحدة والنصر واحد، ولا بدّ للمقاوِم أن يتغلَّب على العملاء. إيلي ف. حبيب في "درب الياسمين" ("المنار") أمام تجربة جديدة بالنسبة إليه ومألوفة بالنسبة الى المُشاهد. عرضٌ وسردٌ وشحذ عزائم. "ألف ليلة وليلة" ("أم تي في"، "أم بي سي") على غير نسق: صورةٌ مشغولة لكنّها غير مقنعة، ونصٌّ مستهلك ممل. حاول المخرج رؤوف عبد العزيز إحداث نقلة، فأتى العمل برمّته غير قابلٍ للمُشاهدة الممتعة. لا تصنع المبالغة جماليات ولا تضمن الأساطير الانتشار. فضَّل مغرّدو "تويتر" التهكّم على "أخطاء تاريخية" قالوا إنّ "حارة اليهود" ("دبي") طَفَح بها، مقدّمين أمثلة أبسطها أنّ ريهام عبد الغفور رقصت على أغنية "يا مسافر وحدك" في العام 1949، فيما غنّتها ليلى مراد العام 1950. تسالٍ هو "تويتر" وفسحة "رقابة" وتأثير. مزاجيٌّ يشبه الجماهير في التهليل والتحطيم والنقد المتسرّع المتناسِخ.
المصدر: "النهار"
فاطمة عبدالله