تقرير: دمج الأشخاص المعوقين في التعليم.. معاهدات دولية لم تسعفها القوانين الأردنية
أعدت التقرير: هبة أبو طه -
معاهدات دولية، وقعتها المملكة، لكنها لم تعكسها على شكل قوانين "فعَالة"، ما أفقدها مغزاها وجوهرها، وأوقف قدرتها على دمج الأشخاص المعاقين في التعليم النظامي، ليضيف معاناة "رسمية"، إلى معاناتهم الواسعة أساسا من نظرة المجتمع لهم.
وتعرف المادة الثانية من قانون حقوق الاشخاص المعوقين في الأردن، المعوق بأنه: "كل شخص مصاب بقصور كلي أو جزئي بشكل مستقر في أي من حواسه أو قدراته الجسمية أو النفسية أو العقلية إلى المدى الذي يحد من امكانية التعلم أو التأهيل أو العمل بحيث لا يستطيع تلبية متطلبات حياته العادية في ظروف أمثاله من غير المعوقين".
وبحسب دائرة الإحصاءات العامة لعام 2004، يبلغ عدد ذوي الاعاقة في المملكة 62.986 ما يشكل نسبة 1.23% بيمنا، تبيّن ورقة معدّة من قبل مركز هوية ان نسبة ذوي الاعاقة تشكل 13% من عدد السكان، وذلك وفقاً لتقديرات المجلس الأعلى لشؤون الاشخاص ذوي الاعاقة ومنظمات المجتمع المدني.
انتهاك نفسي
تسرد والدة علي لـJo24 ما مرّت به من شقاء، وتقول: "حاولت مرارا تعويض النقص الذي يشعر به ولدي بسبب اعاقة اصابت قدماه منذ الولادة، نجحت في بعض محاولاتي حتى واجهت عائق تسجيله في المدرسة، التي لا تزال ترفض دمجه مع أقرانه في الحصص الدراسية، فتقوم بفصل علي وآخرين من ذوي الاعاقة، ولا يلتقون مع اقرانهم سوى في الاستراحة ووقت الذهاب والاياب من المدرسة".
وتضيف: "ما يمر به علي من حرمان لدمجه مع اقرانه، والبيئة المدرسية غير المؤهلة لذوي الاعاقة من ناحية المرافق الصحية، والسلالم وطريقة تلقينه للمعلومات، أمور تؤثر على نفسيته، وتضاعف شعور النقص الذي يعتريه منذ ان جاء إلى هذه الدنيا".
وطالبت أم علي وزارة التربية و التعليم باتخاذ "إجراءات جادّة لتحقيق الدمج الحقيقي بين ذوي الاعاقة وأقرانهم في المدارس، للنهوض بهذه الفئة". وأكدت أيضا على ضرورة الالتفات الى إبداعات ذوي الاعاقة و استخراج المواهب الكامنة داخلهم.
بدورها، تعتبر رئيس جمعية "أنا إنسان"، آسيا ياغي، عدم تحقيق الدمج "استمرارا لعزل ذوي الإعاقة قد يؤثر على نفسية المعاق وحياته بكافة جوانبها، في وقت يجب النظر إلى المعاق على أنه إنسان متساو بالحقوق والواجبات مع بقية أقرانه".
وكذلك، يؤكد الأمين العام الأسبق لوزارة التربية و التعليم د.فواز جرادات، لـJo24 أن وجود ذوي الإعاقة مع الطلاب الآخرين "أمر يشعرهم بالرضا، ويحقق لهم الراحة النفسية، في مجتمعهم المدرسي، ويساعدهم على التكيف بسرعه وقبول إعاقتهم".
اجراءت دون تطبيق فعٌال
الدمج بحسب قانون حقوق الأشخاص المعوقين يعني: "التدابير والبرامج والخطط والسياسات، التي تهدف إلى تحقيق المشاركة الكاملة للشخص المعوق في شتى مناحي الحياة دون أي شكل من أشكال التمييز وعلى قدم المساواة مع الآخرين".
كما أكدت الفقرة (ب) من المادة 24 لاتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، التي صادق عليها الأردن، "على ضرورة تمكين الأشخاص ذوي الإعاقة من الحصول على التعليم المجاني الابتدائي والثانوي، الجيد والجامع، على قدم المساواة مع الآخرين في المجتمعات التي يعيشون فيها".
وقال العين د. مهند العزة في حديث لـJo24 إنه "لا يوجد إجراءات جادة" لتطبيق الدمج، معتبرا أن "هناك مبادرات فقط، حيث أن الإجراء يجب أن يستند إلى خطة وسياسة، أما نحن فلا يوجد لدينا خطة وطنية شاملة لدمج الاشخاص ذوي الإعاقة لذلك لا توجد إجراءات للدمج، بل هناك تمييز وشبه مقاومة من بعض العاملين في قطاع التربية والتعليم (...) لنقص خبرات البعض وقناعتهم الداخلية بعدم إمكانية ذلك".
ويرجع العزة الأمر برمته إلى "خلل يعود لتصور نمطي ينظر للمعاق بشكل شديد التمييز، يعتقد من خلاله ان قدرات ذوي الاعاقة، الذهنية والعقلية، محدودة، مما يخيل لهم وجود صعوبة في تحقيق الدمج".
وتتفق ياغي مع العزة. وتقول "الإجراءات موجودة لكن غير معمول فيها، وإن وجدت مدارس مهيئة للدمج نقابل نقص في المعرفة الكافية لأهل المعاقين عنها".
وفي الوقت ذاته، يقول جرادات "تسعى الوزارة منذ سنوات عديدة لتطبيق تجربة الدمج وإعداد المعلمين وتدريبهم بشكل كاف، كما أن هناك دمج كلي لذوي الإعاقة الذين يتم عزلهم في بعض الحصص لتلقينهم بأساليب تتناسب مع نوع الإعاقة ويعيشون مع الطلاب الآخرين في وقت الإستراحه".
المعلم عائق والوزارة مقصرة
وفقا لورقة أعدها مركز هوية للدراسات حول التعليم الدامج للأشخاص ذوي الإعاقة فإنّ هناك بعض من المعلمين يعاملون الطلاب من ذوي الاعاقة بطريقة سيئة كاطلاق ألقاب غير مرغوبة عليهم، او ابقاء مسافة فيما بينهم ، او اهمالهم بالكامل".
واعتبرت ياغي أن بعض المدرسين "يشكلون مشكلة كبيرة وعائق في تحقيق الدمج، حيث يعتبرون ذوي الإعاقة عبئا عليهم".
وتحمل ياغي مسؤولية التقصير في الدمج لكل من الحكومة والأشخاص ذوي الإعاقة وأسرهم والمجتمع بشكل تكاملي. وتقول: "أضعهم جميعا على سطر واحد في تحمل المسؤولية؛ فعلى وزارة التربية والتعليم العمل على رفع كفاءة معلميها، وتخصيص جزء من ميزانيتها السنوية لتغيير المناهج وإنشاء مرافق تناسب ذوي الإعاقة، وعلى الأسرة الاهتمام بتعليم أطفالهم ليتمكنوا من الاعتماد على ذواتهم بعد زمن".
وتطالب ياغي "صناع القرار بالإصغاء لمنظمات المجتمع المدني، ولهموم الأشخاص ذوي الإعاقة وتنفيذ القوانين".
وبدوره طالب العزة وزارة التربية والتعليم بقبول القوانين وتغيير نظرتها للتعليم الدامج، و"التحول عن الأسلوب القاسي في تعليم ذوي الإعاقة، وتأمين بيئة قادرة على الدمج واستيعاب الآخر لنصل للتعليم الدامج".
وحاول موقع Jo24 الحصول على رد من وزارة التربية والتعليم على هذا الموضوع، لكن من دون جدوى.
معاهدات وقوانين غير منفذة
كفل البند الثالث من المادة السادسة للدستور الأردني: "العمل والتعليم ضمن حدود امكانياتها وتكفل الطمأنينة وتكافؤ الفرص لجميع الأردنيين".
ونصت الفقرتان "أ" و"ب" من المادة الثالثة لاتفاقية مكافحة التمييز في مجال التعليم على :" أن تلغي أية أحكام تشريعية أو تعليمات إدارية وتوقف العمل بأية إجراءات إدارية تنطوي علي تمييز في التعليم،وأن تضمن بالتشريع عند الضرورة، عدم وجود أي تمييز في قبول التلاميذ بالمؤسسات التعليمية".
وحظرت الفقرة الثانية من المادة 24 في اتفاقية حقوق الاشخاص ذوي الاعاقة "استبعاد الأشخاص ذوي الإعاقة من النظام التعليمي العام على أساس الإعاقة، و استبعاد الأطفال ذوي الإعاقة من التعليم الابتدائي أو الثانوي المجاني والإلزامي على أساس الإعاقة".
..
.