بالفيديو - حين تحاكم الدولة تنورة!
المكان مدينة إنزكان جنوب المغرب، الزمان حزيران الماضي قبل يوم من بداية شهر رمضان، "الجريمة" ارتداء تنورة، المذنب فتاتان في العشرينات من عمريهما.
قسمت القضية الجدلية المجتمع المغربي بين مؤيّد ومعارض، وأشعلت المظاهرات بعد ان أصبحت قضية رأي عام. لم تعلم الفتاتان انهما تخلّان بالحياء العام وترتكبان جرماً ستحاسبان عليه من المتشدّدين قبل القضاء، لكن "القانون" لا يحمي المقصرين في الاطلاع عليه، فهو ينصّ في الفصل 483 على أن "من ارتكب إخلالاً علنياً بالحياء، وذلك بالعري المتعمد أو بالبذاءة في الإشارات أو الأفعال، يعاقب بالحبس من شهر إلى سنتين، وبغرامة من مئة وعشرين درهماً (ما يعادل 14 دولاراً) إلى خمسمائة درهم (ما يعادل 50 دولاراً)"، واستناداً الى هذه المادة سيصدر الحكم بحقّهما.
يرى البعض أن العالم العربي يغرق بدماء أبنائه بعد أن تهشمت حدوده، والمغرب منشغل في قضية "سخيفة"، لكن الأمر أبعد من قطعة قماش بحسب المؤيّدين لإثارة القضية اذ يتعلّق بحرّيات مواطنين لم يعتادوا التضييق عليهم في ملابسهم، لا بل حتى في حرية صيامهم خلال شهر رمضان، بعد ان أوقف شبان جاهروا بإفطارهم، اذ بات المغاربة يتفاجأون انهم يرتكبون جرماً من دون أن يدروا، تماماً كما حصل مع الفتاتين اللتين تعملان في مجال تصفيف الشعر، فقد كانتا تمرّان في أحد الأسواق الشعبية وهما في طريقهما الى العمل، حين تحرّش بهما بعض الرجال، ما اضطرّهما الى الاختباء في أحد المحال التجارية، ليتجمهر التجار على الباب ويرشقونهما بالحجارة، بحجة أنهما تلبسان لباساً عارياً، وقد تم بعد ذلك استدعاء الشرطة التي اعتقلتهما قبل ان يتم اطلاقهما في اليوم التالي على ان يحاكما في وقت لاحق.
بركان الحرّيات
أثارت القضية بركان الحرّيات الذي قذف حممه رافضاً التضييق على المواطنين، كيف ذلك ولم يعتد "بلد السياحة والانفتاح" على هذا التشدّد.
يقول عبد الحميد أمين، الرئيس السابق للجمعية المغربية لحقوق الانسان، لـ"النهار": "نحن ندافع عن حقوق الانسان في كلّيتها، ونعتبر أن الحقّ في اللباس يجب ان يكون مضمونًا للجميع، اي ان يكون للجميع الحق في ان يرتدي تنورة او سروالاً او ان يضع على رأسه حجاباً...". ويضيف: " ما حصل عداونًا من اشخاص لهم تأويل داعشي للاسلام على فتاتين كانتا ترتديان تنورتين تم شراؤهما من السوق، وسبق ان لبس مثلهما عدد من الفتيات".
تحرّكات مدنية - فايسبوكية
تحرّك المجتمع المدني، وكذلك مواقع التواصل الاجتماعي التي استنكرت ما يحصل، في حين أطلق ناشطون عريضة إلكترونيَة على موقع Avaaz لجمع التواقيع المؤيدة لحرية اللباس؛ كما اطلقت ناشطات صفحة على" فايسبوك" تحت عنوان "ارتداء التنورة ليس جريمة"، ونشرن عبرها صورهن وهن يرتدين التنورة، إضافة إلى صور تعود إلى ستينيات وسبعينيات القرن الماضي لفتيات يرتدين فيها تنورة؛ كما اطلق هاشتاغ بالعنوان نفسه للتضامن مع الفتاتَين واستنكار محاكمتهما. هذه التحركات اعتبرها الصحافي في جريدة "الوطن الآن" منير الكتاوي سببا "للضجة" التي رافقت تلك القضية، وتساءل في حديث لـ"النهار": "لماذا أعطى شعب الفايسبوك هذه القضية كل هذه الاهمية، الأكيد أن قضايا اخرى سبقتها من قبيل منع محجّبات من دخول بعض المدارس الكبرى، ومنع شركات ومؤسسات من توظيف المحجبات، لماذا لم تُثَرْ بهذا الشكل؟"، مضيفاً "إن متابعة الفتاتين من قبل الشبان ومحاولة تغيير المنكر باليد أمران مدانان، كما ان توقيف الفتاتين من قبل الشرطة تعسفي، اذ في هذه الحالة يجب توقيف كل الفتيات اللواتي يرتدين لباس البحر على سبيل المثال".
تزوير ومسؤولية
أحزاب الغالبية الحكومية اتهمت المعارضة باستغلال القضية لإثارة الرأي العام، في حين اعتبرت أحزاب المعارضة ما حصل اعتداءً على الحريات وخطوة نحو نشر التعصب. وعلى الرغم من أن الأمن المغربي اعلن اعتقال شابين أحدهما قاصر بعد انتقادات واسعة للسلطات بتوقيف الفتاتين بدلاً من الذين تحرشوا بهما، حيث تمّ توجيه تهمة التحرش والاعتداء وشتم الفتاتين لهما، الا ان أمين لفت الى ان جمعية المدافعة عن حقوق الانسان حملت الدولة المسؤولية "كونها لم تقم بواجبها في اعتقال الاشخاص الذين ضايقوا الفتاتين؛ كما أن الشرطة القضائية ارتكبت خطأ فظيعًا بتزوير محاضر لا تعترف بها الفتاتان". واعتبر امين ان "الدولة مسؤولة في اطار الدستور الجديد لعام 2011 والذي لا يضمن حرية العقيدة واحترام الحريات الفردية. والدولة المغربية تخلط بين الدين والسياسة، ومن النتائج غض الطرف عن التجاوزات التي تطال الحريات الفردية، وعدم التحرك في هذا المجال الا عندما يكون هناك ضغط من قبل القوى الديمقراطية".
الطريق نحو البراءة
وكانت رئيسة "فيدرالية الرابطة الديمقراطية لحقوق المرأة" فوزية عسولي قد صرّحت بعد جلسة السادس من تموز أن "نحو 500 محام سجلوا أسماءهم للترافع عن الفتاتين، لكن 200 منهم حضروا الجلسة بسبب ضيق القاعة وتحدثوا عن جميع الخروق الشكلية التي شابت الملف، وقد وافقتهم النيابة العامة على تلك الخروق، ما يعني أن الأمور تتّجه لتبرئتهما".
وحضر المحاكمة العشرات من النشطاء والجمعيات الحقوقية إلى جانب المحامين الذين قدّم 18 منهم مرافعات في الشكل أو في المضمون.
ويطالب امين ضرورة إلغاء الدعوى في حق الفتاتين، فـ"نحن لا نقول بتبرئتهما كونهما بريئتين بل بإلغاء الدعوى ضدهما"، في حين يعتبر الكتماوي ان "الامور سائرة في اتجاه إما البراءة التامة وإما إلغاء الدعوى، نظرًا للضغط الذي تم من طرف القوى الديمقراطية والليبرالية، ومن المتوقع ان يكون هناك إسقاط للمتابعة، فلأوّل مرة تتضامن النيابة العامة مع الدفاع، وهذه سابقة، فحتى وزير العدل ورئيس الحكومة طالبا بإطلاق سراحهما، وهذا امر يمسّ استقلال القضاء، تماما كما المظاهرات التي تحدّثت عن تعسف بمحاكمة الفتاتين".
"الدولة المغربية تحاكم تنورة"، عنوان قصيدة أطلقها الشاعر حسن مرصو، لكن يخشى ان تكون عنواناً لمرحلة تشدّد تُطلّ برأسها على بلد يتمتع باستقرار مقارنة مع ما تعيشه دول عربية كثيرة، واذا كان "داعش" وأخواته لم يتمكنوا حتى الآن من عبور حدود المغرب بجيشهم، فان التصدي للفكر "الداعشي" واجب لا مفر منه.
المصدر: "النهار"