"كابوسٌ" لا يُحتَمل: حفل الشواء هذا كيف سينتهي؟
جو 24 : قبل العينين، على المُشاهد أن يمتلك أعصاباً تتحمّل قسوة "الكابوس" المعروض عبر "أل بي سي آي"، "سي بي سي" و"أبو ظبي". الأعصاب أولاً، ثم الحواس المتوافِرة، فالمسلسل لعشّاق العذاب الطويل وشقاء الليالي. لماذا يُشاهَد على رغم السوداوية والغَم والنَفَس المُختنِق؟ لأنّ خلف النصّ الجيّد (كتابة هالة الزغندي) والإخراج المُتماسِك (إسلام خيري)، امرأة من فولاذ. غادة عبد الرازق في دور مشيرة شخصيةٌ جحيمية. يطفح المسلسل بالكآبة والمصير الأسود، مُفترضاً أنّ لنا قدمَيْن نسير بهما إلى حفلٍ شواء الموتى المستمر ثلاثين ليلة.
المشهد الأول: سكين ودم نازف من قطعة لحم مذبوح، والقصد: الصدمة واستفزاز المُشاهد لدعوته إلى لعبة كِباش: إلى أيّ حدّ يستطيع أن يصمد، وماذا عن أنفاسِه وقدراته؟ المسلسل عالي النبرة منذ اللحظة الأولى، مشهديته معتِمة كلون المصائب، وروحيته تطوف فوق الأشلاء. تُمسكه غادة عبد الرازق من ألفه إلى يائه. يُبيِّن المسلسل قدرة الحياة على الاقتصاص من المرء ساعة تُقرر أن العقاب حان. لم تعد الكوابيس انفعالاتٍ ليلية مُرهِقة تحول دون العيش الطبيعي. باتت إشارات تُنذر بالأسوأ. المسلسل إشاراتٌ وانفعالات، الماضي الميت والحاضر المُقبل على موته. كما فقدت مشيرة زوجها في السابق، فقدت لاحقاً ولدها في إطار استرجاع مأسوي لتاريخٍ يعيد نفسه. يُقتَل فارس (كريم قاسم) وتُلفّ جثّته في سجّادة، لنرافق الوالدة على درب الجلجلة. عبد الرازق تتقن شخصية الأم المسحوقة بموت ابنها. صاحبة الوجه الذي خسر ضحكاته، تدرك كيف تعود بدور لا يشبه الماضي، وكيف تبدّل جلدها مع كلّ شخصية. "حكاية حياة" (رمضان 2013) و"السيدة الأولى" (رمضان 2014) عملان لجماهير الأدوار العادية. "الكابوس" لجمهورٍ مختلف يؤمن بأنّ عبد الرازق بارعة بأريستوقراطيتها وشوارعيتها، بطموحها ويأسها، وبالأنانية والعطاء. وبارعة أيضاً بتحدّي الظهور مُحجّبةً من دون مكياج وبالأسود القاتم.
المسلسل ليس جريمة قتل الابن وفجيعة الأمّ. وليس التحقيق الذي يطول ولا يتوصّل للجاني. تحضر من عمق الأحزان عِبرةٌ تقول إنّ الإنسان يحصد ما يزرع. كبَّرت مشيرة في رأس ابنها أنّه الرجل الذي لا يهزمه ظرفٌ ولا يُحبط عزيمته وضعٌ طارئ. نشأ على أنّ الذَكَر يحصل على مبتغاه، أما الأثنى فتنتظر. شخصيةٌ تختزل مجتمع المعايير المزدوجة والقناع الخفي. في جرح الليل، وجوهٌ أبكاها الظُلم، فإذا بالظلمة تتستّر على الدمع. مشيرة وجهٌ باكٍ، لا جرّاء الفَقْد فحسب، بل لما اقترفته اليد المذنبة في حق نفسها. عملها في مصنع لإعادة تدوير النفايات، وتعاقُب هزائمها على بابه، استعارتان مؤلمتان لواقعية أنّ العُمر لم يُنتج سوى الخسائر. هنا كابوس إعادة إنتاج شارعٍ لا يُربّي أبناءً هم مجرمون أو ضحايا. تُستَهلك جرائم القتل في المسلسلات حدّ التسبُّب بالنفور ورفض كلّ ما هو درامي. لغزٌ ما يجعل متابعة "الكابوس" ممكنة رغم الثقل. نواحٌ، مَشاهد مؤبلسة، قطط ميتة، وأمّ لا ندري مَن قتل ابنها، فهل تكون هي نفسها القاتلة في لحظة هذيانٍ لا واعٍ؟
يحمل شغف المغامرة غادة عبد الرازق إلى دورٍ نافر يزيد إحباط المُشاهد. لا يبلغ المسلسل ذروته بوقوع الجريمة أو بلحظة القبض على القاتل. الذروة في كلّ مشهد يظهر فيه الدافع من القتل وتلوح "مبرراته". عملٌ يراقب المُشاهد وهو يتصبّب عرقاً ولا يُبدي استعداداً للرأفة بحاله. سنحتمل كلّ انفعالات عبد الرازق، ونرجو لها الصبر على المصاب والقدرة على البقاء. إلا السذاجة يا أصدقائي. سذاجة أن يكون المسلسل برمّته كابوساً تستيقظ البطلة في نهايته خائفة. ثم تسأل خادمتها إعداد القهوة لتهدّئ روعها وتعود إلى الواقع.
المشهد الأول: سكين ودم نازف من قطعة لحم مذبوح، والقصد: الصدمة واستفزاز المُشاهد لدعوته إلى لعبة كِباش: إلى أيّ حدّ يستطيع أن يصمد، وماذا عن أنفاسِه وقدراته؟ المسلسل عالي النبرة منذ اللحظة الأولى، مشهديته معتِمة كلون المصائب، وروحيته تطوف فوق الأشلاء. تُمسكه غادة عبد الرازق من ألفه إلى يائه. يُبيِّن المسلسل قدرة الحياة على الاقتصاص من المرء ساعة تُقرر أن العقاب حان. لم تعد الكوابيس انفعالاتٍ ليلية مُرهِقة تحول دون العيش الطبيعي. باتت إشارات تُنذر بالأسوأ. المسلسل إشاراتٌ وانفعالات، الماضي الميت والحاضر المُقبل على موته. كما فقدت مشيرة زوجها في السابق، فقدت لاحقاً ولدها في إطار استرجاع مأسوي لتاريخٍ يعيد نفسه. يُقتَل فارس (كريم قاسم) وتُلفّ جثّته في سجّادة، لنرافق الوالدة على درب الجلجلة. عبد الرازق تتقن شخصية الأم المسحوقة بموت ابنها. صاحبة الوجه الذي خسر ضحكاته، تدرك كيف تعود بدور لا يشبه الماضي، وكيف تبدّل جلدها مع كلّ شخصية. "حكاية حياة" (رمضان 2013) و"السيدة الأولى" (رمضان 2014) عملان لجماهير الأدوار العادية. "الكابوس" لجمهورٍ مختلف يؤمن بأنّ عبد الرازق بارعة بأريستوقراطيتها وشوارعيتها، بطموحها ويأسها، وبالأنانية والعطاء. وبارعة أيضاً بتحدّي الظهور مُحجّبةً من دون مكياج وبالأسود القاتم.
المسلسل ليس جريمة قتل الابن وفجيعة الأمّ. وليس التحقيق الذي يطول ولا يتوصّل للجاني. تحضر من عمق الأحزان عِبرةٌ تقول إنّ الإنسان يحصد ما يزرع. كبَّرت مشيرة في رأس ابنها أنّه الرجل الذي لا يهزمه ظرفٌ ولا يُحبط عزيمته وضعٌ طارئ. نشأ على أنّ الذَكَر يحصل على مبتغاه، أما الأثنى فتنتظر. شخصيةٌ تختزل مجتمع المعايير المزدوجة والقناع الخفي. في جرح الليل، وجوهٌ أبكاها الظُلم، فإذا بالظلمة تتستّر على الدمع. مشيرة وجهٌ باكٍ، لا جرّاء الفَقْد فحسب، بل لما اقترفته اليد المذنبة في حق نفسها. عملها في مصنع لإعادة تدوير النفايات، وتعاقُب هزائمها على بابه، استعارتان مؤلمتان لواقعية أنّ العُمر لم يُنتج سوى الخسائر. هنا كابوس إعادة إنتاج شارعٍ لا يُربّي أبناءً هم مجرمون أو ضحايا. تُستَهلك جرائم القتل في المسلسلات حدّ التسبُّب بالنفور ورفض كلّ ما هو درامي. لغزٌ ما يجعل متابعة "الكابوس" ممكنة رغم الثقل. نواحٌ، مَشاهد مؤبلسة، قطط ميتة، وأمّ لا ندري مَن قتل ابنها، فهل تكون هي نفسها القاتلة في لحظة هذيانٍ لا واعٍ؟
يحمل شغف المغامرة غادة عبد الرازق إلى دورٍ نافر يزيد إحباط المُشاهد. لا يبلغ المسلسل ذروته بوقوع الجريمة أو بلحظة القبض على القاتل. الذروة في كلّ مشهد يظهر فيه الدافع من القتل وتلوح "مبرراته". عملٌ يراقب المُشاهد وهو يتصبّب عرقاً ولا يُبدي استعداداً للرأفة بحاله. سنحتمل كلّ انفعالات عبد الرازق، ونرجو لها الصبر على المصاب والقدرة على البقاء. إلا السذاجة يا أصدقائي. سذاجة أن يكون المسلسل برمّته كابوساً تستيقظ البطلة في نهايته خائفة. ثم تسأل خادمتها إعداد القهوة لتهدّئ روعها وتعود إلى الواقع.