عادل إمام يحاكم ثورة يناير
جو 24 : "أنا إللي يحكمني أصفق له وأدعيلو" عبارة شهيرة قالها عادل إمام بمسرحية "الزعيم" تعبر جليا عن شخصية الرجل الذي يوصف بأنه "فنان النظام". فمدح المخلوع مبارك، ووصف المعزول مرسي بـ "المثقف" والسيسي بـ "البطل".وحيدا يغرد الممثل المصري عادل إمام في فضاء المسلسلات السياسية التي تروي -من وجهة نظر كاتبه- الفترة التي سبقت 25 يناير وفترة الثورة وبعدها، وانتخاب الرئيس محمد مرسي وعزله.
يتخلى إمام عن شخصية "الدونجوان" الذي يعشق النساء ليتقمص في مسلسل "أستاذ ورئيس قسم" شخصية "فوزي جمعة" أستاذ الجامعة المناضل ضد الفساد والاستبداد والذي أمضى عمره داخل السجون والمعتقلات بسبب مواجهته للأنظمة الدكتاتورية (طبعا دون الإشارة إلى خلفيتهم العسكرية) ودعمه الدائم للعمال والفلاحين الكادحين والطلبة.
مواجهة "فوزي جمعة" لهذه الأنظمة تقف عند حدود رئيس الوزراء الذي يُحمله المسلسل كافة الموبقات والسرقات والسمسرات مع رجال أعمال وشخصيات متنفذة في المجتمع، أما الحديث عن الرئيس المخلوع حسني مبارك فيغيب حتى ولو على استحياء.
المسلسل يقدم فوزي جمعة كنموذج لليساري غير المتدين الذي يقصد النوادي الليلية ليشرب الخمر ويلتقي بالنساء، وحتى ابنه الشرعي جاء من علاقة محرمة.
وقبل الثورة يُعتقل "فوزي جمعة" ويفرج عنه بضغط من الثورة، ليتحول البطل السبعيني إلى "أيقونة الثورة الشبابية". واللافت كان غياب البطولة والتضحية والصمود للمشاهد التي تطرقت لثورة يناير، وحل بدلا عنها مشهد اعتقال "الإسلاميين" لرجل أمن متقاعد وجلبه لمركزهم وقتله تحت التعذيب.
مهاجمة الثوار
ويُجْهز المسلسل على الثورة عبر التّركيز على عنف الثوار الجسدي، والبلطجة، وانتشار السرقة والخوف بسبب غياب السلطة، وتخوف كبار السن منها ولوم الشباب على القيام بها.
وبعد الهجوم على الثورة ورمزيتها، كان لا بد من انتقاد من قام بها، فالثوار في المسلسل، وتحديدا الشباب من يساريين وإسلاميين، انقسموا بين خائن للثورة ومتخل عنها بحثا عن مناصب، وبين من يريد الاستمرار بالشارع دون أفق أو مطالب محددة.
ويصور المسلسل الثوار غير ناضجين ومؤهلين لقيادة ثورة ضاعت بسبب هوياتهم المتناقضة، فبعدما كان هؤلاء يتسكعون ويهيمون على وجوههم، جاءت الثورة لتضعهم في عمل وطني ينفعون فيه بلدهم وبعد وصول التيار الديني للحكم التحقوا به ودعموه.
ويُظهر الشباب أنهم يتزوجون دون قناعة وفقط بسبب توافق رؤاهم السياسية، وبطبيعة الحال عند أول إشكال سينفصلون وبعد الانفصال تحول بعضهم إلى "التشدد الديني" وتقديم نصائح لذويهم لممارسة الدين بالطريقة الصحيحة.
المتابع للمسلسل في حلقاته الأولى يلاحظ أن هدفه ضرب التيار الإسلامي الذي يظهر في أولى الحلقات أنه "مولع بالتسويات من تحت الطاولة مع النظام" وأن أنصاره "ركبوا ثورة يناير" ويصورهم أنهم مجموعة من الفاسدين والانتهازين المتاجرين بالدين، والرافضين للآخر، والمكروهين من الشارع المصري الذي انتخب مرسي فقط للهروب من منافسه أحمد شفيق.
السلفيون واليساريون
وخلال حكم مرسي عاشت مصر -وفق المسلسل- على صفيح ساخن ولم تتقدم البلاد خطوة واحدة بل على العكس تعاون الإخوان مع الحزب الوطني المنحل وعين أحد داعمي نظام مبارك بالمسلسل (د. نافع) محافظا للشرقية (مسقط رأس مرسي) في إشارة لتعيين فاسد على رأس محافظة الرئيس.
أما السلفيون فكان ذكرهم هامشيا عبر تقديمهم بأنهم "متشددون دينيا" وذلك كان واضحا في حفل العرس الذي أقامه أحد المشايخ السلفيين لابنه والذي سخر منه إمام بخفة دم ذكية.
ولكي تكتمل الصورة، كان لا بد من تقديم الأقباط كضحية للثورة دون ذكر أنهم شاركوا فيها، حيث تم التركيز على هجوم استهدف إحدى الكنائس و"بلطجة" جيرانهم المسلمين بحقهم، الأمر الذي دفع هذه "الفئة المغلوبة" على أمرها والمتمسكة ببلادها، للهجرة والسبب طبعا "وصول مرسي للرئاسة".
وحتى أهل اليسار الذين ينتمي إليهم بطل المسلسل، لم يسلموا من الهجوم، فقدموا على أنهم يعيشون في "نظرية المؤامرة" الدائمة يرددون الشعارات دون فهمها، والشخصية الرئيسية التي تمثّل هذا التيار في المسلسل كانت تؤجر مبنى الحزب للمناسبات وباعت "فوزي جمعة" وبلغت عنه الشرطة.
في آخر الحلقات، يحاول المسلسل التركيز على حركة "تمرد" التي طالبت برحيل مرسي، ويكرسها المسلسل كمعبرة عن رغبات الناس وأحلامهم وطموحاتهم، دون إخضاعها لأدنى تقييم نقدي أو الحديث عن نشأتها ودعم الإعلام لها.
العسكر الفائز
المسلسل لم يكتف بـ"تشريح" ثورة يناير بل تجاوزها للثورة السورية بمشهد استضاف فيه نخبا سورية شاركت بالثورة، ثم هربت من جحيم الحرب الأهلية في بلادها بعدما "كفرت بالثورة وبمبادئها" وتحول بعضها من أستاذ بجامعة دمشق إلى "نادل" بأحد مطاعم القاهرة" في إشارة إلى أن الثورات هي سبب "الخراب والدمار". وكان لافتا حديث أحد الإسلاميين المقربين من السلطة "أنه والأخوة ذاهبون للجهاد في سوريا" في إشارة إلى أن مرسي والجماعة تورطوا في الحرب السورية.
ويقدم المسلسل المواطن المصري المفضل للسلطة، فهو الذي لم يشارك في الثورة ويلتزم منزله والمحب للحياة والذي يتناول الحشيش الذي حسب رأي أحد الممثلين أن "تشديد الحصار عليه هو سبب ثورة يناير".
الرابح الأكبر في هذا العمل الفني كان العسكر الذي لم يؤت على ذكره لا من قريب ولا من بعيد، ولم يتطرق مثلا إلى حقبة المجلس العسكري ولم يظهر الجندي إلا بطلا يقدم روحه للدفاع عن الوطن ضد "الإرهابيين" في الكمين المعروف والذي وقع في عهد مرسي عام 2013.
ويبدو من سياق المسلسل، وتاريخ إمام، أنه سينتهي على تمجيد مظاهرات 30 يونيو واعتبارها "الثورة التي أنقذت مصر بفضل القائد الهمام السيسي".
المصدر : الجزيرة
يتخلى إمام عن شخصية "الدونجوان" الذي يعشق النساء ليتقمص في مسلسل "أستاذ ورئيس قسم" شخصية "فوزي جمعة" أستاذ الجامعة المناضل ضد الفساد والاستبداد والذي أمضى عمره داخل السجون والمعتقلات بسبب مواجهته للأنظمة الدكتاتورية (طبعا دون الإشارة إلى خلفيتهم العسكرية) ودعمه الدائم للعمال والفلاحين الكادحين والطلبة.
مواجهة "فوزي جمعة" لهذه الأنظمة تقف عند حدود رئيس الوزراء الذي يُحمله المسلسل كافة الموبقات والسرقات والسمسرات مع رجال أعمال وشخصيات متنفذة في المجتمع، أما الحديث عن الرئيس المخلوع حسني مبارك فيغيب حتى ولو على استحياء.
المسلسل يقدم فوزي جمعة كنموذج لليساري غير المتدين الذي يقصد النوادي الليلية ليشرب الخمر ويلتقي بالنساء، وحتى ابنه الشرعي جاء من علاقة محرمة.
وقبل الثورة يُعتقل "فوزي جمعة" ويفرج عنه بضغط من الثورة، ليتحول البطل السبعيني إلى "أيقونة الثورة الشبابية". واللافت كان غياب البطولة والتضحية والصمود للمشاهد التي تطرقت لثورة يناير، وحل بدلا عنها مشهد اعتقال "الإسلاميين" لرجل أمن متقاعد وجلبه لمركزهم وقتله تحت التعذيب.
مهاجمة الثوار
ويُجْهز المسلسل على الثورة عبر التّركيز على عنف الثوار الجسدي، والبلطجة، وانتشار السرقة والخوف بسبب غياب السلطة، وتخوف كبار السن منها ولوم الشباب على القيام بها.
وبعد الهجوم على الثورة ورمزيتها، كان لا بد من انتقاد من قام بها، فالثوار في المسلسل، وتحديدا الشباب من يساريين وإسلاميين، انقسموا بين خائن للثورة ومتخل عنها بحثا عن مناصب، وبين من يريد الاستمرار بالشارع دون أفق أو مطالب محددة.
ويصور المسلسل الثوار غير ناضجين ومؤهلين لقيادة ثورة ضاعت بسبب هوياتهم المتناقضة، فبعدما كان هؤلاء يتسكعون ويهيمون على وجوههم، جاءت الثورة لتضعهم في عمل وطني ينفعون فيه بلدهم وبعد وصول التيار الديني للحكم التحقوا به ودعموه.
ويُظهر الشباب أنهم يتزوجون دون قناعة وفقط بسبب توافق رؤاهم السياسية، وبطبيعة الحال عند أول إشكال سينفصلون وبعد الانفصال تحول بعضهم إلى "التشدد الديني" وتقديم نصائح لذويهم لممارسة الدين بالطريقة الصحيحة.
المتابع للمسلسل في حلقاته الأولى يلاحظ أن هدفه ضرب التيار الإسلامي الذي يظهر في أولى الحلقات أنه "مولع بالتسويات من تحت الطاولة مع النظام" وأن أنصاره "ركبوا ثورة يناير" ويصورهم أنهم مجموعة من الفاسدين والانتهازين المتاجرين بالدين، والرافضين للآخر، والمكروهين من الشارع المصري الذي انتخب مرسي فقط للهروب من منافسه أحمد شفيق.
السلفيون واليساريون
وخلال حكم مرسي عاشت مصر -وفق المسلسل- على صفيح ساخن ولم تتقدم البلاد خطوة واحدة بل على العكس تعاون الإخوان مع الحزب الوطني المنحل وعين أحد داعمي نظام مبارك بالمسلسل (د. نافع) محافظا للشرقية (مسقط رأس مرسي) في إشارة لتعيين فاسد على رأس محافظة الرئيس.
أما السلفيون فكان ذكرهم هامشيا عبر تقديمهم بأنهم "متشددون دينيا" وذلك كان واضحا في حفل العرس الذي أقامه أحد المشايخ السلفيين لابنه والذي سخر منه إمام بخفة دم ذكية.
ولكي تكتمل الصورة، كان لا بد من تقديم الأقباط كضحية للثورة دون ذكر أنهم شاركوا فيها، حيث تم التركيز على هجوم استهدف إحدى الكنائس و"بلطجة" جيرانهم المسلمين بحقهم، الأمر الذي دفع هذه "الفئة المغلوبة" على أمرها والمتمسكة ببلادها، للهجرة والسبب طبعا "وصول مرسي للرئاسة".
وحتى أهل اليسار الذين ينتمي إليهم بطل المسلسل، لم يسلموا من الهجوم، فقدموا على أنهم يعيشون في "نظرية المؤامرة" الدائمة يرددون الشعارات دون فهمها، والشخصية الرئيسية التي تمثّل هذا التيار في المسلسل كانت تؤجر مبنى الحزب للمناسبات وباعت "فوزي جمعة" وبلغت عنه الشرطة.
في آخر الحلقات، يحاول المسلسل التركيز على حركة "تمرد" التي طالبت برحيل مرسي، ويكرسها المسلسل كمعبرة عن رغبات الناس وأحلامهم وطموحاتهم، دون إخضاعها لأدنى تقييم نقدي أو الحديث عن نشأتها ودعم الإعلام لها.
العسكر الفائز
المسلسل لم يكتف بـ"تشريح" ثورة يناير بل تجاوزها للثورة السورية بمشهد استضاف فيه نخبا سورية شاركت بالثورة، ثم هربت من جحيم الحرب الأهلية في بلادها بعدما "كفرت بالثورة وبمبادئها" وتحول بعضها من أستاذ بجامعة دمشق إلى "نادل" بأحد مطاعم القاهرة" في إشارة إلى أن الثورات هي سبب "الخراب والدمار". وكان لافتا حديث أحد الإسلاميين المقربين من السلطة "أنه والأخوة ذاهبون للجهاد في سوريا" في إشارة إلى أن مرسي والجماعة تورطوا في الحرب السورية.
ويقدم المسلسل المواطن المصري المفضل للسلطة، فهو الذي لم يشارك في الثورة ويلتزم منزله والمحب للحياة والذي يتناول الحشيش الذي حسب رأي أحد الممثلين أن "تشديد الحصار عليه هو سبب ثورة يناير".
الرابح الأكبر في هذا العمل الفني كان العسكر الذي لم يؤت على ذكره لا من قريب ولا من بعيد، ولم يتطرق مثلا إلى حقبة المجلس العسكري ولم يظهر الجندي إلا بطلا يقدم روحه للدفاع عن الوطن ضد "الإرهابيين" في الكمين المعروف والذي وقع في عهد مرسي عام 2013.
ويبدو من سياق المسلسل، وتاريخ إمام، أنه سينتهي على تمجيد مظاهرات 30 يونيو واعتبارها "الثورة التي أنقذت مصر بفضل القائد الهمام السيسي".
المصدر : الجزيرة