ملاحظات "الأردنية لحقوق الإنسان" على "المطبوعات"
شارك وفد من الجمعية الأردنية لحقوق الإنسان، مكوّن من د. سليمان صويص، رئيس الجمعية، ود. رائد الجزازي، نائب الرئيس، في الاجتماع الذي دعت إليه لجنة التوجيه الوطني ظهر الاحد في مجلس النواب عدداً من المنظمات الأهلية ونقابة الصحفيين والمركز الوطني لحقوق الإنسان وخبراء في الاعلام لإبداء ملاحظاتهم ووجهات نظرهم في مشروع القانون المعدّل لقانون المطبوعات والنشر لعام 2012.
وقد كانت ملاحظات الجمعية على مشروع القانون المذكور على النحو التالي :
1) صدر القانون بصورة مفاجئة باغتت فيها الحكومة الرأي العام ووسائل الإعلام، خاصة الألكترونية ؛ كما أعطي صفة "الإستعجال" على الدورة الإستثنائية، وهذا غير مبرر. الأصل أن تمهّد الحكومة ـ إذا كانت تؤمن حقاً بالديمقراطية ـ عن توجهها لصياغة القانون ـ في دورة عادية ـ لكي يُثار نقاش عام حول الموضوع، وأن تتلقى الملاحظات والاقتراحات بشأنه من الخبراء والمعنيين، خصوصاً وأن عدد مستخدمي الانترنت في الأردن اصبح 5،3 ملايين عام 2012 وفقاً لأحدث الإحصائيات، بمعنى أن القانون يؤثر على قطاع واسع من الشعب وليس فقط على بضعة مئات من المواقع الألكترونية.
2) صدر مشروع القانون بدون أي تشاور مع الهيئات والمنظمات الأهلية المعنية، سواء نقابة الصحفيين أو جمعية الإعلام الألكتروني أو منظمات حقوق الإنسان، أو حتى المركز الوطني لحقوق الإنسان الذي هو مؤسسة للدولة معنية بالموضوع.
3) إن مشروع القانون لم يأخذ بعين الإعتبار ضرورة إحترام حرية التعبير والصحافة وحرية تداول المعلومات والأفكار، المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها الأردن، كالعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، على سبيل المثال لا الحصر. لقد اجازت تلك الاتفاقيات فرض قيود على حرية التعبير والصحافة في موضوعين إثنين فقط : الأمن الوطني والاخلاق العامة.
4) إن مشروع القانون لم يأخذ بعين الإعتبار أن الإعلام الألكتروني له خصوصية فريدة، وان ما ينطبق على وسائل الاعلام الأخرى من مرئية ومسموعة ومكتوبة لا ينطبق على الاعلام الألكتروني المرتبط تعاقدياً وفنياً بشبكة المعلومات العالمية (الأنترنت)، وبالتالي فإن العديد من البنود الواردة في مشروع القانون سوف يكون من الصعب تطبيقها في الواقع العملي، كما أن تطبيقها سيترتب عليه مخالفة الأردن لإتفاقيات دولية وإقليمية، وسيدخل الحكومة في متاهات لها أول وليس لها آخر.
5) مما يضاعف الشكوك حول الإسراع في إصدار مشروع القانون هذا أنه جاء في سياق حملة تضييق على وسائل الاعلام، كان ابرزها إغلاق قناة "جوسات" الفضائية الأردنية المستقلة، بدون أي سند قانوني.
6) إن قانون المطبوعات والنشر المراد تعديله هو نفسه يحتوي على عدد كبير من القيود المسماة ب "المحظورات"، وهي تمنع المواطنين ووسائل الاعلام من مناقشة العديد من المواضيع والقضايا التي لها مساس مباشر بحياتهم وبحياة وطنهم. يأتي مشروع القانون المعدّل ليضيف قيوداً جديدة بدلاً من التخلص من القيود القائمة. وعليه يبدو بأن الحكومة لم تسمع بشيء اسمه "إنتفاضات الشعوب العربية من أجل كرامتها وحريتها"، ولم يكن الشعب الأردني ببعيدٍ عن تلك الإنتفاضات طوال العامين الماضيين.
7) إن معظم التعديلات المقترحة هي ـ من وجهة نظرنا ـ لا مبرر لها ويمكن معالجة القضايا المرتبطة بها من خلال القوانين السارية المفعول، أو من خلال إنشاء مجلس ل "التوفيق الاعلامي" يتولى حلّ أية إشكالات ناجمة عن النشر بالوسائل الودية أو بالإعتذار أو بنشر وجهة النظر النقيضة ...
8) من المهم والضروري والمشروع ان يحافظ القانون على إحترام المعتقدات والأديان وحماية الأشخاص وكرامتهم من القدح والذمّ والتشهير ؛ لكن هذه كلها منصوص عليها في قانون العقوبات.
9) كذلك نتفهم جيداً بان هناك مواقع الكترونية تجارية أو مواقع تتعاطى الإعلانات، وأن هذه المواقع يجب أن تدفع الضرائب المستحقة على هذه الإعلانات، مثلها مثل أية مؤسسة تجارية أخرى، وأن يتم تدقيق حساباتها إلخ... لكن ذلك ـ مرة أخرى ـ يمكن أن يغطّى من خلال القوانين السارية، بإعتباره عملاً تجارياً مثل أي عمل تجاري آخر.
10) يريد مشروع القانون العودة إلى ترخيص وسائل الاعلام. إن الأنظمة الديمقراطية فعلاً قد انتهت منذ زمن طويل من مسألة الترخيص وأصبح تسجيل وسائل الإعلام يتم بالإعتماد على مبدأ العلم والخبر، كما هو الحال في المغرب ولبنان. إضافة إلى أن مطالبة الإعلام الالكتروني بالتسجيل والترخيص يتعارض مع التزامات الأردن بضمان حرية الأنترنت.
11) يتحدث مشروع القانون عن سلطة مدير المطبوعات حجب المواقع الالكترونية في المملكة إذا ارتكبت مخالفة قانونية (م5) دون النص على الحق بالطعن. إن من حق صاحب الموقع الالكتروني أن يطعن بقرار الحجب أمام القضاء المؤهّل للحكم بشأن المخالفة من عدمها وتحديد العقوبة. أما الأمر الثاني، فإنه من غير الممكن عملياً حجب أي موقع الكتروني. إن عالم الأنترنت واسع جداً بحيث لم تتمكن دولة مثل الصين من الحد من إنتشاره، كما ان دولة اخرى متمكنة تكنولوجياً ربما اكثر من الصين، وهي الولايات المتحدة، لم تفلح في منع نشر وثائقها السرية على موقع ويكيليكس !
12) يريد مشروع القانون أن يتحمل مدير الموقع الالكتروني مسئولية وتبعات التعليقات التي تنشر فيه وأن يحتفظ بسجل خاص بهذه التعليقات مع المعلومات المتعلقة بأسماء مرسليها (5/ه). وهذه كلها متطلبات مخالفة للمعايير المهنية، كما أنها لا يمكن أن تدور في ذهن مسئول يؤمن بأن حرية المواطن في الوصول إلى المعلومات والأفكار هي القاعدة وما عداها هو الاستثناء. إنها متطلبات تصدر عن ذهنية "أمنيّة" تعتقد أن بمقدورها السيطرة على عقول الناس ومعلوماتهم وأفكارهم وتوجيهها كما تريد في كل الأوقات، ذهنية فاتها أن ما كان بمقدورها تطبيقه في زمن مضى أصبح اليوم مستحيلاً في عصر تكنولوجيا المعلومات حيث التواصل الإعلامي لا يتم فقط عبر الموقع الالكتروني الإخباري بل وعبر مواقع التواصل الاجتماعي والمدوّنات والهاتف الخلوي والفضائيات، وهذه كلها لا تستطيع سلطة قمعية ـ مهما بلغ جبروتها ـ أن تسيطر عليها.
13) إن الغرامات المنصوص عليها مبالغ فيها جداً وواضح أن الهدف منها الحيلولة دون استمرار المواقع الالكترونية على قيد الحياة، وليس مجرد فرض عقوبات ما.
14) إن تطبيق مشروع القانون هذا سوف يدخل الحكومة الأردنية في مواجهات مع الاعلام الالكتروني الدولي، وسوف يؤدي إلى خروج عدد من الشركات الاجنبية والمحلية من السوق بسبب عواقب مراقبة الأنترنت. كما أنه يتعارض مع التزامات الأردن بموجب اتفاقيات دولية وإقليمية في هذا المجال.
تنظر الجمعية إلى تحويل الحكومة لمشروع القانون هذا إلى الدورة الاستثنائية الثانية معطية إياه الأسبقية على قوانين اكثر إلحاحاً ـ كقانون الضمان الاجتماعي ـ تنظر لذلك بقلق بالغ إزاء الأخطار التي تتهدد الحريات الإعلامية وحرية التعبير التي هي "أم الحريات". وإستناداً إلى الحيثيات المذكورة أعلاه، تطالب الجمعية لجنة التوجيه الوطني الموقّرة وأعضاء مجلسي النواب والأعيان المحترمين برد مشروع القانون المعدّل لقانون المطبوعات والنشر لعام 2012.