عقاب العجرمي.. ليلة انتحار العاشق !
جو 24 : سلام على روحه الطيبة..
وفي استذكاره استحضار لشاعر، ومثقف، وانسان، لم يعطِ حقه في التعريف، والتقديم، كما أنه آثر، بقرار منه، أن ينسحب منتحرا من الحياة. ولكن لرحيل وانتحار الشاعر عقاب العجرمي، موضوع هذا البوح، قصة، وحكاية، وتداعيات، تروى في الموروث الشعبي، وعلى ألسن أصدقائه، وبين أهله، وفي وجدان العامة، حيث تسجيلات قصائده البدوية، تسمع، ويتم تناقلها، بين محبيه، كما أن كتاباته التي حفظها من حوله ما زالت زينة التعاليل، تورد في الجلسات، كأنها تستحضر روحه.
وفاء للصديق
إذاً فمدار الحديث هنا، هو الشاعر عقاب العجرمي، الذي انتحر مبكرا، وخلّف وراءه إرثا من الشعر والقصائد والحكايات والاحاديث التي تشكل جزءا من التاريخ الشفوي لذاكرة مرتبطة بتراب الوطن، وثرى الأردن.
وكان موضوع هذه الإطلالة من خلال «بوح القرى»، يدور في ذهني منذ فترة طويلة، والسؤال المُلِح كان يصاحبني، ويقلقني: لماذا لا اجد كتابا موثقا، عن هذا الشاعر البدوي المهم؟ والذي تشكل قصة انتحاره علامة فارقة تضاف إلى منطوقه الشعري، وربما لو كان يكتب الشعر الفصيح، لكان البحث حوله، وتوثيق شعره وحياته بشكل أعمق، رغم ان ما كتبه يحمل قيمة فنية، أهم وأعمق من كثير من الشعر الفصيح الذي يوثق، وتفرد له مساحات الصحف، والرسائل الأكاديمية. المهم أن هذا التساؤل زاد وتنامى في خلدي، وبالصدفة، وفي جلسة مع الصديق الشاعر منصور شيحان، أتفاجأ بأنه صديق شخصي وتربطه علاقة قربى مع عقاب العجرمي، فتفتحت أبواب الأحاديث بيننا عن هذاالشاعر المهم، والذي انتحر مبكرا، وكان اتجاه الحديث ينساب بشكل ثري، ومفيد، ويضيف إلى الحكاية التي يرد فيها عقاب العجرمي فقط على أنه انتحر بعد قصة عشق لم تكتمل، وفي تلك الجلسة، وكان يحضر معنا فيها كل من الروائي هزاع البراري، والقاص مخلد بركات، ألزمت الشاعر منصور شيحان، بأن يزودني بكل ما يعرف، ويتذكر، من شعر، وتفاصيل، وحكايات الشاعر عقاب العجرمي، وفاء له، ولإبداعه، وتوثيقا لأحد الذين أضافوا إلى الشعر البدوي، مع تدوين لا بد منه لكثير من تفاصيل قصة انتحاره، والقصائد المرتبطة بها، وكلي يقين أنه عند نشر هذا البوح حول عقاب العجرمي، سيكون، هناك اضافات وتعليقات، ربما تثري مشروع كتابة وبحث أوسع حول شعر عقاب العجرمي وقصة حياته وتفاصيل انتحاره.
حين يتحدث منصور
الجانب الآخر الذي لفت نظري في علاقة الشاعر منصور شيحان، مع الشاعر عقاب العجرمي، هو أنه يرد اسمه في كثير من قصائد الشاعر عقاب، مما يشير الى قربه منه، وعلاقته المميزة معه، كما أنه كان برفقته ليلة انتحاره، وهناك وصية موجهة له وجدت بجانب عقاب، ولذا فإنه حين يتحدث منصور نستطيع أن نبدأ بالتدوين والتوثيق، حيث يكون، حينها، لما نستخلصه من الراوي لحكاية عقاب العجرمي، وشعره، تأسيس لمشروع كتابة مفيدة ومختلفة تضيف تفاصيل لم تذكر من قبل عن عقاب العجرمي، الذي أعتقد أنه لم يكتب عنه، بما يشفي الباحث والمطلع حول قصته وشعره ونهايته المأساوية، وربما نستطيع من خلال هذه الإطلالة عليه في بوح القرى، أن نقدم ما يليق بعقاب العجرمي الشاعر العاشق الإنسان.
«آخر وصاتي قبرنا بالمشارف»
نبدأ من المنتهى، نكتب أن الشاعر عقاب العجرمي، توفي بتاريخ 8/8/1978م عن عمر يناهز الثانية والعشرين عاما، منتحرا بتناوله السم، وقد وجدت بجانب كأس السم قصيدة، كما أنه انتشر بعد انتحاره تسجيل صوتي له، على كاسيت، فيه بعض قصائده، يلقيها وهو يجر على الربابة، وفيها يشير الى قصة عشقه لفتاة من عائلة معروفة، كانت تدرس معه، وأحبها، لكن بسبب بعض الظروف الاجتماعية لم تكتمل قصة حبه لها، وقد انتشر هذا الكاسيت في أوساط كثيرة، وبسبب شعره، وقصته، ونهايته المأساوية، أخذ عقاب العجرمي مكانة مهمة في الوجدان الشعبي، وانتشر في أماكن بعيدة، وما زال مدار أحاديث المجالس، والتعاليل، رغم صغر سنه حين وفاته.
هنا نورد شهادة شفوية يقدمها الشاعر منصور شيحان، وهو صديق عقاب العجرمي، وقريبه، يتحدث عن ليلة انتحاره، وصباح يوم دفنه، وخبر موته، حيث يورد تفاصيل تداعيات النهايات للشاعر عقاب العجرمي، وفي حديث منصور شيحان يقول:
«لقد عشت تفاصيل تلك الليلة المشؤومة، وكنت آخر واحد سهر معه، وحادثه، قبل انتحاره. أذكر أنه في أحد الأيام، في ساعة متأخرة من النهار، زارني عقاب في البيت، عندنا في تل حسبان. ولأن والدتي من عمات عقاب، كانت تعامله بحميمية، وتهتم به، وكلما جاء زائرا جلسنا قليلا في البيت. وكما هي العادة، عند زيارته هذه جلسنا قليلا، ولكن قبل الغروب بقليل، خرجنا الى التلة الغربية المطلة الى الغرب، وجلست أنا وهو وحدنا، كانت جلسة طويلة امتدت حتى الساعة الثانية فجرا، وقبل أن يذهب قال لي: «أنا الآن أودعك إلى الأبد، وأخبر عمتي، أمك، أن تأتي غدا تحضر مراسم موتي».
لم أصدق كلامه، قلت لعله يمزح، لكنه كان جادا، وكرر: «أريدها أن تبدع بالنعاء، فأنا غدا ميت». وانهمرت عيناه بالبكاء. أنا لم أقتنع بكلامه، لكنني لم أنم إلى أن طلع الصبح، وخرجت الى مجلسنا الذي كنا فيه أنا وعقاب بالأمس ليلا، ونظرت باتجاه الغرب، فكانت القرية جميعها قد تجمعت هناك قرب بيته، تأكدت حينها أنه نفذ ما قال. عدت الى والدتي، وأبلغتها بالقصة، وما كان ليلة أمس، ووصيته، فخرجت من الدار وهي تصيح وتنعي كما طلب هو، وعندما وصلنا الى حيث التجمع لأهل القرية قريبا من بيته، سلّم عليّ أحد الأشخاص قائلا «الله يجبر عليك، لقد انتحر رحمه الله». وقابلني رجل آخر، وسلمني ورقة كانت عند رأسه، وعليها كأس السم الفارغ، وتحمل هذه الورقة هذه الأبيات الشعرية:
«آخر وصاتي قبرنا بالمشارف
عند البويت اللي كنت انت عارف
بجنب مفلح يكون قبرنا طارف
مفلح المفلح هو خليلي وخالي
وسلم على اللي يحبني من زمان
منصور دون الناس قلبه نصاني
هذا حبيبي وبالمحبة شراني
هو خليفتنا وهو الدعالي».
ومفلح المفلح الذي يوصي عقاب بأن يكون قبره قريبا منه، يقول منصور شيحان، موضحا، ومكملا سرده حول هذه النهاية المأساوية، بأن «مفلح المفلح هو خالي وخال أبو عقاب، ويعتبر عقاب مفلح قدوة له، ومثالا للرجل الشهم، كما أن مفلح له قصة معروفة عندما أعفى وسامح المتسبب بدهس ابنه الوحيد، وأنقذ حياته، وهرّبه من المنطقة، حتى لا يصيبه أذى، وقد كتب عنه حسن النابلسي مقالة هزت المجتمع آنذاك. أما عقاب فهو برسالته هذه، وبالأبيات الشعرية القليلة، وصيته الأخيرة، حدد فيها مكان دفنه، اضافة الى سلامه ووداعه لصديقه.
سيرة الطفولة والدراسة: «كاريزما» جاذبة
وقبل الاسترسال في قصة عشق عقاب، ورحلة شعره، وما كتبه، أو كُتب عنه، نعود الى سيرته الذاتية، وشخصيته، ودراسته، لتكون مدخلا أوليا لكتابة مغايرة عنه، فهو عقاب بركات محمد العواودة، المولود عام 1955م، في قرية حسبان، وعائلته التي ينتمي اليها، وهي العواودة احدى أكبر عائلات عشيرة الشريقيين من العجارمة، والتي تضم كلا من العواودة، والبراري، والمشاعلة، والشيحان، والعمار. وقد تشرّب عقاب الأدب، والشعر، والرجولة، والذكاء، من البيئة المحيطة به، وعائلته، وعشيرته، إضافة الى مَلَكة فطرية وذكاء خاصا، مع الدراسة والتعليم المنتظم، حيث كان له حضورا مميزا لفصاحته، ويتمتع بكاريزما جاذبة خاصة تجعل كل من يلتقيه يحبه، كما أنه كان حافظا للشعر، وكذلك هو يحفظ جزءا كبيرا من القرآن الكريم، بحيث أنه كان يستشهد في كل رواية أو قصة بقصيدة، أو بحكمة، أو بآيات من القرآن، وكان يتمتع بفصاحة لسان، وبجرأة لافتة.
وقد درس عقاب العجرمي الصفوف الابتدائية والإعدادية في مدرسة حسبان الثانوية للبنين، وكان من ا لطلاب المميزين، صاحب نكتة، وسيم الطلّة، متوسط القامة، لا تغادر البسمة شفتيه، مبدع، مع ميول الى حالة الفوضى، وخفة روح طاغية. عندما أنهى المرحلة الإعدادية انتقل إلى مدرسة مادبا الثانوية الأولى للبنين، حيث درس الأول ثانوي الأكاديمي هناك، بينما درس الثاني ثانوي والتوجيهي في ناعور، وقد حصل على نتيجة مميزة في التوجيهي، حيث كان الأول على الفرع الأدبي في اللواء. وقد خُيّر للدراسة الجامعية بين بعثتين؛ واحدة إلى القاهرة، والثانية إلى الكويت، لكنه اختار أن يدرس في كلية الآداب، قسم اللغة العربية، في الجامعة الأردنية.الراي
وفي استذكاره استحضار لشاعر، ومثقف، وانسان، لم يعطِ حقه في التعريف، والتقديم، كما أنه آثر، بقرار منه، أن ينسحب منتحرا من الحياة. ولكن لرحيل وانتحار الشاعر عقاب العجرمي، موضوع هذا البوح، قصة، وحكاية، وتداعيات، تروى في الموروث الشعبي، وعلى ألسن أصدقائه، وبين أهله، وفي وجدان العامة، حيث تسجيلات قصائده البدوية، تسمع، ويتم تناقلها، بين محبيه، كما أن كتاباته التي حفظها من حوله ما زالت زينة التعاليل، تورد في الجلسات، كأنها تستحضر روحه.
وفاء للصديق
إذاً فمدار الحديث هنا، هو الشاعر عقاب العجرمي، الذي انتحر مبكرا، وخلّف وراءه إرثا من الشعر والقصائد والحكايات والاحاديث التي تشكل جزءا من التاريخ الشفوي لذاكرة مرتبطة بتراب الوطن، وثرى الأردن.
وكان موضوع هذه الإطلالة من خلال «بوح القرى»، يدور في ذهني منذ فترة طويلة، والسؤال المُلِح كان يصاحبني، ويقلقني: لماذا لا اجد كتابا موثقا، عن هذا الشاعر البدوي المهم؟ والذي تشكل قصة انتحاره علامة فارقة تضاف إلى منطوقه الشعري، وربما لو كان يكتب الشعر الفصيح، لكان البحث حوله، وتوثيق شعره وحياته بشكل أعمق، رغم ان ما كتبه يحمل قيمة فنية، أهم وأعمق من كثير من الشعر الفصيح الذي يوثق، وتفرد له مساحات الصحف، والرسائل الأكاديمية. المهم أن هذا التساؤل زاد وتنامى في خلدي، وبالصدفة، وفي جلسة مع الصديق الشاعر منصور شيحان، أتفاجأ بأنه صديق شخصي وتربطه علاقة قربى مع عقاب العجرمي، فتفتحت أبواب الأحاديث بيننا عن هذاالشاعر المهم، والذي انتحر مبكرا، وكان اتجاه الحديث ينساب بشكل ثري، ومفيد، ويضيف إلى الحكاية التي يرد فيها عقاب العجرمي فقط على أنه انتحر بعد قصة عشق لم تكتمل، وفي تلك الجلسة، وكان يحضر معنا فيها كل من الروائي هزاع البراري، والقاص مخلد بركات، ألزمت الشاعر منصور شيحان، بأن يزودني بكل ما يعرف، ويتذكر، من شعر، وتفاصيل، وحكايات الشاعر عقاب العجرمي، وفاء له، ولإبداعه، وتوثيقا لأحد الذين أضافوا إلى الشعر البدوي، مع تدوين لا بد منه لكثير من تفاصيل قصة انتحاره، والقصائد المرتبطة بها، وكلي يقين أنه عند نشر هذا البوح حول عقاب العجرمي، سيكون، هناك اضافات وتعليقات، ربما تثري مشروع كتابة وبحث أوسع حول شعر عقاب العجرمي وقصة حياته وتفاصيل انتحاره.
حين يتحدث منصور
الجانب الآخر الذي لفت نظري في علاقة الشاعر منصور شيحان، مع الشاعر عقاب العجرمي، هو أنه يرد اسمه في كثير من قصائد الشاعر عقاب، مما يشير الى قربه منه، وعلاقته المميزة معه، كما أنه كان برفقته ليلة انتحاره، وهناك وصية موجهة له وجدت بجانب عقاب، ولذا فإنه حين يتحدث منصور نستطيع أن نبدأ بالتدوين والتوثيق، حيث يكون، حينها، لما نستخلصه من الراوي لحكاية عقاب العجرمي، وشعره، تأسيس لمشروع كتابة مفيدة ومختلفة تضيف تفاصيل لم تذكر من قبل عن عقاب العجرمي، الذي أعتقد أنه لم يكتب عنه، بما يشفي الباحث والمطلع حول قصته وشعره ونهايته المأساوية، وربما نستطيع من خلال هذه الإطلالة عليه في بوح القرى، أن نقدم ما يليق بعقاب العجرمي الشاعر العاشق الإنسان.
«آخر وصاتي قبرنا بالمشارف»
نبدأ من المنتهى، نكتب أن الشاعر عقاب العجرمي، توفي بتاريخ 8/8/1978م عن عمر يناهز الثانية والعشرين عاما، منتحرا بتناوله السم، وقد وجدت بجانب كأس السم قصيدة، كما أنه انتشر بعد انتحاره تسجيل صوتي له، على كاسيت، فيه بعض قصائده، يلقيها وهو يجر على الربابة، وفيها يشير الى قصة عشقه لفتاة من عائلة معروفة، كانت تدرس معه، وأحبها، لكن بسبب بعض الظروف الاجتماعية لم تكتمل قصة حبه لها، وقد انتشر هذا الكاسيت في أوساط كثيرة، وبسبب شعره، وقصته، ونهايته المأساوية، أخذ عقاب العجرمي مكانة مهمة في الوجدان الشعبي، وانتشر في أماكن بعيدة، وما زال مدار أحاديث المجالس، والتعاليل، رغم صغر سنه حين وفاته.
هنا نورد شهادة شفوية يقدمها الشاعر منصور شيحان، وهو صديق عقاب العجرمي، وقريبه، يتحدث عن ليلة انتحاره، وصباح يوم دفنه، وخبر موته، حيث يورد تفاصيل تداعيات النهايات للشاعر عقاب العجرمي، وفي حديث منصور شيحان يقول:
«لقد عشت تفاصيل تلك الليلة المشؤومة، وكنت آخر واحد سهر معه، وحادثه، قبل انتحاره. أذكر أنه في أحد الأيام، في ساعة متأخرة من النهار، زارني عقاب في البيت، عندنا في تل حسبان. ولأن والدتي من عمات عقاب، كانت تعامله بحميمية، وتهتم به، وكلما جاء زائرا جلسنا قليلا في البيت. وكما هي العادة، عند زيارته هذه جلسنا قليلا، ولكن قبل الغروب بقليل، خرجنا الى التلة الغربية المطلة الى الغرب، وجلست أنا وهو وحدنا، كانت جلسة طويلة امتدت حتى الساعة الثانية فجرا، وقبل أن يذهب قال لي: «أنا الآن أودعك إلى الأبد، وأخبر عمتي، أمك، أن تأتي غدا تحضر مراسم موتي».
لم أصدق كلامه، قلت لعله يمزح، لكنه كان جادا، وكرر: «أريدها أن تبدع بالنعاء، فأنا غدا ميت». وانهمرت عيناه بالبكاء. أنا لم أقتنع بكلامه، لكنني لم أنم إلى أن طلع الصبح، وخرجت الى مجلسنا الذي كنا فيه أنا وعقاب بالأمس ليلا، ونظرت باتجاه الغرب، فكانت القرية جميعها قد تجمعت هناك قرب بيته، تأكدت حينها أنه نفذ ما قال. عدت الى والدتي، وأبلغتها بالقصة، وما كان ليلة أمس، ووصيته، فخرجت من الدار وهي تصيح وتنعي كما طلب هو، وعندما وصلنا الى حيث التجمع لأهل القرية قريبا من بيته، سلّم عليّ أحد الأشخاص قائلا «الله يجبر عليك، لقد انتحر رحمه الله». وقابلني رجل آخر، وسلمني ورقة كانت عند رأسه، وعليها كأس السم الفارغ، وتحمل هذه الورقة هذه الأبيات الشعرية:
«آخر وصاتي قبرنا بالمشارف
عند البويت اللي كنت انت عارف
بجنب مفلح يكون قبرنا طارف
مفلح المفلح هو خليلي وخالي
وسلم على اللي يحبني من زمان
منصور دون الناس قلبه نصاني
هذا حبيبي وبالمحبة شراني
هو خليفتنا وهو الدعالي».
ومفلح المفلح الذي يوصي عقاب بأن يكون قبره قريبا منه، يقول منصور شيحان، موضحا، ومكملا سرده حول هذه النهاية المأساوية، بأن «مفلح المفلح هو خالي وخال أبو عقاب، ويعتبر عقاب مفلح قدوة له، ومثالا للرجل الشهم، كما أن مفلح له قصة معروفة عندما أعفى وسامح المتسبب بدهس ابنه الوحيد، وأنقذ حياته، وهرّبه من المنطقة، حتى لا يصيبه أذى، وقد كتب عنه حسن النابلسي مقالة هزت المجتمع آنذاك. أما عقاب فهو برسالته هذه، وبالأبيات الشعرية القليلة، وصيته الأخيرة، حدد فيها مكان دفنه، اضافة الى سلامه ووداعه لصديقه.
سيرة الطفولة والدراسة: «كاريزما» جاذبة
وقبل الاسترسال في قصة عشق عقاب، ورحلة شعره، وما كتبه، أو كُتب عنه، نعود الى سيرته الذاتية، وشخصيته، ودراسته، لتكون مدخلا أوليا لكتابة مغايرة عنه، فهو عقاب بركات محمد العواودة، المولود عام 1955م، في قرية حسبان، وعائلته التي ينتمي اليها، وهي العواودة احدى أكبر عائلات عشيرة الشريقيين من العجارمة، والتي تضم كلا من العواودة، والبراري، والمشاعلة، والشيحان، والعمار. وقد تشرّب عقاب الأدب، والشعر، والرجولة، والذكاء، من البيئة المحيطة به، وعائلته، وعشيرته، إضافة الى مَلَكة فطرية وذكاء خاصا، مع الدراسة والتعليم المنتظم، حيث كان له حضورا مميزا لفصاحته، ويتمتع بكاريزما جاذبة خاصة تجعل كل من يلتقيه يحبه، كما أنه كان حافظا للشعر، وكذلك هو يحفظ جزءا كبيرا من القرآن الكريم، بحيث أنه كان يستشهد في كل رواية أو قصة بقصيدة، أو بحكمة، أو بآيات من القرآن، وكان يتمتع بفصاحة لسان، وبجرأة لافتة.
وقد درس عقاب العجرمي الصفوف الابتدائية والإعدادية في مدرسة حسبان الثانوية للبنين، وكان من ا لطلاب المميزين، صاحب نكتة، وسيم الطلّة، متوسط القامة، لا تغادر البسمة شفتيه، مبدع، مع ميول الى حالة الفوضى، وخفة روح طاغية. عندما أنهى المرحلة الإعدادية انتقل إلى مدرسة مادبا الثانوية الأولى للبنين، حيث درس الأول ثانوي الأكاديمي هناك، بينما درس الثاني ثانوي والتوجيهي في ناعور، وقد حصل على نتيجة مميزة في التوجيهي، حيث كان الأول على الفرع الأدبي في اللواء. وقد خُيّر للدراسة الجامعية بين بعثتين؛ واحدة إلى القاهرة، والثانية إلى الكويت، لكنه اختار أن يدرس في كلية الآداب، قسم اللغة العربية، في الجامعة الأردنية.الراي