سوريون يسردون حكايا مجازفتهم بأرواحهم للوصول إلى أوروبا
جو 24 : لم تردع صور أب يصارع الأمواج وهو يحمل طفله الرضيع أو صور السوريين الغرقى وقد جرفت الأمواج جثثهم إلى الشاطيء رشا ستوت عن المجازفة بحياتها بحثا عن ملاذ آمن في ألمانيا بعد أن هربت من سوريا التي مزقتها الحرب تمزيقا.
وبالنسبة لها ولالاف غيرها ينتظرون فرصة التكدس في زوارق مطاطية على شواطيء تركيا للعبور إلى الجزر اليونانية فإن الخيار بسيط: بين الموت في سوريا أو المجازفة بالموت في البحر أملا في الوصول للأمان وبدء حياة جديدة في أوروبا.
لكنها قررت بعد أن شاهدت صور الطفل السوري الكردي الغريق ايلان كردي التي فطرت القلوب هذا الشهر أن تأخذ هذه المجازفة وحدها. إذ تركت ابنتها ريهام (8 سنوات) وابنها رائد (10 سنوات) مع زوجها في حلب وسافرت إلى تركيا وكل أملها أن تفوز بوضع اللاجيء في ألمانيا ومن ثم يحق لها أن تأتي بأسرتها إلى وطنها الجديد.
غير أن التجربة التي مرت بها رشا في رحلتها حتى الآن كانت مريرة وتكاد تتطابق مع ما يتعرض له الالاف ممن ساروا في هذا الطريق الغادر من مصاعب واستغلال.
بعد أسبوع من وصولها إلى تركيا باستخدام أموال أرسلتها لها أختها من أسبانيا لتمويل الرحلة كانت لا تزال عالقة في فندق بمدينة إزمير الساحلية تحت رحمة مهربين جشعين.
تقول رشا (29 عاما) "كل ليلة بيقول لنا المهرب إن هذه الليلة رح نطلع على اليونان ولكن كل يوم بيمطها أكثر ويزيد بالسعر وأنا فلوسي عم تخلص."
وانتقلت رشا الآن للاقامة مع أسرة سورية في إزمير وبدأت تبحث عن مهرب آخر.
وما من بادرة تلوح في الأفق على انحسار هذا الطوفان البشري المتواصل لأفراد يجازفون بركوب قوارب صغيرة متهالكة وخداع المهربين من أجل عبور البحر المتوسط وهذا ما يضفي لمسة شخصية على المأساة الجماعية التي يعيشها عشرات الالاف من اللاجئين السوريين.
ويفر هؤلاء من صراع كان في بدايته انتفاضة شعبية عام 2011 لكنه سرعان ما تحول إلى حرب سقط فيها أكثر من 250 ألف قتيل ودفعت أكثر من أربعة ملايين سوري إلى اللجوء لبلدان أخرى وتسببت في نزوح نحو 7.6 مليون آخرين عن بيوتهم داخل البلاد.
* الأمل الوحيد
ويتوالى كل يوم ما يذكر بالمخاطر. فقد غرق 34 لاجئا من بينهم 15 طفلا عندما ابتلعت مياه البحر زورقهم قبالة إحدى الجزر اليونانية يوم الأحد. ولاقى الآلاف حتفهم في أزمة أصبحت تتحول بسرعة إلى أسوأ أزمة لاجئين تجابهها أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.
ويروي اللاجئون قصصا عن وطن أصابه الدمار وتحدق أخطار هائلة بمن يحاول الهروب منه ومكافآت سخية لمن يهربونهم بمن فيهم مواطنيهم من السوريين الذين تولوا مهمة السعي لتأمين الرحلة الخطرة.
وتقول رشا إنها قررت هي وزوجها أن وقت الفرار من حلب قد حان عندما سقطت قذيفة على بعد أمتار من ابنهما قبل ستة أشهر. وحلب مدينة تجارية تقاتل من أجلها قوات الرئيس السوري بشار الأسد والمعارضة السورية وقوات جهادية من بينها قوات تابعة لتنظيم داعش.
وأضافت رشا "نحن ننام على القصف ونوعى على القصف. صار لنا أربع سنين ناطرين وما عم تخلص الحرب. والحالة كل ما تصبح ماساوية أكثر.
"وعذابنا ما شكله رح يخلص. الوضع كله على أسوأ. ما في أمل إن نخلص. هذا هو الامر الوحيد المتبقي لي (البحر)."
وسئلت عما إذا كانت قد شاهدت التقارير الإخبارية عن الغرقى وما إذا كان ذلك قد ثبط من عزيمتها فأجابت على الفور:
"نعم أخاف من الموت ولكن نحن بحلب كل يوم نموت موتة على القليلة. قد أستطيع أن أخلص العائلة. هيك هيك نحن ميتين."
وأضافت "عندما أرى أولادي وهم يتعذبون قلبي يحترق عليهم. أولادي يعيشون في الخوف. لا ينامون. يخافون أن ينزلوا إلى الشارع ليلعبوا محبوسين في البيت لا أستطيع اشتري لهم شيء."
وسالت دموع رشا وهي تصف كيف احتضنت طفليها وهي تتأهب لبدء رحلتها لتنفصل عنهما للمرة الأولى.
وقالت "الوداع كان كثير صعب هني وعم يودعوني قالوا لي ماما بركي بتتغير حياتنا. لكن ما تتأخري تبعثي ورانا هني متعلقين فيي وأنا متعلقة فيهم كثير ما بيقدروا يعيشوا بدوني لكن تعبوا بدهم الخلاص عم أدعي لربي الله يصبرني ويصبرهم ما عارفة شو بدو يصير فينا."
* خذلان
كان سلطان (22 عاما) على وشك دخول الجامعة عندما بدأت الحرب واستولى مقاتلون من الجيش السوري الحر على الحي الذي عاش فيه في حلب وأصابه الدمار الآن بعد أن تعرض لقصف عنيف.
يقول سلطان وهو يفسر قراره الانضمام لطوفان الراحلين إلى أوروبا "على الحالتين ميت ميت. على القليلة إذا طلعت ع أوروبا عندنا أمل إن أكمل مستقبلي وأكمل دراستي."
ويضيف "العالم كله مصدوم بصور الولد اللي غرق بالبحر لكن ان الذي رأيته في حلب أكثر من هذه المشاهد بكثير. رأيت مشاهد كلها على الارض. شفت أشلاء ناس مقطعة وأحياء مدمرة. كثير من أصحابي ماتوا. ما عندنا حل ثاني. وما عندنا طريق اخر. ما عندنا حل اخر غير البحر وما في عندنا منفذ ثاني غير البحر."
أما صديقه أحمد حنيف (23 عاما) الذي كان ينتظر ركوب قارب ينقله إلى اليونان فقد فاتته فرصة تحقيق طموحه لدراسة إدارة الأعمال والمحاسبة بسبب الحرب.
عمل أحمد لحساب منظمات أهلية تعمل انطلاقا من تركيا في مشروعات للتنمية في حلب إلى أن شددت تركيا قواعد دخول السوريين لكن ما دفعه لاتخاذ قرار الفرار تجاوزات الجماعات الارهابية مثل تنظيم داعش وجبهة النصرة فرع تنظيم القاعدة في سوريا.
وقال أحمد مستخدما اسما شائعا لتنظيم داعش "الوضع صار كثير خطير. صار في خطف من داعش والنصرة. في الأول كان خطر الموت من النظام. الآن صار الخطر من داعش. هم يعتبروننا جواسيس لاننا نعمل مع ان.جي.او (منظمة أهلية) لهذا تركنا حلب."
فقد أحمد الأمل في مستقبل سوريا التي خرج إلى شوارعها للمشاركة في القتال من أجله عام 2011 أو في الشرق الأوسط الذي يشعر بالمرارة لأنه خذله حتى لو لم تكن أوروبا على مستوى التصريحات الطنانة التي انطلقت منها عن دعم الانتفاضة على حكم الأسد.
وأضاف "ليس هذه سوريا التي نزلنا إلى الشارع من أجلها. ذقنا عذاب كثير وممكن أن نذوق أكثر في هذه الرحلة ولكن على القليلة نصل إلى هدف.
"الدول العربية هي سبب ما يحصل لنا. أوروبا تعطي لجوء وتسهل والدول العربية مش فاتحة لنا بلادها. أوروبا تعطي حقوق للانسان والعرب أغلقوا كل الأبواب بوجهنا."
وإلى جانب هذه المجموعة من اللاجئين شخص آخر يقول إنه بعد ما لاقاه على أيدي المهربين غلاظ القلوب قرر أن يصبح واحدا منهم.
* ضراوة المهربين
كان أبو عبده (29 عاما) طالبا بكلية الحقوق قبل اندلاع الحرب. والآن يعمل في إزمير على الساحل الغربي لتركيا ومنذ ثلاثة أشهر وهو يعمل مهربا بعد أن مر بتجربة مروعة في محاولة للهرب مع مهربين أتراك. وقد وافق على التحدث مع رويترز هاتفيا ورفض أن يكون اللقاء وجها لوجه.
وروى أبو عبده حكايته:
"أتيت إلى تركيا لكي أسافر إلى أوروبا. كانت معاملة المهربين الأتراك سيئة بالنسبة للسوريين والعراقيين وعندما صعدنا إلى المركب رأينا ان الاتراك يضعون (الناس) في البحر في قارب مطاط صغير مثل البالون. أكثر من طاقتها. 45 شخص على قارب مطاط يتسع لعشرين. 45 على قارب صغير وموتور (محرك) صغير. لا يهمهم أن يموت الناس أو يعيشون كل ما يهمهم هو الفلوس.
"القارب الذي يتسع الى 20 شخص يضعون عليه 45. عندما صعدنا قلنا له إن القارب لا يمكن أن يوصلنا. وجدنا الموضوع مش ظابط. أحسسنا أننا سنرى الموت. صار مشكل معهم ولم نقبل أن نكمل وقلنا لهم إن هذا المركب لن يأخذنا إلى اليونان (بل) سيأخذنا إلى جهنم. وصاروا المهربين الاتراك يصرخون ويريدوننا أن نصعد بالقوة وبعد ذلك صار في مشكل وتركنا.
"نحن لا يهمهم معهم أن نعيش أو نموت كل ما يهمهم الفلوس.
"عملنا اتفاق مع المهربين الأتراك إن نحن نعطيهم فلوس على كل مركب ونحن نسير أمور السوريين. صرنا نعطيهم فلوس للاتراك حتى ما يتدخلوا معنا وصرنا نحن نسفر السوريين ونساعدهم.
"على كل مركب ندفع خمسة آلاف دولار ونسير مركبين في اليوم.
"نحن نأخذ 850 دولارا على الشخص ولكن هناك الكثير يأتون عن طريق سماسرة يأخذون 1200 إلى 1300 دولار.
"حتى الآن لم يمت أحد معنا."
وقد أرسل أبو عبده والدته وأشقاءه الثلاثة وخاله وأبناء خاله عبر الطريق نفسه. وهو يشعر أيضا بالمرارة إزاء الاستجابة العربية لأزمة اللاجئين.
* تجارة رائجة
وقالت مهربة تدعى مارلين وهي تروج لنشاطها بين الزبائن المحتملين إنها تتقاضى 1200 دولار من إزمير إلى جزيرة شيوس اليونانية في زورق مطاطي ينقل 45 فردا. أما السعر لمواصلة الرحلة حتى ألمانيا فيبلغ 5000 يورو للفرد الواحد.
واقترنت هذه الدعاية بعبارات هدفها بث الطمأنينة في النفوس.
وقالت مارلين "ما تخافي. في أمان. هذه شغلتنا سمعتنا منيحة. كل يوم بعد بتطلع قارب مع لاجئين وما صار في عندنا ولا مشكل. بس تصيري في المياه الدولية بيصير كل شي تمام. جيبي معك دوا للدوخة."
وتحدثت بالتفصيل عن مزايا الاتجاه إلى جزر يونانية مختلفة منها شيوس وساموس وخوس وعن سلوك الطريق البري إلى المجر."
وأضافت مارلين "ولما تصيري باليونان أو أي مكان في أوروبا ابعثي لي رسالة على الوتساب على شو معاوزة أنا باساعدك ما تخافي أنا عندي مهربين كويسين في كل مكان."
ولا يدفع الزبائن المبالغ مقدما للمهربين. بل إنهم يضعون دفعة في مكاتب تأمين. وهذه المكاتب غير القانونية تعطي للمسافر رمزا. وإذا وصلوا إلى وجهتهم يتصلون بالمكتب المعني ويتيح هذا الرمز للمهرب استلام الوديعة. ويظل المال باسم المسافر فإذا نجح في مسعاه دفع للمهرب بغيته.
وبعد أن تحدثت رشا وسلطان وأحمد لرويترز صعدت المجموعة إلى حافلة من مدينة غازي عنتاب في جنوب تركيا في طريقها إلى منتجع مرمريس القريب من إزمير بعد أن تلقت تعليمات من مهربهم السوري.
واستغرقت رحلة الثلاثة 16 ساعة بالحافلة من غازي عنتاب إلى إزمير. ووصل ثلاثتهم إلى فندق واتصلوا بالمهرب الذي قال لهم إنهم سيرحلون عندما تصل مجموعة أخرى من السوريين.
وقالت رشا "سنسافر بالليل لكي نتجنب الصيادين وخفر السواحل والبواخر السياحية. المطاط يكلف 1200 دولار على الشخص. اللنش السريع يكلف 1500 والاكبر 2000."
ولمن بلغ به اليأس مبلغه ربما يكون هذا المبلغ هو الفارق بين الحياة والموت.
(رويترز)
وبالنسبة لها ولالاف غيرها ينتظرون فرصة التكدس في زوارق مطاطية على شواطيء تركيا للعبور إلى الجزر اليونانية فإن الخيار بسيط: بين الموت في سوريا أو المجازفة بالموت في البحر أملا في الوصول للأمان وبدء حياة جديدة في أوروبا.
لكنها قررت بعد أن شاهدت صور الطفل السوري الكردي الغريق ايلان كردي التي فطرت القلوب هذا الشهر أن تأخذ هذه المجازفة وحدها. إذ تركت ابنتها ريهام (8 سنوات) وابنها رائد (10 سنوات) مع زوجها في حلب وسافرت إلى تركيا وكل أملها أن تفوز بوضع اللاجيء في ألمانيا ومن ثم يحق لها أن تأتي بأسرتها إلى وطنها الجديد.
غير أن التجربة التي مرت بها رشا في رحلتها حتى الآن كانت مريرة وتكاد تتطابق مع ما يتعرض له الالاف ممن ساروا في هذا الطريق الغادر من مصاعب واستغلال.
بعد أسبوع من وصولها إلى تركيا باستخدام أموال أرسلتها لها أختها من أسبانيا لتمويل الرحلة كانت لا تزال عالقة في فندق بمدينة إزمير الساحلية تحت رحمة مهربين جشعين.
تقول رشا (29 عاما) "كل ليلة بيقول لنا المهرب إن هذه الليلة رح نطلع على اليونان ولكن كل يوم بيمطها أكثر ويزيد بالسعر وأنا فلوسي عم تخلص."
وانتقلت رشا الآن للاقامة مع أسرة سورية في إزمير وبدأت تبحث عن مهرب آخر.
وما من بادرة تلوح في الأفق على انحسار هذا الطوفان البشري المتواصل لأفراد يجازفون بركوب قوارب صغيرة متهالكة وخداع المهربين من أجل عبور البحر المتوسط وهذا ما يضفي لمسة شخصية على المأساة الجماعية التي يعيشها عشرات الالاف من اللاجئين السوريين.
ويفر هؤلاء من صراع كان في بدايته انتفاضة شعبية عام 2011 لكنه سرعان ما تحول إلى حرب سقط فيها أكثر من 250 ألف قتيل ودفعت أكثر من أربعة ملايين سوري إلى اللجوء لبلدان أخرى وتسببت في نزوح نحو 7.6 مليون آخرين عن بيوتهم داخل البلاد.
* الأمل الوحيد
ويتوالى كل يوم ما يذكر بالمخاطر. فقد غرق 34 لاجئا من بينهم 15 طفلا عندما ابتلعت مياه البحر زورقهم قبالة إحدى الجزر اليونانية يوم الأحد. ولاقى الآلاف حتفهم في أزمة أصبحت تتحول بسرعة إلى أسوأ أزمة لاجئين تجابهها أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.
ويروي اللاجئون قصصا عن وطن أصابه الدمار وتحدق أخطار هائلة بمن يحاول الهروب منه ومكافآت سخية لمن يهربونهم بمن فيهم مواطنيهم من السوريين الذين تولوا مهمة السعي لتأمين الرحلة الخطرة.
وتقول رشا إنها قررت هي وزوجها أن وقت الفرار من حلب قد حان عندما سقطت قذيفة على بعد أمتار من ابنهما قبل ستة أشهر. وحلب مدينة تجارية تقاتل من أجلها قوات الرئيس السوري بشار الأسد والمعارضة السورية وقوات جهادية من بينها قوات تابعة لتنظيم داعش.
وأضافت رشا "نحن ننام على القصف ونوعى على القصف. صار لنا أربع سنين ناطرين وما عم تخلص الحرب. والحالة كل ما تصبح ماساوية أكثر.
"وعذابنا ما شكله رح يخلص. الوضع كله على أسوأ. ما في أمل إن نخلص. هذا هو الامر الوحيد المتبقي لي (البحر)."
وسئلت عما إذا كانت قد شاهدت التقارير الإخبارية عن الغرقى وما إذا كان ذلك قد ثبط من عزيمتها فأجابت على الفور:
"نعم أخاف من الموت ولكن نحن بحلب كل يوم نموت موتة على القليلة. قد أستطيع أن أخلص العائلة. هيك هيك نحن ميتين."
وأضافت "عندما أرى أولادي وهم يتعذبون قلبي يحترق عليهم. أولادي يعيشون في الخوف. لا ينامون. يخافون أن ينزلوا إلى الشارع ليلعبوا محبوسين في البيت لا أستطيع اشتري لهم شيء."
وسالت دموع رشا وهي تصف كيف احتضنت طفليها وهي تتأهب لبدء رحلتها لتنفصل عنهما للمرة الأولى.
وقالت "الوداع كان كثير صعب هني وعم يودعوني قالوا لي ماما بركي بتتغير حياتنا. لكن ما تتأخري تبعثي ورانا هني متعلقين فيي وأنا متعلقة فيهم كثير ما بيقدروا يعيشوا بدوني لكن تعبوا بدهم الخلاص عم أدعي لربي الله يصبرني ويصبرهم ما عارفة شو بدو يصير فينا."
* خذلان
كان سلطان (22 عاما) على وشك دخول الجامعة عندما بدأت الحرب واستولى مقاتلون من الجيش السوري الحر على الحي الذي عاش فيه في حلب وأصابه الدمار الآن بعد أن تعرض لقصف عنيف.
يقول سلطان وهو يفسر قراره الانضمام لطوفان الراحلين إلى أوروبا "على الحالتين ميت ميت. على القليلة إذا طلعت ع أوروبا عندنا أمل إن أكمل مستقبلي وأكمل دراستي."
ويضيف "العالم كله مصدوم بصور الولد اللي غرق بالبحر لكن ان الذي رأيته في حلب أكثر من هذه المشاهد بكثير. رأيت مشاهد كلها على الارض. شفت أشلاء ناس مقطعة وأحياء مدمرة. كثير من أصحابي ماتوا. ما عندنا حل ثاني. وما عندنا طريق اخر. ما عندنا حل اخر غير البحر وما في عندنا منفذ ثاني غير البحر."
أما صديقه أحمد حنيف (23 عاما) الذي كان ينتظر ركوب قارب ينقله إلى اليونان فقد فاتته فرصة تحقيق طموحه لدراسة إدارة الأعمال والمحاسبة بسبب الحرب.
عمل أحمد لحساب منظمات أهلية تعمل انطلاقا من تركيا في مشروعات للتنمية في حلب إلى أن شددت تركيا قواعد دخول السوريين لكن ما دفعه لاتخاذ قرار الفرار تجاوزات الجماعات الارهابية مثل تنظيم داعش وجبهة النصرة فرع تنظيم القاعدة في سوريا.
وقال أحمد مستخدما اسما شائعا لتنظيم داعش "الوضع صار كثير خطير. صار في خطف من داعش والنصرة. في الأول كان خطر الموت من النظام. الآن صار الخطر من داعش. هم يعتبروننا جواسيس لاننا نعمل مع ان.جي.او (منظمة أهلية) لهذا تركنا حلب."
فقد أحمد الأمل في مستقبل سوريا التي خرج إلى شوارعها للمشاركة في القتال من أجله عام 2011 أو في الشرق الأوسط الذي يشعر بالمرارة لأنه خذله حتى لو لم تكن أوروبا على مستوى التصريحات الطنانة التي انطلقت منها عن دعم الانتفاضة على حكم الأسد.
وأضاف "ليس هذه سوريا التي نزلنا إلى الشارع من أجلها. ذقنا عذاب كثير وممكن أن نذوق أكثر في هذه الرحلة ولكن على القليلة نصل إلى هدف.
"الدول العربية هي سبب ما يحصل لنا. أوروبا تعطي لجوء وتسهل والدول العربية مش فاتحة لنا بلادها. أوروبا تعطي حقوق للانسان والعرب أغلقوا كل الأبواب بوجهنا."
وإلى جانب هذه المجموعة من اللاجئين شخص آخر يقول إنه بعد ما لاقاه على أيدي المهربين غلاظ القلوب قرر أن يصبح واحدا منهم.
* ضراوة المهربين
كان أبو عبده (29 عاما) طالبا بكلية الحقوق قبل اندلاع الحرب. والآن يعمل في إزمير على الساحل الغربي لتركيا ومنذ ثلاثة أشهر وهو يعمل مهربا بعد أن مر بتجربة مروعة في محاولة للهرب مع مهربين أتراك. وقد وافق على التحدث مع رويترز هاتفيا ورفض أن يكون اللقاء وجها لوجه.
وروى أبو عبده حكايته:
"أتيت إلى تركيا لكي أسافر إلى أوروبا. كانت معاملة المهربين الأتراك سيئة بالنسبة للسوريين والعراقيين وعندما صعدنا إلى المركب رأينا ان الاتراك يضعون (الناس) في البحر في قارب مطاط صغير مثل البالون. أكثر من طاقتها. 45 شخص على قارب مطاط يتسع لعشرين. 45 على قارب صغير وموتور (محرك) صغير. لا يهمهم أن يموت الناس أو يعيشون كل ما يهمهم هو الفلوس.
"القارب الذي يتسع الى 20 شخص يضعون عليه 45. عندما صعدنا قلنا له إن القارب لا يمكن أن يوصلنا. وجدنا الموضوع مش ظابط. أحسسنا أننا سنرى الموت. صار مشكل معهم ولم نقبل أن نكمل وقلنا لهم إن هذا المركب لن يأخذنا إلى اليونان (بل) سيأخذنا إلى جهنم. وصاروا المهربين الاتراك يصرخون ويريدوننا أن نصعد بالقوة وبعد ذلك صار في مشكل وتركنا.
"نحن لا يهمهم معهم أن نعيش أو نموت كل ما يهمهم الفلوس.
"عملنا اتفاق مع المهربين الأتراك إن نحن نعطيهم فلوس على كل مركب ونحن نسير أمور السوريين. صرنا نعطيهم فلوس للاتراك حتى ما يتدخلوا معنا وصرنا نحن نسفر السوريين ونساعدهم.
"على كل مركب ندفع خمسة آلاف دولار ونسير مركبين في اليوم.
"نحن نأخذ 850 دولارا على الشخص ولكن هناك الكثير يأتون عن طريق سماسرة يأخذون 1200 إلى 1300 دولار.
"حتى الآن لم يمت أحد معنا."
وقد أرسل أبو عبده والدته وأشقاءه الثلاثة وخاله وأبناء خاله عبر الطريق نفسه. وهو يشعر أيضا بالمرارة إزاء الاستجابة العربية لأزمة اللاجئين.
* تجارة رائجة
وقالت مهربة تدعى مارلين وهي تروج لنشاطها بين الزبائن المحتملين إنها تتقاضى 1200 دولار من إزمير إلى جزيرة شيوس اليونانية في زورق مطاطي ينقل 45 فردا. أما السعر لمواصلة الرحلة حتى ألمانيا فيبلغ 5000 يورو للفرد الواحد.
واقترنت هذه الدعاية بعبارات هدفها بث الطمأنينة في النفوس.
وقالت مارلين "ما تخافي. في أمان. هذه شغلتنا سمعتنا منيحة. كل يوم بعد بتطلع قارب مع لاجئين وما صار في عندنا ولا مشكل. بس تصيري في المياه الدولية بيصير كل شي تمام. جيبي معك دوا للدوخة."
وتحدثت بالتفصيل عن مزايا الاتجاه إلى جزر يونانية مختلفة منها شيوس وساموس وخوس وعن سلوك الطريق البري إلى المجر."
وأضافت مارلين "ولما تصيري باليونان أو أي مكان في أوروبا ابعثي لي رسالة على الوتساب على شو معاوزة أنا باساعدك ما تخافي أنا عندي مهربين كويسين في كل مكان."
ولا يدفع الزبائن المبالغ مقدما للمهربين. بل إنهم يضعون دفعة في مكاتب تأمين. وهذه المكاتب غير القانونية تعطي للمسافر رمزا. وإذا وصلوا إلى وجهتهم يتصلون بالمكتب المعني ويتيح هذا الرمز للمهرب استلام الوديعة. ويظل المال باسم المسافر فإذا نجح في مسعاه دفع للمهرب بغيته.
وبعد أن تحدثت رشا وسلطان وأحمد لرويترز صعدت المجموعة إلى حافلة من مدينة غازي عنتاب في جنوب تركيا في طريقها إلى منتجع مرمريس القريب من إزمير بعد أن تلقت تعليمات من مهربهم السوري.
واستغرقت رحلة الثلاثة 16 ساعة بالحافلة من غازي عنتاب إلى إزمير. ووصل ثلاثتهم إلى فندق واتصلوا بالمهرب الذي قال لهم إنهم سيرحلون عندما تصل مجموعة أخرى من السوريين.
وقالت رشا "سنسافر بالليل لكي نتجنب الصيادين وخفر السواحل والبواخر السياحية. المطاط يكلف 1200 دولار على الشخص. اللنش السريع يكلف 1500 والاكبر 2000."
ولمن بلغ به اليأس مبلغه ربما يكون هذا المبلغ هو الفارق بين الحياة والموت.
(رويترز)