ما بعد المباراة | لا ميسي .. لا حفلة !
جو 24 : انتهت مباراة قمة المجموعة الخامسة في دوري أبطال أوروبا والتي جمعت روما مع ضيفه برشلونة بالتعادل 1-1، وقد تقدم البارسا بهدف لويس سواريز لكن أليساندرو فلورينزي أحرز هدف التعادل لأصحاب الملعب بتسديدة بعيدة رائعة قبل نهاية الشوط الأول.
دعونا نحلل أداء الطرفين ...
هي واحدة من المباريات القليلة التي نرى بها روما يلعب كرة قدم إيطالية من حيث العقلية والواقعية والثبات والجرينتا ! اعتدنا على روما مختلف .. روما يمنح الأولوية لتقديم كرة قدم ممتعة وجميلة حتى لو لم تحصد النتائج المرجوة، وهذا كان أحيانًا كثيرًا يُضيع على الفريق فرصة تحقيق إنجازات حقيقية بدلًا من قول "وااااو مباراة ممتعة لروما لكن الحظ لم يسعفه وخسر" ! الفريق تعلم تمامًا من درس بايرن ميونيخ وخاصة مدربه رودي جارسيا ولذا لعب واجه البارسا بالعقلية الإيطالية المقتنعة بأن الغاية تبرر الوسيلة وأن البداية بنقطة أمام بطل الثلاثية للموسم الماضي شيء ليس بالسيء أبدًا ويستحق العناء والجهد.
اختار جارسيا أفضل عناصره لبدء اللقاء، أحببت قراره بوضع دي روسي مع سيدو كيتا وناينجولان في الوسط وعدم إعادة نائب القائد لخط الدفاع، لأن وجوده في الوسط أهم كثيرًا ولأن هفواته في الدفاع قد تكلف الكثير ... أشيد كثيرًا بوضع فلورينزي في الجانب الأيمن من الدفاع، لأن سرعته ونشاطه قادرة على التصدي لسرعة ونشاط نيمار على يسار البارسا، فيما مايكون بثقلة وبطئه لن يستطيع فعل هذا .. هذا رغم أن وجود فلورينزي في الثلاثي الهجومي كان أيضًا سيضيف للفريق، لكن وجوده في يمين الدفاع أفضل وأهم.
المدافع الجديد أنتوني روديجير لعب مباراة كبيرة، وقرار جارسا بمنحه الفرصة ضد فروزينوني كان ممتازًا لأنه أعده لمواجهة البارسا. تدخلات اللاعب كانت جيدة جدًا داخل منطقة الجزاء رغم بعض الهفوات البسيطة .. مدافع أعتقد سيكون مكسب مهم للجالوروسي هذا الموسم وفيما بعد.
روما لعب بطريقة 4-3-3 لكنها كانت على أرض الملعب تطبق بـ6-3-1 بعودة الثنائي محمد صلاح وياجو فالكي لمساندة الدفاع، الاستراتيجية كانت بأن يلتزم الظهير الأيمن فلورينزي مع نيمار داخل منطقة الجزاء فيما يتفرغ صلاح لمواجهة ألبا القادم من الخلف وتترك مهمة مواجهة إنيستا للاعب الوسط كيتا .. في الجانب الآخر، فالكي كلف بمواجهة سيرجي ناينجولان واجه راكيتيتش وانضم لوكاس دين لثنائي الدفاع للمساهمة في التغطية العكسية ومراقبة سواريز حين يتحرك في اليمين ... نجحت الخطة تمامًا، لأن كل لاعب أدى دوره بجدية وتضحية ودون فلسفة زائدة، وقد ساعدهم بطء تحركات برشلونة وغياب الدعم من الوسط والظهيرين !.
في الهجوم، كان الاعتماد على السرعة واستغلال المساحات الفارغة في نصف ملعب برشلونة .. جارسيا علم أن منافسه سيستحوذ ويهاجم ويترك المساحات، ولذا منح التعليمات بمنح الكرة لصلاح أو فالكي أو فلورينزي مجرد استعادتها، والثلاثي مسؤول عن نقل الكرة لملعب البارسا والانطلاق بها للأمام مع مساعده دجيكو ... الهجوم المرتد الجماعي لم يكن ضمن أبجديات طريقة لعب روما اليوم سوى في دقاق معدودة، الاستحواذ على الكرة وتبادل التمريرات الجماعية وصولًا لنصف ملعب البارسا لم يكن خيارًا اليوم، كان الهدف نقل الكرة سريعًا جدًا .. إما بتمريرة طويلة أو انطلاقة سريعة، لمحاولة استغلال المساحات الفارغة وبطء مدافعي البارسا، ولكم أن تروا أن روما استحوذ بنسبة 25% فقط ولم يمرر سوى 236 تمريرة فقط منهم 170 ناجحة، مقابل 719 تمريرة للبارسا منهم 645 ناجحة ! فارق كبير يعكس استراتيجية لعب كل فريق.
ملاحظة رقمية صغيرة، تمريرات روما للأمام كانت 108 من 170 ناجحة، أي ما يزيد على نصف تمريرات الفريق، وهذا يشرح استراتيجية وطريقة اللعب .. لا وقت لتبادل التمريرات، لا نريد استحواذ، بل لعب الكرة للأمام لمحاولة مباغتتة البارسا.
استراتيجية اللعب نجحت دفاعيًا إلى حد كبير، لم يهدد البارسا مرمى تشيزني أو دي سانتيس سوى عبر ليونيل ميسي، لكن لم ينجح الفريق بتنفيذ أي هجمات -سوى نادرًا- بعيدًا عن لمسات نجمه الأرجنتيني. الظهيران لم يقدما أي دعم، لاعبا الوسط لم يخترقا أبدًا، والمهاجمان نيمار وسواريز عزلا بشكل كبير بعيدًا عن المنظومة ... هذا نتيجة الضغط القوي في وسط الملعب، السرعة والحيوية في الرقابة والتدخل واتخاذ القرار من مدافعي روما، التضحية الدفاعة من الجميع، والفرص التي صنعها ميسي تكفل حارسا المرمى بالتصدي لها.
نقطة سلبية هنا، ناينجولان ! اللاعب الذي يُعد الأفضل في روما هذا الموسم لم يقدم المباراة المطلوبة، امتاز بالعصبية والخشونة وشيء من التهور في التمركز والتغطية، ولولا مساهمة ياجو فالكي له دفاعيًا ومساندة دي روسي من العمق وعدم تقدم راكيتيتش للأمام كثيرًا لكانت تلك هي الثغرة الأبرز في الوسط.
هجوميًا، لم ينجح الفريق في تنفيذ ما أراد ورغم هذا لم يغير أبدًا من طريقة لعبه .. ربما لأنه لم يتعرض لموقف البحث عن هدف التعادل طويلًا. جارسيا حاول الوصول لمرمى تيرتشيجن كما يريد وبالأسلوب الذي تحدثنا عنه، لكن لم ينجح، ورغم الفشل لم يغير من أسلوبه سوى لدقائق في نهاية اللقاء وبشيء من الحماس ورغبة اللاعبين وشعورهم بالثقة وأنهم قادرون على فعلها. لماذا لم ينجح؟ لأن البارسا تنبه وخاف من الوقوع في هذا الفخ، لم يترك الكثير من المساحات ولم يندفع كثيرًا للهجوم خاصة من الظهيرين لأن إنريكي يعي تمامًا العقلية الإيطالية ويعي تمامًا ما الذي قد تفعله سرعة صلاح وفالكي بدفاعه. ولم ينجح أيضًا لأن اللعب كان فرديًا بشكل مبالغ به قليلًا من اللاعبين، وربما هم اضطروا إلى هذا في أوقات كثيرة، لكن في أوقات أخرى كانت هناك خيارات أخرى لكن لم تستغل جيدًا.
رودي جارسيا لم يغير من اللاعبين سوى مضطرًا أو متأخرًا، وهذا طبيعي جدًا لأن الفريق كان يؤدي المطلوب منه بامتياز ولأن النتيجة تسير وفق ما يريده المدرب الفرنسي .. لابد من الإشادة بمورجان دي سانتيس الذي وجه نفسه فجأة في مواجهة أقوى هجوم في العالم، وقد اختبر جيدًا ونجح بامتياز، البعض قد يعاتب دجيكو على أدائه، لكن ما الذي قد يفعله المهاجم في هكذا وضع؟ ربما كان مطلوبًا منه لعب دور المحطة الهوائية لزملائه القادمين من الخلف لكن روما لم يمرر الكرة طوليًا له سوى قليلًا جدًا ولذا هو كان معزول وحده يحاول منع بيكيه وماثيو وبوسكيتش من التقدم للهجوم !.
محمد صلاح، لعب مباراة جيدة جدًا اليوم، وممتازة تكتيكيًا .. صلاح بدأ يتعلم الإيطالية، بدأ يتعلم العقلية الإيطالية، بدأ ينضج تكتيكيًا، بدأ يفهم أن كرة القدم ليست جري بالكرة فقط وليست انطلاقة سريعة للأمام .. صلاح يتعلم ويتطور ويتحسن وهذا ممتاز للغاية. اليوم لعب مباراة ممتازة دفاعيًا، ساهم بدوره ونفذ المطلوب منه بجودة جيدة جدًا، هجوميًا لم يقدم الأفضل وأحيانًا كان فردي أكثر من اللازم وأحيانًا اضطر لهذا ! لكن بشكل عام، صلاح أثبت أنه قادر على اللعب في إيطاليا وأن يكون أساسيًا في روما.
أختم بالحديث عن أليساندرو فلورينزي .. اللاعب الجوكر في روما، اللاعب الأكثر جرينتا وحماسًا وقتالية، اللاعب الذي يُعد الامتداد الطبيعي لسلسلة توتي دي روسي فلورينزي. كل شيء رائع من هذا اللاعب، وقد توج عطاءه وجهده بالهدف الجميل جدًا .. هذا الللاعب لا يتقاضى سوى 1.7 مليون يورو سنويًا وهو الأقل من المجموعة الأساسية في فريق العاصمة الإيطالية، وهو بالتأكيد يستحق مكافأة تجديد وتحسين العقد.
برشلونة | لا ميسي .. لا حفلة، وما باليد حيلة !
هل خرج برشلونة خاسرًا من تلك المباراة؟ لا أظن .. الفريق وعلى رأسه المدرب لويس إنريكي كان قانعًا بنقطة التعادل إلى حد كبير، ولعب لتجنب الخسارة أكثر مما لعب للفوز .. نعم هاجم واستحوذ وأراد التسجيل، لكنه لم يغامر بالدرجة المطلوبة، لم يلعب الكل في الكل كما يقال إلا في اللحظات الأخيرة، الرضا بالنقطة كان حاضرًا والخوف من خسارتها كان موجودًا في ذهن المدرب واللاعبين ... وبشكل عام، برشلونة لم يخسر، تعادل في ملعب أقوى منافسيه في المجموعة ولا أعتقد سيجد مشكلة في التأهل متصدرًا !.
يقولون في روما "No Totti No Party"، أي لا وجود للحفلة والاحتفال إن غاب فرانشيسكو توتي عن المباراة .. وعلى البارسا رفع نفس الشعار لكن باستبدال توتي بليونيل ميسي ! No Messi No Party" ! وهذا لا يعني أن ميسي كان غائبًا اليوم ولذا البارسا خسر النقطتين، لكن يعني أن كل شيء في برشلونة يمر عبر ميسي، كل هجمة وكل فرصة تبدأ وتنتهي عند ميسي ! ميسي نقطة قوة برشلونة التي قد تصبح نقطة الضعف في حال لم يوفق اللاعب أو غاب أو تمت رقابته والسيطرة عليه وإن كانت الأخيرة شبه مستحيلة ! اليوم لم يكن ميسي في أفضل حالاته، اعتمد على التمريرات البينية فقط ومنها صنع أخطر فرص فريقه، لكنه لم ينجح في المراوغة ولم يسدد من بعيد وهذا نتيجة ضغط روما ودفاعه القوي في الوسط وعمق الملعب ونتيجة أيضًا إصرار اللاعب على التحرك في العمق لا الطرف الأيمن أو الأيسر .. ميسي حاصر نفسه اليوم وسهل من مهمة روما لحصاره، ولذا لم يظهر سوى بلمسات بسيطة وإن كانت خطيرة لكن لم تستغل من زملائه. نتيجة هذا أن غاب هجوم برشلونة وعجز عن اختراق دفاع روما المنظم والقوي، نتيجة هذا لم يحتفل البارسا بالفوز !.
برشلونة اليوم لعب كرة البارسا التقليدية تمامًا، لعب من "الكتالوج" ... مرر لليمين، مرر لليسار،، مرر من جديد لليمين، عد لليسار، حاول المراوغة، قطعت الكرة، استعد الكرة، مرر لليمين، مرر لليسار، حاول تمرير كرة بينية، لسواريز أو نيمار، قطعت الكرة، استعدها، مرر لليمين، مرر لليسار، عد لليمين، حاول المراوغة من العمق .. وهكذا ! كرة قدم محفوظة تمامًا، ونسق متشابه وجمل مكررة حفظها جمهور الكرة قبل العاملين بها ! طبعًا لاعب واحد فقط يستطيع خرق تلك المنظومة وفعل المعجزة وقتما يريد ... ليونيل ميسي !
هذا الأسلوب من برشلونة كان ناجحًا جدًا قديمًا، لأنه كان جديدًا جدًا وفعالًا جدًا، اليوم لينجح يحتاج أن يطبق بجودة تصل لـ70-80% على الأقل، والبقية يتكفل بها ليونيل ! واليوم لم يطبق بتلك الجودة ! بل عابه 3 أمور ... 1- البطء الشديد في كل شيء، سواء التفكير أو القرار أو التمرير وهو ما سمح لدفاع روما دومًا بتنظيم نفسه سريعًا بعد أي إرباك يحدث .. 2- الإصرار على العمق، دومًا حاول البارسا الاختراق من العمق، سواء بالمراوغة أو التمريرة البينية، لم يتحرك إنيستا وراكيتيتش أبدًا للطرفين لفتح الملعب عرضيًا وخلخلة دفاع روما، ولم يتقدم الظهيرين إلا قليلًا ولم يصلا لمنطقة جزاء الجالوروسي سوى نادرًا، وحتى نيمار وسواريز بقيا داخل عمق منطقة الجزاء وإن خرجا خرجا لعمق وسط الملعب ! وهذا الأمر سهل من مهمة دفاع روما لأنه جعله دومًا متماسك ويلعب في مساحة صغيرة وضيقة مما ساعده فنيًا وبدنيًا ... 3- غياب الحلول الإبداعية والمبتكرة إلا من ميسي، البارسا عودنا في تلك المباريات أن يبتكر كرة قدم جديدة، أن يتقدم راكيتيتش فجأة ويُصبح هو رأس الحربة، أن يتوغل إنيستا من اليسار لداخل منطقة الجزاء ليتلقى تمريرة نيمار الذي يكون قد غادر المنطقة، أن يتقدم ألبا فجأة ليصبح مهاجم أيسر لا ظهير أيسر، أن يسدد ميسي أو غيره، أن يتقدم بيكيه فجأة ليساند الهجوم .. كل تلك الحلول المبتكرة غابت اليوم، حتى التسديد من بعيد لم يكن حاضرًا، فقط ميسي من حاول بتمريرات البينية الممتازة لكن النهاية من الزملاء لم تكن كما يجب أو تألق الحارس في التصدي للمحاولات.
ملاحظة رقمية تؤكد مشاكل البارسا الهجومية، اللاعبون حاولوا الانطلاق والمراوغة بالكرة 21 مرة، نجحوا في 13 .. أين؟ 6 مرات من العمق، مرة من اليمين، 0 من اليسار !! الفريق سدد 16 مرة، 3 فقط على المرمى ! 14 تسديدة من العمق، واحدة من اليمين وأخرى من اليسار ! و31% فقط من تلك التسديدات جاء من خارج منطقة الجزاء. التمريرات 719، 177 منها للأمام، 208 لليمين، و219 لليسار و115 للخلف ! اضغط للمزيد من الأرقام عن المباراة
بالطبع حل تلك المشاكل كان سهلًا، شيء من السرعة في الأداء وقد لاحظنا أن أخطر فرص البارسا من تحرك جماعي جاءت في الدقيقة الأولى من الشوط الثاني نتيجة أول لعبة سريعة في المباراة ! وأيضًا منح تعليمات للظهيرين ولاعبي الوسط بالتقدم أكثر ودعم الهجوم .. لكن كما قلت، إنريكي خاف من الواقعية الإيطالية، خاف من سرعة روما في الارتداد من الدفاع للهجوم، ولذا فضل البقاء كما هو ومحاولة خطف هدف الفوز بميسي أو غيره، لكن دون مجازفة.
في تلك المباريات، تكون الحاجة ماسة للدعم من دكة البدلاء، لإنعاش الفريق هجوميًا، لضخ دماء جديدة جائعة لتحقيق إنجاز شخصي يخلق الإنجاز الجماعي ... لكن إنريكي لا يملك شيئًا هنا ! هنا يقول ما باليد حيلة ! من اللاعب الذي قد يُشركه المدرب ويغير من وجه الفريق؟ من القادر على مساعدته هجوميًا؟ رافينيا فقط هو الورقة الرابحة وقد شارك وتعرض للإصابة، ولذا البارسا سيتعب كثيرًا حتى يأتي يناير ويتمكن من إشراك لاعبيه الجدد وشراء المزيد ... لا أفهم كيف ممكن أن يواصل برشلونة موسمه إن تعرض أحد عناصره الأساسية لإصابة صعبة وطويلة؟ من القادر على تعويض نيمار أو سواريز أو ميسي أو راكيتيتش أو بوسكيتش أو غيرهم؟ ألم يكن من الممكن إقناع بيدرو بالبقاء حتى يناير على الأقل مع وعده باللعب أساسيًا لـ10 مباريات مثلًا؟ وهو ليس باللاعب السيء وقادر على الإضافة وشغل مكانه جيدًا.
أخيرًا، لا أرى الحارس تيرتشيجن أخطأ بقوة في هدف روما الوحيد .. من الطبيعي أن يتقدم حارس المرمى تلك المسافة البسيطة مادام فريقه متقدمًا في نصف ملعب المنافس ! الغير طبيعي أن يُسدد فلورينزي تلك الكرة البعيدة بتلك القوة والإتقان ! لا يمكن لوم الحارس الألماني على تلك اللقطة ولا يمكن منحه تعليمات بالوقوف في مرماه رغم أن أقرب زميل له يبعد عنه عشرات الأمتار !.goal.
دعونا نحلل أداء الطرفين ...
هي واحدة من المباريات القليلة التي نرى بها روما يلعب كرة قدم إيطالية من حيث العقلية والواقعية والثبات والجرينتا ! اعتدنا على روما مختلف .. روما يمنح الأولوية لتقديم كرة قدم ممتعة وجميلة حتى لو لم تحصد النتائج المرجوة، وهذا كان أحيانًا كثيرًا يُضيع على الفريق فرصة تحقيق إنجازات حقيقية بدلًا من قول "وااااو مباراة ممتعة لروما لكن الحظ لم يسعفه وخسر" ! الفريق تعلم تمامًا من درس بايرن ميونيخ وخاصة مدربه رودي جارسيا ولذا لعب واجه البارسا بالعقلية الإيطالية المقتنعة بأن الغاية تبرر الوسيلة وأن البداية بنقطة أمام بطل الثلاثية للموسم الماضي شيء ليس بالسيء أبدًا ويستحق العناء والجهد.
اختار جارسيا أفضل عناصره لبدء اللقاء، أحببت قراره بوضع دي روسي مع سيدو كيتا وناينجولان في الوسط وعدم إعادة نائب القائد لخط الدفاع، لأن وجوده في الوسط أهم كثيرًا ولأن هفواته في الدفاع قد تكلف الكثير ... أشيد كثيرًا بوضع فلورينزي في الجانب الأيمن من الدفاع، لأن سرعته ونشاطه قادرة على التصدي لسرعة ونشاط نيمار على يسار البارسا، فيما مايكون بثقلة وبطئه لن يستطيع فعل هذا .. هذا رغم أن وجود فلورينزي في الثلاثي الهجومي كان أيضًا سيضيف للفريق، لكن وجوده في يمين الدفاع أفضل وأهم.
المدافع الجديد أنتوني روديجير لعب مباراة كبيرة، وقرار جارسا بمنحه الفرصة ضد فروزينوني كان ممتازًا لأنه أعده لمواجهة البارسا. تدخلات اللاعب كانت جيدة جدًا داخل منطقة الجزاء رغم بعض الهفوات البسيطة .. مدافع أعتقد سيكون مكسب مهم للجالوروسي هذا الموسم وفيما بعد.
روما لعب بطريقة 4-3-3 لكنها كانت على أرض الملعب تطبق بـ6-3-1 بعودة الثنائي محمد صلاح وياجو فالكي لمساندة الدفاع، الاستراتيجية كانت بأن يلتزم الظهير الأيمن فلورينزي مع نيمار داخل منطقة الجزاء فيما يتفرغ صلاح لمواجهة ألبا القادم من الخلف وتترك مهمة مواجهة إنيستا للاعب الوسط كيتا .. في الجانب الآخر، فالكي كلف بمواجهة سيرجي ناينجولان واجه راكيتيتش وانضم لوكاس دين لثنائي الدفاع للمساهمة في التغطية العكسية ومراقبة سواريز حين يتحرك في اليمين ... نجحت الخطة تمامًا، لأن كل لاعب أدى دوره بجدية وتضحية ودون فلسفة زائدة، وقد ساعدهم بطء تحركات برشلونة وغياب الدعم من الوسط والظهيرين !.
في الهجوم، كان الاعتماد على السرعة واستغلال المساحات الفارغة في نصف ملعب برشلونة .. جارسيا علم أن منافسه سيستحوذ ويهاجم ويترك المساحات، ولذا منح التعليمات بمنح الكرة لصلاح أو فالكي أو فلورينزي مجرد استعادتها، والثلاثي مسؤول عن نقل الكرة لملعب البارسا والانطلاق بها للأمام مع مساعده دجيكو ... الهجوم المرتد الجماعي لم يكن ضمن أبجديات طريقة لعب روما اليوم سوى في دقاق معدودة، الاستحواذ على الكرة وتبادل التمريرات الجماعية وصولًا لنصف ملعب البارسا لم يكن خيارًا اليوم، كان الهدف نقل الكرة سريعًا جدًا .. إما بتمريرة طويلة أو انطلاقة سريعة، لمحاولة استغلال المساحات الفارغة وبطء مدافعي البارسا، ولكم أن تروا أن روما استحوذ بنسبة 25% فقط ولم يمرر سوى 236 تمريرة فقط منهم 170 ناجحة، مقابل 719 تمريرة للبارسا منهم 645 ناجحة ! فارق كبير يعكس استراتيجية لعب كل فريق.
ملاحظة رقمية صغيرة، تمريرات روما للأمام كانت 108 من 170 ناجحة، أي ما يزيد على نصف تمريرات الفريق، وهذا يشرح استراتيجية وطريقة اللعب .. لا وقت لتبادل التمريرات، لا نريد استحواذ، بل لعب الكرة للأمام لمحاولة مباغتتة البارسا.
استراتيجية اللعب نجحت دفاعيًا إلى حد كبير، لم يهدد البارسا مرمى تشيزني أو دي سانتيس سوى عبر ليونيل ميسي، لكن لم ينجح الفريق بتنفيذ أي هجمات -سوى نادرًا- بعيدًا عن لمسات نجمه الأرجنتيني. الظهيران لم يقدما أي دعم، لاعبا الوسط لم يخترقا أبدًا، والمهاجمان نيمار وسواريز عزلا بشكل كبير بعيدًا عن المنظومة ... هذا نتيجة الضغط القوي في وسط الملعب، السرعة والحيوية في الرقابة والتدخل واتخاذ القرار من مدافعي روما، التضحية الدفاعة من الجميع، والفرص التي صنعها ميسي تكفل حارسا المرمى بالتصدي لها.
نقطة سلبية هنا، ناينجولان ! اللاعب الذي يُعد الأفضل في روما هذا الموسم لم يقدم المباراة المطلوبة، امتاز بالعصبية والخشونة وشيء من التهور في التمركز والتغطية، ولولا مساهمة ياجو فالكي له دفاعيًا ومساندة دي روسي من العمق وعدم تقدم راكيتيتش للأمام كثيرًا لكانت تلك هي الثغرة الأبرز في الوسط.
هجوميًا، لم ينجح الفريق في تنفيذ ما أراد ورغم هذا لم يغير أبدًا من طريقة لعبه .. ربما لأنه لم يتعرض لموقف البحث عن هدف التعادل طويلًا. جارسيا حاول الوصول لمرمى تيرتشيجن كما يريد وبالأسلوب الذي تحدثنا عنه، لكن لم ينجح، ورغم الفشل لم يغير من أسلوبه سوى لدقائق في نهاية اللقاء وبشيء من الحماس ورغبة اللاعبين وشعورهم بالثقة وأنهم قادرون على فعلها. لماذا لم ينجح؟ لأن البارسا تنبه وخاف من الوقوع في هذا الفخ، لم يترك الكثير من المساحات ولم يندفع كثيرًا للهجوم خاصة من الظهيرين لأن إنريكي يعي تمامًا العقلية الإيطالية ويعي تمامًا ما الذي قد تفعله سرعة صلاح وفالكي بدفاعه. ولم ينجح أيضًا لأن اللعب كان فرديًا بشكل مبالغ به قليلًا من اللاعبين، وربما هم اضطروا إلى هذا في أوقات كثيرة، لكن في أوقات أخرى كانت هناك خيارات أخرى لكن لم تستغل جيدًا.
رودي جارسيا لم يغير من اللاعبين سوى مضطرًا أو متأخرًا، وهذا طبيعي جدًا لأن الفريق كان يؤدي المطلوب منه بامتياز ولأن النتيجة تسير وفق ما يريده المدرب الفرنسي .. لابد من الإشادة بمورجان دي سانتيس الذي وجه نفسه فجأة في مواجهة أقوى هجوم في العالم، وقد اختبر جيدًا ونجح بامتياز، البعض قد يعاتب دجيكو على أدائه، لكن ما الذي قد يفعله المهاجم في هكذا وضع؟ ربما كان مطلوبًا منه لعب دور المحطة الهوائية لزملائه القادمين من الخلف لكن روما لم يمرر الكرة طوليًا له سوى قليلًا جدًا ولذا هو كان معزول وحده يحاول منع بيكيه وماثيو وبوسكيتش من التقدم للهجوم !.
محمد صلاح، لعب مباراة جيدة جدًا اليوم، وممتازة تكتيكيًا .. صلاح بدأ يتعلم الإيطالية، بدأ يتعلم العقلية الإيطالية، بدأ ينضج تكتيكيًا، بدأ يفهم أن كرة القدم ليست جري بالكرة فقط وليست انطلاقة سريعة للأمام .. صلاح يتعلم ويتطور ويتحسن وهذا ممتاز للغاية. اليوم لعب مباراة ممتازة دفاعيًا، ساهم بدوره ونفذ المطلوب منه بجودة جيدة جدًا، هجوميًا لم يقدم الأفضل وأحيانًا كان فردي أكثر من اللازم وأحيانًا اضطر لهذا ! لكن بشكل عام، صلاح أثبت أنه قادر على اللعب في إيطاليا وأن يكون أساسيًا في روما.
أختم بالحديث عن أليساندرو فلورينزي .. اللاعب الجوكر في روما، اللاعب الأكثر جرينتا وحماسًا وقتالية، اللاعب الذي يُعد الامتداد الطبيعي لسلسلة توتي دي روسي فلورينزي. كل شيء رائع من هذا اللاعب، وقد توج عطاءه وجهده بالهدف الجميل جدًا .. هذا الللاعب لا يتقاضى سوى 1.7 مليون يورو سنويًا وهو الأقل من المجموعة الأساسية في فريق العاصمة الإيطالية، وهو بالتأكيد يستحق مكافأة تجديد وتحسين العقد.
برشلونة | لا ميسي .. لا حفلة، وما باليد حيلة !
هل خرج برشلونة خاسرًا من تلك المباراة؟ لا أظن .. الفريق وعلى رأسه المدرب لويس إنريكي كان قانعًا بنقطة التعادل إلى حد كبير، ولعب لتجنب الخسارة أكثر مما لعب للفوز .. نعم هاجم واستحوذ وأراد التسجيل، لكنه لم يغامر بالدرجة المطلوبة، لم يلعب الكل في الكل كما يقال إلا في اللحظات الأخيرة، الرضا بالنقطة كان حاضرًا والخوف من خسارتها كان موجودًا في ذهن المدرب واللاعبين ... وبشكل عام، برشلونة لم يخسر، تعادل في ملعب أقوى منافسيه في المجموعة ولا أعتقد سيجد مشكلة في التأهل متصدرًا !.
يقولون في روما "No Totti No Party"، أي لا وجود للحفلة والاحتفال إن غاب فرانشيسكو توتي عن المباراة .. وعلى البارسا رفع نفس الشعار لكن باستبدال توتي بليونيل ميسي ! No Messi No Party" ! وهذا لا يعني أن ميسي كان غائبًا اليوم ولذا البارسا خسر النقطتين، لكن يعني أن كل شيء في برشلونة يمر عبر ميسي، كل هجمة وكل فرصة تبدأ وتنتهي عند ميسي ! ميسي نقطة قوة برشلونة التي قد تصبح نقطة الضعف في حال لم يوفق اللاعب أو غاب أو تمت رقابته والسيطرة عليه وإن كانت الأخيرة شبه مستحيلة ! اليوم لم يكن ميسي في أفضل حالاته، اعتمد على التمريرات البينية فقط ومنها صنع أخطر فرص فريقه، لكنه لم ينجح في المراوغة ولم يسدد من بعيد وهذا نتيجة ضغط روما ودفاعه القوي في الوسط وعمق الملعب ونتيجة أيضًا إصرار اللاعب على التحرك في العمق لا الطرف الأيمن أو الأيسر .. ميسي حاصر نفسه اليوم وسهل من مهمة روما لحصاره، ولذا لم يظهر سوى بلمسات بسيطة وإن كانت خطيرة لكن لم تستغل من زملائه. نتيجة هذا أن غاب هجوم برشلونة وعجز عن اختراق دفاع روما المنظم والقوي، نتيجة هذا لم يحتفل البارسا بالفوز !.
برشلونة اليوم لعب كرة البارسا التقليدية تمامًا، لعب من "الكتالوج" ... مرر لليمين، مرر لليسار،، مرر من جديد لليمين، عد لليسار، حاول المراوغة، قطعت الكرة، استعد الكرة، مرر لليمين، مرر لليسار، حاول تمرير كرة بينية، لسواريز أو نيمار، قطعت الكرة، استعدها، مرر لليمين، مرر لليسار، عد لليمين، حاول المراوغة من العمق .. وهكذا ! كرة قدم محفوظة تمامًا، ونسق متشابه وجمل مكررة حفظها جمهور الكرة قبل العاملين بها ! طبعًا لاعب واحد فقط يستطيع خرق تلك المنظومة وفعل المعجزة وقتما يريد ... ليونيل ميسي !
هذا الأسلوب من برشلونة كان ناجحًا جدًا قديمًا، لأنه كان جديدًا جدًا وفعالًا جدًا، اليوم لينجح يحتاج أن يطبق بجودة تصل لـ70-80% على الأقل، والبقية يتكفل بها ليونيل ! واليوم لم يطبق بتلك الجودة ! بل عابه 3 أمور ... 1- البطء الشديد في كل شيء، سواء التفكير أو القرار أو التمرير وهو ما سمح لدفاع روما دومًا بتنظيم نفسه سريعًا بعد أي إرباك يحدث .. 2- الإصرار على العمق، دومًا حاول البارسا الاختراق من العمق، سواء بالمراوغة أو التمريرة البينية، لم يتحرك إنيستا وراكيتيتش أبدًا للطرفين لفتح الملعب عرضيًا وخلخلة دفاع روما، ولم يتقدم الظهيرين إلا قليلًا ولم يصلا لمنطقة جزاء الجالوروسي سوى نادرًا، وحتى نيمار وسواريز بقيا داخل عمق منطقة الجزاء وإن خرجا خرجا لعمق وسط الملعب ! وهذا الأمر سهل من مهمة دفاع روما لأنه جعله دومًا متماسك ويلعب في مساحة صغيرة وضيقة مما ساعده فنيًا وبدنيًا ... 3- غياب الحلول الإبداعية والمبتكرة إلا من ميسي، البارسا عودنا في تلك المباريات أن يبتكر كرة قدم جديدة، أن يتقدم راكيتيتش فجأة ويُصبح هو رأس الحربة، أن يتوغل إنيستا من اليسار لداخل منطقة الجزاء ليتلقى تمريرة نيمار الذي يكون قد غادر المنطقة، أن يتقدم ألبا فجأة ليصبح مهاجم أيسر لا ظهير أيسر، أن يسدد ميسي أو غيره، أن يتقدم بيكيه فجأة ليساند الهجوم .. كل تلك الحلول المبتكرة غابت اليوم، حتى التسديد من بعيد لم يكن حاضرًا، فقط ميسي من حاول بتمريرات البينية الممتازة لكن النهاية من الزملاء لم تكن كما يجب أو تألق الحارس في التصدي للمحاولات.
ملاحظة رقمية تؤكد مشاكل البارسا الهجومية، اللاعبون حاولوا الانطلاق والمراوغة بالكرة 21 مرة، نجحوا في 13 .. أين؟ 6 مرات من العمق، مرة من اليمين، 0 من اليسار !! الفريق سدد 16 مرة، 3 فقط على المرمى ! 14 تسديدة من العمق، واحدة من اليمين وأخرى من اليسار ! و31% فقط من تلك التسديدات جاء من خارج منطقة الجزاء. التمريرات 719، 177 منها للأمام، 208 لليمين، و219 لليسار و115 للخلف ! اضغط للمزيد من الأرقام عن المباراة
بالطبع حل تلك المشاكل كان سهلًا، شيء من السرعة في الأداء وقد لاحظنا أن أخطر فرص البارسا من تحرك جماعي جاءت في الدقيقة الأولى من الشوط الثاني نتيجة أول لعبة سريعة في المباراة ! وأيضًا منح تعليمات للظهيرين ولاعبي الوسط بالتقدم أكثر ودعم الهجوم .. لكن كما قلت، إنريكي خاف من الواقعية الإيطالية، خاف من سرعة روما في الارتداد من الدفاع للهجوم، ولذا فضل البقاء كما هو ومحاولة خطف هدف الفوز بميسي أو غيره، لكن دون مجازفة.
في تلك المباريات، تكون الحاجة ماسة للدعم من دكة البدلاء، لإنعاش الفريق هجوميًا، لضخ دماء جديدة جائعة لتحقيق إنجاز شخصي يخلق الإنجاز الجماعي ... لكن إنريكي لا يملك شيئًا هنا ! هنا يقول ما باليد حيلة ! من اللاعب الذي قد يُشركه المدرب ويغير من وجه الفريق؟ من القادر على مساعدته هجوميًا؟ رافينيا فقط هو الورقة الرابحة وقد شارك وتعرض للإصابة، ولذا البارسا سيتعب كثيرًا حتى يأتي يناير ويتمكن من إشراك لاعبيه الجدد وشراء المزيد ... لا أفهم كيف ممكن أن يواصل برشلونة موسمه إن تعرض أحد عناصره الأساسية لإصابة صعبة وطويلة؟ من القادر على تعويض نيمار أو سواريز أو ميسي أو راكيتيتش أو بوسكيتش أو غيرهم؟ ألم يكن من الممكن إقناع بيدرو بالبقاء حتى يناير على الأقل مع وعده باللعب أساسيًا لـ10 مباريات مثلًا؟ وهو ليس باللاعب السيء وقادر على الإضافة وشغل مكانه جيدًا.
أخيرًا، لا أرى الحارس تيرتشيجن أخطأ بقوة في هدف روما الوحيد .. من الطبيعي أن يتقدم حارس المرمى تلك المسافة البسيطة مادام فريقه متقدمًا في نصف ملعب المنافس ! الغير طبيعي أن يُسدد فلورينزي تلك الكرة البعيدة بتلك القوة والإتقان ! لا يمكن لوم الحارس الألماني على تلك اللقطة ولا يمكن منحه تعليمات بالوقوف في مرماه رغم أن أقرب زميل له يبعد عنه عشرات الأمتار !.goal.