متلازمة تضرب 70 % من المجتمع والمشاهير.. فماذا عنك؟!
جو 24 : هل حدث أنك مدحت أحداً لنجاحه وتفوّقه ومهاراته أو لحسن هيئته فأجابك "إنه أمر عاديّ، القليل من الحظ والمصادفة أوصلاني إلى ما أنا عليه"! أولئك الأشخاص موجودون فعلاً – ربما نكون منهم- تظنّ أن تواضعهم زائد لكنّهم فعلاً لا يقدّرون ما حقّقوه أو أنّهم لا يدركون قيمة إنجازاتهم لا بل يعتقدون أنّهم في مكان لا يستحقّونه وأن ظروفاً ساعدتهم. أنت، إذاً، أمام شخص يعاني الـ" Impostor syndrome"، وهي متلازمة يشك فيها الشخص بقدراته فينفي أن ما حققه من نجاح ومراكز وتفوّق هو نتيجة جهده الشخصي ومهاراته، ويعزو نجاحه إلى عناصر خارجيّة مثل الحظ وعلاقته الوديّة بالناس. فمن هم أولئك الأشخاص ولماذا يفكرون ويجيبون بهذه الطريقة وهل نحن منهم؟
أصابت مشاهير
فلنكن في بداية عرضنا إيجابيين جداً بخلاف أصحاب المتلازمة، ولنعدد أمثلة عن بعض المتفوقين منهم الذين ذكرتهم الدكتورة فاليري يونغ في كتابها عن "الأفكار السرية للمرأة الناجحة: لماذا يعاني الناس البارعون من هذه المتلازمة؟ (...)"*، مثل مايا أنجيلو وجودي فوستر وكايت وينسلت وميرل ستريب إضافة إلى كاتب السيناريو تشاك لور. بدوره الكاتب نيل غيمان صرح بذلك خلال مناظرة له عام 2012 في جامعة فيلادليفا. كما ذكر جون فيشر في كتابه عن سيرة حياة الكوميدي تومي كوبر أنه عانى من هذه المتلازمة*. كذلك ذكر الصحافي جيم هولت في مقال له في "النيويوركر" (شباط 2005) أن العالِم ألبرت أينشتاين قد عانى هذه المتلازمة في نهاية حياته إذ أبدى في آذار 1955، أي قبل شهرين من وفاته، أمام عدد من المقربين بينهم إليزابيث ملكة بلجيكا، امتعاضه من التقدير المبالغ بما يُشعره بالتعب الكبير إلى حد اعتبار نفسه بالمشعوذ غير الطوعيّ. أخيراً، ظهرت الممثلة إيما واتسون على غلاف مجلة "فوغ البريطانية" (أيلول الجاري) مصرحة أنها تعاني من هذه المتلازمة ومن فقدان الثقة بقدراتها التمثيلية بعد انتهاء تصوير سلسلة "هاري بوتر" قبل سنوات.
الفتيات أولاً
اختصاصية التدريب الذاتي جوزيان خوري تشرح في حديث لـ"النهار" ملابسات هذه المتلازمة وأسبابها بدءاً ممن يعانونها "إذ يولدون غالباً في عائلات متواضعة ويرافقهم شعور بالدونيّة فحتى لو استلموا أهم المراكز يشعرون أنهم ليسوا في مكانهم. وينسحب هذا الشعور على الفتيات خصوصاً بسبب نظرة المجتمع لهنّ رغم تحقيقهنّ نجاحات باهرة. أضف إلى ذلك أن شخصية أحد الوالدين القويّة ومحاولة الأهل تحقيق أحلامهم من خلال أولادهم حيث يضعون في رؤوسهم طموحات واختصاصات قد تكون أكبر من طاقاتهم، ومقارنتهم بسواهم من الأولاد يضعهم في مأزق. فيبقى الولد في نظر نفسه مقصّراً مهما حقّق من نجاحات خلال تقدّمه في العمر، كما أنه يحاول في كثير من الحالات إما تقليد الآخرين الناجحين ومقارنة نفسه بهم وإما تقليد أحد أفراد العائلة إذا كان ناجحاً".
يعيش أصحاب هذه المتلازمة في وسواس دائم من النقد ومن التقصير في أي مجال كان، فإلى أي أسباب ترجعها الخوري؟ تجيب "لا يتقبّل أولئك الأشخاص أنفسهم ولا محدوديّة قدراتهم. عندما يكونون صغاراً يدرسون كثيراً في أوقات الامتحانات خوفاً من الرسوب وعند الامتحان يهربون منه بالمرض أو تعطّل السيارة أو... ليقولوا إن سبباً خارجياً حال دون إجرائهم للامتحان. يبقون خائفين من النتيجة ولا يعرفون إذا كانوا أجروا امتحاناً جيداً أم لا". وتضيف: "يخافون كثيراً من نقد الآخرين لهم، ويعملون بجهد مضاعف لئلا يتعرضوا للنقد في أي تفصيل".
معظمنا مصاب
لكن كيف يصل أولئك إلى أعلى المراكز وكيف يكونون نخبويين؟ تقول: "يعملون على تطوير أنفسهم بذاتهم ويسعون إلى تخطّي حدود قدراتهم وتحقيق ما هو أكبر منها ويضعون أهدافاً خياليّة لتحقيقها، الأمر الذي يجعلهم مرهقين نفسياً. كما أنهم ينتظرون نظرة الآخر لهم ويكدّون كثيراً لدرجة الإصابة بالإرهاق النفسي". أمام التحديات الكبيرة مثل التغيير في الحياة المهنية وقبيل الزواج والانجاب يجد الـ"impostors" أنفسهم أمام تحدّ كبير فيضاعفون عملهم وأبحاثهم كي يكونوا على قدر هذا التحدي، تعطي خوري مثالاً "تلجأ الفتيات بشكل خاص إلى قراءة الكثير من الكتب ليتعلّمن كيف تكون أفضل زوجة ووالدة صالحة وكيف تصنع أفضل عائلة. لكن المفارقة أن الأطفال لا يقدّرون جهود والدتهم وحتى الزوج الذي أحبّها على طبيعتها وهفواتها لا يريد كل هذه المثالية منها!".
يستحيل ألاّ يمرّ أحدنا بهذه الحالة كأن يخاف النقد ويعمل على تطوير ذاته، فهل كلّنا مصابون بهذه المتلازمة؟ "هذه الحالة تكون موقتة لدى البعض ودائمة لدى البعض الآخر وتختلف درجاتها بينهم. ثمة 70 في المئة من الأفراد يعانون هذه الحالة في لبنان والعالم لمرة أو أكثر خلال حياتهم" تقول الخوري.
الحلول موجودة
لماذا يجيبون على الإطراءات بهذا الشكل؟ "في أجوبتهم يشيرون إلى أن ثمة مسبّبات خارجية وذلك لأنهم يتجنّبون المواجهة ولا يعبّرون عن مشاعرهم ويعتقدون أنهم ليسوا جيّدين بما فيه الكفاية. عندما يسمعون الإطراءات يقلّلون من شأن نجاحهم الشخصي لنقص في تقدير الذات لديهم. في صغرهم يكونون الأوائل في صفوفهم ولامعين لكنهم يحاولون دوماً التقليل من شأن نجاحهم وكأنه عادي ولا يستدعي كل هذا الإعجاب، كما يتميّزون عادة بالتعبير الكتابي أكثر من الشفهي".
لاقت هذه المتلازمة اهتمام عدد كبير من علماء النفس والاجتماع فهي ليست بالجديدة، كما حظيت بعدد من الدراسات والكتب، فأي نتائج وعلاجات يمكن المدربين تقديمها للمعانين منها؟ تُفرغ الخوري الكثير من ذاتها في الجواب لكونها عاينت حالاتٍ عدة وعملت معها على تخطّي هذا الوضع فتقول: "حتى يتمكنوا من تخطي حالتهم عليهم أن يميّزوا بين نظرتهم إلى أنفسهم وبين نظرة الآخر لهم، وعليهم أن يقتنعوا بقدراتهم وبحدود طاقتهم. عليهم أن يتحدّثوا عن أخطائهم بشكل عادي وأن يسخروا ويضحكوا عليها وأن يتقبّلوها ويتعلّموا منها. عليهم أن يقدّروا ذواتهم". وتضيف في ما يخصّ تحقيقهم ذاتهم وطموحاتهم "بالنسبة إلى أهدافهم المستحيلة عليهم تجزئتها إلى أهداف صغيرة يحقّقونها على مراحل ساعين إلى التطوّر خلال كل مرحلة. أولئك الأشخاص هم مثاليون جداً لذا عليهم أن يعرفوا أن لا شيء كامل وأن الأخطاء من سنّة الحياة. عليهم أن يتصالحوا مع أنفسهم وينظرون إلى ما حققوه بإيجابية وفخر. فليعرفوا أنهم مميزون وفريدون وناجحون وليقدّروا ذواتهم".
(النهار)
أصابت مشاهير
فلنكن في بداية عرضنا إيجابيين جداً بخلاف أصحاب المتلازمة، ولنعدد أمثلة عن بعض المتفوقين منهم الذين ذكرتهم الدكتورة فاليري يونغ في كتابها عن "الأفكار السرية للمرأة الناجحة: لماذا يعاني الناس البارعون من هذه المتلازمة؟ (...)"*، مثل مايا أنجيلو وجودي فوستر وكايت وينسلت وميرل ستريب إضافة إلى كاتب السيناريو تشاك لور. بدوره الكاتب نيل غيمان صرح بذلك خلال مناظرة له عام 2012 في جامعة فيلادليفا. كما ذكر جون فيشر في كتابه عن سيرة حياة الكوميدي تومي كوبر أنه عانى من هذه المتلازمة*. كذلك ذكر الصحافي جيم هولت في مقال له في "النيويوركر" (شباط 2005) أن العالِم ألبرت أينشتاين قد عانى هذه المتلازمة في نهاية حياته إذ أبدى في آذار 1955، أي قبل شهرين من وفاته، أمام عدد من المقربين بينهم إليزابيث ملكة بلجيكا، امتعاضه من التقدير المبالغ بما يُشعره بالتعب الكبير إلى حد اعتبار نفسه بالمشعوذ غير الطوعيّ. أخيراً، ظهرت الممثلة إيما واتسون على غلاف مجلة "فوغ البريطانية" (أيلول الجاري) مصرحة أنها تعاني من هذه المتلازمة ومن فقدان الثقة بقدراتها التمثيلية بعد انتهاء تصوير سلسلة "هاري بوتر" قبل سنوات.
الفتيات أولاً
اختصاصية التدريب الذاتي جوزيان خوري تشرح في حديث لـ"النهار" ملابسات هذه المتلازمة وأسبابها بدءاً ممن يعانونها "إذ يولدون غالباً في عائلات متواضعة ويرافقهم شعور بالدونيّة فحتى لو استلموا أهم المراكز يشعرون أنهم ليسوا في مكانهم. وينسحب هذا الشعور على الفتيات خصوصاً بسبب نظرة المجتمع لهنّ رغم تحقيقهنّ نجاحات باهرة. أضف إلى ذلك أن شخصية أحد الوالدين القويّة ومحاولة الأهل تحقيق أحلامهم من خلال أولادهم حيث يضعون في رؤوسهم طموحات واختصاصات قد تكون أكبر من طاقاتهم، ومقارنتهم بسواهم من الأولاد يضعهم في مأزق. فيبقى الولد في نظر نفسه مقصّراً مهما حقّق من نجاحات خلال تقدّمه في العمر، كما أنه يحاول في كثير من الحالات إما تقليد الآخرين الناجحين ومقارنة نفسه بهم وإما تقليد أحد أفراد العائلة إذا كان ناجحاً".
يعيش أصحاب هذه المتلازمة في وسواس دائم من النقد ومن التقصير في أي مجال كان، فإلى أي أسباب ترجعها الخوري؟ تجيب "لا يتقبّل أولئك الأشخاص أنفسهم ولا محدوديّة قدراتهم. عندما يكونون صغاراً يدرسون كثيراً في أوقات الامتحانات خوفاً من الرسوب وعند الامتحان يهربون منه بالمرض أو تعطّل السيارة أو... ليقولوا إن سبباً خارجياً حال دون إجرائهم للامتحان. يبقون خائفين من النتيجة ولا يعرفون إذا كانوا أجروا امتحاناً جيداً أم لا". وتضيف: "يخافون كثيراً من نقد الآخرين لهم، ويعملون بجهد مضاعف لئلا يتعرضوا للنقد في أي تفصيل".
معظمنا مصاب
لكن كيف يصل أولئك إلى أعلى المراكز وكيف يكونون نخبويين؟ تقول: "يعملون على تطوير أنفسهم بذاتهم ويسعون إلى تخطّي حدود قدراتهم وتحقيق ما هو أكبر منها ويضعون أهدافاً خياليّة لتحقيقها، الأمر الذي يجعلهم مرهقين نفسياً. كما أنهم ينتظرون نظرة الآخر لهم ويكدّون كثيراً لدرجة الإصابة بالإرهاق النفسي". أمام التحديات الكبيرة مثل التغيير في الحياة المهنية وقبيل الزواج والانجاب يجد الـ"impostors" أنفسهم أمام تحدّ كبير فيضاعفون عملهم وأبحاثهم كي يكونوا على قدر هذا التحدي، تعطي خوري مثالاً "تلجأ الفتيات بشكل خاص إلى قراءة الكثير من الكتب ليتعلّمن كيف تكون أفضل زوجة ووالدة صالحة وكيف تصنع أفضل عائلة. لكن المفارقة أن الأطفال لا يقدّرون جهود والدتهم وحتى الزوج الذي أحبّها على طبيعتها وهفواتها لا يريد كل هذه المثالية منها!".
يستحيل ألاّ يمرّ أحدنا بهذه الحالة كأن يخاف النقد ويعمل على تطوير ذاته، فهل كلّنا مصابون بهذه المتلازمة؟ "هذه الحالة تكون موقتة لدى البعض ودائمة لدى البعض الآخر وتختلف درجاتها بينهم. ثمة 70 في المئة من الأفراد يعانون هذه الحالة في لبنان والعالم لمرة أو أكثر خلال حياتهم" تقول الخوري.
الحلول موجودة
لماذا يجيبون على الإطراءات بهذا الشكل؟ "في أجوبتهم يشيرون إلى أن ثمة مسبّبات خارجية وذلك لأنهم يتجنّبون المواجهة ولا يعبّرون عن مشاعرهم ويعتقدون أنهم ليسوا جيّدين بما فيه الكفاية. عندما يسمعون الإطراءات يقلّلون من شأن نجاحهم الشخصي لنقص في تقدير الذات لديهم. في صغرهم يكونون الأوائل في صفوفهم ولامعين لكنهم يحاولون دوماً التقليل من شأن نجاحهم وكأنه عادي ولا يستدعي كل هذا الإعجاب، كما يتميّزون عادة بالتعبير الكتابي أكثر من الشفهي".
لاقت هذه المتلازمة اهتمام عدد كبير من علماء النفس والاجتماع فهي ليست بالجديدة، كما حظيت بعدد من الدراسات والكتب، فأي نتائج وعلاجات يمكن المدربين تقديمها للمعانين منها؟ تُفرغ الخوري الكثير من ذاتها في الجواب لكونها عاينت حالاتٍ عدة وعملت معها على تخطّي هذا الوضع فتقول: "حتى يتمكنوا من تخطي حالتهم عليهم أن يميّزوا بين نظرتهم إلى أنفسهم وبين نظرة الآخر لهم، وعليهم أن يقتنعوا بقدراتهم وبحدود طاقتهم. عليهم أن يتحدّثوا عن أخطائهم بشكل عادي وأن يسخروا ويضحكوا عليها وأن يتقبّلوها ويتعلّموا منها. عليهم أن يقدّروا ذواتهم". وتضيف في ما يخصّ تحقيقهم ذاتهم وطموحاتهم "بالنسبة إلى أهدافهم المستحيلة عليهم تجزئتها إلى أهداف صغيرة يحقّقونها على مراحل ساعين إلى التطوّر خلال كل مرحلة. أولئك الأشخاص هم مثاليون جداً لذا عليهم أن يعرفوا أن لا شيء كامل وأن الأخطاء من سنّة الحياة. عليهم أن يتصالحوا مع أنفسهم وينظرون إلى ما حققوه بإيجابية وفخر. فليعرفوا أنهم مميزون وفريدون وناجحون وليقدّروا ذواتهم".
(النهار)