الأسد في موسكو ... سيناريو متخيل للمحادثات
عريب الرنتاوي
جو 24 : لم يكن الأسد ليغادر عرينه في هذا الظرف والتوقيت، إلا لأمرٍ جلل ... لا نعرف حتى الآن، كيف ومتى غادر سوريا على وجه الدقة ... بيد أننا نرجح أنه غادر إلى موسكو عن طريق اللاذقية، وعلى متن طائرة أو قطعة حربية روسية ... ونرجح أن الكشف عن الزيارة قد جاء بعد انتهائها ... فالظرف الاستثنائي في سوريا وعاصمتها وجوارها، لم يعد يترك للرئيس “ترف” السفر بالطرق السهلة والمعتادة. ليس لدينا من المعلومات عن الزيارة أي شيء على الإطلاق، سوى خبر وقوعها ... لكننا نجزم بأنها زيارة سياسية بامتياز، وأن البعد العسكري في المحادثات لم يأخذ حيزاً وافراً منها، ذلك أن موسكو اتخذت قرار الحرب في سوريا، وأرسلت الطائرات الحربية وحشدت الأساطيل، وجابت بأسلحتها البلاد طولاً وعرضاً، من دون أن يستدعي الأمر، سفر الرئيس إلى موسكو ... المسألة تركت للخبراء والعسكريين وسياسيي الصف الثاني من الجانب السوري. المؤكد أن محادثات الزعيمين الروسي والسوري، تركزت بالأساس حول مشاريع الحل السياسي للأزمة السورية، والمبادرات المتكاثرة التي تتطاير هنا وهناك، والتحولات على تطرأ على نحو سريع ومتقلب في مواقف الأطراف الإقليمية والدولية منها ... المؤكد أن لهذه المحادثات من الأهمية والحساسية، ما استدعى حضور الرئيس بشار الأسد، على عجل، إلى الكرملين، للقاء حليفه الدولي الأبرز والأهم على الإطلاق. ونضيف إلى ما سبق، أن المحادثات، تناولت بكل تأكيد موقع ومكانة الرئيس الأسد شخصياً، في الترتيبات الانتقالية المقترحة ... عند هذه النقطة، وعندها بالذات، لا أحد في سوريا مخوّل الحديث غير الرئيس ... وأجزم بأن لا أحد يجرؤ على نقل الرسائل أو تقديم الاقتراحات أو اقتراح التعديلات، حتى لا نقول بأن لا أحد يستطيع أن يرفع بتقرير إلى رئيسه الأعلى، حول ما سمع من محدثيه ... وحده الأسد، من يمكنه الحديث عن المسألة، وإبرام التفاهمات وعقد التسويات في هذا المجال .... وحده الرئيس من بمقدوره أن يقول نعم أو لا، أو “لعم” إن اقتضت الضرورة. لهذا كان لا بد من حضوره بأي شكل من الأشكال، ومع كل هذا الوجود البري والبحري والجوي الروسي على الأرض السورية، فمن الطبيعي أن تتكفل موسكو بكل إجراءات السلامة داخل سوريا وفي اجوائها، وفي الطريق إلى موسكو ومنها للعودة إلى دمشق ... كما كان طبيعياً أن تحاط الزيارة والزائر بكل هذه السرية. الزيارة تعني، وفق ما نرجح، أن موسكو شرعت في بلورة صيغة الحل النهائي للأزمة السورية ... وإنها تريد لعملياتها العسكرية الكثيفة فوق الأرض وفي الأجواء السورية، أن تتزامن وتتوازى مع عملية سياسية ... وربما تعطي الزيارة مصداقاً للتكهنات التي تحدثت عن اتصالات عميقة في القنوات الخلفية، بين موسكو وواشنطن وعواصم المنطقة والعالم ذات الصلة، من إجل إخراج هذا الحل إلى دائرة الضوء . عند هذه النقطة، وعندها بالذات أيضاً، يتعين الاستماع إلى مواقف الأسد، ومن الأسد شخصياً،حيال مسألة الحكومة “الانتقالية” أو حكومة “الاتحاد الوطني”، تكوينها وصلاحياتها، وكيف تلتقي وأين تتعارض مع صلاحيات الرئيس ... هنا لا بد من حديث مصارحة مع الأسد، حول مستقبله السياسي، سواء في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المبكرة، أو في غيرها ... هل يقبل بانتخابات رئاسية مبكرة، متى وكيف، وهل ينوي الترشح لها، أم يكتفي بمن يعتقد أنه يمثله ويمثل نظامه، ويصون مصالح حلفائه في الداخل والإقليم، ويحفظ مصائر الطائفة العلوية والأقليات الأخرى في سوريا. موجة الحديث عن الحل السياسي، وعن قبول أمريكي – غربي – تركي بدور للأسد في المرحلة الانتقالية، عادت للتصاعد خلال الساعات القليلة الماضية، بعد أن سبقتها موجة تصعيد صاحبت التدخل الروسي في سوريا، والموجة الراهنة تستأنف موجة سابقة أظهرت فيها دول عدة، استعدادها للقبول بـ “دورٍ ما” للأسد في مرحلة الانتقال، حتى أن أردوغان قالها بعد زيارة موسكو، ومسؤولون أتراك كرروها قبل ساعات، وجون كيري لم يعد يشترط رحيل الأسد “الآن”، وتبعته “جوقة” من وزراء الخارجية الغربيين ... مثل هذا “الاضطراب” في المشهد السياسي، الإقليمي والدولي، يعكس الحاجة للوصول إلى حل سياسي للأزمة السورية من جهة، مثلما يشف عن صعوبة “ابتلاع” بقاء الأسد لمرحلة أبعد من المحطة الانتقالية التي يجري الحديث عنها من جهة ثانية. روسيا التي أظهرت التزاماً وانتظاماً بدعم النظام السوري، تدرك تمام الإدراك أن دفاعها عن مصالحها في سوريا (وليس عن الأسد كما تقول موسكو)، يوجب اعتماد نهج التزامن والتوازي بين الحرب على الإرهاب والعملية السياسية ... ومثلما تحرص روسيا على تفادي أي “صدام عسكري” مع الولايات المتحدة وحلفائها، فوق سوريا أو على ترابها، فإنها تحرص أيضاً على عدم “الصدام السياسي” إلى حدود يصعب معها تجنب مخاطر الانزلاق إلى “حرب بالوكالة” أو حتى ما هو أبعد وأخطر من ذلك. “اللغة الانتصارية” التي يتناول بها حلفاء دمشق خبر زيارة الأسد إلى موسكو، قد لا تكون مناسبة لوصف الحدث وتداعياته، وأحسب أنه يتعين على عقلائهم التريث قليلاً قبل الوصول إلى الاستنتاجات الكبرى المتأسسة على هذه الزيارة ... سيما إذا صحت تقديراتنا بأنها في أحسن الأحوال، “ستخصم” من صلاحيات الرئيس، وفي أسوئها ستنتهي إلى خلاف وشقاق، ولكن بعد فوات الأوان، وبخلاف رغبة الأسد ومصلحته، فالأسد اليوم، لم يعد الضامن الرئيس للمصالح الروسية في بلاده، بعد أن أصبح فلاديمير بوتين هو الضامن الأكبر، لبقائه وبقاء نظامه، وربما لبقاء سوريا.