القبول الجامعي بين (طلب العلم) والسعي وراء (الشهادة)!
أظهرت سياسات القبول الجامعي لمؤسسات التعليم العالي حالة من «الاستغلال» و»التناقض وعدم التنسيق» بين سياسات الدولة واستشراف حاجاتها المستقبلية وتعزيز اهداف وادوار تلك المؤسسات في تلبية حاجات المجتمع.
كما تكشف تلك السياسات عن دور سلبي لتلك المؤسسات يتمثل في زيادة اعباء الدولة، التي اثقلتها ظاهرة «البطالة» خصوصا بين صفوف المتعلمين، خصوصا الحاصلين على شهادات جامعية.
وتكشف ايضا عن فهم خاطىء لمفهوم التعليم العالي لدى المواطن نفسه المتأثر بنظرة اجتماعية، يتجسد بان الهدف من هذا المرحلة من التعليم الحصول على الشهادة، وليس التعليم، رغم بعد المسافاة بينهما، وسط عجز المؤسسات المعنية من معالجة هذا الفهم الخاطئ.
هذا التشخيص، خلاصة لقراءة لواقع القبولات الجامعية، التي تشكل في الفترة الحالية «الشغل الشاغل» لغالبية المواطنين.
فعند استعراض واقع التخصصات التي طرحت الجامعات القبول فيها، فإنها تتضمن تخصصات وبرامج صنفها ديوان الخدمة المدنية، ضمن دراسة «واقع العرض والطلب على التخصصات العلمية» في الخدمة المدنية على مدار السنوات الماضية، بأنها تخصصات مشبعة او راكدة.
اتاحت القبول في مثل هذه التخصصات، والذي قد يغلف تبرير طرحه تحت بند «حق التعليم»، يقرأ بانه محاولة استغلال من الجامعات لشغف الاردنيين للتعليم الجامعي، لتعزيز الموارد المالية لها وتعزيز وضعها المالي من خلال استقطاب أكبر عدد ممكن من الطلبة، خصوصا في البرامج الموازية.
هذه الحالة، تفرض على القائمين على سياسات القبول الجامعي، وتحديدا مجلس التعليم العالي، من خلال ذراعه التنفيذي للقبول «وحدة تنسيق القبول الموحد» ان توضح في الوصف التوضيحي للتخصصات ومجالات العمل في المستقبل، تصنيف التخصص كما ورد في دراسة ديوان الخدمة المدينة، إذ ان الوصف التوضيحي المدرج على صفحة الوحدة لا يتضمن اية معلومات حول الواقع الحقيقي العملي للتخصص وفرص العمل فيه، والاكتفاء في مجالات العمل وتوصيف لطبيعة التخصص.
وتكشف عملية تقسيم الجامعات الى «جامعات جاذبة» وأخرى «طاردة»، وكذلك التخصصات ومراحل التعليم العالي ( دبلوم بكالوريس او دراسات عليا) والتي هي نتيجة لنسب القبول في الجامعات عن مفهوم خاطىء لدى المواطنين للتعليم العالي واهدافه، يتمثل في ان هدف المواطن السعي وراء الشهادة وليس للتعلم والتعليم، وان «الشهادة الجامعية» باتت في ثقافة المواطن الاردني، إحدى المتطلبات الاجتماعية بإعتبار ان الجامعي الاكاديمي افضل من المهني والتقني. هذا الفهم الخاطئ يعززه الاقبال الشديد على جامعات، بغض النظر عن التخصصات، والعزوف الواضح عن جامعات تطرح تخصصات قد تكون افضل، في مفاضلة تقوم على اساس «تاريخ الانشاء».
ولعل قرارات مجلس التعليم العالي، التي جاءت بعد اعلان نتائج القبول الموحد في الجامعات، بإتاحة القبول في جامعات معنية، لجميع فئات الطلبة، تؤكد هذا الواقع المستمر منذ سنوات.
إستمرارية هذا الواقع، يكشف عن حالة «عجز» في سياسات القبول واسسه، والتي تتطلب إعادة نظر جذرية لها، بحيث تصبح تقوم على معايير علمية وعملية تأخذ بالاعتبار الحاجات الوطنية في البعد الكمي لعملية القبول في التخصصات، وكذلك الرغبة والقدرة الاكاديمية لدى الطالب.
وتكشف دراسة ديوان الخدمة عن هذا الواقع «الصعب»، إذ ان اهدافها تؤشر بشكل واضح اليه، إذ انها تهدف الى ربط عملية تخطيط التعليم العالي مع البعد الجغرافي ومراعاة الاحتياجات الفعلية للمحافظات وفقاً للنوع الاجتماعي والمتغيرات الأخرى المتعلقة بخصوصية المحافظة.
الى جانب ربط عملية القبول في مؤسسات التعليم العالي ما أمكن بالاحتياجات الفعلية للمناطق الجغرافية على مستوى المحافظات من خلال الاطلاع على التخصصات الراكدة والمشبعة.
والتأكيد على تغيير الثقافة المجتمعية الخاصة بالوظيفة الحكومية، وتشجيع طلبة الثانوية العامة وخريجي المؤسسات التعليمية على التوجه نحو المهن والأعمال التي يوفرها سوق العمل.
والتشديد على ضرورة الحد من تأثر عملية التسجيل والقبول في الجامعات باعتبارات ثقافية ومجتمعية ومالية وقصرها على احتياجات سوق العمل الفعلية، على ضوء ما ورد في هذه الدراسة ونحوها من مؤشرات (..) وتشجيع أبناء المحافظات على التوجه نحو التخصصات والمهن التي تحتاجها محافظاتهم.
والمطالبة بوقف عملية التكدس في بعض التخصصات لاسيما بين الإناث في المساقات الإنسانية والتعليمية وخصوصا لدى حملة دبلوم كلية المجتمع، والتوسع في نسب القبول في التخصصات التقنية والتطبيقية وتوجيه الخريجين نحو اكتساب المستوى المعرفي الكافي والمهارات والقدرات التي تمكنهم من الانخراط في سوق العمل بسهولة والعمل على دعم قدرات الطلبة في مراحل الدراسة وإكسابهم المهارات التي تمكنهم من التعامل مع التقنيات الحديثة وتسويق أنفسهم.
تنذر سياسات القبول الجامعي المطبقة حاليا، بتفاقم المشاكل والقضايا الوطنية من فقر وبطالة وحالة من التضخم بين حملة الشهادات الجامعية وفرص العمل المتاحة، ما يتطلب «الفورية في إعادة النظر اسس القبول وتعزيز التنسيق بين الجهات المختصة بما يضمن تحقيق رؤية وطنية متكاملة. الراي