ما بعد هطول الأمطار؟
جو 24 : يتجه الهطول المطري لمعدلات قياسية على مستوى المنطقة والعالم أيضاً، وذلك مؤشر على اعتلال في الطبيعة يعبر عن نفسه في التطرف في درجات الحرارة والظواهر المناخية.
وإذا كانت الصدمة العالمية كبيرة وعميقة بعد التسونامي الذي ضرب المحيط الهندي ليذهب ضحيته أكثر من 230 ألف شخص، فإن هذه الظاهرة مرشحة لأن تكون أكثر حضوراً في المستقبل، وخلال الأسبوع الفائت استقبلت المكسيك الإعصار الأقوى في التاريخ، مع العلم بأن الأعاصير لم تعد ظاهرة ترتبط بالمحيطين الأطلسي والهادي، ولكنها توسعت لتشمل المحيط الهندي أيضاً، وبجانب ذلك العواصف المطرية والرعدية الشديدة وما زالت مشاهد انهيار رافعة الحرم المكي الشريف ماثلة في الأذهان.
لا توجد دولة واحدة في العالم تستطيع أن تتحدى الطبيعة، الإنسان ما زال كائناً متواضعاً أمام الغضب الذي يعتري الطبيعة من وقت لآخر، ونستغرب أن الإنسانية ما زالت تواصل التخريب المتعمد للطبيعة من أجل مكاسب مهما كانت عظيمة فهي محدودة في النهاية.
في الأردن وبلدان الجوار بدأ الشتاء بقوة خلال عاصفة أخيرة كان من شأنها أن تخلف وراءها أضراراً كبيرة في مصر ولبنان وفلسطين، وكانت الإسكندرية المدينة الساحلية الأكبر في جنوب المتوسط لقيت الحصة الأكبر من الخسائر سواء المادية أو البشرية، مع أن المدينة الساحلية عادة ما تشهد شتاء عنيفاً، إلا أن معدلات الهطول الأخيرة كانت تفوق قدرة المدينة على التعامل مع المياه المتدفقة والتي تحولت إلى سيول وشلالات في بعض أحيائها.
عادة ما يكون نصيب الأردن من العواصف القادمة من الشمال والمتوسط، أقل من غيره وذلك لأن سلاسل الجبال على الساحل السوري واللبناني تتلقى الضربة الأولى من العواصف، ولكن ذلك لا يشكل استثناء بأن الأردن أمام امتحان حقيقي لقدرته على إدارة الأزمات، مع فصل الشتاء الذي يشهد بداية قوية.
إن أحد أصول التعامل مع الأزمة هو الواقعية، فليس من الطبيعي لمدن جبلية مثل الأردن ألا تتضرر بصورة كبيرة من معدلات الهطول المطري وذلك لأنها تجد عوامل متعددة تزيد من اندفاع المياه، ولذلك فإن الجهات المسؤولة يجب أن تصارح الأردنيين بطبيعة التحديات التي يمكن أن تواجهها المملكة خلال الأشهر القادمة، ودون أن تسرف بأية وعود وعليها أيضاً أن تقدم برنامجاً واضحاً للتعامل مع الظروف المختلفة، أو ما يسمى بالبروتوكول الإجرائي في حالات الطوارئ، فلماذا تستيقظ المناطق التعليمية وهي متوترة وقلقة وتنتظر تفويضاً من وزارة التربية لتعطيل المدارس، بينما يمكن منذ البداية وضع قائمة بالمؤشرات التي يتوجب على مدير المنطقة التعليمية أن يتخذها فوراً بمجرد حدوثها، كأن يتعدى معدل الهطول حاجزاً معيناً.
لماذا تنتظر الشركات تعميمات من الحكومة بينما وقائع الموسم المطري والشتاء ماثلة أمام أصحاب القرار.
فالخروج في الثلج أو السيول يمكنه أن يسبب اختناقات مرورية كبيرة ستؤدي لإفشال أية جهود مهما كانت كبيرة ومنظمة من أجل التعامل مع الطوارئ، وعلى ذلك فالمطلوب هو بناء ثقافة للتعامل مع الطوارئ المناخية، وتحديد ظروفها، ووضع مؤشرات عملية لما يمكن أن تتحمله البنية التحتية والأجهزة المعنية بحماية أرواح المواطنين وممتلكاتهم مثل الدفاع المدني والأمن العام. يتوقع أن مواطنا يخرج من بيته أن يجد جميع الظروف في خدمته، وألا يشكل المطر عائقاً أمام وصوله إلى مكان عمله، وسيصب غضبه على الحكومة ومختلف المؤسسات لو وجد أن واحداً من الطرق التي يسلكها خارج الخدمة ولو لفترة قصيرة.
مع أن الأمر المناسب هو أن يحدد دوره ضمن منظومة متكاملة من التعاون المجتمعي، فإذا كان وضعه الصحي يمكنه من المساهمة في مساعدة الآخرين فعليه أن يبادر بذلك، وعليه أن يتأكد من أولوية مرور الأشخاص الأقل قدرة منه على التعامل مع الأوضاع الاستثنائية مثل الأطفال وكبار السن، بمعنى أن يتحول إلى عنصر فاعل في مواجهة الطوارئ بدلاً من تحوله إلى عبء على الأجهزة المسؤولة عن المواجهة المهنية للأوضاع الطارئة، والتي عادة ما تجد عوائق عملية تتمثل في أرتال الساخطين والمنتقدين، بالإضافة إلى الإحباط النفسي الذي يلحق بالرجال الذين يبذلون أقصى ما يستطيعون لخدمة المجتمع.
ذلك لا يجب أن يكون مبرراً لتقصير أو إهمال، ويجب التقييم الواقعي والمتزن والعادل للاستعدادات من مختلف الجهات، مع تجنب أن يكون الانتقادات لتصفية الحسابات أو تقديم بعض الأشخاص أنفسهم بدلاء محتملين لأي شخص، فالتنظير مسألة سهلة للغاية، ولكن الأزمات تمتلك منطقها الخاص وظروفها المختلفة، والمواجهة الفعالة للأزمة تتمثل في التماسك والتعاون والارتقاء على الصغائر أثناء الأزمة، ولاحقاً التقييم العقلاني وأخذ الدروس المستفادة ومحاسبة أي مقصر.
الراي
وإذا كانت الصدمة العالمية كبيرة وعميقة بعد التسونامي الذي ضرب المحيط الهندي ليذهب ضحيته أكثر من 230 ألف شخص، فإن هذه الظاهرة مرشحة لأن تكون أكثر حضوراً في المستقبل، وخلال الأسبوع الفائت استقبلت المكسيك الإعصار الأقوى في التاريخ، مع العلم بأن الأعاصير لم تعد ظاهرة ترتبط بالمحيطين الأطلسي والهادي، ولكنها توسعت لتشمل المحيط الهندي أيضاً، وبجانب ذلك العواصف المطرية والرعدية الشديدة وما زالت مشاهد انهيار رافعة الحرم المكي الشريف ماثلة في الأذهان.
لا توجد دولة واحدة في العالم تستطيع أن تتحدى الطبيعة، الإنسان ما زال كائناً متواضعاً أمام الغضب الذي يعتري الطبيعة من وقت لآخر، ونستغرب أن الإنسانية ما زالت تواصل التخريب المتعمد للطبيعة من أجل مكاسب مهما كانت عظيمة فهي محدودة في النهاية.
في الأردن وبلدان الجوار بدأ الشتاء بقوة خلال عاصفة أخيرة كان من شأنها أن تخلف وراءها أضراراً كبيرة في مصر ولبنان وفلسطين، وكانت الإسكندرية المدينة الساحلية الأكبر في جنوب المتوسط لقيت الحصة الأكبر من الخسائر سواء المادية أو البشرية، مع أن المدينة الساحلية عادة ما تشهد شتاء عنيفاً، إلا أن معدلات الهطول الأخيرة كانت تفوق قدرة المدينة على التعامل مع المياه المتدفقة والتي تحولت إلى سيول وشلالات في بعض أحيائها.
عادة ما يكون نصيب الأردن من العواصف القادمة من الشمال والمتوسط، أقل من غيره وذلك لأن سلاسل الجبال على الساحل السوري واللبناني تتلقى الضربة الأولى من العواصف، ولكن ذلك لا يشكل استثناء بأن الأردن أمام امتحان حقيقي لقدرته على إدارة الأزمات، مع فصل الشتاء الذي يشهد بداية قوية.
إن أحد أصول التعامل مع الأزمة هو الواقعية، فليس من الطبيعي لمدن جبلية مثل الأردن ألا تتضرر بصورة كبيرة من معدلات الهطول المطري وذلك لأنها تجد عوامل متعددة تزيد من اندفاع المياه، ولذلك فإن الجهات المسؤولة يجب أن تصارح الأردنيين بطبيعة التحديات التي يمكن أن تواجهها المملكة خلال الأشهر القادمة، ودون أن تسرف بأية وعود وعليها أيضاً أن تقدم برنامجاً واضحاً للتعامل مع الظروف المختلفة، أو ما يسمى بالبروتوكول الإجرائي في حالات الطوارئ، فلماذا تستيقظ المناطق التعليمية وهي متوترة وقلقة وتنتظر تفويضاً من وزارة التربية لتعطيل المدارس، بينما يمكن منذ البداية وضع قائمة بالمؤشرات التي يتوجب على مدير المنطقة التعليمية أن يتخذها فوراً بمجرد حدوثها، كأن يتعدى معدل الهطول حاجزاً معيناً.
لماذا تنتظر الشركات تعميمات من الحكومة بينما وقائع الموسم المطري والشتاء ماثلة أمام أصحاب القرار.
فالخروج في الثلج أو السيول يمكنه أن يسبب اختناقات مرورية كبيرة ستؤدي لإفشال أية جهود مهما كانت كبيرة ومنظمة من أجل التعامل مع الطوارئ، وعلى ذلك فالمطلوب هو بناء ثقافة للتعامل مع الطوارئ المناخية، وتحديد ظروفها، ووضع مؤشرات عملية لما يمكن أن تتحمله البنية التحتية والأجهزة المعنية بحماية أرواح المواطنين وممتلكاتهم مثل الدفاع المدني والأمن العام. يتوقع أن مواطنا يخرج من بيته أن يجد جميع الظروف في خدمته، وألا يشكل المطر عائقاً أمام وصوله إلى مكان عمله، وسيصب غضبه على الحكومة ومختلف المؤسسات لو وجد أن واحداً من الطرق التي يسلكها خارج الخدمة ولو لفترة قصيرة.
مع أن الأمر المناسب هو أن يحدد دوره ضمن منظومة متكاملة من التعاون المجتمعي، فإذا كان وضعه الصحي يمكنه من المساهمة في مساعدة الآخرين فعليه أن يبادر بذلك، وعليه أن يتأكد من أولوية مرور الأشخاص الأقل قدرة منه على التعامل مع الأوضاع الاستثنائية مثل الأطفال وكبار السن، بمعنى أن يتحول إلى عنصر فاعل في مواجهة الطوارئ بدلاً من تحوله إلى عبء على الأجهزة المسؤولة عن المواجهة المهنية للأوضاع الطارئة، والتي عادة ما تجد عوائق عملية تتمثل في أرتال الساخطين والمنتقدين، بالإضافة إلى الإحباط النفسي الذي يلحق بالرجال الذين يبذلون أقصى ما يستطيعون لخدمة المجتمع.
ذلك لا يجب أن يكون مبرراً لتقصير أو إهمال، ويجب التقييم الواقعي والمتزن والعادل للاستعدادات من مختلف الجهات، مع تجنب أن يكون الانتقادات لتصفية الحسابات أو تقديم بعض الأشخاص أنفسهم بدلاء محتملين لأي شخص، فالتنظير مسألة سهلة للغاية، ولكن الأزمات تمتلك منطقها الخاص وظروفها المختلفة، والمواجهة الفعالة للأزمة تتمثل في التماسك والتعاون والارتقاء على الصغائر أثناء الأزمة، ولاحقاً التقييم العقلاني وأخذ الدروس المستفادة ومحاسبة أي مقصر.
الراي