من الطائرة الإثيوبية وصولاً إلى الروسية ... إليكم ما تجهلونه
جو 24 : في 7 نيسان 1922 اصطدمت طائرة "دي هافيلاند" (DH.18A) التابعة لطيران ديملر الإنكليزي بطائرة تابعة لشركة فرنسية فوق منطقة پيكاردي في فرنسا متسببة بمقتل سبعة أشخاص. واعتُبرت تلك الحادثة حينها الأولى في تاريخ الطيران المدني لتتبعَها حوادث مأسوية آخرها تحطم الطائرة الروسية في منطقة شرم الشيخ المصرية. هذه المآسي التي ذهب ضحيتها ألوف من الركاب تنوعت أسبابها بين عطل تقني، أو خطأ بشري، أو عوامل طبيعية أو اختطاف وأحداث إرهابية.
الترقية بدلاً من المحاسبة؟
في 31 تشرين الأول تحطمت طائرة "إيرباص إيه 321" تابعة لشركة "كوغاليم أفيا" الروسية في رحلتها رقم 9268، وهي في طريقها من #شرم_الشيخ إلى مدينة سان بطرسبورغ الروسية، وعلى متنها 224 راكباً لقوا جميعاً حتفهم. الأمر الذي استدعى من #السلطات_الروسية إرسال لجنة تحقيق في الحادث، الذي ما زالت نتائجه تتأرجح بين فرضية الخطأ البشري والعمل الإرهابي. إلاَّ أنَّ المفاجأة كانت بقرار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بترقية اللواء عبد الوهاب علي من مدير لمطار شرم الشيخ إلى مساعد رئيس الشركة للعمليات بعدما تمَّت إحالة سلفه على التقاعد. هذه الخطوة جاءت في ظرف غير ملائم طُرحت فيه علامات استفهام حول مفهوم المحاسبة في العالم العربي؟
"ما من ترقية لمدير مطار شرم الشيخ"، هذا ما يؤكده الصحافي يوسف العومي، رئيس قسم السياحة والسفر في صحيفة "المصري اليوم" في اتصال مع "النهار"، موضحاً أنَّ "اللواء الطيار مُتعاقد مع وزارة الطيران المدني ولم ينتهِ عقد العمل معه، والخطوة التي حصلت ليست بترقية بل جرى بحسب ما نقول في مصر "ركنه" في وظيفة غير ذات فاعلية كمساعد لرئيس مجلس إدارة، بمعنى آخر أن لا دور فعلياً له في هذا المنصب. قرار النقل مُرتبط بالشركة المُشغِّلة لمطار شرم الشيخ وهي "الشركة المصرية للمطارات" ورئيسها هو من اتخذ القرار ولا دخل للرئيس السيسي فيه، ولكن لا يمكن الأول أن يتحمل قراراً كهذا من دون تشاور مع الوزير المختص. قد يكون هناك تقصير من مدير مطار شرم الشيخ، الذي يعتبر المطار الثالث في مصر من حيث حركة الركاب والطيران، ولكن ذلك مرتبط بمجرى التحقيقات التي تجريها لجنة مكونة من 5 جهات برئاسة #مصر وعضوية إيرلندا الدولة المالكة، وروسيا الدولة المُشغِّلة، وألمانيا الدولة المصممة، وفرنسا الدولة المصنِّعة للطائرة، وخبراء من الإيكا ومن شركة "إيرباص". وقد وضعت هذه اللجنة 11 احتمالاً لسقوط الطائرة، الأول بحسب الأولوية قد يكون انفجاراً ناتجاً من خزان الوقود، ثانياً انشطار في جانح الطائرة، والاحتمال الأخير رقم 11 تكلَّم عن عبوة ناسفة. لكنَّ بعض الدول تروِّج للاحتمال الأخير في وقتٍ لم يُختتم فيه التحقيق بغية تحويل الحادثة إلى موضوع سياسي وصراع بين قوى عالمية، ستذهب مصر فيه "فرق عملة"، المسألة لم تكن لتستحق كل هذا التضخيم لولا الوجود الروسي والتضارب مع الدور البريطاني في المنطقة".
أداء استثنائي للبنان
لبنان بدوره، لم يكن بمنأى عن حوادث الطيران، فقد شهد عام 2010 سقوط #طائرة_إثيوبية بالقرب من الشواطىء اللبنانية بعد إقلاعها من مطار رفيق الحريري الدولي، آنذاك كان الوزير غازي العريضي يرأس وزارة الأشغال العامة والنقل، واستبعد يومها فرضية العمل التفجيري في قضية تحطم الطائرة، إذ إنَّ أجهزتها كانت تعمل بشكل سليم حتى لحظة سقوطها. العريضي نوَّه وقتذاك بأداء كل العاملين في المطار عموماً، والمراقبين الجويين خصوصاً، لا سيما منهم الفريق الذي كان يتابع العمل ليلة الكارثة. واتصلت "النهار" بالوزير العريضي لاستعادة تفاصيل الحادثة بعد مرور 5 سنوات واستيضاحه، فأخبر أنَّ "برج المراقبة لم يرتكب أي خطأ، وبعد عامين ونصف عام على الحادث وإنشاء لجنة تحقيق ضمت مكتب التحقيق الفدرالي من الولايات المتحدة الأميركية ومكتب التحقيق من فرنسا والمنظمة العالمية للطيران المدني أشاد الجميع بأداء الدولة اللبنانية ودورها. نحن تصرفنا بأمانة والمقارنة لا تجوز بحوادث أخرى. لبنان هذا البلد الصغير قام بعمل استثنائي. لم نتدخل في تفاصيل عمل لجنة تحقيق لتبقى الإجراءات حيادية وموضوعية، على رغم التأويلات والشائعات، إلاَّ أنَّ أي كلام رسمي لم يصدر في انتظار نتائج التحقيق. التقرير التفصيلي للجنة اعتُبر مستنداً أساسياً لعائلات الضحايا بغية معرفة الحقيقة، واضعاً المسؤولية على عاتق الطيار الذي لم يلتزم بتاتاً بتعليمات برج المراقبة الذي طلب منه مراراً تغيير حركة الطائرة بحسب ما أظهرته أشرطة التسجيل. لذا، نوَّهتُ بالأداء المهني للعاملين إذ إنهم قاموا بواجبهم كاملاً وعاشوا لحظات عصيبة. أما ما يُطرح من تحاليل في حادثة الطائرة الروسية يؤذي الحقيقة وعائلات الضحايا".
أين نحن من تحمُّل المسؤولية؟
وبعد مرور عامين على حادث الطائرة الإثيوبية، شهد شهر آب من العام 2012، سقوط طائرة تلودي بولاية جنوب كردفان السودانية أودت بحياة 23 شخصاً من بينهم وزراء ودستوريون وعسكريون كبار، ما دفع بمدير هيئة الطيران المدني السودانية محمد عبد العزيز إلى تقديم استقالته للرئيس عمر البشير، عازياً السبب إلى "ما تسببت فيه الحادثة من فجيعة وطنية ومصاب جلل، يقتضي تنحي المسؤول الأول عن سلطة الطيران المدني مهما كانت أسباب الحادث"، مبدياً "استعداده لتحمل نتائج أي تحقيقات وتبعات تترتب على الحادث بغية الإفساح في المجال لمراجعة البرنامج الإصلاحي الذي يخضع له الطيران المدني السوداني".
هذه الخطوة اعتُبرت لافتةً ونادرة، الأمر الذي يستدعي سؤالاً حول غياب الاستقالات في دول العالم العربي وتحمُّل المسؤولية أقله المعنوية في حوادث مماثلة؟ يجيب الدكتور طلال عتريسي، الأستاذ في علم الاجتماع في الجامعة اللبنانية "النهار" أنَّ "الخطورة في هذه المسألة تكمن في غياب المعايير التي على أساسها يُحكم على الأمور، سواء بالمعاقبة أو التنويه، مما يُحدث التباساً لدى الناس. المسألة مختلفة في الدول الغربية إذ المعايير أوضح، والقانون يردع الناس، وهناك خوف من خرق الأنظمة على رغم وجود حالات فساد إلا أنها تبقى في إطار ضيق. ولكن في الدول العربية، نظام المساءلة غير موجود، ولا المعيار المُعتمد لناحية الترقية والمعاقبة. أما السبب الثاني فهو علاقة السلطة بالمواقع، إذ إنَّ المسؤولين الفعليين أو المعنويين عن حادثة ما قد يحصلون على ترقية رسمية على استمرار "الولاء"، تعتبر ترقية غير مباشرة للسلطة، ما يمثِّل على المستوى السيكولوجي تماهياً بين المُخطىء والسلطة التي قامت بتعيينه في هذا المركز أو ذاك، في وقتٍ تقتضي الشجاعة تحمل المسؤولية. ثالثاً، غالباً ما يتمُّ في حوادث الطيران إلقاء المسؤولية على الطيار أو من مات بغية الهروب من تحمُّل المسؤولية".
آلاف الأرواح تُزهق وما من مسؤول، في حين أنَّ حريقاً في ملهى في العاصمة الرومانية بوخارست تسبب بمقتل 32 شخصاً دفع برئيس الوزراء الروماني إلى الاستقالة غداة تظاهر آلاف الرومانيين أمام مقر الحكومة في حادثة تحمَّل مسؤوليتها المعنوية كاملةً، فأين الشعب العربي والحكومات والأنظمة الحاكمة من هذا المبدأ؟.المصدر: "النهار"
سلوى أبو شقرا
الترقية بدلاً من المحاسبة؟
في 31 تشرين الأول تحطمت طائرة "إيرباص إيه 321" تابعة لشركة "كوغاليم أفيا" الروسية في رحلتها رقم 9268، وهي في طريقها من #شرم_الشيخ إلى مدينة سان بطرسبورغ الروسية، وعلى متنها 224 راكباً لقوا جميعاً حتفهم. الأمر الذي استدعى من #السلطات_الروسية إرسال لجنة تحقيق في الحادث، الذي ما زالت نتائجه تتأرجح بين فرضية الخطأ البشري والعمل الإرهابي. إلاَّ أنَّ المفاجأة كانت بقرار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بترقية اللواء عبد الوهاب علي من مدير لمطار شرم الشيخ إلى مساعد رئيس الشركة للعمليات بعدما تمَّت إحالة سلفه على التقاعد. هذه الخطوة جاءت في ظرف غير ملائم طُرحت فيه علامات استفهام حول مفهوم المحاسبة في العالم العربي؟
"ما من ترقية لمدير مطار شرم الشيخ"، هذا ما يؤكده الصحافي يوسف العومي، رئيس قسم السياحة والسفر في صحيفة "المصري اليوم" في اتصال مع "النهار"، موضحاً أنَّ "اللواء الطيار مُتعاقد مع وزارة الطيران المدني ولم ينتهِ عقد العمل معه، والخطوة التي حصلت ليست بترقية بل جرى بحسب ما نقول في مصر "ركنه" في وظيفة غير ذات فاعلية كمساعد لرئيس مجلس إدارة، بمعنى آخر أن لا دور فعلياً له في هذا المنصب. قرار النقل مُرتبط بالشركة المُشغِّلة لمطار شرم الشيخ وهي "الشركة المصرية للمطارات" ورئيسها هو من اتخذ القرار ولا دخل للرئيس السيسي فيه، ولكن لا يمكن الأول أن يتحمل قراراً كهذا من دون تشاور مع الوزير المختص. قد يكون هناك تقصير من مدير مطار شرم الشيخ، الذي يعتبر المطار الثالث في مصر من حيث حركة الركاب والطيران، ولكن ذلك مرتبط بمجرى التحقيقات التي تجريها لجنة مكونة من 5 جهات برئاسة #مصر وعضوية إيرلندا الدولة المالكة، وروسيا الدولة المُشغِّلة، وألمانيا الدولة المصممة، وفرنسا الدولة المصنِّعة للطائرة، وخبراء من الإيكا ومن شركة "إيرباص". وقد وضعت هذه اللجنة 11 احتمالاً لسقوط الطائرة، الأول بحسب الأولوية قد يكون انفجاراً ناتجاً من خزان الوقود، ثانياً انشطار في جانح الطائرة، والاحتمال الأخير رقم 11 تكلَّم عن عبوة ناسفة. لكنَّ بعض الدول تروِّج للاحتمال الأخير في وقتٍ لم يُختتم فيه التحقيق بغية تحويل الحادثة إلى موضوع سياسي وصراع بين قوى عالمية، ستذهب مصر فيه "فرق عملة"، المسألة لم تكن لتستحق كل هذا التضخيم لولا الوجود الروسي والتضارب مع الدور البريطاني في المنطقة".
أداء استثنائي للبنان
لبنان بدوره، لم يكن بمنأى عن حوادث الطيران، فقد شهد عام 2010 سقوط #طائرة_إثيوبية بالقرب من الشواطىء اللبنانية بعد إقلاعها من مطار رفيق الحريري الدولي، آنذاك كان الوزير غازي العريضي يرأس وزارة الأشغال العامة والنقل، واستبعد يومها فرضية العمل التفجيري في قضية تحطم الطائرة، إذ إنَّ أجهزتها كانت تعمل بشكل سليم حتى لحظة سقوطها. العريضي نوَّه وقتذاك بأداء كل العاملين في المطار عموماً، والمراقبين الجويين خصوصاً، لا سيما منهم الفريق الذي كان يتابع العمل ليلة الكارثة. واتصلت "النهار" بالوزير العريضي لاستعادة تفاصيل الحادثة بعد مرور 5 سنوات واستيضاحه، فأخبر أنَّ "برج المراقبة لم يرتكب أي خطأ، وبعد عامين ونصف عام على الحادث وإنشاء لجنة تحقيق ضمت مكتب التحقيق الفدرالي من الولايات المتحدة الأميركية ومكتب التحقيق من فرنسا والمنظمة العالمية للطيران المدني أشاد الجميع بأداء الدولة اللبنانية ودورها. نحن تصرفنا بأمانة والمقارنة لا تجوز بحوادث أخرى. لبنان هذا البلد الصغير قام بعمل استثنائي. لم نتدخل في تفاصيل عمل لجنة تحقيق لتبقى الإجراءات حيادية وموضوعية، على رغم التأويلات والشائعات، إلاَّ أنَّ أي كلام رسمي لم يصدر في انتظار نتائج التحقيق. التقرير التفصيلي للجنة اعتُبر مستنداً أساسياً لعائلات الضحايا بغية معرفة الحقيقة، واضعاً المسؤولية على عاتق الطيار الذي لم يلتزم بتاتاً بتعليمات برج المراقبة الذي طلب منه مراراً تغيير حركة الطائرة بحسب ما أظهرته أشرطة التسجيل. لذا، نوَّهتُ بالأداء المهني للعاملين إذ إنهم قاموا بواجبهم كاملاً وعاشوا لحظات عصيبة. أما ما يُطرح من تحاليل في حادثة الطائرة الروسية يؤذي الحقيقة وعائلات الضحايا".
أين نحن من تحمُّل المسؤولية؟
وبعد مرور عامين على حادث الطائرة الإثيوبية، شهد شهر آب من العام 2012، سقوط طائرة تلودي بولاية جنوب كردفان السودانية أودت بحياة 23 شخصاً من بينهم وزراء ودستوريون وعسكريون كبار، ما دفع بمدير هيئة الطيران المدني السودانية محمد عبد العزيز إلى تقديم استقالته للرئيس عمر البشير، عازياً السبب إلى "ما تسببت فيه الحادثة من فجيعة وطنية ومصاب جلل، يقتضي تنحي المسؤول الأول عن سلطة الطيران المدني مهما كانت أسباب الحادث"، مبدياً "استعداده لتحمل نتائج أي تحقيقات وتبعات تترتب على الحادث بغية الإفساح في المجال لمراجعة البرنامج الإصلاحي الذي يخضع له الطيران المدني السوداني".
هذه الخطوة اعتُبرت لافتةً ونادرة، الأمر الذي يستدعي سؤالاً حول غياب الاستقالات في دول العالم العربي وتحمُّل المسؤولية أقله المعنوية في حوادث مماثلة؟ يجيب الدكتور طلال عتريسي، الأستاذ في علم الاجتماع في الجامعة اللبنانية "النهار" أنَّ "الخطورة في هذه المسألة تكمن في غياب المعايير التي على أساسها يُحكم على الأمور، سواء بالمعاقبة أو التنويه، مما يُحدث التباساً لدى الناس. المسألة مختلفة في الدول الغربية إذ المعايير أوضح، والقانون يردع الناس، وهناك خوف من خرق الأنظمة على رغم وجود حالات فساد إلا أنها تبقى في إطار ضيق. ولكن في الدول العربية، نظام المساءلة غير موجود، ولا المعيار المُعتمد لناحية الترقية والمعاقبة. أما السبب الثاني فهو علاقة السلطة بالمواقع، إذ إنَّ المسؤولين الفعليين أو المعنويين عن حادثة ما قد يحصلون على ترقية رسمية على استمرار "الولاء"، تعتبر ترقية غير مباشرة للسلطة، ما يمثِّل على المستوى السيكولوجي تماهياً بين المُخطىء والسلطة التي قامت بتعيينه في هذا المركز أو ذاك، في وقتٍ تقتضي الشجاعة تحمل المسؤولية. ثالثاً، غالباً ما يتمُّ في حوادث الطيران إلقاء المسؤولية على الطيار أو من مات بغية الهروب من تحمُّل المسؤولية".
آلاف الأرواح تُزهق وما من مسؤول، في حين أنَّ حريقاً في ملهى في العاصمة الرومانية بوخارست تسبب بمقتل 32 شخصاً دفع برئيس الوزراء الروماني إلى الاستقالة غداة تظاهر آلاف الرومانيين أمام مقر الحكومة في حادثة تحمَّل مسؤوليتها المعنوية كاملةً، فأين الشعب العربي والحكومات والأنظمة الحاكمة من هذا المبدأ؟.المصدر: "النهار"
سلوى أبو شقرا