2024-12-24 - الثلاثاء
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

التواصل الرقمي..عالم ما بعد البلادة!

التواصل الرقمي..عالم ما بعد البلادة!
جو 24 : حوادث مفجعة، جرائم وحشية، عويل أب أو أم على ابن فقيد، بكاء طفلة على أب يرحل، هذه الأمور تحدث منذ بداية تشكل الوعي الإنساني، ولكنها اليوم تبدو وكأنها الصورة التي تصبغ الحياة اليومية، مجرد أن يتجول الشخص قليلاً في مواقع التواصل الاجتماعي حتى يكون موصولاً مباشرة مع الكثير من المواد الفيلمية والصور التي تنقل مثل هذه الأحداث.
تخيل أنه يمكن أن تنقل احتضار شخص، تعرض لحادث سير وأن ترفعه على الشبكة ليشاهده الملايين، أتذكر أن واحداً من المواقف التي أثرت في نفسيتي لأيام طويلة كانت نفس المشهد في أحد شوارع عمان، وقتها لم يكن الهواتف النقالة تحمل كاميرات، كما لم تكن مواقع التواصل على هذه الدرجة من الشيوع، ولكن لو أن نفس الحادثة وقعت اليوم، فبتأكيد سيشاركني آلالاف في الشعور بالسوادوية والحزن والانقباض الذي شعرت به في ذلك اليوم.
الإعلام الإلكتروني كان يمثل خروجاً للناس من عتمة الأحادية في الرأي، والمساحة التي يجري فيها صياغة الخبر سواء بتضخيمه أو اختزاله بحيث يشكل الرأي العام بأكمله، ولكن المواقع الإلكترونية بدأت تعطي أبعاداً أخرى لأي حدث أو موقف، فمثلاً أثارت المواقع قضية الأطفال اللقطاء، وكانت طفلة لقيطة تشغل معها المجتمع بأكمله لأيام متواصلة، ولكن لم يتوقف أحد على حقيقة أن زيادة في معدل الأطفال اللقطاء لم تطرأ بشكل ينذر بكارثة، كل ما في الأمر أن هذه النوعية من القضايا أصبحت معلنة وموضوعاً للحوار الذي يتصاعد مع وجود الصور والزخم العاطفي الذي توفره.

مواقع التواصل أصبحت نقلة أبعد، واليوم تمضي بالمتلقي إلى أحد طريقين:
الأول: أن يبقى أسيراً من الناحية المزاجية لتقلباتها، ومع وجود موجة من العنف تجتاح العالم من حوله، فإنه سيعاني من الاكتئاب مع الوقت، ويصبح مرتهناً لفكرة العالم المتوحش الذي لا يستحق شيئاً من الاكتراث.
وثانيا: أنه سيصاب مع الوقت، بتبلد تجاه مناظر العنف والدموية والأحزان العمومية التي تتناقلها هذه المواقع ويتبادلها روادها.
وهي الحالة التي يمكن أن تخلق جيلاً من السيكوباتيين الذين يتعاملون مع العنف بصورة روتينية ولا يرونه مشكلة في حد ذاته، وبعضهم يمكن أن يصل للتلذذ بالعنف، من يصورون أنفسهم، ولغايات التحميل على الشبكة، وهم يعذبون كلباً أو قطة، يعرفون أن العنف اليوم أصبح اتجاهاً Trend وأن له أنصاره ومتابعوه وعشاقه.
الرعب والفزع إلى حد كبير هو عدوى سهلة الانتشار، وحتى لو حاول الشخص أن يبتعد عن مصادر الإزعاج والضغط النفسي، فإنه لن يفلت من توتر الأشخاص من حوله سواء في المنزل أو العمل، ولذلك يصدر البعض العنف والدموية والوحشية بصورة متعمدة، فهي إلى حد بعيد تحدث هزيمة نفسية، فالبعض يفقد أصلاً الرغبة في المقاومة ويصبح همه منصرفاً على الهروب وطرائقه، لذلك مثلاً تستثمر عصابة داعش في صور التعذيب والقتل وتنقلها إلى العالم، تثير التوتر وتظهر رجالها في وضعية الأقوى والأكثر صلابة، مع وضع بعض من نظرات الخواء والغيبوبة الذهنية على وجوه الضحايا، هذه لعبة استطاعت أن تتفهم علاقة الشخص مع الكمبيوتر والهاتف النقال، وكيف أن العزلة التي تحاصره بفعله واختياره ستجعله فريسة لفنون جديدة من الرسائل الفكرية والثقافية والسياسية التي لم يعتد عليها في تجربته السابقة مع التسمر أمام شاشات التلفزيون لساعات.
يتغير العالم وشروط جديدة تفرض نفسها على الفرد، بعضها يتسم بكثير من الغموض والتعقيد ويتطلب بعضاً أو كثيراً من سوء النية لتفهم طريقة تفاعله وتطوره وتأثيره، وبالتأكيد، سيتغير الطب النفسي وأدوات العلاج النفسية لتتعامل مع الآثار الجديدة للتكنولوجيا، وربما تكون وسيلة العلاج في حد ذاتها تكنولوجية قبل أن تكون عضوية أو حيوية.الراي
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير